ليس بالإمكان أحسن مما كان، تلك هي عقلية من ألف الجمود، و رضي بالعيش بحدود أن يعيش و لو على هامش الحياة؛ و على أي حال كان . للتغيير ثمن و كلفه، و ضريبة لا بد من دفعها : تريدين إدراك الأماني رخيصة و لا بد دون الشهد من إبر النحل و المنتفعون و العجزة أبعد ما يكونون عن تحمل أعباء التغيير و متطلباته. عندما أودت ثورة السادس و العشرين من سبتمبر المجيدة بنظام الإمامة، راحت فلول الملكية تحاول العودة إلى الحكم بكل الوسائل و الطرق، و تستنجد بكل من يمكن أن يقف معها من الداخل و الخارج، و قاد فلول الملكية حربا شعواء ضد الثورة و النظام الجمهوري لأكثر من خمس سنوات . و قد وجد الملكيون - حينها - من يدعمهم بالمال و السلاح، و حتى بالمستشارين العسكريين الأجانب من الأمريكان و الإيرانيين، و بعض دول أوروبا، خاصة ممن كان لهم حضور كبير - إلى جانب الملكيين - إبان حصار السبعين، و هو حضور ماكان ينافسه في الحجم إلا جنيهات الذهب التي استطاعت شراء بعض الذمم . و خلال تلك المواجهات التي امتدت لأكثر من خمس سنوات، كان الإرجاف الإعلامي، و البلبلة المغرضة، ضد الثورة و الجمهورية له حضور هو الآخر، و كما هو حال أولئك المتباكين اليوم، كان هناك متباكون بُعَيْد ثورة السادس و العشرين من سبتمبر، و كثيرا ما راح المنتفعون بالحكم الإمامي يرددون : رعى الله أيام الإمام ... !! كانت الثورة تواجه في الجبهات، و تنشر المدارس - بعد حرمان - في المناطق، و يشهد المجتمع متغيرات مفصلية، و مع ذلك بقي العبيد يرددون : رعى الله أيام الإمام ! نسي هؤلاء أو تناسوا أولئك المشردين من أهاليهم في المهاجر و المنافي بسبب الحكم الإمامي الكهنوتي الظالم، فما من قرية إلا وفيها عشرات المشردين ، لكن نفسيات العبيد - دائما - تحن إلى ما ألفته من بؤس و مهانة. لم يكن المتمصلحون من الإمامة وحدهم من يتوجع، أو يبلبل ؛ حتى آخرين من غيرهم ممن قعدت بهم هممهم ، فلم يكن لهم دور في مناصرة الثورة و الجمهورية، أخذتهم الغيرة بسبب عجزهم فراحوا - بدلا من أن يصمتوا على الأقل - راحوا يبلبلون مع العبيد و المتمصلحين حسدا من عند أنفسهم . و ما أشبه الليلة بالبارحة ! بعد مغادرة آخر جندي بريطاني عدن مع الاستقلال المجيد، و نكثت الحكومة البريطانية بوعدها بتقديم مساعدة للدولة الوليدة، و تعرضت البلاد لضائقة اقتصادية، راح هناك من يردد : سلام الله على الانجليز، بل كثيرا ما كان يوصف العهد الاستعماري بأيام العز !؟ و هكذا بعد كل ثورة تغييرية ، و تعرض هذا البلد أو ذاك لثورة مضادة، يقودها منتفعو النظام البائد، يظهر قطيع العبيد، و يظهر معهم أصحاب الهمم الرخوة ممن يتمنون أن يكون لهم دور رجولي أو بطولي في ثورة التغيير، لكن هممهم لا تنهض بهم، فيىذهبون للبلبلة مع زمرة العبيد و المنتفعين و المتمصلحين، ضد الثورة و ضد التغيير، ممن تذهب أنفسهم حسرات على ما يسمونها : أيام العز ، و هو يعيش تحت بيادة الجندي المستعمر ، أو رعى الله أيام الإمام و هو الذي يعيش أسوأ أوضاع الحياة، فيما كثير من أهله في الشاتات وحياة التشرد في المهاجر و المنافي، و عنادا و جهلا ، و عبودية، يردد : سلام الله على تلك الأيام. هذه النوعية من النفوس، لا يخلو منها مجتمع، و لا تخلو منها أرض، و سيظلون يبكون و يئنون، و يتوجعون ، حتى من كل نسمة هواء، و زخة حرية ! إنها نفوس ألفت العبودية، و استسلمت للظلم و الظلام . و ليس هناك إلا أن تمضي المسيرة، و تسير القافلة غير عابئة بنباح يصدر من هنا، أو عواء يأتي من هناك .