تفاجأت وقد وجدته على كرسي الانتظار في إحدى العيادات المحلية التي أعمل فيها, عرفته بلمحة بصر, كان قياديا بارزا في الحراك الجنوبي في مدينتنا. تململ من مكانه ليفرغ لي حيز مناسب حتى أجلس بجواره, حرر وجهه من لثامه, فتبدى أمامي بوضوح وقد تدلت بسفور بالغ إحدى شفتيه, استكملت تحديقي حول شفتيه حتى رأيت بقايا (قات) يبدو أنه قد فرغ للتو من جلسة قات منهكة. قلت له عل الفور: سلامات عزيزي ما بالها متدلية. رد علي بثقة مصطنعة: لا عليك...لا شيء. التزمت السكوت وبادرني بثرثرته المعتادة حول تطورات المشهد السياسي الجنوبي, قطعت حديثه بعبارتي الأثيرة التي دائما ما ارددها: القطار الجماهيري يتجاوز سكة العمل السياسي الجنوبي ويدعسها..... ابتسم ابتسامة غامضة لم توحي لي بشي بسبب شفاه المتدلية. وبدأ يجمع أفكاره المتناثرة وقال بلغة ملتوية: نحن في احتلال, نحن ضعفاء, المحتل (لعين) يشتري الذمم, ويبيع الأوهام,......واستمر في ثرثرته الجميلة.... كنت أردد في ثنايا حديثه: اتفق معك نحن في احتلال...اتفق تماما معك ..ولكن.... لم يأبه أو يبالي بما قلته أو ما سأقوله وأكمل ثرثرته الجميلة: كان لنا زميل معنا في نضالنا ضد المحتل, لكننا فوجئنا وقد خان وطنه, ورأيته في منصب رفيع في المحافظة... - "وهل تسمي هذه خيانة" رديت عليه بتلقائية.
- "وماذا تسميها" قالها وبعدها صمت مليا. يبدو أنه استدرك شيئا ما.
- "أسميها سياسة وحكمة" قلت له بثقة متناهية.
رفع يده اليمنى إلى شفته المتورمة, وتحسسها بهدوء, وكان إلى جانبه طفله الصغير, لف معصمه حوله وفرك رأسه وقال بانكسار ملحوظ: ستنجلي الكربة... قاطعته بتعجرف: ما رأيك في التعيينات الأخيرة لوكلاء المحافظة (حضرموت)؟؟؟ رفع رأسه وضحك بطلاقة كسرت حاجز السكون الذي يعم المكان وقال مازحا: لا يعنينا.... ضحكت معه... ثم استطرد قائلا: هذه التعيينات خلفها لوبي حزب الإصلاح الذين يتواجدون في الرياض حول عبدربه...... قلت له بتعجب: ونحن لماذا لا يكون لنا لوبي جنوبي؟؟ لماذا لا نشارك في هذه المرحلة المفصلية؟؟ ونكون أصحاب قرار ونفوذ؟؟ في اعتقادي أن هذا يخدم قضيتنا في هذه المرحلة, يجب أن نعمل في كل الاتجاهات... ابتسم ابتسامة صفراء مستنكرة واستطرد مكررا ثرثرته الجميلة حول نضالاته ووقوفه وكيف أنه اشترى بجيبه الكثير من (البويات) (الحمراء) و(البيضاء) و(السوداء) و(الزرقاء) ليرسم بها علم الجنوب في أحد الأزقة, أو في أعالي الجبال المطلة على ذات المدينة الباسلة.....
