كما ذكرنا سابقا بأن ملك البرتغال أرسل وفداً إلى القسطنطينية يعرض الصلح مع السلطان سليمان القانوني مقابل أن يرسل بعض سفن التوابل تحمل كمية معينة منه للقسطنطينية وكيف أن السلطان سليم رفض ذلك العرض اعتزازاً بقوة السلطنة في عهده وقد ساعد هذه الأمور جميعها على قيام ما يمكن أن نسميه بتجارة التهريب إذا جاز هذا التعبير وكما يقول سيد مصطفى رحمه الله بعد التواجد العثماني عادت للبحر الأحمر بعض حيويته فقد استطاعت بعض السفن العربية والهندية والصغيرة الوصول إلى موانئ ساحل الجزيرة العربية الجنوبي وذلك أواخر القرن (16م) وأوائل القرن "17م" ثم جاءت طرقات الوافدين الجدد على "باب المندب" في أوائل القرن 17م لكن لم يعد هذا كله النشاط التجاري إلى الممر كما سنو ضح فيما بعد. 5- أشرنا إلى أن الصدام غالباً في بداية القرن 17م كان بين القادمين الجدد الهولنديين والإنجليز – وبين البرتغاليين وأن هذا الصدام كان من تحطيم احتكار البرتغال لتجارة الشرق ولسيطرتها على مصادر هذه التجارة ولقد تراجعت إمبراطورية البرتغال البحرية بسرعة كبيرة حتى أنه لم يبقى لهم في النصف الثاني من القرن (17م) سوى بعض المحطات التجارية المحدودة على الساحلين الافريقي والهندي, ومحطة "مكاء" الصغيرة جنوب الساحل الصيني وقد تحولت السيطرة في تلك المياه إلى أيدي القادمين الجدد , ولم يكن يحدث بينهما إلا مصادمات طفيفة فردية في ذلك الحين لتقارب حكو ما تهما في أوربا نفسها, أما فرنسا فلم تبرز قوتها في المحيط الهندي إلا متأخرة رغم نجاح بعض المجهودات الفردية في التعرف على طريق رأس الرجاء الصالح في وقت مبكر فقد انشغلت مع حروبها مع أسرة الهبسبرج في النمسا ( الإمبراطورية الرومانية المقدسة )وفي حروبها الدينية الداخلية فلم تحتل جزيرة مدغشقر والجزر المحيطة بها إلا حوالي عام 1665م , وكما لم لها محطات تجارية في بوند شيري والبنغال على الساحل الشرقي للهند وسورات على الساحل الغربي إلا بعد تأسيس شركة الهند الشرقية الفرنسية حوالي عام 1670م بعد أن تعثر تأسيسها أكثر من مرة وقد انتقل عندئذ العداء التقليدي القديم بين إنجلتراوفرنسا من القارة الأوربية إلى خارجها فكانت شبه القارة الهندية والمحيط الهنديوالبحر الأحمر أجزاء من مجالات التنافس الاستعماري بين البلدين أما هولندا ونظراً لظروف خاصة احاطت بها داخل القارة الأوربية وخارجها فقد ارتضت من الغنيمة بتركيز سيطرتها على جزر الهند الشرقية (اند ونوسيا) ولم تعد طرفاً في الصراعات الدولية حول المستعمرات كما حدث عند بداية وصولها إلى المحيط الهندي وبعد أن دخلت فرنسا حلبة الصراع مع إنجلترا وقد بدأت فرنسا كذلك تخسر ممتلكاتها ومحطاتها التجارية في الهند نفسها لصالح بريطانيا ولم تأمل فرنسا في أن يكون لها أملاك فيها بعد عام " 1761م " لكن ظل التنافس بينها وبين بريطانيا في باقي أجزاء المحيط الهندي وحتى الصين شرقاً كما أن عكس هذا التصادم والتنافس على أحداث البحر الأحمر منذ فجر القرن 19م كما سنرى. 6- وضع العثمانيون تقليداً منذ أن ثبتوا سيطرتهم على ساحل البحر الأحمرالجنوبي شرقاً وغرباً وظل متبعاً طوال القرنين (17- 18م) وهو عدم دم دخول السفن الأوربية البحر الأحمر حتى لا تتعرض مكةوالمدينة لأية اخطار اجنبية وذلك لما أتته البرتغال من أفعال خلال القرن (16م) وكان من الطبيعي أن يستقبل المسؤولون العثمانيون في عدنوالمخا البعثات التجارية الأجنبية بحذر وخوف ولم يسمحوا لهم بإقامة وكالات دائمة بعد مدة وبعد أن طلبوا منها الحصول على إذن منها من باشا صنعاء الذي طلب منهم بدوره الحصول على تصريح مكتوب من استانبول نفسها ورغم ذلك لم تستمر العلاقة بين المخا والوكالات التجارية ودية دائماً فقد تأرجت هذه العلاقة بين الود أحياناً وتحقيق الأرباح وبين الصدام والعنف أحياناً إلى حد إطلاق نار المدافع على الميناء وتخريبه بعد سحب الوكالات من المدينة وإغلاقها لمدد طويلة وقد اختلفت أسباب الصدامات هذه لكن كانت تدور حول أسباب محلية أو فردية مثل شخصية حاكم الميناء أو مشاحنات بين الأفراد وبعض التجار الأجانب أو اختلاف بين تقدير قيمة المكوس أو اعتداء السفن الهولندية المسلحة على سفينة هندية تحمل علماً برتغالياً عند باب المندب مما اعتبره العثمانيون اعتداء على مياهها الداخلية والحقيقة لم يكن هدف القوى البحرية في المحيط الهندي بما في ذلك البرتغال من وراء التاجرة مع المخا أو إقامة وكالات تجارية دائمة بها إلا للربح التجاري والحصول على بعض العملات المعدنية – والذهبية والفضية ولم يكن من ضمن أهدافها حتى في فتراف الصدام الاستيلاء على الميناء أوالتوغل في البحر الأحمر فقد التزمت القوى البحرية هذه باحترام التقليد العثماني الذي وضعته السلطنة في البر الأحمر طوال المدة السالفة الذكر ولم يرجع هذا الاحترام إلى الخوف من السلطنة العثمانية التي كان ضعفها قد بدأ يظهر للعيان في القرن 18م بل يرجع أساساً إلى انشغال في التسابق في ما بينها حول إقامة المحطات عند مصادر التجارة الشرقية أو الاستيلاء على المصادر نفسها والسيطرة على مقدراتها وكانت أوربا تخشى حينذاك من تسرب أو بالأحرى من تدفق عملاتها المعدنية إلى الشرق نتيجة شدة إقبال الأوربيين على المصنوعات والمنتجات الشرقية وذلك في وقت لم تكن تملك من فيه منتجات أو مصنوعات تكفي للمقايضة ولتغطية هذا الإقبال ولقد كان هذا من أهم الأسباب التي دفعت القوى البحرية ابتداء من البرتغال إلى استعمال القوة في الحصول على تجارة الشرق واحتكارها والسيطرة على مصادرها دون أن تلجأ إلى التنافس التجاري السلمي كما كان الحال في مناطق الشرق إلى أواخر القرن 15م.