تسلمت الخارجية الألمانية من الخارجية الأمريكية رسالة عاجلة جدا وسرية للغاية تحتوي على تشخيص واضح ومؤكد للأوضاع الداخلية الخطيرة في اليمن ومن جانبها قامت الخارجية الألمانية بإرسال نسخ من محتوى تلك الوثيقة بشكل سري وعاجل إلى أكثر من جهة ألمانية. تلك الوثيقة يمكن اعتبارها ضمن الوثائق الأكثر أهمية وإثارة في تاريخ اليمن كونها تعتمد على مصادر موثوق بها وتتحدث بشكل واضح وصريح عن الأوضاع الداخلية في اليمن في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وتكشف عن أسرار لم تكن معروفة من قبل . وترجع أهمية تلك الوثيقة إلى أن ما تحتويه من معلومات صادرة من الإمام نفسه ومن العاصمة تعز فقد حذرت بكل وضوح من حدوث انهيار سياسي واقتصادي واجتماعي شامل في اليمن وانتشار الفوضى وخروج البلاد عن سيطرة الإمام وما سيترتب على ذلك من نتائج من بينهما سقوط الدولة إذا لم تحصل اليمن على مساعدات سريعة عاجلة وكافية من الدول الغربية . تنسيق أمريكي - ألماني ومن واقع تقرير سري جدا كتبه دبلوماسي ألماني كبير تحدث فيه عن مكالمة تلفونية تلتها زيارة رسمية ومحادثة مطولة جرت في يوم واحد في مبنى وزارة الخارجية الألمانية بين ذلك الدبلوماسي المختص بشؤون اليمن مع الدبلوماسي الأمريكي برسيفال من السفارة الأمريكية في بون الذي ذكر انه جاء بناء على تعليمات خاصة صدرت إليه من الخارجية الأمريكيةبواشنطن لتسليم الألمان تقريرا مهما به معلومات سرية جدا عن اليمن المرفوع إلى واشنطن من قبل القائم بالأعمال الأمريكي في تعز, وأن المصدر الرئيس لتلك المعلومات هو شخص مهم جدا وله نفوذ كبير ومقرب من الإمام أحمد الذي بعثه شخصيا لتوصيل تلك الرسالة السرية إلى الحكومة الامريكية عن طريق سفيرها في تعز واطلاعها على ما وصلت إليه الأوضاع وأن اليمن تعاني من كارثة اقتصادية ومالية حقيقية بسبب قلة المحاصيل الزراعية خلال السنوات الماضية وغيرها من الكوارث الطبيعية, مؤكدا أن خزينة الدولة قد أصبحت فارغة تماما, وإذا لم تحصل الحكومة اليمنية على مساعدات مالية سريعة من الدول الأجنبية لن يستطيع الإمام أن يضمن الهدوء ويحافظ على النظام في البلاد وتحت هذه الظروف القاسية قرر الإمام التقدم بطلب مساعدة مالية من الحكومة الأمريكية. وبناء على ذلك بعث المفوض الأمريكي في تعز ببرقية خاصة إلى واشنطن فكان رد حكومته الموافقة التي تفيد أن أمريكا مستعدة من حيث المبدأ ان تقدم لليمن مساعدات اقتصادية وتقنية ولكن ذلك الوعد لا يختلف كثيرا عن الوعود التي عرضتها أمريكا على الإمام في مفاوضات سابقة تم تعليقها ومفادها أن الحكومة الأمريكية غير مسموح لها تقديم مساعدات نقدية لدعم ميزانية الدول ولكنها مستعدة لمساعدة اليمن بكميات كبيرة من القمح والدقيق الأمريكي مجانا وأنها ستقوم بتكرار تلك المساعدة عند الحاجة. وكان الكونجرس الأمريكي قد أصدر قرارا يمنع هيئة التنمية الأمريكية في الخارج (النقطة الرابعة) من تقديم أي مساعدات مالية او نقدية لدعم ميزانية الدول . ومما يدل على أهمية الموضوع أكد برسيفال للخارجية الألمانية أنه سوف يعود إليها مرة ثانية لمعرفة ما سيتم اتخاذه من قبل ألمانيا حول الموضوع الذي جاء من أجله بعد ان تنتهي زيارة سيف الإسلام عبدالرحمن مع الوفد اليمني المرافق له إلى بون . وفي نهاية التقرير ذكر المسؤول الألماني انه قد أطلع الدبلوماسي الأمريكي على كل التفاصيل التي يعرفها حول ما دار من حديث بين الألمان والوفد اليمني أثناء تواجد سيف الإسلام عبدالرحمن في بون في الثاني من نوفمبر 1959م مع الوفد المرافق وهكذا فإن ما جاء به التقرير يثبت من غير شك إلى أي حد كان التنسيق والتعاون قويا ومنظما بين أمريكاوألمانيا الاتحادية آنذاك في نطاق التنافس الدولي عامة وعلى اليمن خاصة, والرغبة القوية للبعثة البريطانية والايطالية والأمريكية في فتح مفوضية ألمانية دائمة في العاصمة تعز لمنافسة الكتلة الشرقية ودولها على اليمن. الأزمة الاقتصادية تعرضت اليمن ما بين عام 1958- 1960 م لأزمة اقتصادية نتيجة عوامل عديدة منها الجفاف وانتشار موجات الجراد ما جعل إيرادات الدولة والسكان تهبط إلى نقطة الصفر, وعلى إثر ذلك قدمت أمريكا معونات القمح لليمن وبذلك رفعت من سمعة ومكانة أمريكا في اليمن بشكل كبير في حين تراجعت سمعة روسيا والصين وغيرهما من بعثات دول الكتلة الشرقية, فقد طلبت حكومة اليمن من أمريكا مساعدة إضافية من القمح مقدارها 200 ألف طن حتي يتم التغلب على خطر المجاعة التي تهدد البلاد بسبب الجفاف المتواصل لكن ما قدمته أمريكا هو 15 ألف طن من القمح فقط بعد أن صرفت مليون ونصف المليون دولار أمريكي نقدا مقابل أجور النقل والتوزيع أصبحت عاجزة عن توزيع الكمية. فقد أوضحت تقارير أمريكية وألمانية اسباب الوضع الاقتصادي المتأزم الى كون اليمن بلدا فقيرا وأن الجفاف المتواصل الناتج عن احتباس هطول الامطار في السنوات الثلاث الأخيرة قد زاد من سوء الأوضاع وخاصة في الفترة 1957-1960م وقد زاد من تأزم الوضع وانتشار المجاعة وانتشار الجراد في تلك الفترة بعد غياب طويل, فقد انتشرت الجراد فوق مناطق مختلفة من اليمن عدة مرات في شهور متقاربة وشوهدت في صنعاء في 1 ديسمبر 1958م وفي 6 يناير 1959م, فقد ذكر مندوب الفاو في السعودية أن اعدادا كثيرة من الجراد كانت تقوم بتدمير مزارع الفلاحين في اليمن والبلدان المجاورة لها وانه لم يشاهد مثلها من قبل وقد أعلنت منظمة الفاو استعدادها لتقديم المواد اللازمة لليمن لمكافحة الجراد. تحذير صهيوني وفي التقرير السري الذي كتبه السفير الألماني في تعز بعد شهر واحد فقط من قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وبعث به إلى بون وتطرق فيه إلى التغيير الكبير في سياسة اليمن تجاه هجرة اليهود إلى فلسطين كما تحدث عن التوجه المختلف للصحافة اليمينة وعن خشية الكيان الصهيوني من تزايد التعاون اليمني المصري وتحذير قادتها للأسر الحاكمة في الأردن والسعودية من انتشار أفكار الثورة اليمنية في بلدانهم. التقرير المشار إليه عنوانه (المشكلة الإسرائيلية في عيون الصحافة اليمينة) كتب في 25 نوفمبر 1962م تناول سياسة حكومة الثورة من هجرة اليهود إلى فلسطين والتي تختلف عن سياسة حكومة الإمام احمد الذى سمح في صيف عام 1962م لمجموعة من اليهود يصل عددهم إلى 150 فردا بالهجرة إلى فلسطين, لذلك فقد تغيرت السياسة اليمنية وبدأت تقترب من السياسة المصرية . وفي تصريح ادلى به نائب وزير الدفاع الإسرائيلي يعبر عن تخوفه من المساعدة المصرية لليمن لأنها سوف تقوي النفوذ المصري في البحر الأحمر وأن ذلك سوف يؤثر على إسرائيل, وأن التزايد المستمر للنفوذ المصري سيجعل موقف اليمن من المسألة الإسرائيلية أقرب إلى مواقف الدول العربية الأخرى وفي نفس الوقت حذر المسؤول الإسرائيلي الأسر الحاكمة في الأردن والسعودية بأن مصيرها متوقف على تطور الأحداث في اليمن.