محمد المخلافي عندما تستمع إلى رشدي الماريو، يأسرك صوته بلا مقاومة. فيه صدق وبساطة ودفء، يجعل كل لحن يهمس مباشرة إلى القلب. صوته يحمل روح التراث اليمني بطريقة طبيعية، ويعيد ترتيب المشاعر، ويترك أثرًا عميقًا في النفس. هنا، يصبح الفن قريبًا من الناس، يحملهم إلى عالم تتنفس فيه الموسيقى، وتتحدث فيه الكلمات بصمتٍ أحيانًا. أداؤه يظهر إتقانًا نادرًا في التعامل مع اللحن والكلمة. يمدّ الكلمات ويترك مساحة للصمت عندما يتطلب الإحساس ذلك، ويعرف متى يضيف لمسته الخاصة دون أن يُخل بالإيقاع أو جوهر الأغنية. صوته ينساب مع الكلمات كما لو كان امتدادًا طبيعيًا لها، وهذه الانسيابية نتاج سنوات من الاحتكاك المبكر بالشعر والغناء، حتى أصبح صوته انعكاسًا حيًا لتجربته وحسه الفني. البداية: نعمة طفولة بين الجبال ولد رشدي الماريو عام 1978 في قرية الخطوة بين جبال الأعروق في مديرية حيفان جنوبتعز، محاطًا بجمال الطبيعة وببساطة الحياة التي شكلت وجدانه الفني. منذ صغره، كان يقضي ساعات طويلة أمام المذياع، ينتقل بين إذاعات تعز وعدن. وفي المساء يجلس أمام شاشة تلفزيون صنعاء، باحثًا عن صوت يلمس روحه وعن لحن يعكس إحساسه بالعالم. الغناء كان بالنسبة له نافذة يطل من خلالها على مشاعره قبل أن يجد لها كلمات واضحة. تأثر بالأناشيد الصوفية التي كانت تُؤدى في المدرسة خلال المناسبات الدينية. تعلم حينها أن الصوت يصبح صادقًا حين ينسجم مع المعنى، وأن الفن يعتمد على الإحساس بما هو أعمق من الصوت نفسه. لاحقًا لاحظ والده ميوله الموسيقية منذ البداية، وكان يؤمن بأن الجمال وسيلة لفهم الحياة. وهكذا بدأ رشدي يرى الغناء وسيلة للتعبير عن أسئلته الداخلية. في إحدى زياراته لعدن، أهداه جده أول آلة موسيقية: العود. بدأت يديه الصغيرة تتعلم النغمات الأولى بمساعدة الجيران، وفتحت له هذه اللحظات الطريق نحو صوته الخاص، الذي سيصبح لاحقًا علامة مميزة في تجربته الفنية. خطوات التجربة الفنية بعد الثانوية، انتقل رشدي إلى صنعاء للعمل مع الأستاذ أمين درهم، الذي كان يرى الفن أكثر من مجرد تسلية، بل وسيلة للتعبير عن الروح. جلس بجانب رموز مثل المرشدي، عطروش، عبدالباسط عبسي وعبداللطيف يعقوب، وتعلم منهم أن الصوت يحمل مسؤولية، وأن الأداء الحقيقي يعتمد على الرسالة التي ينقلها. ظهر رشدي لأول مرة على شاشة التلفزيون عام 1998 مع الإعلامي نادر أمين، برفقة الفنانين نزار غانم وقيس غانم. لم تكن هذه البداية شهرة فورية، بل لحظة إدراك أن الفن يمكن أن يكون رسالة صادقة حين ينبع من القلب. يعتبر رشدي اللون الصنعاني أساس الغناء اليمني، ويؤمن أن إتقانه يتيح التعبير بسهولة عن باقي الألوان الغنائية. وقد تأثر بكبار الفنانين مثل أيوب طارش، عبدالباسط عبسي، محمد سعد عبدالله، أبوبكر سالم، والمرشدي، واحتفظ من كل منهم بلمسة خاصة شكلت وجدانه الفني. بالنسبة له، الغناء هو ذاكرة شعب وثقافة وطن، وصوت يعبر عما لا يُقال بالكلمات وحدها. رحلات الفن الخارجية لم تقتصر رحلته على الداخل. ففي 2004 شارك في الأسبوع العربي بمعهد العالم العربي في باريس مع الراحل محمد مرشد ناجي، تجربة وصفها بأنها مدرسة متكاملة. تلتها رحلات إلى ألمانيا عام 2009 مع نادي الصقر، ومهرجان البن عام 2010 احتفالًا بالوحدة، ثم شارك في تدشين أول خط طيران يمني إلى الصين. وفي 2016، وصل إلى القاهرة حيث التقى كبار الفنانين مثل أيوب طارش وعبدالباسط عبسي ومحمد محسن عطروش برفقة الأستاذ فصيل سعيد فارع. كانت كل هذه التجارب فرصة للتواصل مع الجمهور العربي، وتجربة أكدت له أن الفن اليمني لا يعرف حدودًا. واجه رشدي صعوبات صحية كادت توقفه عن الغناء، لكن إيمانه العميق والدعم من أسرته وأصدقائه ساعداه على الاستمرار. تعلم حينها أن الصمود جزء من الفن نفسه، وأن من يحب ما يفعل سيواصل الطريق مهما كانت العقبات. أعماله ومسيرته قدّم رشدي الماريو أعمالًا تعكس تجربة حياته ومشاعره، من بينها: بنان الأنفاس لعُثمان ابو ماهر أغاني أحمد الجابري: أحبك، أ يا طيار يا الأخضر، ما حلاك ما أجملك الوفاء للحب لكلمات د. سلطان الصريمي وألحان عبد اللطيف يعقوب أغاني لعباس الديلمي، عبدالعزيز شائف الأغبري، بشير المعمري، يحيى الحمادي، سمر الرميمه، عبد الهادي الأثوري، أحمد العريقي، ومحمد حزام المشرقي يبقى رشدي الماريو صوتًا يمنيًا أصيلًا، نشأ بين الجبال وتربى على الألحان القديمة. بدأ طفلاً يبحث عن نغمة تلامس مشاعره، وتدرج في طريقه الفني بصدق، مستلهماً الكبار حتى وجد صوته الخاص.