استكمالاً لمقال نحو بناء استراتيجي لثورة 11 فبراير: الواقع والمآل والطموح البعد الإقليمي: إن لموقع اليمن الجغرافي "جيبولتيك"، حيث تموقعها في قلب الوطن العربي (شبه الجزيرة العربية)، الذي يمثل قلب العالم جغرافيا، وصولا لمنطقة القرن الافريقي ، وعلى امتداد ما يربو من 2200كيلومتر في سواحلها، ناهيك على امتلاكها لأهم المضايق العالمية والاستراتيجية" باب المندب" ، واتصاله وترابطه مع البحر الاحمر فالمتوسط والاطلسي، وصولا للبحر العربي والمحيط الهندي ، ومايتخلل كل ذلك من تماس مباشر مع مضيق هرمز وقناة السويس، خصوصا وان اليمن هنا دولة بحرية وبرية معا، اي انتفاء صفة الدول الحبيسة ، هذا كله يعطي لليمن موقعا جيواستراتيجي شديد الحساسية وبالغ الأهمية . لذا اعتبرت الثورة هنا بمثابة تحد رئيس، حيث انتقالها كعلامة للأزمة والمشكل اليمني والوطني ، الى كونها ازمة ومشكل اقليمي ، وعليه ظهرت المبادرة الخليجية ، والتي تهدف بالأساس الى نزع فتيل ومصدر التأزم ابتداء " المبادرة وصالح" املا في الحد من تبعاتها الاقليمية خليجيا جزيريا/ وعربيا ككل . حيث اعتمالات الثورة التي من الممكن ان تتسبب بتهديدات ، واحتمالية ارتداد تلك التأثيرات على الاستقرار السياسي والامني, والاقتصادي والمالي على مختلف الدول المحيطة ، خصوصا وان اللحظة الثورية في جيوسياستها الممتدة في طول الرقعة الجغرافية تعزز ذلك التدخل الاقليمي الحذر. البعد الدولي ------------ - هذا الموقع الجغرافي والجيوسياسي الحاد ، المتقاطع والمتشابك مع مصالح اقليمية ودولية مختلفة، وبقدر تأثيرها على ذلك بقدر تأثرها بتدخلات اقليمية ودولية تحاول التهدئة والميل نحو نزع فتيل كل مصدر للتأزم فيه ، اذ انتقلت الثورة وفقا لذلك من ازمة ومشكل محلي /وطني الى القاء ضلالها على المستويين الاقليمي والدولي معا. فأنتجت التحركات ازائها المبادرة الخليجية والمتعاضدة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم "2014" في تاريخ 21 اكتوبر 2011 ، وهذا هو التجسيد العملي للبعد الثورة في جيوسياسية هذا الموقع الخطير. لذا نلحظ حالة الإجماع المتشكل في قرار مجلس الأمن ذات الصلة ، بعكس القرارات للمشكل عينه في حالات الدول المختلفة كسوريا وليبيا، حيث شهدت الإنقسام الدولي واستخدام حق الفيتو، وصولا للتدخلات العسكرية . ومن الأهمية بمكان هنا هو تسيد الإستراتيجية الغربية ممثلة في الولاياتالمتحدة ومن اليها في مقاربتهم للمشكل الثوري اليمني عبر اقتفائها سياسة التغيير من خلال النخبة التقليدية لليمن ، وهذا ان بدا للوهلة الأولى موقفا لابأس به تجاه اليمن اقليميا ودوليا ، بيد انه في العمق يرفض التغيير بصورته الثورية الراديكالية . بعبارة اخرى محاولة تقنينه وابطائه، وامتصاص الموجة الثورية ، عبر عوامل مختلفة تمثلت بالضغط على رأس النظام واخراجه من المشهد، وإحلال نائبه، في محاولة لإستمالة القوى السياسية التقليدية والممثلة رسميا في النظام الى صف المواقف الإقليمية والدولية واقتفائها كسلوك من ثم، وصولا الى عدم السماح بانهيار النظام او إحلال القوى الثورية .. وغير الممثلة رسميا في بنية وهياكل النظام، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على محاولات امساك العصا الثورية من منتصفها.