أفرد التجمع اليمني للإصلاح حيزا كبيرا للشأن الفكري في أدبياته السياسية، وخاصة في نظامه الأساسي باعتباره الوثيقة الأهم في هذه الأدبيات، حيث طرح فيها رؤيته الفكرية بجلاء بيّن موضحا فيها أن مسيرته الفكرية ليست فكرة منْبتّة عن تراث الأمة وحراكها العلمي والإصلاحي، ولكنها وثيقة الصلة بالحركات الإصلاحية في العالمين العربي والإسلامي، وامتداد لجهود المفكرين المجددين في مختلف الأقطار والأمصار وعلى تعاقب القرون، أمثال الإمام المحدّث محمد بن إسماعيل الأمير، والإمام المجتهد محمد بن إبراهيم الوزير، والإمام الأكبر محمد بن علي الشوكاني، والعلامة صالح بن علي المقبلي والإمامين الشهيرين محمد عبده ومحمد أبي زهرة وغيرهم من أعلام الفكر المجددين الذين تركوا بصمات واضحة في مسيرة الفكر العربي والإسلامي. على أن حضور هذا الحزب فكريا لا يمكن الحكم عليه بالنظر في تلك الأدبيات وفي تلك الرؤية بمعزل عن النشاط الفكري الذي خاضه هذا الحزب خلال عقود ثلاثة شهدت اليمن خلالها سجالا فكريا نشطا، باعتبار الفعل الثقافي هو الترجمة الواقعية لمختلف الرؤى والأفكار. وهو المقياس الحقيقي لما قدمه هذا الحزب أو ذاك على الصعيد الفكري خلال مدة معينة. في هذه السطور سنشير في عجالة سريعة إلى قدرة الإصلاح على جعل الحراك السياسي وعاء فكريا محملا بمفاهيم كبيرة وحساسة، استطاع إنزالها على المشهد اليمني بواقعية شديدة، بعيدا عن التجريد والهرطقات النظرية، وذلك من خلال خمس أدوات سياسية ستتحدث عنها هذه السطور كأمثلة من بين عشرات الأمثلة الأخرى التي تضيق بحصرها هذه العجالة. معركة الدستور بالنظر في المسيرة الفكرية للإصلاح يتضح أنه بدأ نشاطه الفكري منذ فترة مبكرة، وذلك قبيل تحقيق الوحدة اليمنية، وبالتحديد في معركة الدستور التي رفع لواءها الإصلاح، وأخضع من خلالها وثيقة دستور دولة الوحدة للنقد والتحليل والمراجعة، فعُقدت في ذلك المناظرات الفكرية بين مختلف القوى السياسية، ومما يُحسب للإصلاح في هذه المعركة الفكرية أنه لم يحصر الحديث فيها على النخب المثقفة فقط، ولكنه أشرك فيها رجل الشارع، حيث حشد المسيرات المليونية المؤيدة لفكرته، واستطاع أن يرسخ في أذهان هذه الملايين عددا من المفاهيم الفكرية التي ماكان لرجل الشارع أن يستوعب منها شيئا لولا هذا الفعل الضاغط الذي أدى في النهاية إلى تعديل هذه الوثيقة بحسب هذه الرؤية، وبذلك يمكن القول أن الإصلاح هنا أنجز فعلا فكريا باقتدار ونجاح.
الانتخابات ثم كانت الانتخابات مضمارا آخر للجمع والتحشيد، ولأن السياسة لا تنفصل عن الفكر في الفعل الواعي؛ فقد استطاع الإصلاح أن يوازيها بحراك فكري شامل شهدت فصوله مختلف المدن والقرى اليمنية من خلال المهرجانات الانتخابية التي أثمرت مخزونا هائلا من المفاهيم الفكرية، قدمها جمع كبير من مثقفي الحزب بخطاب رصين ومقنع أمام الملايين المحتشدة التي تلقفتها بالرضى والمناصرة، ومع أن نتائج هذه الانتخابات لم تكن بحجم الإصلاح الحقيقي نتيجة المخالفات التي رافقتها والتي استفادت منها الأطراف الأخرى إلا أن الإصلاح دون شك كسب هذه الانتخابات فكريا. البيانات والاحتفالات استفاد الإصلاح من مختلف المناسبات الدينية والوطنية في إنزال حزمة كبيرة من المفاهيم الفكرية، من خلال البيانات الوطنية التي أوضح فيها موقفه من كافة القضايا التي استجدت على الواقع اليمني، ومن خلال الاحتفالات الجماهيرية التي أقامها في مختلف المديريات، مشتملة إلى جانب الخطاب الرصين على الأنشودة والمسرحية وغيرها من الوسائل الفنية ترسيخا لرؤى الحزب الفكرية التي تلقتها الجماهير المحتشدة بالاستحسان والقبول. المؤتمرات العامة خلال عقود ثلاثة عقد الإصلاح عددا من المؤتمرات العامة، وهي مؤتمرات تنظيمية في المقام الأول، تنطلق من أسفل الهرم التنظيمي إلى أعلاه في حراك متناغم تخللته الكثير من المراجعات الفكرية، وتنوعت فيه الأصوات داخل الكيان الواحد، وانتصر فيها الحزب لكثير من الرؤى الفكرية المعاصرة مثل حق المرأة في الترشيح والترشح، حيث وصلت المرأة إلى مناصب قيادية هامة، وقدم الإصلاح أسماء نسوية لامعة أثبتت أن الإصلاح هو النصير الفعلي للمرأة وقضاياها المختلفة.
الحوار مع الفرقاء الفرقاء السياسيون ليسوا خصوما.. هذه هي القاعدة الفكرية التي انطلق فيها الإصلاح في مد جسور التواصل والحوار مع مختلف الأحزاب السياسية وخاصة تلك التي في مربع المعارضة. وقد حرص الإصلاح على إنجاح هذا الحوار وتطوير أدواته، فتعدى مراحل التنسيقات الجزئية إلى مرحلة اللقاء المشترك، وبهذا ظهر كيان وطني ينتصر للقضايا الهامة، كمعادل سياسي للحزب الحاكم، وقد نجح الإصلاح من خلال هذا التواصل والحوار إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة عنه التي صورته بأنه حزب منغلق وإقصائي. ومن خلال هذا الكيان رفع الإصلاح راية النضال السلمي لنيل الحقوق كأساس فكري للحراك الشعبي الشامل الذي شهدته اليمن في ثورة فبرير 2011.