عُرفت منطقتنا الواقعة شرق البحر المتوسط بأنها مهدٌ للحضارات, ونبع لفِكرٍ خلّاقٍ مبدعٍ أثمر الكثير من الأفكار التي غيرت وجه العالم أجمع. منطقة شرق المتوسط كانت مُنَزَّلاً لدياناتٍ سماويةٍ ثلاث ألهمت عقول البشرية وسيطرت على مسيرة الإنسانية جمعاء.
قبل أن نناقش موضوع العروبة في منطقتنا, ولماذا وُسِمنا بالعروبة, وكيف تعلقنا بهذا المصطلح, وَجَبَ أن نعرف من هم العرب وكيف بدأوا وكيف تطوروا وما هي النقلات النوعية التي رسَّخت مفهوم العروبة قديماً, حتى ننتقل لفكرة القومية العربية التي أسس لها زكي الأرسوزي وتبنتها بعض الأحزاب التي وُسِمت ب "العروبية" ومنها طبعاً حزب البعث,وكيف تبنّى عبد الناصر الفكرة ليجمع حوله التأييد من البلاد التي تتكلم العربية وهذه كانت آخر نقلة في طريق العروبة بانتظار النقلات الجديدة التي نراها الآن لا تسرّ عين الناظر.
من هم العرب..؟
يظهر أن المعنى الحقيقي للفظ " عرب " هو صحراء. كما يظهر أن كلمة " عربية " - كما جاءت في نقوش الملك داريوس هيستاسبيس لأول مرة - تعنى صحراء الجزيرة وسورية وشبه جزيرة سيناء . وكثيراً ما نصادف في المؤلفات اليونانية لفظي Arab أو Arabia
ونرى في الخرائط القديمة المخطوطة للمنطقة منطقة الجزيرة مكتوب اسمها Arabia
وإن كانت أفكار الشعراء عن موقع ذلك القطر خيالية كلها . وكان هيرودوت عارفاً بالجزيرة العربية ، كما درس معاصروه من المؤرخين من أمثال اكزينوفون xenphon لفظ " عرب " وقالوا إنه يطلق على الجزيرة العربية بوجه خاص كما يطلق على العرب البدو كلمة "أعراب" ، وكان أهل التاريخ القديم من الفراعنة والآشوريين والفينيقيين يريدون بالأعراب أهل البادية في القسم الشمالي من جزيرة العرب وشرقي وادي النيل في البقعة الممتدة بين الفرات في الشرق والنيل في الغرب . وينقسم العرب إلى قسمين عظيمين أو طبقتين كبيرتين .الطبقة الأولى ، فهي العرب البائدة ، ويريدون بها القبائل التي هلكت ودرست آثارها وانقطعت أخبارها ، وهى عندهم تسع . عاد ، وثمود ، وطسم ، وجديس ، وأميم ، وعبيل ، وجرهم ، وحاسم ، وعمليق ، وأشهرها الأربعة الأول ، ويسمونها العاربة. أما الطبقة الثانية ، فهي العرب المتعربة أو المستعربة ، وهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم : ويذهب بعضهم إلى تقسيم العرب إلى عاربة وبائدة وهم عاد وطسم وثمود وجديس ، وتسمى قحطان عرباً متعربة ، وعدنان عرباً مستعربة. كان موطن شعب قحطان بلاد اليمن ، وهو ينسب إلى قحطان بن عابر ابن شالح الذي يقال إنه أول من ملك أرض اليمن ولبس التاج وأطلق على نسل قحطان اليمنيين أو القحطانيين ، بينما أطلق على نسل إسماعيل بن إبراهيم العدنانيين أو النزاريين ، وصار هذان اللفظان يرادفان عرب الجنوب وعرب الشمال . وخلف قحطان - جد أعراب الجنوب - ابنه يعرب الذي يقال إنه أول من أتخذ العربية لساناً ولقبه الشعراء " رب الفصاحة " ، قال بعضهم فما مثل قحطان السماحة والندى..... ولا كابنه رب الفصاحة يعرب. ومن هنا أطلق على القحطانيين العرب المتعربة ، أما العدنانيون فيقال لهم العرب المستعربة ، لأن إسماعيل كان يتكلم العبرانية ( أي لغة ما بين النهرين )، ولكنه تعلم هو وأبناؤه العربية ( كلهجة محادثة ، بينما اعتمد هو وبقية العرب الحروف الآرامية للكتابة وهذا ما كشفته الحفريات ) فسموا المستعربة ، وهم جمهور العرب البدو والحضر الذين يسكنون أواسط جزيرة العرب وبلاد الحجاز إلى بادية الشام. وكان أهل الجنوب يعيشون عيشة قرار ، أما أهل الشمال فغلبت عليهم البداوة والارتحال .ولقد سبق عرب الجنوب عرب الشمال في إنشاء حضارة خاصة ، بينما لم يكن معظم الشماليين يعيشون في بيوتهم التقليدية المصنوعة من الشعر ، وينتقلون من مكان إلى آخر طلباً للعيش والحياة ، ولم يظهر عرب الشمال على المسرح العالمي إلا بظهور الإسلام الذي تعتبر أرضهم مهده الأول وهناك فرق بين عرب الشمال - بما فيهم عرب نجد - وبين عرب الجنوب ، من الناحية الجنسية : فعرب الشمال ينتسبون لجنس البحر الأبيض المتوسط ، أما عرب الجنوب فينتسبون للجنس الألبى المسمى أيضاً بالجنس الحيثى أو العبري ، ومن مميزاته الفك العريض والأنف الأقنى والخد المنبسط والشعر الكثيف .( تاريخ العرب / فيليب حتى ص 28) وكان العداء مستحكماً بين العدنانيين القحطانيين منذ القدم حتى أن كلاً منهم أتخذ لنفسه شعاراً في الحرب يخالف الآخر ، فأتخذ المضريون العمائم الحمر والرايات الحمر ، واتخذ أهل اليمن العمائم الصفر والرايات الصفر . وتنقل كتب الأخبار أن محاولات السيطرة على القبائل في المنطقة ومركز سيادتها مكة مسألة قديمة . تعود في قدمها إلى قبيلة جرهم وهي من أصل يمني قحطاني ، وكيف أنه قد اصطرع حول مكة عرب الجنوب القحطاني وعرب الشمال العدناني ، فتنتقل من سيادة جرهم إلى سيطرة إياد بن نزار ليغلبه عليها بعد ذلك مضر ، ومن مضر تنتزعها خزاعة اليمنية مرة أخرى ، لينتهي بها الأمر إلى الاستقرار في يد قريش ؛ في قبضة قصي بن كلاب . وتلاه صراع قريش وخزاعة وصراع الحرب الباردة بين قريش وأمية وسيطرة قريش على الحكم ،لكن العجيب فعلاً ألا يمضي من السنين غير قليل ، حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية و مقتدرة ، تطوي تحت جناحيها – وفي زمن قياسي – ممالك الروم و العجم ؛ بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم : محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه النبي المنتظر !