الكتاب ليس ترفا زائدا، ولا مقتنى كماليا، ولا بُغية يمكن تأجيلها.. إنه بالمختصر المفيد إعلان وجود، وعلامة يتميز بها الأحياء عن موتى دفنوا في أجسادهم بعيدين عن نسائم المعرفة وأنسام الوعي. هذا ما تقوله الحضارة الإنسانية منذ أن بزغت شمسها في أرجاء المعمورة، إذ جعلت من الكتاب دليل رقي ورائد نهضة، ورفيقا مصاحبا يعلن حضوره في دنيا الناس ألوانا من الحكمة، وإشعاعا من الإبداع، وحياة صافية راقية تليق بالإنسان سيد الأرض. وللكتاب في حياة المسلمين حضور محوري باذخ منذ مفتتح الرسالة ب(اقرأ) وحتى استوت في حياتهم في (ذلك الكتاب لا ريب فيه)، وحين استقام صرح الحضارة الإسلامية بزغ الكتاب فيها أسفار علم وإبداع ودواوين شعر يدون للأجيال مشاعر الإنسانية أفراحا وأتراحا وصور عيش ومسيرة حياة. هذا ما قالته تعز مؤخرا وهي تصدر كتابها (عطش الغيوم) تلم فيه شتات أكثر من ستين شاعرا شردت بهم الحرب وفرقهم بعد السبل، فآوتهم بهذا الكتاب إلى ربوة ذات قرار مكين. أشرقت تعز كتابا جميلا رغم حصارها وخذلانها وتجلت في كوكبة زاهية من الشعراء، يغنون للحياة، ويبسمون للأمل، ويؤكدون على أهمية حضور الكتاب في مختلف الظروف والتقلبات، ذلك أن الوعي مطلب أساس للحياة، بل هو الحياة ذاتها بكل أغوارها وتفاصيلها، ولم تجن الأمم ماجنته من مصائب وكوارث إلا حين انطفأ الوعي وشُرِّد الكتاب، فأصبحت بذلك مضمارا للخصومة، ومسرحا للقبح، وتمشّت فيها رياح البِلى والإندثار.. فتحية لتعز وهي تسقي عطاش الغيوم، تحية لها وهي تتوج الكتاب وتتزيا الوعي وتمتشق المعرفة وتغني رغم الجراح المثخنة بصوتها الحالم الجميل: والشجاع الشجاع عنديَ من أمسى يغني والدمع في الأجفانِ