بمجرد أن تبدأ عجلة الانتخابات في الولاياتالمتحدةالأمريكية بالدوران؛ يبدؤ الإعلام في العالم العربي على وجه الخصوص بتغطيتها بشكل لافت للنظر تقوم معها القيامة ويثور الغبار. وعلى تعدد مشاربها تقوم القنوات الإخبارية العربية بتغطيات إعلامية ضخمة توحي للمشاهد المتابع بأن ثمة حدث كوني هائل يجري الإعداد له في أروقة البيت الأبيض، سيغير خارطة العالم، وسينتج عنه واقع جديد ومختلف، في كل عواصم العالم وليس فقط في أمريكا التي تؤكد هذه القنوات بطريقة أو بأخرى وضمن رسالتها الإعلامية قطبيتها للعالم وتأثيرها المباشر في كل شؤونه: صغيرةً كانت أو كبيرة. والملفت في تغطية هذه القنوات كلها دون استثناء أنها تطوّع موادهها الإعلامية للمواقف التي تتبناها مع أوضد، ولا يقتصر هذا التخندق الإعلامي على التحليلات السياسية التي تجيّشُ لها أسماء لامعة تنتمي لذات الخندق، وإنما يظهر ذلك في التغطيات الخبرية، حيث تتنوع طريقة تناول الخبر تبعا للرضى والرفض، وتُبرز فيه تفصيلات ساذجة على حساب أخرى جوهرية تمثل أهمية قصوى فيه، وبذلك يضيع جوهر الخبر بين التهوين والتهويل. أما القاسم المشترك بين هذه القنوات فهو أنها جميعا تعطي للحدث أهمية أكبر من حجمه، وتصوره على أنه منعطف خطير في حاضر العالم، فهذه تؤكد على أن بقاء السابق أجدى، لأن هذا البقاء سيمكنه من استكمال الخطوات الجبارة التي بدأ العمل بها خلال الفترة السابقة وسيخسر العالم كثيرا بذهابه، وتلك تؤكد على أن القادم أجدى لأن مجيئه أصبح ضرورة قصوى لأمريكا نفسها وللعالم ككل وستكسب الدنيا كثيرا بمجيئه، وتنسى هذا المنصات الإعلامية أن اللاحق لن يختلف عن السابق إلا شكليا، أما جوهر عملهما فواحد، بل وربما كان السابق واللاحق ليسا سوى حلقتين في سلسلة متعددة الحلقات، وُضِعت خططها وبرامجها منذ عقود، وتوالى على تنفيذ ذات البرنامج رؤساء عديدون، ولعل مصطلح (الإدارة الأمريكية) أصدق توصيف لسدة الحكم في أمريكا، حيث أن من أهم مقتضيات العمل الإداري هو التخطيط البعيد، متبوعا بالتنفيذ المزمّن، تحت رقابة مؤسسات دستورية يقظة وإعلام شفاف، وبالتالي فلا فرق البتة بين أن يمضي زيد أو يأتي عبيد. أما حصادنا نحن العرب من هذه الانتخابات فسيبقى هو.. هو.. سواء حمله إلينا فيل أو حمار أو حتى قرد أعور، مادمنا عاكفين على ترجِّياتنا الواهية في مربع التبعية المقيتة، وسوف تتتابع السلسلة: حمار بعد فيل وفيل تلو حمار، ونحن.. نحن.. تطحننا الخيبات المتوالية، نرمي بأبصارٍ مقرّحة كَمِدَة إلى البعيد البعيد، بانتظار فرج لن يأتي.. ولا عزاء للمتفائلين.