أعلن المعهد الألماني للآثار فرع صنعاء مؤخراً عن أنه توج ثلاثة عقود من العمل الدؤوب في اليمن باكتشافات أثرية هامة، يمكن أن تسهم في إعادة كتابة تاريخ جنوب الجزيرة العربية، كما تقول مديرة المعهد، إريس جيرلاخ على هامش مؤتمر الحضارة اليمنية الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الايطالية روما. فقد أسفرت التنقيبات الأثرية للبعثة الألمانية في منطقة صرواح اليمنية عن اكتشافات أثرية يعتبرها الآثاريون وفي مقدمتهم السيدة جيرلاخ غاية من الأهمية. {.. إحدى هذه الاكتشافات تمثلت في العثور على معبد فريد من نوعه واسمه معبد الإله المقه (إله القمر عند السبئيين) يعود إلى عصر مملكة سبأ، التي حكمت اليمن خلال القرنين السابع والثامن قبل الميلاد. والمعبد، الذي حفظته الأرض في حالة جيدة، له مدخل ضخم مزخرف بأعمدة وغرف مختلفة من الداخل. وأشارت جيرلاخ إلى أن تصميم هذا المعبد وطريقة إنشائه والمواد المستخدمة في بنائه تجعل من هذا المعبد متفردا، موضحة أن واجهة المعبد تشكلت بنقشين ضخمين يصل طولهما إلى أكثر من سبعة أمتار وتتحدث عن المآثر الحربية والمدنية لحاكمين سبئيين. أما الاكتشاف المهم الآخر للبعثة الألمانية فيتمثل، كما يقول عالم الآثار والنقوش اليمنية القديمة البروفسور يوسف محمد عبدالله، في العثور على نقش يعود تاريخه إلى عام 715 قبل الميلاد، وهو عبارة عن تقرير حربي لأحد الملوك السبئيين جاء ذكره في المصادر الآشورية أو “الحوليات” كما يسميها الآثاريون. وبهذا يعد هذا النقش احد النقوش المهمة والمؤكدة تأريخياً، كما إنه يكشف عن قيام علاقات بين ملوك سبأ والملوك الآشوريين، حسب تعبير عالم النقوش اليمني. تقليد ألماني قديم ويقول البروفسور عبد الله، وهو رئيس سابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف وعلى دراية كاملة بالدراسات الأثرية في بلاده، إن عمل البعثة الألمانية يتركز حاليا في محافظة مأرب (160 كم شرق صنعاء)، حيث قامت بالتنقيب والمسوحات الأثرية هناك وترميم المعابد. ويضيف أستاذ التاريخ واللغات اليمنية القديمة بجامعة صنعاء، إنه في المرحلة اللاحقة تم القيام بالتنقيبات في مقبرة معبد أوام أو ما يعرف بمحرم الملكة بلقيس. وتولت البعثة الألمانية أيضاً عملية دراسة وترميم وسائل وقنوات وسدود الري القديمة المحيطة بسد مأرب الشهير وإعادتها إلى ما كانت عليه قبل حوالي 1500 عام. أما العمل الآخر المهم للبعثة الألمانية وفقاً لرئيس هيئة الآثار اليمنية سابقاً فهو التنقيبات في مدينة صرواح، التي يعتقد أنها كانت العاصمة الثانية للدولة السبئية بعد مأرب. ويتابع عبدالله، الذي يتولى حالياً منصب مستشار الرئيس اليمني لشؤون الآثار والمتاحف، إن المعهد الألماني للآثار بصنعاء يقوم بنشاط اثري كبير في اليمن وإن البعثة الألمانية هي أكبر وأنشط البعثات العاملة هناك في الوقت الحالي. ويؤكد عالم الآثار اليمني المعروف قائلاً : إن الاهتمام الألماني بآثار جنوب الجزيرة العربية هو تقليد قديم بدأه العالم الألماني ورحالة بلاد العرب كارستن نيبور في القرن السابع عشر. واستمر الاهتمام الألماني بآثار اليمن وتاريخها، ولكن بشكل متقطع حتى انتظم منذ بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، حينما وصل عالم النقوش والكتابات اليمنية القديمة البروفسور والتر موللر كأول ألماني وأوروبي يزور مأرب، عاصمة الدولة السبئية. مستوى جيد من التعاون وعن تقييمه لمستوى التعاون بين الجانب اليمني والألماني قال عبدالله إنه يتم على مستوى راق وهو حالياً في أفضل صوره. من جانبها تقول مديرة المعهد الألماني إن التعاون مع الجهات اليمنية، الرسمية منها كالهيئة العامة للآثار والمتاحف والشعبية كالقبائل في مناطق التنقيبات، يسير بشكل جيد جداً، مشيرة إلى أن الحكومة اليمنية تذلل الكثير من الصعاب لعمل فريقها. وباعتباره رئيساً لجمعية الصداقة اليمنية الألمانية يؤكد عبدالله أن مثل هذا التعاون بين ألمانيا واليمن يعمق التواصل الثقافي والحضاري بين البلدين والشعبين ويقوي جسورها. ويشير هنا إلى أن المواطن اليمني يعرف من خلال ذلك الكثير عن ألمانيا ثقافة وسياسة واقتصاداً وانه يثق كثيراً ب “صنع في ألمانيا” ويكن الاحترام لهذا البلد.