بقلم العميد القاضي د /حسن حسين الرصابي/ أيها المدير، أيها القائد الإداري، يا من تحملون لواء المسؤولية:إن الانتساب إلى "أنصار الله" ليس مجرد هوية تُرفع، ولا صرخة تُطلق في المناسبات، ولا شعارًا يُنقش على الجبين. إنه أعمق من ذلك بكثير؛ إنه التزام أخلاقي وقيمي عميق، يترجم إلى منهج حياة وسلوك يومي. أن تكون من أنصار الله، فذلك يعني أن تتخلق بأخلاق الإسلام في كل تفاصيل عملك، بعيدًا عن أي مظهرية فارغة أو انتماء سطحي لا يجاوز اللسان. إنها دعوة صادقة لأن نكون كما أرادنا الله: رجال مسؤولية، لا رجال وجاهة. المحك الحقيقي: القيادة بين الحكمة والقوة إن الانتساب الحقيقي ليس في الاستعراض بالمرافقين المدججين بالأسلحة، ولا في التفحيط والبهرجة الفارغة، ولا في التعالي على الناس، ولا في فرض الأوامر بالقوة في موقف لا يتطلب إلا الحكمة واللين. إن المسؤول هو الذي يتعامل باتزان، يجمع بين الحزم والعدل؛ بحيث لا يتجاوز نصوص قانون السلطة المحلية. إنك مسؤول أمام الله وأمام الوطن وقيادته عن كل تصرف يصدر منك، سواء كان ذلك مع موظفيك في إدارتك أو مع الجمهور من المواطنين أصحاب القضايا. وهذا يوجب عليك الالتزام الصارم بالقوانين واللوائح المنظمة للعمل الإداري. أنصار الله الحقيقيون هم الذين يحاربون في نفوسهم آفة الكبر والغرور، وهم الذين يُطهرون بيئة عملهم من كل أشكال الكذب والفساد والغش والرشوة. إن الصدق، والأمانة، والنزاهة، والحكمة، والبصيرة، هي الأركان التي يقوم عليها انتماء "أنصار الله". فمن تخلّى عن هذه الصفات الجوهرية، فإن انتماءه يصبح مجرد ادعاء كاذب لا يُثبته منصب، ولا تُزينه بندقية على الكتف، ولا يُزكيه شعار منقوش. إن الانتماء الصادق لا يظهر إلا من خلال العمل الصالح والأخلاق القويمة. أمانة المنصب: المدير الناجح خادم لا سيد إذا وُضعت في منصب إداري، فاعلم أن هذه أمانة ثقيلة، ومسؤولية جسيمة أمام الخالق أولًا، ثم أمام المجتمع والوطن. المدير الناجح هو الذي يُنجز عمله بروح من الحيوية والنشاط، وهو الذي يفتح أبوابه وقلبه للموظفين والمواطنين، يتعامل مع الجميع بالصدق والأمانة والشفافية التامة. إن المدير القدوة هو الذي يرى في خدمة المواطنين شرفًا لا منّة، وفي تطبيق النظام قوة لا ضعفًا. إن مهمتك تتجاوز مجرد إصدار الأوامر والجلوس خلف مكتب فخم؛ مهمتك الحقيقية هي إنجاز أعمال إدارتك بكفاءة واقتدار، دون أي عرقلة مفتعلة أو تسويف مُمل يقتل طموحات الناس ويُعطّل مصالحهم. الحزم المطلوب: اقتلاع جذور الفساد يجب على المدير القائد أن يكون حازمًا وعادلًا. لا مجال للتساهل أو التغاضي عن أي موظف يُعرقل معاملات الناس أو يساوم عليها، أو يتلقى الرشوة. الفساد آفة يجب اجتثاثها. عليك أن تكون حذرًا كل الحذر من آفة السماسرة والوساطات التي تنخر في جسد العمل الإيجابي، وتجعل من خدمة المواطن سلعة تُباع وتُشترى. كن ميزانًا للعدل ما استطعت، وإياك أن تضعف أمام مغريات الدنيا الزائلة. لا تبع دينك وأمانتك من أجل مكسب زائل أو منصب عابر. إن مسؤوليتك هي خدمة الناس، وتسهيل أمورهم، وتيسير حياتهم، لا أن تكون عائقًا أمام تقدمهم. تحذير خاص: الأمانة في الإدارات الإيرادية إننا نُنوّه هنا بخاصة على العاملين في الإدارات الإيرادية (كالضرائب والجمارك وما في حكمها)، فهم مطالبون بأن يكونوا مثالًا للأمانة والصدق بأعلى مستوياتهما. إن الخلل في هذه الإدارات يُعد خيانة مضاعفة للأمانة وللقضية التي ننتمي إليها. لقد لوحظ في الضرائب أن هناك من يأخذ الأموال بشكل غير مشروع ويُعطي بعض المستندات، بينما يُماطل أو يُعرقل إعطاء البقية، مثل وثائق الإخلاء وغيرها، مما يُشير إلى خيانة وخلل متعمد وثغرات تُستغل. إن تطبيق أشد العقوبات الرادعة على من يرتكب هذه المخالفات واجب شرعي ووطني، فكونه خائنًا للأمانة يجعله خارجًا عن دائرة الانتماء الحقيقي، مهما علا صوته بالصرخة، وحتى لو حفر الشعار في اللحم والعظم ولو تكنّى بأبو حرب أو كان الباهوت نفسه. خاتمة: التزام يُشرّف أن تكون من أنصار الله، فذلك شرف لا يُمنح بالادعاء، بل يُكتسب بالعمل. إنه التزام يفرض عليك أن تكون قدوة في الأمانة والنزاهة والعدل. فليكن عملنا في مناصبنا الإدارية دليلًا عمليًا يُشرّف انتماءنا، بدلاً من أن يكون عبئًا يُسيء إلى المبدأ والقضية. الالتزام الحقيقي هو مفتاحنا لبناء دولة العدل والمؤسسات التي نسعى إليها. المسؤولية أمانة، والأمانة مسؤولية، فلنحسن الأداء، لأن الله ناظر إلينا.