الرياضة بمختلف أنواعها، مسألة حيوية، و بالغة الأهمية في إعداد النشء و الشباب . و مع تعدد الفنون الرياضية، و تعدد أنواعها و مجالاتها، إلا أن لعبة كرة القدم ما تزال تتربع الاهتمام الأكبر، و تحظى بالجمهور الأعظم، فهي- كما يطلقون عليها معشوقة الجماهير - تستحوذ على الشريحة الأوسع من هواة الرياضة ممارسة أو متابعة . فمدرجات ملاعب كرة القدم تمتلئ بجمهورها و متابعيها و عشاقها، و ليس بالضرورة، أن كل من بالمدرجات من المتفرجين يمارسون لعبة كرة القدم، بل إن من بينهم من لم يمارسها عمليا، لكنها تستهويهم متابعة و مشاهدة، فهو يؤيدها و يدعمها، و هناك قلة لا تمارسها، و لا تشجعها، و إنما تحضر للمشاهدة للهزء بها والسخرية منها و من لاعبيها.
و هذا النوع من المتفرجين - دائما - يتحول الى منظّر، و مدرب، و إداري، و لاعب من على دكة المشاهدة، أو مدرج المتفرجين، و يكاد ينطبق تماما المثل القائل : ما أحسن الحرب مع المتفرجين، على هذا النوع منهم، الذين ينتقدون كل حركة لهذا اللاعب أو ذاك، و أداء هذا اللاعب في الهجوم الذي لم يوفق بتسجيل هدف، و ربما أوسعه البعض سبا، أو رفض أداء ذلك اللاعب فى خط الدفاع الذي يحملونه كل السلبيات، و شتم ذلك الحارس للمرمى و يحملونه نتيجة المباراة إن خسرها الفريق، فلا ينجو من شتم و تجريح .. و هكذا . و في كل الأحوال ألسنة المتفرجين ، القابعين على مقاعد الفرجة طويلة، لا يكاد ينجو منها لاعب أو مدرب، أو حتى بقية الجمهور، و هو الأكثر عددا، حيث يسلقونه بألسنة حداد . العجب من هؤلاء القلة المتفرجين - من بين مئات الألوف - أنهم بضاعة كلام، و أن السنتهم لا يسلم منها أحد، مهما كانت مهارة اللاعب أو قدراته، فلا يسلم هذا أو ذاك من تلقي قذائف كلامية، و انتقادات ساخرة ، و عبارات لاذعة . و يتأكد لك تماما أن لمقولة : ما أحسن الحرب مع المتفرجين، نصيبا كبيرا في مدرجات هذه القلة من المتفرجين. لكن في المقابل، هناك متفرجون أوفياء لفرقهم، لا يكتفون بمجرد المشاهدة من بعيد، أو بيع ( اللكاعة ) من وراء وراء كأولئك . بل إن هناك متفرجون لهم مساهمات فعالة مع فرقهم، و لهم مساندة مادية و معنوية مع فريقهم، و لدى بعضهم القدرة - أيضا - إذا اقتضى الأمر، أو كانت الحاجة إليهم أن يشاركوا في الأداء على أرضية الملعب إذا تطلب الأمر ذلك. ليس كل الجمهور يقف المواقف السلبية، أو يكون مجرد متفرج، أو من شلل الثرثرة، و تسويق ( اللكاعة ) أو من المنظرين من بعيد لأصول لعبة الكرة، أو ( الأداء الرياضي ) السليم ! نعم، ليس كل الجمهور مجرد متفرج ناقد أو عابث ؛ بل إن هذا النوع من المتفرجين هم قلة في الجمهور الواسع العريض، إلا أنهم مع قلتهم لهم أصوات مرتفعة، و تتوفر لهم دفوف أبواق، و حتى مكبرات صوت، بينما هم في الواقع لا يُقِيمون و لا يُقْعِدون، و لا يخرجون في النهاية بأكثر من الثرثرة و اللكاعة التي هي بضاعتهم الدائمة . و مهما كان لها من تأثير على مشاعر اللاعبين في الميدان، إلا أن الأثر الأكبر و الفعال ، إنما يقدمه ذلك الجمهور العريض الذي يبذل كل جهده في دعم و مساندة فريقه في كل مباراة و في كل ميدان . و لا يبقى من نصيب لتلك القلة، إلا الاسترخاء في مدرجات الفرجة و المشاهدة ، ففلسان حالهم و واقعهم : ما أحسن الحرب مع المتفرجين !!