قراءات تحليلية متعددة لنص "فشل ولكن ليس للابد" للكاتب والبرلماني والحقوقي أحمد سيف حاشد، والمنشورة في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر". هذه القراءات انجزت باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن خلالها تم تحليل البنية النفسية والفكرية للنص. قراءة سيكولوجية قراءة نفسية الكاتب والبرلماني أحمد سيف حاشد من خلال نصه "فشل ولكن ليس للأبد" تكشف عن شخصية مركّبة، واعية بذاتها، متصالحة مع إخفاقاتها، ومؤمنة بجدوى الكفاح والبحث المستمر عن المعنى والهوية. البنية النفسية العامة الكاتب يظهر نزعة تأملية قوية، فهو يراجع مسار حياته لا بوصفها سلسلة إخفاقات، بل كرحلة تراكمية نحو النضج. ويكشف النص عن: – ملامح شخصية تحليلية نقدية لذاتها (يراجع نصوصه المنشورة ويكشف عيوبها بصدق). – مرونة نفسية (يحوّل الفشل إلى دافع للاستمرار لا سبباً للانكسار). – مثابرة وتعلم ذاتي (يعود للتجربة بعد كل سقوط بروح التجريب). وهذه السمات تكشف عن أنا ناضجة، قادرة على التوازن بين الإحباط والطموح، بين الواقع والحلم. العلاقة ب"الفشل" الفشل عند "حاشد" ليس عقدة، بل ثيمة وجودية في مشروعه الذاتي. هو لا يخجل من فشله، بل يوظفه كمنبع طاقة. يكرر: "فشلت… ولكن ليس إلى الأبد." وهذا الإيقاع التكراري أشبه بتوكيدٍ ذاتي، يعكس احتياجه للتصالح مع جرحٍ قديم، وربما فشل مبكر ترك أثراً عميقاً في صورته عن ذاته، لكنه نجح في إعادة صياغته كجزء من هويته الإبداعية. ومن منظور التحليل النفسي، هو يمارس آلية دفاع راقية تُعرف ب"التسامي"، اي تحويل الألم إلى إبداع، والهزيمة إلى معنى. الإصرار على الحلم يتكرر في النص حضور الحلم كقيمة كبرى: "لا يستطيع الإنسان أن يتوقف عن الحلم." "يكفيني شرف المحاولة." وهنا نرى شخصية مثالية رومانسية تمزج الواقعي بالرمزي — تتبنى نموذج "سنتياغو" في الخيميائي كبنية رمزية لحياتها. لكن هذا الحلم ليس هروباً من الواقع، بل تحدٍّ له. يبدو حاشد مؤمناً أن الحلم هو وسيلة المقاومة الأخيرة أمام الانكسار السياسي والاجتماعي والذاتي. النزعة إلى الكمال والنقد الذاتي المقطع الذي يتحدث فيه عن قراءته لكتاباته المنشورة ثم اكتشافه لأخطائها المتكررة: "أكتشف مع كل قراءة عورها وأخطاءها التي تزداد…" وهذا يعكس نزعة نحو الكمالية، ولكنها من نوع ناضج — ليست هوساً بالتميز، بل بحثاً دائمًا عن الصياغة الأكمل للذات والفكر. حاشد هو ناقد لنفسه قبل أن يكون ناقداً لغيره، وهذا دليل على ضمير مهني وأخلاقي حيّ. الصراع بين الانتماء والتحرر وفي خلفية النص، يمكن أن نلمح توتر الهوية لدى حاشد؛ بين العسكري والسياسي والكاتب والحقوقي. عاش حاشد تحولات مهنية وفكرية، وكل انتقال من مهنة إلى أخرى كان فعلاً تحررياً ضد القوالب. إنه لا يرضى أن يُختزل في إطار واحد — وهذه النزعة المتكررة تعكس شخصية متوترة الهوية، لكنها باحثة عن اتساق ذاتي أعمق. النزعة الإنسانية والسياسية يحمل النص بعداً أخلاقياً واضحاً: "الأهم أنني لم أقايض صعودي بأي سقوط." وهنا تتجلى شخصية مبدئية، ترى في الموقف الأخلاقي مقياس القيمة، لا النجاح الخارجي. كما أن تركيزه على "صوت الشعب المقموع" يكشف عن هوية نضالية تربط بين التجربة الشخصية والمعنى الجمعي، بين تحقيق الذات وتحرير الآخر. البعد العاطفي العميق وفي ثنايا سطور نص "فشل ولكن ليس للأبد"، نجد حسًّا حزيناً خافتاً، يلوّن النص بمشاعر حنين ومرارة واعتزاز مؤلم. هو حنين إلى الذات الأولى، إلى الحلم الذي أُجهض أكثر من مرة. لكن الحزن هنا ليس انكساراً، بل نغمة نبل ووعي — حزن العارف لا العاجز. تكثيف سيكولوجي أحمد سيف حاشد كما يظهر في النص ليس كاتباً يروي فشله، بل يعيد تعريفه. هو مقاتل بالحبر، يكتب من أجل الترميم لا من أجل المجد، ومن أجل الحلم لا الشهرة. إنه شخصيته تتقاطع فيها المرارة والصلابة، الحنين والعناد، النقد والإيمان — ملامح كاتب عاش أزمنة متقلبة، لكنه احتفظ بنواة نقية. " الإيمان بأن المحاولة بذاتها هي شكل من أشكال الانتصار". النزعة الصحفية يتضح ذلك في النص من خلال "الوعي بالحدث والبحث عن المعنى في التفاصيل" 1. البذرة الأولى: الحلم المؤجل حين يقول: "كنت في كل عدد أنتظر يوم صدور صحيفة الراية بفارغ الصبر… كمن يبحث عن نفسه أو ولده الذي شرد منه." وهنا نجد انفعالًا يشبه الحنين الأبوي — علاقة وجدانية بالكتابة ك"ابنٍ ضائع" أو "جزء من الذات المفقودة". وهذه العاطفة تكشف أن حاشد لا يرى الصحافة مهنة بل هوية وجودية، إنها وسيلته لاكتشاف نفسه والعالم. والصحافة عنده ليست عملًا إخباريًا، بل بحثٌ عن الذات من خلال الحدث. 2. الصحفي المفكّر لا المراسل من الناحية النفسية، يتجلى في كتابات حاشد ما يمكن تسميته ب النزعة التحليلية التأملية. فهو لا يكتب ليبلغ القارئ الخبر فقط، بل ليقرأ العالم من خلاله. حين يقول: "كنت أتابع أخبار العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب… أكتب عن التدخلات العسكرية الأمريكية…" ويتحدث هنا بنبرة الباحث والمحلل السياسي لا الناقل، أي أن الصحافة لديه امتداد للفكر لا مجرد ممارسة مهنية. ومن منظور نفسي، فإن ذلك يعكس شخصية تمتلك: فضولاً معرفياً عالياً، وقدرة على التعميم وربط التفاصيل بالكل. اصافة إلى نزعة للتأثير الفكري لا للإثارة الإعلامية. 3. الصحافة كفعل مقاومة حين يقول: "ورغم أن ظروف الحال تكالبت ضدي أثناء هذه الحرب… إلا أنني ما زلت أقاوم ولن أستسلم." فهنا تظهر الصحافة كفعل مقاومة أخلاقية، لا مجرد مهنة للعيش. وهنا يرى حاشد الكلمة موقفاً، والنشر مسؤولية، أي أنه ينتمي إلى الصحافة المبدئية لا التجارية. هذه السمة تنبع من ضمير قوي وهيمنة "الأنا الأعلى" الفاعلة (بلغة التحليل النفسي)، ما يجعله يربط بين مهنته الصحفية وواجبه الأخلاقي. 4. النزعة التوثيقية والأرشيف الذاتي "كنت عند النشر أشتري عدة نسخ للأرشفة والحفظ." وهذه الجملة الصغيرة تكشف عن عقل أرشيفي وهاجس بالذاكرة والتوثيق. ومن الناحية النفسية، هذا السلوك يدل على شخصية تحب النظام والتحقق والاحتفاظ بالأثر، أي أن الصحافة عنده ليست لحظة عابرة، بل جزء من مشروعه التاريخي الشخصي. ولذلك؛ فهو يكتب ليبقى أثره، وليقاوم زوال الذاكرة الجماعية. البعد الحقوقي يتضح ذلك في ثنايا سطور النص، من خلال: 1. التحول من القاضي إلى المدافع "حلمت أن أكون قاضياً أو محامياً، فصرت قاضياً بالفعل… ثم مدافعاً عن حقوق الإنسان وحرياته إلى اليوم." هذه الجملة تكثّف تحوّله من رمز للسلطة القانونية إلى رمز للضمير الإنساني. والتحوّل هنا ليس مهنيًا فقط، بل نفسي وجودي: من تطبيق القانون إلى نقده، من ممارسة السلطة إلى حماية الضعف. ويشير هذا التحوّل إلى تطوّر وجداني نحو مرحلة النضج الإنساني المتعاطف، وهي المرحلة التي تتحرر فيها الذات من الأنانية والامتياز، لتصبح صوتًا لغيرها. 2. نظام القيم الحقوقي يتضح من النص أن حاشد يمتلك ما يُعرف ب"الضمير المبدئي" وفق تصنيف عالم النفس لورنس كولبرغ، لمراحل النمو الأخلاقي. فهو لا يطيع القوانين لمجرد أنها قوانين، بل يسائلها بمعيار العدالة. "تطلعت أن أكون صوتاً لهذا الشعب المقموع، فصرت نائباً له، والأهم أنني لم أقايض صعودي بأي سقوط." وتظهر هذه العبارة أن حاشد يضع القيمة فوق المصلحة، والحق فوق المنصب. وهو نمط من التفكير الأخلاقي المتقدم الذي يميّز المدافعين عن الحقوق والعدالة في مجتمعات الصراع. 3. النفس الحقوقي كاستمرار للجرح الإنساني من الناحية العميقة، كثير من النشطاء الحقوقيين يُحرّكهم ألم شخصي أو تجربة قهر مبكرة. وحاشد في نصّه يُلمح إلى ذلك حين يقول: "أبحث عن تحقيق أسطورتي مهما كانت الكوابح والمعوقات… ويكفيني شرف المحاولة." هذه الجملة تترجم ما يسمّيه علماء النفس ب "النزعة الإصلاحية التعويضية": أي محاولة ترميم العالم الخارجي لمعالجة جرح داخلي بالظلم أو الإقصاء. فهو يواجه العالم بالمرافعة لا بالمرارة، وبالقلم لا بالعنف. 4. العدالة كهوية روحية النفس الحقوقي عنده ليس مجرد موقف سياسي، بل قناعة وجودية. فهو يرى الدفاع عن الحقوق شكلاً من أشكال الوفاء للذات والآخر في آنٍ واحد. وهذا الإيمان يشبه ما يسميه فيكتور فرانكل "إرادة المعنى" — أن يعيش الإنسان ليضيف قيمة إلى الوجود، لا ليحيا فقط. تفاعل النزعتين: الصحفية والحقوقية النزعتان عند حاشد ليستا متوازيتين بل متداخلتين — فكلتاهما تصدران عن نفسٍ واحدة تبحث عن الحقيقة والعدالة. وكلا الجانبين ينبع من حاجة نفسية واحدة: مقاومة العدم والظلم بالمعرفة والموقف. فالصحافة تمنحه "العين"، والحقوقية تمنحه "القلب". ومن اتحادهما وُلدت شخصيته الفريدة: كاتبٌ يحاكم بالكلمة، وصحفيّ يدافع بالقلم. إيجاز 1. النزعة الصحفية لدى حاشد ولدت من حب الاكتشاف والتوثيق، وتستند إلى ذكاء تأملي ووعي نقدي عميق. وتمثل الجانب العقلي والفضولي في شخصيته. 2. النفس الحقوقي: نابع من تعاطف وجداني وعدالة داخلية، تمثّل الجانب الأخلاقي والروحي، ويحركه إيمان إنساني بالمساواة والكرامة. 3. العلاقة بينهما: تزاوج العقل والضمير، فهما مهنة ورسالة تتحدان في هدف واحد، هو إضاءة الحقيقة والدفاع عنها. التوصيف أحمد سيف حاشد — في عمقه النفسي — ليس مجرد صحفي أو حقوقي، بل ضميرٌ ناطق يكتب ليُحاسب، ويُحاكم ليُحرّر. قلم حاشد يمارس العدالة كما يمارس القاضي سلطته، لكن بعد أن استبدل المطرقة بالحبر، والقانون بالضمير. نص "فشل ولكن ليس للأبد" أحمد سيف حاشد ربما بدوت فاشلا، بل وشعرتُ ملياً بالفشل في لحظة ما، وربما رافقني هذا الفشل سنوات طوال، ولكن ليس إلى الأبد.. فشلت في كتابة القصة، ولكني أعاود كتابتها اليوم في تفاصيل قصة حياتي.. فشلت في الشعر، ولكن أحاول اليوم أجترح أحد فنونه فيما اكتب على نحو مختلف.. فشلت في الحب ولكن ليس إلى الأبد.. حلمت أن أكون صحفياً وفشلت، ولكن عاودت السعي في تحقيق الحلم، وصار لي صحيفة وموقع اخباري.. لا يستطيع الإنسان كما يقول الروائي البرازيلي "باولو كويلو" أن يتوقف أبداً عن الحلم، والفشل من وقت إلى آخر طبيعيا، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع فعله المرء هو نسيان ذلك. اينما فشلتُ يظل الحنين جارفاً لما كنت أروم وأحلم، والنسيان غير ممكن.. أستعيد نفسي وأنفاسي، وأحاول أن أصبر بجلد ومغالبة، ثم أعاود مسعاي لتحقيق حلمي مرة وثانية حتى يتم تحقيقه، أو أنال باعاً منه، وإن استولى الفشل على حلمي لسنوات طوال، لا أنساه حتى أنال من حلمي ما استطيع من الشرف، وإن نام حلمي من الإعياء والتعب أسترخى واستريح ، ريثما تتبدل الأحوال، ثم يستيقظ ويثب في أول فرصة، وأعيد المحاولة كرة وكرتين، فيبدو ما كان مستصعبا أو مستحيلا قد أصبح ممكناً، أو رهن التحقيق. حلمت أن أكون قاضياً أو محامياً، فصرت قاضياً بالفعل لأكثر من خمس سنوات، ثم مدافعا عن حقوق الإنسان وحرياته إلى اليوم.. تطلعت إلى الحصول على منحة دراسية في العلاقات الدولية أو العلوم السياسية، فلم تتح لي الفرصة لأفعل، ولكن بعد سنوات طوال حصلت على شهادة الدبلوم في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد في جامعة صنعاء. تطلعت أن أكون صوتاً لهذا الشعب المقموع، فصرت نائبا له، والأهم أنني لم أقايض صعودي بأي سقوط.. اقتحمت السياسية من وقت مبكر غير أن الأهم وكما أزعم أنني مارستها بأخلاق وسوية.. أعتقد أن ما مررتُ به من إخفاقات وفشل إنما هو من أعطى للنجاح قيمته الفذة ومعناه الحقيقي، أو على حد تعبير الروائي الأمريكي " ترومان كابوتي" أن الفشل هو ذلك البهار الذي يعطي النجاح نكهته المتميزة. إنني أبحث عن تحقيق أسطورتي مهما كانت الكوابح والمعوقات، كما فعل "سنتياجو" في قصة "الخيميائي" ل "باولو كويلو".. "سنتياجو" الذي يتمسك بحلمه، ويغالب كل ما يحول دون تحقيق ذلك الحلم والمراد، وفي نهاية المطاف يصل إليه.. أما أنا وحتى على فرضية عدم الوصول، فيكفيني شرف المحاولة.. اليوم حلمي وأمنيتي أن تتاح لي الظروف فيما بقي من أيامي القليلة أن أكمل كتابة قصتي للناس، وهي قصتهم في أول المقام لأنني واحدٌ منهم. * * * كنت في كل عدد أنتظر يوم صدور صحيفة "الراية" بفارغ الصبر، ثم أفتش بصفحاتها بشغف كمن يبحث عن نفسه أو ولده الذي شرد منه؛ فإن وجده غمرته الفرحة، وسرت المسرة من محيّاه حتى أطراف أصابعه، وإن لم يجده اكتسحته الخيبة العارمة. كنت عندما أجد ما كتبته منشوراً، وأقرأه للوهلة الأولى، أستلذ به، وربما تخامرني غيمة نرجسية، وعندما أكرر قراءة ما تم نشره مرات عديدة، وفي أوقات متفاوتة، تتلاشى تلك الغيمة، وأكتشف مع كل قراءة عورها وأخطاءها التي تزداد؛ فنقص هنا كان ينبغي إضافته، واضافة هنا ما كان داعياً لها، وجملة كان يفترض تأخيرها، وأخرى كان يتعين تقديمها، وعبارة كان بالإمكان تحسينها، وأشعر أن تلك القراءة المتكررة لو حدثت قبل النشر لكان ما كتبته أجمل وأرصن، إن لم يكن أقل عيوباً، وكان هذا يعني بالإمكان إشباع ما كتبت، ليس ليغدو أكثر امتلاء، ولكن ليغدو أقل أخطاء ومثالب.. وكنت عند النشر أشتري عدة نسخ للأرشفة والحفظ. في لواء الوحدة كنت أشتري الصحف، وأتابع الأخبار، وأتمنى أن أعمل في الصحافة، وكانت رغبتي بالعمل فيها جامحة، ولكن تخصصي كان ليس له صله بالإعلام، وإنما له صلة بالتكتيك العسكري، والتدريب الناري، والعلوم العسكرية إجمالاً، بعيداً عن تخصص الإعلام والصحافة. كنت أساير رغبتي لتسويغ الانتقال من تخصص إلى آخر، وأحدّث نفسي: أحمد بهاء الدين خريج كلية الحقوق، ولكنه صار من ألمع الصحفيين المصريين الذين تولوا رئاسة تحرير العديد من الصحف والمجلات، مثل "صباح الخير" و "الأهرام" و "العربي" و"آخر ساعة" و "دار الهلال".. عديدون هم الذين برعوا واحترفوا الصحافة بعد أن تركوا تخصصاتهم التي درسوها، وصار كل واحد منهم نجماً مشهوراً وأصبح اسُمه ناراً على علم.. وفي المقابل هناك خريجون من كلية الإعلام تركوا التخصص الذي درسوه، وصاروا نجوماً في مجال آخر، وآخرون قاموا بأشياء مذهلة في مجالات غير تخصصاتهم، بلغت حد الاختراع. وينطبق هذا أيضاً على كثير من النجوم والممثلين المشهورين، فمثلاً أحمد مظهر هو في الأصل خريج الكلية الحربية، وصلاح ذو الفقار خريج كلية الشرطة، والصحفي الساخر جلال عامر خريج الكلية الحربية، ثم كلية الحقوق والفلسفة في كلية الآداب، وليس خريج كلية الإعلام، وفؤاد المهندس ومحمود ياسين خريجا كلية الحقوق، ويحيى الفخرانى خريج كلية الطب، وعادل إمام وسمير غانم وصلاح السعدنى خريجو كلية الزراعة، ودريد لحام خريج كلية العلوم قسم الكيمياء.. كثير ممن فشلوا أو تركوا تخصصاتهم، ذاع صيتهم ونجاحهم في مجال آخر. * * * كان يتداخل لدي الاهتمام والبحث عن الذات بين القصة, والشعر والكتابة السياسية.. كنت أبعث بما اكتب إلى صحيفة الراية عبر الملازم أول أحمد مسعد القردعي مراسل الصحيفة في اللواء، وكان هذا الزميل من العناصر النشطة والجريئة, وذوي الطموح البالغ أيضاً.. وبعد غياب وانقطاع دام طويلاً بيننا، وظننت أنه شبع موتاً، نشرتُ قبل عام صورة له، أسأل عنه، فوجدته مازال حيا ولكنه لا يُرزق في التوجيه المعنوي بصنعاء. كنت أبعث إلى صحيفة (الراية) التابعة لوزارة الدفاع في عدن ببعض الكتابات, والمشاركات ومواضيع السياسية الدولية، وهذه الأخيرة على قلتها كانت تنشر كاملة دون تبعيض أو نقصان. ومازلت أحتفظ ببعضها إلى اليوم بعد 36 عاماً من نشرها. كنت أتابع أخبار العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن القضايا الكبرى إلى أصغر التفاصيل.. اكتب عن التدخلات العسكرية الأمريكية, كبيرها وصغيرها في حق الشعوب والأمم، وفرض وصايتها, وهيمنتها عقب تلك التدخلات.. أذكر أنني كتبت حتى عن احتلال القوات الأمريكية لجزيرة "جرينادا" التي كنت حينها أتابع أخبار معركتها على مدار الساعة، وكأنها مسقط رأسي. كانت كتاباتي السياسية تحظى بالنشر، في الصفحة الرئيسة المخصصة للشؤون الدولية، وما زلتُ أذكر مقالين تم نشرهما, أحدهما تحت عنوان "على هامش التدخلات الأمريكية" والثاني أيضاً في نفس السياق تقريباً تحت عنوان "شر البلية ما يضحك" والذي تناولتُ فيه المبررات والذرائع المعلنة والواهية, للتدخلات الأمريكية والبريطانية في العالم، والتي من خلالها يفرضان إرادتهما ووصايتهما على الشعوب والأوطان بتلك الحجج والذرائع، وينطبق على كل منها مثل "عذر أقبح من ذنب".. اهتمامي هذا ربما كان يجعل العلوم السياسية والعلاقات الدولية من بين الخيارات التي أفكر فيها، بل وقد دفعني مثل هذا الاهتمام لاحقاً إلى دراسة العلوم السياسية، والحصول على دبلوم سياسة دولية بعد الجامعة، بالتزامن مع دراستي السنة الأولى أو الثانية في معهد القضاء العالي بصنعاء. * * * أما رغبتي في الصحافة فظلت حلماً ينازع مسار حياتي، وأذكر أنني أول ما قرأت في الصحافة هو: كتاب "مدخل إلى الصحافة" في النصف الأول من عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، وبعد العام 2000صرت أتعاطى معها كواقع وحقيقة، بدأ برئاسة تحرير نشرة "القبيطة" أو صحيفة المجانين كما كان يسميها البعض، وحتى صرت مالكاً لصحيفة خاصة "المستقلة" وموقع "يمنات" الإخباري، اللذين شاركتُ في تحرير بعض موادهما، حوارات واستطلاعات ولقطات وأخبار وتحرير بعض الصفحات. ورغم أن ظروف الحال والواقع تكالب ضدي أثناء هذه الحرب، وأردوا الإجهاز على ما تحقق من حُلم ورغبة، إلا أنني ما زلتُ أقاوم، ولن أستسلم للحسرة والخسران، رغم أن ما يحدث قد بات كونياً وليس فقط أكبر منّا.. وكان لمواقفي من أطراف الحرب والصراع في اليمن كُلفته أيضاً، وما زلتُ أدفع هذه الكُلفة إلى اليوم. * * *