السلطان الذي لا ينفذ مقتضيات الولاية أو لا يفي بعقد الخلافة أو لا يؤدي حقوق الأمة أو لا يعدل في الرعية أو لا يلتزم بحماية مصالح شعبه، أو لا يراعي واجباته تجاه أمته، هذا الوالي أو هذا الرئيس هو في حقيقة الأمر الذي خرج على الأمة ونقض عقد العقود (عقد الرئاسة)، وليست الأمة هي التي خرجت عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ويقول: (إنما الطاعة في المعروف) والبقاء تحت طاعة الظالم هو طاعة في معصية أو طاعة في منكر والقول بعدم الخروج على الوالي الظالم معناه أن تستمر الأمة في طاعة الظالم بالمنكر. والعدل على رأس واجبات الرؤساء، ولن يتم العدل إلا بالخروج على الظالم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وإن طاعة الولاة بالمنكر هو من المعاصي الكبيرة . والقول بعدم الخروج على الظلمة هو تشجيع كبير على تكريس المفاسد العامة واستمرارها، بل هو وقوف مع الظلمة، ونحن منهيون عن طاعة الظلمة ومنهيون عن أن نكون دعاة للدفاع عنهم وعن أعمالهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم، ومنهيون عن التغاضي عن حقوق الرعية المهدرة في ظل ولاية الظلمة. إن تشجيع الظلمة يؤدي و العياذ بالله إلى الوقوع في سخط الله تعالى وعذابه قال تعالى:(قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ (67))-الأحزاب، فهذه الآيات الكريمة واردة في الرضى بظلم القيادات الكبرى من الولاة والرؤساء أو في تشجيعهم على ممارسة الفساد أو استمراره. فرسولنا صلى الله عليه وسلم يحذرنا بقوله فيما معنى الحديث: ( كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر.. لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم)، وقوله: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وإن اخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا). فقواعد الأصوليون والمحدثون الفقهية نجد أن منهجية هؤلاء العلماء تعلن ضمن قواعدها أن أي حديث يناقض صريح القرآن الكريم، أو يناقض ظاهر القرآن العظيم فإنه مردود في منهج المحدثين والأصوليين الفقهاء، ومن ضمن قواعدهم المنهجية أي حديث يروج لرذيلة أو فاحشة فإنه مردود ولو صح سنده في قواعد التحديث وأي رذيلة أفحش من جريمة الظلم، فالظلم أخطر من الكفر، وكذلك من قواعدهم المنهجية أي حديث يناقض الوقائع أو يناقض العقل فإنه حديث مردود. فنحن حينما نبايع الحكام في دنيانا فإننا لا نبايعهم إلا على قيادة دنيانا، وحفظ حقوقنا ومصالحنا الدنيوية، أي اخترناهم ليقيموا العدل بيننا في الدنيا، ولم نبايع الولاة والرؤساء على أن يأخذوا بأيدينا و يدخلونا الجنة، أو يحمونا من دخول النار أو ينتصفوا للمظلومين من الظالمين يوم القيامة ! فمهمة القادة السياسيين هي هنا في الدنيا فقط لا غير، فلا نحتاج إلى قضائهم وحمايتهم لمصالحنا في الآخرة، فالآخرة قضاء ومحاسبة وانتصافا وحماية وعدلا وأمانا هي بيد الله عز وجل، قال تعالى: (وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (47)- الأنبياء . أما إيمانهم وصلاتهم في الدنيا فهي لهم وحدهم، وكل ما يهمنا في حياتنا الدنيا هو عدلهم وحمايتهم لمصالحنا وما صلاتهم أو إيمانهم بنافع لنا، بل الذي يهمنا حسن تعاملهم مع رعاياهم وإقامتهم للقسطاس المستقيم. إن القرآن الكريم حين يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)- النساء، إنما يقصد أولئك القادة العادلين الأمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. ولا شك أن المستبدين والظلمة ليسوا من الأمة بأي حال من الأحوال، فالذي لا يحمل مشاعر شعبه ولا يحس بمآسي رعيته، ولا يشاطر شعبه بأوجاعهم واحزانهم ولا يشعر بجسامة مسؤوليته تجاههم فإنه ليس منا، وإذا فتفسير قوله تعالى: (وأولي الأمر بأن (منكم) تحمل مجرد الانتساب للإسلام فقط دون أخلاق فاضلة وسلوك حسن وعلى رأسه العدل والإنصاف، إن هذا التفسير الخاطئ، ولا يمت إلى نصوص الإسلام ومبادئه العامة، ومقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، لا يمت إليها بأي صلة على الإطلاق! ومقطع سورة النساء الوارد في قصة طعمة وابن الابيرق صريح في أن أسمى هدف للرسالة الإسلامية هو إقامة العدل واجتناب الظلم و الطغيان يقول الله تعالى: (إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيما (105)- النساء. و(الخائنين) هنا في الآية هم الظلمة والمعتدون على حقوق الناس والآخذين لها بالباطل وكلمة (بما أراك الله) معناها أن تحكم بالعدل، ومن يقرأ هذا المقطع القرآني يقشعر له جلده خوفا من الوقوع في الظلم، أو من الدفاع عن الظلمة (هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109))- النساء إلى آخر ما ورد من تحذير لمن يدافع عن الظلمة . رغم أن المظلمة الواردة في تفسير الآيات العظيمات هي مجرد طعام أتهم به اليهودي ظلما، والمتهم له منتسب للإسلام فما هو الجزاء المترتب لأعلى الجرائم الجسام التي لا تعد ولا تحصى في حق الشعوب والأمم لا شك أن الأمر أخطر وأدهى و أمر! فالعاقل الذي يدين بهذا الدين لا يقع تحت طائلة الدفاع عن الظلمة أو المجادلة عنهم أو موالاتهم ومناصرتهم.