تضيء المواجهات الجارية في "نهم" على زوايا كان يراد لها أن تظل معتمة، رغم أن صحف عالمية سلطت الضوء عليها كالجارديان البريطانية وول استريت الأمريكية. فقد أثار الانقلاب في عدن العديد من التساؤلات حول علاقة المجلس الانتقالي بإيران وانقلاب صنعاء، وما إن كان هو النسخة الحوثية في جنوباليمن. ورغم نفي الانتقالي المتكرر لوجود علاقة تربطه بإيران، إلا أن حرب الأيام الخمسة الفائتة في نهم أخرجت ناشطيه من حالة الكمون والإنكار إلى ما يشبه الاعتراف العلني بالتخادم مع الانقلاب الإمامي، بعد أن تحولوا إلى منصات إعلامية نشطة تعمل مع الحوثي وإيران في وسائل التواصل الاجتماعي. يبدو الأمر كما لو أنه توزيع أدوار بين طرفين لخدمة قضية واحدة، ففي حين تقع مسؤولية المعركة العسكرية ضد الجيش والشرعية على الحوثي، يتكفل الانتقالي وناشطيه بالمعركة الإعلامية ضد الجيش والشرعية. من صدقوا أن انقلاب عدن له علاقة بخدمة القضية الجنوبية، وأنه يستحيل لعيدروس "اليساري" وبن بريك "المدعي للسلفية" بأن يكونا جزءا من المشروع الإيراني، غاب عنهم كيف تفاعلت فكرة السرداب في ثقافة معتنقي أيديولوجية ولاية الفقيه حتى بات لها تطبيقات عدة، ومنها اللجوء إلى وضعية السكون والكمون والتخفي وراء واجهات عديدة. في السابق كان السرداب السياسي المفضل لأدوات إيران هو المكونات اليسارية والأحزاب الشيوعية "بعضها وليس كلها" حيث كمن فيها العديد من الرموز والناشطين المعتنقين لعقيدة "ولاية الفقيه" ونظرية "ولاية البطنين". لكنها اليوم تفضل كما يبدو أن تتخفى وراء شخصيات تدعي الانتماء لتيارات أبعد ما تكون عن فكر ملالي طهران. ففي لبنان استمال حزب الله العديد من الشخصيات المنشقة عن الحركات "السنية" بواسطة المال، وأنشأ معها تحالفات تتجاوز ما تصفه الثقافة السلفية بالثوابت العقدية. ومن يراهنون على "جنوبية" عيدروس الزبيدي يفوتهم أن له تاريخ من العمل مع إيران، مرورا بضاحية لبنان. في تقارير اعلامية مهمة ومستندة الى معلومات موثوقة كشفت عن علاقة تيار الانتقالي بنظام خامنئي التي تعود إلى عقود مضت حين قامت إيران بمنح العلاج لعدد من قادة الحرب والضباط الانفصاليين. التقارير تحدث عن مساهمة لبنان في تعزيز علاقة هؤلاء الضباط بالمؤسسات الايرانية المختلفة "العسكرية والأمنية والمدنية" التي قدمت الدعم للزبيدي في 1996م لتشكيل حركة حتم المسلحة. لم تكن مليشيا الحوثي الجهة الوحيدة التي مولتها ودربتها إيران في اليمن، فهناك كيانات في الجنوب مولتها إيران أيضا كحركة الزبيدي، واستقطبت أفرادها للتدريب العسكري في إيران وضاحية لبنان. يؤكد ذلك تصريحات سابقة حيث أن الكثير من شباب الحراك الجنوبي غادروا اليمن بهدوء للتدرب في إيران، ففي لقاء مع صحيفة الغارديان البريطانية عام 2012م، أوضح قيادي في الحراك "جماجم" كيف جرى لقاؤه مع الإيرانيين في بلدهم والتحضير للتدريبات وكيف تم نقلهم إلى دمشق ثم إلى طهران دون "فيز" أو ختم جوازات في إيران. وكيف عرضت إيران ملايين الدولارات كرواتب للنشطاء إضافة إلى تدريب وتزويد بالسلاح. وهو ما أكده اعتراف أمين عام الحراك الجنوبي قاسم عسكر بذهاب المئات إلى إيران للتدريب العسكري في حديث له مع "وول استريت الأمريكية". الجديد في أيامنا هذه أن المواجهات الجارية في نهم دفعت الانتقالي ليثبت الحقيقة التي طالما أنكرها وهرب منها، حقيقة أنه النسخة الحوثية في جنوباليمن.. والوجه الآخر للانقلاب أيضا. تخطط ايران وتنفذ أدواتها في اليمن فكرة التمزيق والتفكيك بحيث يذهب الحوثي بالشمال ويذهب الانتقالي بالجنوب وتذهب اليمن شمالا وجنوبا الى الحضن الايراني. إن المتابع لما تلوكه السنة قيادات وناشطي الانتقالي حول المعارك الدائرة في نهم يدرك حجم الترابط بين المشاريع الصغيرة، ومثلما وقفت شبوة في وجه الانفصال فإن مارب تقوم بالدور ذاته وهو ما لا يعجب الحوثي والانتقالي ولذا يتعاونون على اسقاطها. لقد خلقت معركة نعم الأخيرة حالة اجماع والتفاف وطني حول الجيش وبطولاته وتضحياته حتى بين الخصوم السياسيين عدا طرفين هما الانفصاليين في الشمال والجنوب، وبمجرد المرور على ناشطي الحوثي والانتقالي في مواقع التواصل الاجتماعي يظهر التشابه الكبير بينهما لدرجة تصل احيانا الى عدم القدرة على التفريق بينهما. وكشف خطاب الانتقالي الذي رافق عملية استهداف الحوثي جنود لواء الحماية الرئاسي بصاروخ بالستي الأسبوع الماضي حجم التشفي وهو ذات الخطاب الذي روجه الحوثيون حتى لكأن المطبخ الاعلامي الذي يرسل لهم الموجهات واحد.