فُجع العالم الأسبوع الماضي بفقدان آخر وحيد قرن أبيض ذكر، على وجه البسيطة، ما يعني انقراض هذا الحيوان، الذي كان يعيش بمؤسسة بيجاتا كونسيرفانسي في #كينيا. وقد مات "سودان" وهذا اسمه، نتيجة مضاعفات العمر، حيث بلغ 45 عاما. ورغم أن "سودان" عاش حياة عريضة ومترفة في الأدغال، لا يمكن تصورها لأي حيوان آخر خلال السنوات الأخيرة من عمره، من حيث العناية الكبيرة الموفرة له، إلا أن الشيخوخة كان لها أثرها عليه.
ورغم أن موته كان متوقعا في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا الحدث أوجد صدى كبيرًا في العالم، باعتباره الذكر الأخير في الأرض من هذا الكائن، في حين تبقى اثنان من الإناث، كذا فإن احتمالات توليده ليست واضحة بعد، إلا من خلال الاستنساخ.
المحاولة الأخيرة في مقال كتبته المصورة الصحافية الشهيرة أمي فيتالي Ami Vitale التي تعمل لصالح ناشيونال جيوغرافيك، ونشر بمجلة تايم، والتي كانت قد التقطت صورًا نادرة لهذا الحيوان، ذكرت أنها شاهدته لأول مرة قبل تسع سنوات، بعد أن سمعت عن خطة لنقل أربعة من آخر أنواع وحيد القرن البيضاء في العالم، وذلك من حديقة حيوان في جمهورية التشيك إلى كينيا.
المصورة الصحافية الشهيرة أمي فيتالي
وتصف ما جرى كما لو أنها قصة من فيلم ديزني، أن تعود هذه الحيوانات الأسيرة إلى السهولة مرة أخرى، وتشير إلى أنها كانت محاولة يائسة وأخيرة لإنقاذ نوع ما على وشك الانقراض. وقتها كان هناك ثمانية فقط من هذا الحيوان يعيشون جميعهم في الأسر داخل أقفاص.
وتقول: "عندما شاهدت الحيوان في حديقة حيوان بالتشيك، وكان محاطًا بالمداخن والتلوث والبشر، شعرت بأن هذا الوضع غير عادل".
وتضيف: "يبدو كائنًا عتيقًا.. عاش على هذا الكوكب لملايين السنين، وهو الآن غير قادر على البقاء على قيد الحياة".
وفي ليلة باردة من ديسمبر 2009 غادر "سودان" ورفاقه الثلاثة، حديقة حيوان Dvůr Králové وتم نقلهم إلى بيجاتا في كينيا، بهدف أن يعيشوا في مناخ يهيئ لهم التكاثر بهدف الاستمرار، وكان الخبراء يعتقدون أن الهواء والماء والطعام مع التجول الحر، قد يحفزهم لذلك الشيء، غير أن المشروع لم ينجح.
رائحة التراب وتتذكر المصورة اللحظات التي وصل فيها "سودان" إلى الأرض الإفريقية موطن أجداده، حيث كان الطقس ممطرا والسماء داكنة تمامًا. وقتها لا يمكن أن تعرف مشاعر هذا الكائن إن كان سوف تكون له القدرة على التفكير واسترجاع الذكريات.
وقد كانت أول ردة فعل له أن وضع رأسه باتجاه الهواء ليشتم دعاش المطر، قبل أن يتدحرج في التراب بشكل دائري، وكان ذلك أول حمام له على الطين منذ أن غادر القارة الإفريقية وهو في سن الثانية من عمره، حيث عاد وهو في حدود السادسة والثلاثين.
ما بين سودان وجمهورية السودان وقد أخذ "سودان" وقتها في تلك السن المبكرة من عمره، من جمهورية السودان، البلد الذي استوحى منه الاسم، وحيث كان وحيد القرن الشعار الرسمي لجمهورية #السودان عقب الاستقلال عن #بريطانيا عام 1956 وظل إلى عام 1969 حيث تم استبداله بصقر الجديان.
وفي تلك الفترة المبكرة من منتصف الخمسينات كان هناك حوالي 200 من هذا الحيوان تعيش في حزام السودان بوجه خاص، ودول مجاورة كتشاد وأوغندا وجنوب السودان حاليا والكونغو.
وكان الاعتقاد وقتها أن نقل "سودان" من أرض السودان إلى حديقة الحيوان التشيكية، ربما ينقذ حياته، ولاحقًا في عام 2004 كان قد تم صيد – ربما - وحيد القرن الأخير من على حدود جمهورية #الكونغو الديمقراطية بأمل إنقاذه أيضا.
الوداع المؤلم كنوع من الوفاء فقد عادت المصورة Ami Vitale إلى كينيا الأسبوع الماضي وذلك أثناء احتضار "سودان"، وحيث وصلت لتقول له وداعًا، كما كتبت، كان ذلك قد حدث بضع دقائق قبيل موته.
كان "سودان" محاطا بالناس الذين يعتنون به ومن أحبوه في تلك البراري، ممن أرادوا إعطاءه الحياة الطيبة، وهم المديرون والأشخاص من حديقة حيوان Dvůr Králové التشيكية وموظفون وحراسه الستة المخلصون في Ol Pejeta بكينيا، الذين أمضوا وقتًا أطول معه أكثر من أطفالهم.
أيضا كان هناك الأطباء البيطريون وغيرهم من كينيا من موظفي خدمات الحياة البرية، وكان معظمهم يبكون لأيام قبيل الرحيل.
تقول المصورة أمي إنها همست في أذن "سودان" بالكلمات الأخيرة للوداع، وكانت ثمة مسافة زمنية فاصلة ما بين تلك الأيام التي وصل فيها إلى هنا وقد أنزل رأسه الثقيل لأسفل يشتم الثرى، في حين كانت السماء مفتوحة للتوقعات والأمل، وما يحدث اليوم من عويل ووداع.
وكان المشهد المشترك ما بين لحظات الوصول قبل تسع سنوات والوداع اليوم، أن السماء كانت تمطر بشدة وكان الجميع صامتين باستثناء طائر يزقزق في المكان مرفرفًا لأعلى.
تحذير وأمل وتحذر المصورة أمي، بأن الصيد الجائر لا يتوقف، ومن المحتمل تماماً، بل ومن المرجح، أنه إذا استمر القتل، فإن حيوانات وحيد القرن المتبقية من أنواع أخرى، إلى جانب الفيلة ومجموعة من حيوانات السهول الأقل شهرة سوف تنقرض عن الوجود.
وإذا كان الكثير قد قيل عن محنة الحياة البرية والصراع بين الصيادين وغيرهم من الحراس العسكريين للبراري، فإن القليل قد قيل عن مجتمعات السكان الأصليين الذين يشكلون خط الدفاع الأمامي في الحرب ضد الصيد غير المشروع، وهو ما ينبغي تعزيزه بقوة، بحسب أمي.. "فجهود المجتمعات المحلية في نهاية المطاف، هي أفضل تحصين ضد القوى التي تهدد الحياة البرية وأسلوب الحياة التقليدي".
وتضيف: "آمل أن يكون إرث سودان بمثابة حافز لإيقاظ البشرية على هذا الواقع" بأن يطرق جرس إنذار حقيقي للعالم.
قد يعني موت سودان انقراض جنسه، ولكن العلماء يدرسون خيارات أخرى محتملة، تتضمن إناثًا متبقين، بما في ذلك إجراءات الخلايا الجذعية وحصاد البويضات.
وإذا كان هناك معنى جوهري يمكن وراء وفاة سودان فإن الأمل لا يتبدد ما يشكل دعوة – بحسب أمي – "للاستيقاظ في عالم يتألف من أكثر من 7 مليار شخص، وحيث يجب أن نرى أنفسنا كجزء من المشهد، وأن مصيرنا يرتبط بمصير هذه الكائنات".
يشار إلى أن أمي فيتالي هي سفيرة شركة نيكون متعددة الجنسيات والمتخصصة في البصريات والتصوير، وهي صانعة أفلام كذلك لشركة ناشيونال جيوغرافيك. وقد حملتها رحلاتها إلى ما يقرب من 100 دولة حول العالم، وهي تنسج قصصها حول التعايش في الكوكب.