كما ذكرنا بالحلقة السابقة ان الزكاة شرعت بنص قرآني واضح من أهميتها أنها كانت الركن الثالث من أركان الإسلام , وقرنت بالصلاة في اغلب آيات القران الكريم وهنا نسلط الضوء على عدد من المحاور التي تدور في فلك الزكاة مقاصدها وغاياتها. شروط الزكاة إنّ من أهمّ الشروط التي يجب أن تنطبق على المال الذي تجب فيه الزّكاة، ما يلي: أن يكون المال مملوكاً لمعيّن,و تكون مملوكيّته مطلق، أي كونه مملوك, ويكون نامياً وزائداً عن الحاجات الأصليّة , ويمرّ عليه الحول. وأن يبلغ النّصاب، فالنّصاب في كلّ نوع من أنواع المال يكون مختلفاً.وأن يكون سليماً من وجود المانع، مثل أن يكون عليه دين ينقص من النّصاب. مصارف الزكاة إنّ أهل الزّكاة هم الجهات التي تُصرف فيها الزّكاة، وقد بينهم الله عزّ وجلّ في قوله تعالى:» إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «، التوبة/60.. ومصارف الزّكاة ثمانية أصناف وهي: الفقراء: والفقير هو من لا يجد من كفايته إلا شيئاً قليلاً أقلّ من النّصف، فلو كان الشّخص لا يجد ما ينفقه على نفسه وعلى عائلته مقدار نصف سنة فهو فقير، ويُعطى ما يكفيه هو وعائلته قدر سنة. المساكين: والمسكين هو من لا يجد من كفايته النّصف فأكثر، ولكنّه لا يجد ما يكفيه سنةً كاملةً، فيكمل له نفقة السّنة، ولكن في حال لم يكن لدى الرّجل نقود، ولكن لديه مورد آخر، مثل: حرفة، أو راتب، أو أي شيء يستغلّ، فإنّه لا يمنح من مال الزّكاة، وذلك لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم:» لا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب «، سنن أبي داوود. العاملون عليها: وهم من توكل الدّولة إليهم جباية الزّكاة من أهلها، وإيصالها إلى مستحقّيها، فهم يعطون من الزّكاة بقدر عملهم حتّى وإن كانوا أغنياء. المؤلفة قلوبهم: ويقصد بها رؤساء العشائر الذين لا يكون إيمانهم قويّاً، فإنّهم يعطون من الزّكاة حتى يقوى إيمانهم. الرّقاب: يدخل في هذا الباب شراء الرّقيق من أموال الزّكاة، وإعتاقهم، وفكّ الأسرى، ومعاونة المكاتبين. الغارمون: وهم الأشخاص المدينون، وذلك في حال لم يكون لديهم ما يوفون به ديونهم، وبالتالي يعطون من أموال الزّكاة ليسدّوا ديونهم سواءً أكانت قليلةً أم كثيرةً. في سبيل الله: ومعنى ذلك أنّ المجاهدين يعطون من الزّكاة قدر ما يكفيهم لجهادهم، ويشترى من أموال الزّكاة آلات الجهاد في سبيل الله تعالى. ابن السّبيل: وهو من كان مسافراً وانقطع به السّفر، فهو يعطى من الزّكاة ما يوصله لبلده. نصيب مصارف الزكاة إنّ لكلّ مصرف من مصارف الزّكاة نصيباً على سبيل الإجمال على الشّكل التالي: يدفع لكلّ صنف من مصارف الزّكاة ما تُدفع وتُقضى به حاجته من غير زيادة، فمثلاً يُعطى ابن السّبيل ما يبلغه ويصل به إلى بلده، ويعطى الغازي ما يكفي لغزوه، ويعطى العامل بمقدار أجر عمله. يأخذ ثلاث أصناف أخذاً مستقرّاً، وبالتالي فلا يُراعى حالهم بعد الدّفع، وهؤلاء هم المساكين، والفقراء، والمؤلفة قلوبهم، ، فمتى ما أخذوا الزّكاة فإنّهم قد ملكوها ملكاً دائماً، ولا يجب ردّها بأيّ حال من الأحوال. يأخذ أربعة أصناف أخذاً مراعىً، وهم الغارمون، وفي الرّقاب، وابن السّبيل، وفي سبيل الله، فإنّهم إن صرفوه في الجهة المستحقّة لأجلها، وإلا فإنّه يسترجع منهم. يأخذ أربعة منهم مع غناهم، وهم الغزي، والعامل، والمؤلّف قلبه، والغارم للإصلاح، وذلك لأنّهم يأخذون لحاجة المسلمين إليهم. يأخذ من اجتمع فيه سببان للزكاة بكلّ واحد منهما منفرداً، مثل الفقير الغارم، حيث أنّه يعطى ما يقضي دينه، ثمّ يعطي ما يسدّ حاجته به ويغنيه. من المستحبّ صرف الزّكاة للمحتاجين من الأقارب، والذين لا تلزم نفقتهم صاحب المال. فوائد الزكاة على المجتمع للزكاة فوائد كثيرة تعود على المجتمع ككلّ بالنفع والفائدة، ومن فائدتها أنّها تفي بحاجة الفقراء، والذين هم في الغالب ما يكونون هم الغالبية الأكثر في المجتمع للأسف، فلا يضطرون إلى ذلّ أنفسهم ليحصلوا على لقمة العيش لهم ولأبنائهم. كما أنها أي الزكاة تقوّي المسلمين وترفع من شؤونهم، فقد كان للمجاهد في سبيل الله حصّة من أموال الزكاة هذه،وبذلك فهي تحضّ على الجهاد وتشجع عليه، ممّا يزيد من رفعة الإسلام وتقوية شوكته. عندما يزكّي الغني ويعطي من أمواله للفقير فإنّ ذلك أدعى بأن ينزع الحقد والضغينة في قلب الفقير والمحتاج، فيعلم الفقير أنّ الغني مسانداً له وعوناً له، وأنّه لا ينظر إليه بعين الاستعلاء، وهذا يزيد من الحبّ والمودة بين الناس. وفي الزكاة بركة في الأموال وسعة، وهذا له تأثير كبير على الناس بشكل أعمّ، فإن زادت الأموال المبارك بها كان لذلك تأثير واضح على الدولة، من خلال زيادة الاستثمارات وزيادة قوّتها الاقتصادية والسياسيّة، وما إلى ذلك. وفي أداء الزكاة وتوزيعها بطريقة شرعية لمن يستحقها درء لكلّ جرائم المجتمع، كالسرقة، والنهب، والقتل، فلا يجبر الفقير على السرقة ليحصل على قوت يومه، أو قطعة خبز تسدّ جوعه. لو ربطنا ما بين من تجب لهم الزكاة وفوائد الزكاة وتأثيرها على الفرد والمجتمع ككلّ، لوجدنا أنّ الزكاة تجب على نوعين من الناس، أشخاص يحتاجون إلى إخوانهم المسلمين ليساندوهم في هذه الحياة الصعبة، ومنهم من تجب عليه الزكاة يحتاج إليهم المسلمين، وأقصد بذلك المؤلفة قلوبهم، والمجاهدين في سبيل الله، فالمؤلفة قلوبهم هم كما ذكرت من نريد أن نحبب إليهم في الإسلام، وقد يكونون زعماء أو شيوخ مؤثرين على الكثير من الناس التابعين لهم، وهذا بدوره له تأثير كبير جداً، وكذلك المجاهدون فإنّهم من يعزّ الإسلام ويدافعون عن حماه، فنعطيهم الزكاة ليتفرّغوا لحماية المسلمين من كلّ شرّ وأذى. الغاية من تشريع الزكاة نيل الأجر والثواب وتحقيق رضى الله تعالى, والتقرب إلى الله بأداء ركن من أركان الإسلام, شكر الله تعالى على نعمة المال, طاعة الله عز وجل والامتثال لأمره وتطهر نفس المزكي من البخل والطمع والشح، تطهر نفس الفقير من الحقد والحسد والإحساس بالحرمان, وغرس بذور المحبة والألفة بين الأغنياء والفقراء, تحرير النفس من عبودية المال ,تحقيق التكافل والتضامن بين طبقات المجتمع وأفراده وضمان العيش الكريم لهم وتحقيق الامن الاجتماعي للفئات المعوزة, حل الأزمات والآفات الاجتماعية مثل التسول والفقر, والقضاء على الفوارق الاجتماعية التي تسببت في انتشار الجرائم وصيانة المال وتزكيته والمباركة فيه واستثمار المال وإخراجه من دائرة الركود إلى دائرة الإنتاج ,رفع مؤشر التنمية الاقتصادية. الأهداف التنموية لكي تحقق الزكاة أهدافها التنموية، لا بد من توفر عدة شروط أهمها: أن تشرف الدولة على جمع الزكاة وصرف أموالها, أن تعطى لمستحقيها الشرعيين (الأصناف الثمانية المحددين بنص القرآن)، وتعطى ابتغاء وجه الله ومرضاته، واستجابة لأمره،لا لمصلحة أو منفعة أو مقابل خدمة, وأن تعطى للمستحق العاجز بما يكفيه طول السنة، بصفة دورية أو شهرية خوفا من سوء التصرف فيها, وأن تعطى للمستحق القادر على استثمارها دفعة واحدة فيتحول من عضو مستهلك إلى منتج.