فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    الحوثيون يتلقون صفعة قوية من موني جرام: اعتراف دولي جديد بشرعية عدن!    رسائل الرئيس الزبيدي وقرارات البنك المركزي    أبرز النقاط في المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك المركزي عدن    خبير اقتصادي: ردة فعل مركزي صنعاء تجاه بنوك عدن استعراض زائف    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    "الحوثيون يبيعون صحة الشعب اليمني... من يوقف هذه الجريمة؟!"    "من يملك السويفت كود يملك السيطرة": صحفي يمني يُفسر مفتاح الصراع المالي في اليمن    تحت انظار بن سلمان..الهلال يُتوج بطل كأس خادم الحرمين بعد انتصار دراماتيكي على النصر في ركلات الترجيح!    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    تعز تشهد مراسم العزاء للشهيد السناوي وشهادات تروي بطولته ورفاقه    مصادر دولية تفجر مفاجأة مدوية: مقتل عشرات الخبراء الإيرانيين في ضربة مباغتة باليمن    المبادرة الوطنية الفلسطينية ترحب باعتراف سلوفينيا بفلسطين مميز    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    عاجل: البنك المركزي الحوثي بصنعاء يعلن حظر التعامل مع هذه البنوك ردا على قرارات مركزي عدن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    الحوثي يتسلح بصواريخ لها اعين تبحث عن هدفها لمسافة 2000 كيلومتر تصل البحر المتوسط    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    لكمات وشجار عنيف داخل طيران اليمنية.. وإنزال عدد من الركاب قبيل انطلاق الرحلة    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    حكم بالحبس على لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    النائب العليمي يؤكد على دعم إجراءات البنك المركزي لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الإخوان في اليمن يسابقون جهود السلام لاستكمال تأسيس دُويلتهم في مأرب    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    جماهير اولمبياكوس تشعل الأجواء في أثينا بعد الفوز بلقب دوري المؤتمر    مليشيا الحوثي تنهب منزل مواطن في صعدة وتُطلق النار عشوائيًا    قيادي في تنظيم داعش يبشر بقيام مكون جنوبي جديد ضد المجلس الانتقالي    بسبب قرارات بنك عدن ويضعان السيناريو القادم    تقرير حقوقي يرصد نحو 6500 انتهاك حوثي في محافظة إب خلال العام 2023    لجنة من وزارة الشباب والرياضة تزور نادي الصمود ب "الحبيلين"    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    رسميا.. فليك مدربا جديدا لبرشلونة خلفا للمقال تشافي    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    حكاية 3 فتيات يختطفهن الموت من أحضان سد في بني مطر    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    اعرف تاريخك ايها اليمني!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(بلقيس) حقيقة الاسم ومعناه
نشر في عدن الغد يوم 22 - 07 - 2014

كثيراً ما أثيرت الشكوك من قبل بعض "كتبة التاريخ الجدد" حول حقيقة السيدة بلقيس ملكة سبأ جاعلين من اسمها (بلقيس) مدخلاً لذلك، مدعين أن هذا الاسم لم يظهر له أثر في النقوش والكتابات الأثرية القديمة التي عثر عليها في اليمن أو خارجها.
إلا أن بعض هؤلاء الكتبة لم يكونوا صادقين في هذا الادعاء، والبعض الأخر ربما عزت عليهم المعلومات وعجزوا عن الربط بينها، وساهم في ذلك التصور المناطقي أو القطري الضيق للتاريخ القديم ووقائعه وشخصياته وأقوامه ولغاتهم وكتاباتهم، وتداخلات ذلك وصلاته...، فكتبوا بجهل أو عن قصور في الفهم أو تقليداً وتأثراً بما قاله غيرهم.
ولهذا رأيت أنه من الأفضل توضيح الرؤية حول هذه المسألة، كي يتم سد هذا الباب، ولكي يأخذ أصحاب الأقلام من أولئك الكتبة في علمهم وفي اعتبارهم بعد ذلك ما سنورده من معلومات في هذا المقالة حول اسم هذه الملكة العربية السبئية "بلقيس" وأصل هذا الاسم ومعناه.
فبالنسبة للكتابات الأثرية القديمة فقد قرئ اسم "بلقيس" في نقوش مسندية ومسمارية، وأقر بذلك بعض العلماء من المستشرقين وأعضاء البعثات الأثرية الأجنبية.
فهذا ويندل فيلبس وأعضاء البعثة الأمريكية التي نقبت في مناطق كثيرة في اليمن- يعترف بواحد من تلك النقوش المسندية التي ذكرت "بلقيس"، وقرأ فيه هو وزملاؤه الاسم "بلقيس" [1] ، ولكن فيلبس هذا تحفظ على ذكر محتوى ذلك النقش المسندي فلم ينقله إلينا رغم أهميته ، وهو النقش الذي زعمت هذه البعثة الأمريكية بعد ذلك أنه ضاع منها (؟!).
فهذا هو أحد النقوش المسندية الخاصة بهذه الملكة بكل تأكيد، ورغم إقرار ويندل فيلبس به إلا أنه يُعتبر من النقوش الكثيرة التي اختفت أو يم قشطها بعد العثور عليها مباشرة.
والملفت للنظر في ما ذكره ويندل فيلبس عن هذا النقش المسندي هو قوله أنه (( تضمن اسم "بلقس" الذي لو كتب بأحرف العلة الصحيحة لكان من الممكن أن يقرأ "بلقيس"، وهو الاسم التلقيدي لملكة سبأ )) ثم يضيف هذه الجملة : (( تلك الزائرة الأشورية للملك سليمان )).[1]
إن هذه الجملة الأخيرة التي يصف بها ملكة سبأ، تشير بوضوح إلى أن فيلبس وأمثاله أيضاً من رؤساء وأعضاء البعثات الأثرية الأجنبية التي نقبت في البلاد العربية سواء في اليمن أو العراق والشام أو غيرها.. كانوا قد اطلعوا على ترجمات لنصوص في ألواح مسمارية كثيرة قبل ذلك، وأن من تلك الألواح المسمارية نصوص تحدث عن ملكة اسمها "بلقيس"، أي أنه قد ورد ذكر هذه الملكة في نصوص مسمارية أشورية– بل وتذكر تلك النصوص أيضاً بأن هذه الملكة "زارت الملك سليمان".. ولهذا وصفها فيلبس بأنها "أشورية " وهو الوصف الذي لم تذكر به هذا الملكة في أيٍ من المصادر التاريخية الخبرية أو المروية سواء العربية أو اليهودية أو الكلاسيكية الأوروبية أو غيرها .
فوصف "فيلبس" لها أنها أشورية إنما كان بناء على ما قرأه ووجده هو وغيره عن هذه الملكة في النصوص المسمارية والتي عثر عليها في أشور فاعتبر فيلبس أن بلقيس هي ملكة أشورية ، لهذا فقط وصفها بقول "الزائرة الأشورية للمك سليمان".
والمسمارية هي التي استعملت ككتابة قبل الأبجدية في الهلال الخصيب.
لكن ما هو معلن ومعروف "رسمياً" أن النصوص المسمارية سواء الأشورية والبابلية لم تأت ِعلى ذكر ملكة أو أميرة أشورية اسمها بلقيس وأنها قامت بزيارة للملك سليمان.. فهذا الأمر غير معلن ولا معروف في "التاريخ الرسمي" الذي يعلن عنه ويُدرس للطلاب في الجامعات العربية وغيرها.
فمن أين سيأتي ويندل فيلبس بهذه الفكرة عن الملكة بلقيس بأنها "أشورية" إلا أن يكون قد قرأ عنها في نصوص مسمارية .
وهذا هو فعلاً ما حصل فالنصوص المسمارية تحدثت عن هذه الملكة العربية الشهيرة فقد ذكر الآثاري الإنكليزي سير هنري كرسويك (1810 -1895 م) ، أنه قرأ الاسم "بلقيس" في نقوش مسمارية عثر عليها في شمال شرقي الخليج العربي [2].
والخلاصة مما ذكرنا أنفاً هو أن هناك نقوش مسندية وألواح مسمارية تخص هذه الملكة وعثر عليها فعلاً في اليمن وشمال الجزيرة العربية ولكن هذه الوثائق الأثرية تختفي بعد ذلك.
فهذا مما ظهر وما خفي كان أعظم.
هذا وبشكل يلفت نظر الباحث المحقق على منهج الشك اليقيني- نجد أنه قد انقطع فجأة أي حديث عن تلك النقوش الأثرية، وانخمد أي ذكر لها أو تساؤل حولها، أي أن تلك النقوش بعد أن عثر عليها وشاع الخبر عن محتواها بشأن هذه الملكة، صارت فجأة كأن لم يعثر عليها، ولم يفصح أحد عنها، ليس فقط أنها اختفت وضاعت بل حتى لحق بذلك انقطاع كلام المختصين والمسئولين في الهيئات الحكومة المختصة بالآثار- وبالتالي الدارسين– عن تلك النصوص الأثرية، فأطبق الصمت حتى النسيان- عن أي تساؤل أو ذكر لها ومازال الأمر كذلك مستمراً إلى اليوم.
لقد جرى هذا ومازال جاريا بشكل غريب ومريب يثير حيرة العاقل ويؤنب ضمير العلم وتضيق له صدور ذوي الأمانة العلمية.
لكن ومهما يكن من أمر تلك النقوش الأثرية وغيرها كثير واستمرار نهبها واختفاءها فإن ما أردنا هنا هو تنبيه الغافلين والمهتمين بهذه القضية ولهذا الأمر الخطير. ولا يتسع المجال في هذا المقالة المختصرة للحديث عن حقيقة ما جري ويجري - من نهب وطمس للآثار وتزوير للتاريخ - بشكل منظم ومخطط له بإحكام وعلى نطاق واسع ومنذ عقود طويلة... لهذا فلنستكمل حديثنا عن اسم هذه الملكة، وما بقي لنا منه هنا هو عن أصل اسم بلقيس من الناحية اللغوية لفظاً ومعنى وسنرى أنه اسم عربي ارتبط بشخصية نسائية عربية سبئية حظيت بما لم تحظ به غيرها من الشخصيات من الاهتمام من المؤرخين قديما وحديثا.
بدايةً.. يجب أن نعلم أن هذا الاسم (بلقيس) هو كغيره من أسماء شخصيات عربية سبئية قديمة ينتهي بلاحقة هي "س" أو "يس" ، فمن أسماء تلك الشخصيات على سبيل المثال :
فينقيس ، أفريقيس ، لميس ، شميس... حيث نجدها جميعها في أخرها حرف (س) أو حرفي ( يس ) وقد بقيت على ما يبدو هذه ال ( س ) في أسماء أعلام يمنية إلى عهد قريب جداً وذلك في مثل الاسم (سنفيس) الذي لفت نظر الرحالة الألماني "هانز هولفريتز"، حيث كان "سنفيس" هذا أحد الشخصيات- من أبناء اليمن الحضارمة- ممن التقى بهم الرحالة "هانز هولفريتز" خلال رحلته إلى اليمن، فسجله في كتابه[3].
فالاسم بلقيس مثل تلك الأسماء فينقيس/ أفريقيس / لميس... تلحقه (س/يس) في أخره وهي ليست من أصل الاسم بل زائدة فقد ذكر الهمداني رحمه الله تعالى وعدد من المؤرخين العرب الاسم الشخصي لهذه الملكة بألفاظ مقاربة مشابهة للاسم بعد تجريده أخره من هذه الزيادة- وهو : ( بلقه / بلقمة / بلمقة )، - حيناً بالباء الموحدة وحيناً بالياء المثناة من تحتها - مع تقديم وتأخير..
فهذا اللفظ (بلقه / بلقمة / بلمقة) هو أصل الاسم ولكن من الواضح جداً أن هذه الألفاظ (بلقمة يلمقة) ليست إلا تصحيف من النساخ للفظة ( بلقة / بلق ) بالباء الموحدة ، وهذا هو الشطر الأول من الاسم (بلقيس) الذي كما أشار بن نشوان الحميري أن "بلقيس" اسم مركب من اسمين، جُعلا اسماً واحداً، ذكر ذلك وهي فكرة صحيحة، وإن كان بن نشوان قد قام بشطر الاسم المركب بطريقة مختلفة فقال أنه هكذا : (بل قيس) ، إلا أنه قد جاء بالحقيقة أن بلقيس هي اسم مركب من اسمين جعلا اسما واحداً وهما بشكل صحيح هكذا : (بلق) (س/يس).
وإذا جئنا للنظر في كلمة (بلق) ومعانيها نجد أن "البلق" في اللغة العربية المسندية القديمة هو اللون الأبيض ..وفي العربية الفصحى الحديثة هو اللون الأبيض والأسود. ونحن هنا سنتعامل مع المعنى الأقدم للكلمة لأن الاسم "بلقيس" قديم، حيث نجد أن كلمة (بلق) اسم لنوع من الأحجار وهو حجر البلق المعروف عند اليمنيين باسمه هذا إلى اليوم. وذكر بن منظور في معجمه "لسان العرب" أن (( البَلَقُ: حجر باليمن يُضيء ما وراءه كما يُضيء الزُّجاج)) أي أنه أبيض شفاف صافٍ.
وعن الجذر (ب ل ق) واشتقاقاته ذكر في اللسان أيضاً (( والبَلُّوقة: ما استوى من الأَرض، وقيل: هي بقعة ليس بها شجر ولا تنبت شيئاً، وقيل: هي قَفر من الأَرض لا يسكنها إِلا الجنّ )) و(( قال أبو عبيد: [البلاليق] الأَرَضون التي لا شيء فيها )) وقال أَبو خَيْرةَ: البلُّوقة مكان صُلب بين الرمال كأَنه مكْنُوس تزعُم الأَعراب أَنه من مساكن الجن )).
وهنا نلاحظ ارتباط معنى الكلمة بالبياض والصفاء وكذلك بذكر الجن.. فمن هنا ربط الناس قديما بلقيس بالجن.
وأيضاَ يوجد في مأرب عاصمة سبأ : (جبلي البلق) حيث بني جدار السد العظيم- وهما من الحجر الأبيض. وذكر القزويني أنه يوجد "في "آران مدينة اسمها "بيلقان" [4] وأصل اسم "بيلقان" هو (بلق) والألف والنون في أخره كأنها أداة التعريف المسندية القديمة لأن العرب القدماء على الأرجح هم من أطلق عليها هذا الاسم (بيلقان) والتسمية جاءت من طبيعة الأرض التي بنيت فيها فليس بها ولا في حواليها حجر واحد [5] أي أنها أرض خالية صافية من الحجارة فكأنها بيضاء فكلمة (بيلقان) تعني تقريباً الأرض البيضاء الصافية من الحجارة، وهناك أيضاً مدينة (البلقاء) في الشام ومعنى الاسم هو البيضاء .
و (( (الأبلق الفرد) اسم حصن السمؤال بن عاديا سمي بذلك لأن بِناءه كان فيه بياض وحمرة )) [6].

فكلمة (بلق) إذاً تعني "أبيض" أو "بياض" ، فهذا معناها على الأقل في الأسماء القديمة.

وأما اللاحقة (س/ يس) ، فإن كلمة "يس" هي اسم كان يطلق على "الشمس" أو على "إله الشمس"، وعلى هذا يكون معنى الاسم (بلقيس) إذاً هو (بياض الشمس) ويمكن أن نقول بصيغة أدبية أن الاسم بلقيس يعني (وهج الشمس) أو "بياض الشمس".
وهذا الاسم في المسندية القديمة - كما اعترف "ويندل فيلبس" ورد في النقش الذي عثرت عليه البعثة الأمريكية ثم ضيعته – هذا الاسم ورد بلفظ (بلقس) بدون ياء في وسطه لأن الياء حرف لين ساكن وكل حرف لين ساكن ( و ، ي ، أ ) يقع وسط الكلمة لم يكن يكتب وهذه قاعدة معروفة في الكتابة المسندية ولهذا يصح أن يقرأ الاسم بإضافة حرف اللين الساكن - وهو هنا الياء في الوسط - ليصبح هكذا ( بلقيْس ).
فهذا هو أصل ومعنى الاسم "بلقيس" أي (وهج الشمس) ، ومعروف طبعاً أن السيدة بلقيس ملكة سبأ كانت هو وقومها في البداية قد عبدوا الشمس كمعبود رئيسي، وذلك قبل أن تعلن إسلامها لله مع سيدنا نبي الله الملك سليمان عليه السلام وذلك ما صرح به القرآن الكريم فقال تعالى (( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين )) [النمل:44] فأسلمت هي وقومها وتركوا عبادة الشمس وعادوا لعبادة "إيلمقه ثهون" ومعناه الحرفي "إله مكة العظيم" ، وهو نفس المعبود بتسميته الأخرى "إلن ذي بسمن" وتعني "الإله الذي في السماء"، وهو الله سبحانه وتعالى.

هذا وقد ذكرنا أن هناك أسماء علم (مؤنثة) مازلت مستعملة عند العرب إلى اليوم تشبه في تركيبها اسم بلقيس ومن هذه الأسماء الاسمين : لميس وشميس.. فهي مثل "بلقيس" وهذه الأسماء الثلاثة (بلقيس/لميس/شميس) هي أسماء عربية شديدة العراقة.
أصل هذين الاسمين نبينه كما يلي :
- الاسم "لميس" : أصله (لمة) أو(لمية) الذي صار ينطق فيما بعد بتخفيف تاء التأنيث هكذا :
(لمى) أو (لمياء) ، ولكن في الماضي عندما كانت تلحق به اللاحقة (س/يس) كانت تحذف التاء المربوطة من آخرة فيصبح ( لميس ). وقد ورد ذكر اسم حصن قديم في أحد النقوش المسندية منسوب لأميرة سبئية اسمها "لميس" ، وبقي الاسم متداولاً عند العرب حتى الجاهلية فمن ذلك قول عمرو بن معد كرب الزبيدي :
وبدت "لميس" كأنها * * * بدر السماء إذا تبدا
وبدت محاسنها التي * * * تخفي وكان الأمر جِدا
- الاسم "شميس" : هذا الاسم بلفظه ورد في بعض روايات المؤرخين القدماء كاسم لأميرة عربية قديمة، وورد في نص آشوري كاسم لملكة عربية على منطقة شمال الحجاز.
وهذا الاسم لا علاقة له بالشمس كما قد يخطر في الذهن لأول وهلة بسبب تشابه اللفظين شمس وشميس. بل إن أصل هذا الاسم من دون اللاحقة (يس) هو على الأرجح : (شامة) أو (شَيمة) وبهذا اللفظ الأخير نجد العرب من سكان البوادي ما زالوا يسمون بناتهم به : "شيْمَة" بفتح أو كسر أوله.. وكذلك صار ينطق بالتخفيف كالسابق هكذا (شماء) أو (شيماء) وهو شائع بهذا اللفظ ومعروف ولكن هذا الاسم كسابقة لمياء = لميس ، و(شيمة) = شيماء كان في الماضي بإضافة اللاحقة (س/يس) يصبح (شميس).
فهذان الاسمان لميس وشميس هما كالاسم (بلقيس) أصله (بلقة) ولهذا كما قلنا يذكر بعض المؤرخين أن اسمها هو "بلقة"، وقد ظن بعض المعاصرين أن المؤرخين القدماء قد خلطوا بين اسم المعبود (ال مقه) حين كانوا يقرؤونه في المساند، وبين اسم الملكة بلقيس لشهرتها. لكن الحقيقة أنهم لم يخلطوا بين الاسمين بل كان الهمداني يميز بين مدلول الاسمين "إل مقه" و "بلقة" فقد ذكر أن اليمنيين القدماء كان يطلقون اسم "المقة" على "النجوم" التي كانوا يعبدونها [7].
نعم لقد اخطأ الهمداني هنا فقط في اعتبار أن "إيل مقه" هو اسم للنجوم بينما هو اسم لله تعالى ومعناه (إله مكة) ، لكن كلامه هذا يدل على أنه كان يميز جيداً بين اسم "إل مقه" كمعبود، وبين اسم الملكة بلقيس، الذي ذكره هو وغيره كاسم شخصي للملكة بلقيس بلفظ "بلقة" الذي تصحف بأقلام النساخ إلى لفظ "بلمقة / يلمقة".
فلم يكن الأمر كما ظن بعض الباحثين أو المؤرخين المحدثين أن المؤرخين القدماء كالهمداني خلطوا بين اسم المعبود "إل مقه" وبين الاسم "بلقة" الذي هو أصل اسم "بلقيس" ملكة سبأ.
ولهذا فإن ما ذكره المؤرخون القدماء بلفظ "بلقة" وتصحف بعد ذلك بيد النساخ إلى "بلمقة ويلمقه" يعتبر هو الصحيح ثم أن هذا الاسم كسابقيه "لميس وشميس" قد تخفف من "بلقة" إلى (بلقاء) - مؤنث أبلق- ثم أضيفت له اللاحقة فصار (بلقيس).
وقد ذكر الاسم بلفظ (بلگيس) وبلفظ (بلجش) في بعض المصادر الكلاسيكية وعلى أنه لفظ انتقل إلى يونانية من أصل عبري معناه (الفتاة الشبقة) أو (العاهر).
وهذا هو المعنى الذي أعطاه اليهود من بني إسرائيل للاسم بلقيس إذ أنهم على ما يبدو سلبية صاروا يطلقون على "العاهر" اسم هذه الملكة بلقيس وهو بلسانهم العبري (بلجش، بلگش)، هذا ما يبدو أنه السبب الذي أدى إلى أن يصبح معنى الاسم في العبرية ثم اليونانية بعد ذلك - هو العاهرة أو الفتاة الشبقة وما شابه ذلك، أما في أصل اللغة العبرية فإنه لا يوجد أصل ولا جذر لهذه الكلمة (بلجش ، بلگش) يفيد أو يرتبط بهذا المعنى. فهذا يشير إلى أن اليهود من بني إسرائيل استعملوا لفظ الاسم (بلقيس) بمعنى العاهرة أو الفتاة الشبقة ثم انتقلت هذه اللفظة بهذا المعنى الذي افتعله اليهود - إلى لغة اليونان باتصالهم بهم خلال فترة الاحتلال اليوناني لفلسطين.
كما أن هذا يدلنا أيضا ًعلى أن لفظ الاسم "بلقيس" الذي صار ينطق "بلجش" بالعبرية ، بما أنه لا جذر ولا أصل له فيها ، خصوصاً بذلك المعنى القبيح....- أقول - هذا يدل على أن أصل هذا اللفظ "بلقيس" دخيل على العبرية أي أنه جاء من لغة أخرى غيرها، وأن يهود بني إسرائيل في مرحلة سابقة كانوا قد عرفوه ك"اسم علم مؤنث" ثم استخدموه بعد ذلك بمعناه السلبي الذي افتعلوه أي بمعنى "العاهر" أو "الفتاة الشبقة".
بعبارة أخرى أن اليهود من بني إسرائيل صار يطلقون على أي عاهر يرونها اسم "بلقيس" كشتيمة - وبلفظه العبري "بلجش /بلگش" ، وهذا طبعاً لن يكون بسبب محبتهم واحترامهم لصاحبة الاسم بل بعكس ذلك، بقصد التشويه لصاحبة الاسم فهم يعرفونها من عهد سليمان (ع) وآمنت هي وقومها بنفس العقيدة الدينية التي لسليمان، ثم بعد وفاته (ع) قامت السيدة بلقيس ملكة سبأ بمساندة ودعم رحبعام بن سليمان الذي تولى بعد أبيه فتمرد عليه معظم بني إسرائيل بقيادة يربعام بن ناباط وأقاموا مملكة مستقلة هي "مملكة إسرائيل"[8] وتركوا العقيدة الدينية التي كان عليها سليمان ومن سبقه من أنبيائهم.
فالسبئيون في عهد وبقيادة السيدة بلقيس ملكة سبأ ناصروا ودعموا الملك رحبعام بن سليمان ومن بقي معه من بني إسرائيل وغيرهم من شعب ( مملكة يهودا ) جنوب فلسطين ، ضد العشرة الأسباط من بني إسرائيل الذين تمردوا على رحبعام ومن تحالف معهم – وكونوا (مملكة إسرائيل) شمال فلسطين بزعامة طريد سليمان يربعام بن ناباط [9] الذي حاول بشدة أن يقضي على دويلة رحبعام ومن معه ويجعلها مملكة واحدة تحت حكمه لكنه عجز عن ذلك لأسباب منها مساندة السبئيين في عهد بلقيس ووقوفها مع رحبعام لأسباب اقتصادية تهم السبئيين وعرب الجزيرة متعلقة بطرق التجارة التي كانت عماد اقتصادهم، وكذلك لأسباب دينية أيضاً، فبالإضافة ً إلى ما سبق فإن اختلاف العقيدة الدينية التي تبناها معظم بني إسرائيل بقيادة يربعام بن ناباط- من بعد تمردهم وانشقاقهم حيث تركوا دين سليمان وعبدوا أوثان وآلهات أخرى كعشتاروث وباعل...[10] - اختلافهم بهذه الأديان الدخيلة- مع العقيدة التي تبناها السبئيون بزعامة بلقيس، هذان الأمران هما سبب عداوة معظم بني إسرائيل من حينها وكرههم للملكة بلقيس. فمن هنا يمكننا فهم السبب الذي دفعهم لتشويه ذكر هذه الملكة باستخدامهم لاسمها "بلقيس" بمعنى "العاهر" أو "المومس" أو "الفتاة الشبقة". وبقي هذا الاسم بلفظ "بلجش" يستخدم عندهم بهذا المعنى القبيح من بعد ذلك إلى أن انتقل إلى لغة اليونان باحتكاكهم ببني إسرائيل خلال احتلال اليونانيين لفلسطين.

وما ذكرناه في السطور السابقة الأخيرة ليس له علاقة مباشرة بموضوعنا حول اسم بلقيس ملكة سبأ إنما جرتنا إليه مناسبة الحديث ونختم الموضوع بذكر مدينة البلقاء التي ربما سميت بهذا الاسم على شرف هذا الملكة العربية الحميرية الشهيرة ، هذا إن لم يكن هناك سبب أخر متعلق بطبيعية أرض البلقاء كأن يكون أغلب جبال أو أرضها من الحجر الأبيض..
فإذن أصل اسم بلقيس في اللغة العربية القديمة هو ( بلقة ) بالضبط كما ذكر العلماء المؤرخون العرب الأوائل، وربما تخفف أخره وكان (بلقاء) ولكنه اشتهر وعرف متصلاً باللاحقة (س/يس) بلفظ (بلقس/ بلقيس) فهكذا - كما ذكرنا سابقاً - كان يسجل الاسم في النقوش المسندية والمسمارية.
فهذا هو أصل وفصل الاسم (بلقيس) وهو من أجمل وأرق وأعرق أسماء الأعلام العربية المؤنثة.

الصورة المرفقة مع المقالة : تمثال من الحجر لامرأة على رأسها تاج، أخبرني أحد المسئولين السابقين على الهيئة العامة للآثار وهو الآن أستاذ في قسم الآثار بكلية الآداب بجامعة صنعاء أن هذا التمثال الملكي على الأرجح مما تم تهريبه من المواقع الأثرية في مأرب وأنه الآن ضمن مجموعة كبيرة من القطع الأثرية اليمنية التي في حوزة المدعوة هيلاري فيلبس أخت ويندل فيلبس.
(أ.ه)
المراجع والهوامش
[1]- كنوز مدينة بلقيس: قصة اكتشاف مدينة سبأ الأثرية في اليمن–ويندل فيلبس– تعريب عمر الديراوي. ط الثانية.- دار نوبار للطباعة- الناشر دار الكلمة- صنعاء الجمهورية اليمنية. - ص 105.
[2]- انظر حاشية [ص 51 – بلقيس امرأة الألغاز- زياد منى ] وهنا سجل المؤلف اسم المصدر الأجنبي الذي ذكر فيه عن الآثاري "سير هنري كرسويك" (1810-1895 م) ، أنه وجد اسم هذه الملكة (بلقيس) في نقوش مسمارية عثر عليها في شمال شرقي الخليج..
[3]- اليمن من البوابة الخلفية–هانز هولفريتز-ترجمة خيري حماد– دار العودة بيروت 1985م- ص62.
[4] - آثار البلاد وأخبار العباد- القزويني- ص513
[5] – المرجع السابق - نفسها
[6] - المرجع السابق – القزويني - ص73
[7] - كتاب "سرائر الحكمة"- للهمداني ص 43 وانظر " الجديد في تاريخ دولة وحضارة سبأ وحمير" مج 1–-محمد الفرح– وزارة الثقافة-صنعاء-2004م - ص232-233.
[8]- سفر الملوك الأول [12 : 12 – 19 ] .
[9] - سفر الملوك الأول [11 : 40] و [12 :1 ]
[10] - الملوك الأول [16 : 31 ]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.