لا بد لقوى البغي والطغيان، و دول الاستكبار و الاستعمار من ساتر يتمترسون خلفه، و يسترزقون به، و يمارسون البغي و الإفساد في الأرض تحت رايته. كان الاستعمار بالأمس يأتي يمارس صلفه بجبروت ظاهر، و غطرسة مجاهرة، و يفرض جبروته على أي بلد بهمجية مكشوفة ، و وحشية متعالية. يقظة الشعوب تمكنت - بعد كفاح مرير - من طرد الاستعمار الذي خرج مجبرا، و في الوقت نفسه متحسرا و متربصا ، لكنه لم يعدم حيلة في أن يبقى بصورة أو بأخرى في البلد الذي كان يحتله من خلال أدوات تركها خلفه، و تلامذة مخلصين له مستجيبين للعبودية، عملا معا لخدمة المستعمر الراحل بعد أن تدسسوا إلى قلب النظام الجديد تحت شعار الثورة و الثوار. و لذلك نجد أنه و بعد سبعين عاما من حركات التحرر و بواكير الاستقلال، يكتشف الشعب العربي أنه لم يتحقق من أهداف الثورة و الاستقلال غير شعارات مخدِّرة ، فيما الواقع يبقيه في اسفل سلم التنمية ، فلا زراعة و لا صناعة، و لا بنية تحتية صحيحة، و لا سيادة. بدأت الشعوب تتململ، و الاحتقانات تبرز إلى السطح هنا و هناك، ووجدت القوى الاستعمارية أن وسائلها و حيلها القديمة بدت عاجزة عن الاستمرار في أداء أدوارها المرسومة، و حتى طُعم الديمقراطية التي تبنته القوى الاستعمارية، لم يستطع إقناع الشعب العربي ؛ لأن القوى الاستعمارية أبقته تحت سيطرتها، و بيد النظام الاستبدادي العربي، و حافظ عليه كليهما : الاستعمار و الاستبداد مشوها، مزورا، فارغا من أي مضمون حقيقي، خاصة أنهما أدركا أنه رغم السيطرة الكاملة لمسار تلك التجارب الديمقراطية المشوهة، إلا أنها أعطت نتائجها مؤشرات مهددة لمشاريع الاستعمار و الاستبداد، و أن التمادي في توسيع التجربة الديمقراطية، مهما بدت أنها تحت السيطرة، فإنها قد تخرج عن إطار السيطرة، فتنكرت دول الاستكبار لما كانت زعمته من تبني نشر الديموقراطية في العالم !! فكان لابد من أن تجدد القوى الاستعمارية من وسائلها، و كانت نظرية الإرهاب التي ليس لها تعريف و لا حدود، فبإمكان أي دولة استعمارية أن تصم أي حكومة، أو حزب، أو حتى جمعية خيرية، بل حتى الأفراد ؛ بأنها جهة إرهابية. و صار الإرهاب سيفا مصلتا، و تهمة جاهزة يكفي إطلاقها بلا أدنى شبهة من دليل أن تدمر الجهة المتهمة. قوى الاستعمار و الاستكبار ، أكثر الناس معرفة بأكذوبة نظرية الإرهاب، و لكنها الوسيلة الناجعة التي تجعل المستعمر ؛ لا يحافظ -فقط - على مصالحه لدى هذا البلد أو ذاك، و إنما تمكنه من الابتزاز إلى أقصى حد، و الأدهى من ذلك أن هذا يتم باستجابة كاملة، و طلب من الأنظمة المنبطحة للقوى الاستعمارية نظير إبقائها على كراسي الحكم ! لم يقف تململ الشعوب العربية عند حد الرفض السلبي لما آل إليه حال الأمة العربية، و إنما فجر الشعب العربي ثورة الربيع العربي التي فاجأت العالم بعنفوانها و قوتها . تظاهرت الدول الغربية بإعجابها بيقظة الشعب العربي، و هو الإعجاب الذي كان يخفي خلفه السم الزعاف، و الكيد الماكر ، و التربص المبيّت. و بدأ الاستعمار بتحالفه الوثيق مع الاستبداد يكيد لثورة الربيع العربي كيدا، و أخذ يجند المال و الإعلام، و الأسوأ من كل ذلك ورقة الإرهاب، بل و راح يحرك مسميات، و يصطنع تسميات متطرفة و متشددة، يخطط لها و يمولها و يديرها ؛ ليتخذ منها مبررات تمكنه من محاربة الربيع العربي سواء عبر أدواته في المنطقة ، أو القيام بشن حرب مباشرة من قِبله تحت تلك المبررات التي صنعها. مهما تسترت دول الاستكبار و أنكرت دورها العدائي ضد شعوب العالم، فإن جرمها واضح ، و بغيها فاضح . و ظهرت إلى جانب دول الاستكبار و الاستعمار السابقة دول أخرى ، تمارس نفس القذارة . و مع كل ذلك فإن عزمات الشعوب التي أجبرت دول الاستعمار على الرحيل في القرن العشرين، فإن شعوب العالم المستضعف ستجبر كل هذه القوى على الرحيل مجددا . و إذا كانت دول الاستعمار و الاستكبار ظهرت بهذا الضعف و العجز الشديد أمام ( كورونا ) بكيفية لم يكن وراءها بشر، فستكون أضعف و أعجز أمام شعوب ستحشد كل قواها و طاقاتها المادية و المعنوية لإجبارها على احترام حرية الشعوب و حقوقها الإنسانية المشروعة، و ستسقط حيلة التمترس خلف الإرهاب، و ستتعرى للعالم أجمع همجية من يتبنونه و يستغلونه في قتل الإنسان و الحياة !