*عرفناها قديما وردة يانعة تتفتح في بستان (الكمسري) ليفوح عطرها في استديوهات تلفزيون عدن الذي كان منارة (الجنوب) في أيام سادت ثم بادت ! عرفناها تاليا نحلة تقطر عسلا فوق الكل يعسوب ، كانت تتنقل في حديقتها الغناء تمتص رحيق الزهر ثم تطرح عسلها في خلايا التلفزيون ، فيتوزع علينا كشهد مسكوب في طنوب كدها وجهدها وابداعها نشربه عصيرا سائغا فيه لذة ودواء لعلة من يرشفه! عرفناها حاضرا أما رؤوما تفرش بساط قلبها المخملي ليستقبل عبر الاثير باقة اعراس لخميس ارتبط باسمها بعد ان اكدت للقاصي والداني أنها (ست الكل) وصاحبة براءة اختراع حبوب السعادة في وطن ترفل (التعاسة) في ثوبه ليلا ونهارا ! لم تكن (أمل بلجون) سوى عروس جميلة لا تسكن الا في بحر عدن ، ظلت ولازالت تتنفس من مسامات محبيها في (الحنوب) ، وفي أحلك مشوار يتعرض له تلفزيون عدن من (ضفادع وقنافذ) الاحتلال لم ترتد طيلسان الحداد وتقف تبكي اطلال ماضينا التليد ، بل سارعت بايقاعات الاسعافات الاولية لتطبب جرح الاقصاء وتوقف نزيف (النخاسة) فارضة قناعاتها على قناة افنت حياتها متنقلة بين استديوهاتها المتهالكة ! انفرط عقد قناتنا الجنوبية بفضل مطارق وجنابي (المغول) الشمالي وصادروا نكهة برامجنا وحولوها الى مجرد (كشك) يسبح بحمد النظام ليلا ونهارا ، رموا في بحرها جيفا وزبدا وقواقعا للبسط على تاريخها ومسح هويتها الجنوبية باستيكة ، وفي ظل زحف (عنصرية) الشمال بقيت زهرة اللوتس (أمل بلجون) تصارع زعيم الرياح وتتمسك بجبروت تألقها وتاريخها الكبير الذي صنعته في تلفزيون عدن بعرقها وابداعها وبقدرتها العجيبة على ترويض المستحيل ! ارادوا لحبة البركة (امل بلجون) الانكسار وهي ترفض عروض من صنعاء يسيل لها اللعاب ، فقط لأنها تعتقد ان الخروج من بحر (التواهي) فيه استخفاف بتاريخها وبعلاقة (التوأمة) وخيانة لبلد سلم ذقنه في لحظة طيش لحلاق لا يفرق بين الموس والسكين ! كنا صغارا والرائعة (أمل بلجون) تتحفنا بخفة دمها في برامج الاطفال ، كبرنا ونحن نشرب حليب ابداعها فنقلتنا معها الى (ما يطلبه المشاهدون) كنا نلتف حول الصندوق العجيب في انتظار الطلة البهية لزمردة تلفزيون عدن ، نتسابق على المقدمة انظارنا شاخصة نحو ابتسامتها التلقائية البسيطة التي تدخل القلوب دون استئذان ، كبرنا وقذفت بنا متغيرات الحياة الى قعر المعاناة ، ومع ذلك لم نفارق (ست الكل) كنا ننتظرها كل خميس فضائيا وهي تهون علينا تعاستنا ، وتأبى الا أن تستقبلنا بذات فطرتها وبساطتها وروحها المرحة التي لم تغب حتى وهي تتلقى صدمات الحياة ، فقد ظلت رمزا اسطوريا للصمود في أحلك الظروف ، لم تتخل عنا يوما ومن فراش مرضها تهب كورد نيسان لتلتقينا في مودة ماسحة عنا احزان ذي يزن ، لم يحبسها طارئ يوما ما ولم تفرط في كنزها الثمين ، وطوال مشوارها المتشعب بين التلفزيون و الاذاعة لم تجن اموالا تعينها على تقلبات الدهر ، ولم تستخدم شهرتها سلالما لتحقيق اغراض شخصية ، ظلت لوحدها تسكن ثريا جميلة يطالعها محبوها كنجمة تزين حياتنا الفانية بروحها واخلاقها وفلسفة بساطتها مع الحياة ! لم نعد نشاهد تلفزيون عدن فقد امتلأ اناؤه بالقيعان وبات ينضح بوجوه بلاستيكية تقتات على موائد لئام يسكبون في عيون الجنوبيين اسطالا من وحل التهويل لوحدة فانية لم تعد موجودة الا في اعطاف ناهبي ثرواتنا البرية والبحرية والجوية وحسبنا الله ونعم الوكيل ! سمعت أن المبدعة (أمل بلجون) تبرمت من قيادة تلفزيون عدن كما تبرم أمير الشعراء (أحمد شوقي) من بيرم التونسي قائلا بحرقة :اخشى على الفصحى من بيرم، على اساس ان القيادة تناسوا و تجاهلوا (أمل بلجون) ولم يلحقوها بركب القاطنين في جدة حيث مقر تلفزيون عدن ، وعلى مسؤوليتي أقول لست الكل وتاج رأس عدن : لا تنزعجي ولا تتذمري فوازير الاعلام الجديد الذي يقال أنه جنوبي هجين لا يريد في الوقت الراهن مبدعين ينتصرون لرسالة الاعلام المرئي الهادف ، بل يريد مذيعين (نص كم) ينكدون على الناس ليلا ونهارا ، وليس أمامه افضل من وجوه كرتونية اقطع الخميرة من كل بيت جنوبي ! نصيحة لملهمة تلفزيون عدن ، خليك في البيت مادام وجه الليل عابس مثلك سيدتي لا يصلح لدور كومبارس من طرف وزير كان الى وقت قريب بوقا دعائيا لنظام الفساد الشمالي ، خليك بالبيت فنحن نريدك دائما سحابة خير نستظل تحتها لتمطر في عيوننا سيولا من البرامج الهادفة وبلغة بديعة تنتصر لأهل العزم ، ولك تحيات معجبيك محبيك في وطن جنوبي ينتفض في وجه الطغاة انتصارا للمبدعين امثالك !