أكدت الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة التربة حاضرة بلاد الحجرية وبما لا يدع مجالا للشك أن هناك مخططا يجري تنفيذه أو الاستعداد لتنفيذه على قدم وساق، وبرعاية إقليمية، وبتغاض مخز من كافة الأطراف المعنية بالمشهد اليمني، بما في ذلك المنظمة الدولية التي تكتفي بين الحين والآخر بإصدار بيانات قميئة، تفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية، ووضع الأمور في مسارها الحقيقي، وليس ذلك بمستغرب على منظمة هي في حقيقة أمرها صيغة مخاتلة تختفي وراءها أطماع اللاعبين الكبار، الذين اختطفوا قراراتها، وتحكموا في مساراتها، وحولوها إلى شركة ربحية، عابرة للقارات، ليس لها من مهمة غير تنفيذ أجندة مشبوهة لا تمت إلى القيم الإنسانية ومبادى حقوق الإنسان بصلة. وعود على بدء فإن مدينة التربة بل وبلاد الحجرية عموما تقف اليوم على شفا حرب طاحنة، يؤكدها التحشيد غير المسبوق لأطراف تعمل ضد الشرعية ومن داخل الشرعية نفسها، مما ينذر بنتائج سيئة، تضع المشهد أمام عدة سيناريوهات كارثية، تعيد تشكيل المنطقة على نحو يخدم مصالح الأطراف المستفيدين من هذا التحشيد، والتي وجدت في الفراغ السياسي والإداري عاملا مهما في تنفيذ مخططاتها، دون وازع أو خوف من أحد. وأقوى هذه السيناريوهات بل وأقربها يتمثل في فصل بلاد الحجرية عن محافظة تعز، وضمها إلى المنطقة الجنوبية التي خرجت بشكل عملي عن مظلة الشرعية، نظرا لما تمثله بلاد الحجرية من موقع جغرافي هام، يمثل في حالة السيطرة عليه حزام أمان موثوق ومتين، يمتد من عمق الجنوب شرقا إلى ساحل البحر الأحمر غربا، وبالتحديد إلى مدينة المخا التي يراد لها أن تكون مع ما تحاذيه شرقا الحد الفاصل بين دولة جنوبية وأخرى شمالية. أما السيناريو الثاني فيتمثل في خنق مدينة تعز المحاصرة وإطباق الحصار عليها من كافة الجهات، باعتبار الحجرية الشريان الوحيد لتعز ، وبقطع هذا الشريان ترضخ تعز للتسوية السياسية والعسكرية وبأي صيغة كانت، وبذلك يتم إطفاء الشرعية في أهم منطقة من مناطق تواجدها.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في إدخال المنطقة في صراع عسكري حاد، سعيا إلى إنهاك القوى العسكرية فيها، وإدخالها في دوامة صراع بيني، يحيل تماسكها تشرذما، وقوتها ضعفا، ومقاومتها استسلاما، وبذلك يسهل اجتياحها من أي طرف. ولا يستبعد أن تكون هذه السيناريوهات موضوعة على طاولة واحدة، بل وربما كانت سيناريوها واحدا بأهداف متنوعة، خاصة وأن الهدف الرئيس منها جميعا هو القضاء على القوى العسكرية الفاعلة فيها، وتشديد الحصار على مدينة تعز، وإنهاء أي صلة لها بالشرعية. وعلى ذكر الشرعية يبرز إلى الذهن سؤال محير وكبير: أين حكومة الشرعية من كل هذا؟