الحوثي يتقدم، الحوثي يهجم.. الحوثي وصل صنعاء، الحوثي قدهو في الحديدة، الحوثي مهرول إلى تعز.. هذه الأخبار تفرح قلة من الناس، وتؤذي قلة من الناس.. وأيا كانت مساحة الفرح فيها إلا أنها تظل في التاريخ محطة مثيرة للمخاوف، على أن الفرح الذي يثير الخوف هو في الأساس فرح بلا فضيلة. وعلى سبيل المثال، أننا نفرح الآن لو أن الخصم الفلاني مات أو تكسر أو أصبح مجرد كيان بلا أثر، وهذا طبيعي، الخصومات والأحقاد تفعل أكثر من ذلك، لكن اللي ماهوش طبيعي ويمكن اعتباره قلة حياء للطرف هو عندما نشاهد شخوصا فرحين لأن بلادهم تتكسر. أتفهم موقف "صالح" الذي تعرض لما يفوق السفاهة في خطاب خصومه المتلونين أثناء ثورة 11 فبراير ولم يخوضوا ضده المعركة بشرف، فضلا عن أنهم كانوا جزءاً رئيساً من نظامه الذي انقلبوا عليه ولم يحترموا أيامها مواجع كسير أحسن إليهم. ولكنني في الوقت ذاته لا أستطيع أن أحترم فرح "الزعيم" بانهيار دولة، قبل أن يكون له فيها خصوم له فيها ملامح وتاريخ وأثر. أتفهم جيدا صدمة حزب الإصلاح ومأساتهم المفاجئة وهم يشاهدون مجنزرة الحوثي تسير بلا فرامل وتدك مراكز نفوذهم الديني والقبلي والعسكري في مناطق شمال الشمال حتى أصبحوا على مقربة من مصير الحزب الإشتراكي اليمني بعيد حرب صيف 1994. تلك كانت مأساة سببت شرخا غائرا في المجتمع، على أن أي فرح بتكسير الإصلاح كحزب لن يفعل شيئاً أكثر من أنه سيجعل كأس المرارات يدور. الإصلاحيون موجوعون الآن، ومن قلة الرجولة الفرح من أجل التشفي بهم حتى إن كانوا خصوماً يفتقرون دائما إلى أخلاق العناية، ولكنني أيضا لا أستطيع أن أحترم فرح الإصلاح في صنعاء ومناطق الشمال ببيان "إصلاح عدن" الذي صدر قبيل أمس ويشجع أي خطوة باتجاه تقرير المصير. ليست المشكلة في تأييد حق تقرير المصير، المشكلة في كون الإصلاح ذاته كان وهو في قلب الثورة والسلطة والقرار يقول دائما "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، وأستغرب كيف لكسير أن يفرح بتكسير حلم شعب لمجرد أنه أراد أن يرد لخصمه الملطام. صُناع الفرح المحترم في اليمن قلة على أية حال، والفرح المحترم ذاته عندنا قليل.