توفى أمس الخميس في القاهرة الدكتور كمال قاسم غالب.. شخصياً لا أعرف الدكتور كمال ولو أنني ذات يوم اتصلت به تلفونيا وأنا في صدد البحث عن سيرة والده العالم والثائر قاسم غالب ولسوء حظي لم يتم اللقاء. أصدقاء الدكتور كمال ومن يعرفونه يثنون عليه ويصفوه بالخيرية والتواضع الرفيع والعطاء المثمر عليه رحمة الله وكيف لا وهو امتداد لقامة علمية ووطنية اسمها قاسم غالب. وبمناسبة رحيل الدكتور كمال يكون من الوفاء والواجب التذكير بوالده الذي كان أبا ومعلما لكل الشعب اليمني والذي يبدوا أننا كشعب تصرفنا معه تصرف العاق بتجاهل سيرته وأمثاله كثر. ربما يكون هذا التجاهل لقامات الثورة والجمهورية وتغيبهم عن الأجيال ليس بريئا خاصة وقد تجلت حجم المؤامرة الممنهجة على الجمهورية والثورة من القريب والبعيد وطبيعي هنا أن تكون ذاكرة الشعب ورموزه أول المستهدفين. وأيا كان فمن المعيب أن يكون هذا الاسم مجهولا في اليمن ومن العيب أن لا يعرف أبناء تعزواليمن عموما من هو قاسم غالب فالرجل من كوكبة زعماء اليمن الكبار الذين قادوا عملية التحرير والتنوير ومن الرواد الأوائل لثورة 26 سبتمبر. سجن في سجن الإمام أكثر من 12 عاماً بسبب نشاطه العلمي ومطالبته بالتطوير وبرفع الظلم على الناس. اثر خروجه من السجن هرب إلى عدن ومن هناك وجه رسالته الأولى إلى الأمام انتقد فيها الظلم وطالبه بالشروع بالتغير وتطوير التعليم ودعم الزراعة والإنتاج بدلا عن تجهيل وقمع الشعب ساهم بفاعلية بالكتابة والخطابة والتدريس من أجل خلاص الشعب من ثالوث الجهل والفقر والمرض، (ثالوث ) كان بمثابة برنامجا سياسيا للإمامة، أو أكثر من ذلك وصية عقدية. كان قاسم غالب يرى أن التعليم هو بوابة هذا الخلاص فعمل على نشر العلم وتأسيس المدارس وحواضن التوعية في مسيرته النضالية.
كان الأستاذ قاسم غالب أحد مقربي عالم الجزيرة محمد بن سالم البيحاني ومعا كافحا الجهل في مساجد عدن ومدارسها. درس في الكثير من معاهد ومدارس عدن كصاحب مشروع ثوري ورسالة وطنية. ساهم مع البيحاني بتأسيس معهد النور الشهير بعدن كما ساهم بتأسيس مدارس أخرى وارتبط. بصلات وثيقة مع قادة الثورة ورواد التحرير ومنهم شيخ الأحرار اليمنيين عبد الله الحكيمي. بعد ثورة 26سبتمبر عاد إلى تعز وكعادته اتجه إلى نشاط التعليم والتثقيف والتوعية وأسس في هذه الفترة المركز الإسلامي بتعز الذي سلم إدارته إلى الطالب العائد من القاهرة عبد محمد المخلافي الذي كان يرى فيه تلميذا نبيها وقائدا مقتدراً ومميزاً. ولدوره في عملية الثورة ومكانته العلمية عين قاسم غالب وزيرا للتربية والتعليم بعد قيام الثورة وكان من أوائل من أسسوا التعليم في الجمهورية واستحق لقب أبو التعليم. قاسم غالب من أبناء تعز (المدينة ) وكانت دراسته الأولى في زبيد عندما كانت زبيد منارة للعلم وقلعة العلماء. اليوم لا أحد يعرف من هو قاسم غالب ولو كان في بلد آخر لرأينا اسمه وسيرته في المناهج المدرسية كنموذج وصورة من صور الوفاء الوطني أو ربما انتصب تمثاله في كبرى مدارس الجمهورية. إجلالا للتعليم وتخليدا لكفاحه العلمي ولتحفيز الأجيال للحصول على العلم وتطويره. لا يوجد لدينا أرشيف وطني وذاكرتنا الوطنية مثقوبة للأسف، وهي إحدى نقاط الضعف التي أصابت النظام الجمهوري ودولته وقيمه في مقتل. ونحن نخوض اليوم معركة الجمهورية الثانية والملحمة الأهم لمواجهة الخرافة والجهل والاستعلاء العنصري من أجل حرية الشعب وإسقاط كابوس الإمامة السلالية وإذابة قيود الاستبداد وقواعده عن طريق النفير الشعبي العام وراء الجيش الوطني في كل الجبهات القتالية، يكون من الواجب إعادة الاعتبار لنضالات الآباء سياسيا ثقافيا وفنيا وعلميا والوقوف امام ارث سبتمبر ورموز الجمهورية، وعلينا اًيضاً واجب توثيق ملاحم الشعب في الامس واليوم. علينا فعلا العمل على ترميم الذاكرة بل تأسيس وعاء سليما وصحيا للذاكرة الوطنية والتاريخ اليمني. وذلك حتى لا يذهب كفاح الشعب هدرا و لكي نبني على تراكم النضال والتضحيات وطنا محصنا من اختراقات الاوبئة وتسلل الأحقاد التاريخية المدمرة من الأبواب الخلفية والبوابات المفتوحة للريح الاحمر والهوارش ولصوص الأوطان. رحم الله الأستاذ القائد والمعلم قاسم غالب ورحم الله ولده الدكتور كمال قاسم غالب الذي مات بصمت وغصة، غصة يحملها اليوم كل يمني.