القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    أبطال أوروبا: بايرن لقلب الطاولة على الريال.. وباريس يستهدف رقما تاريخيا    بالصور: بايرن ميونخ يكشف عن قميصه التاريخي الجديد    ميسي وإنفانتينو ينعيان المدرب الأسطوري    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    الحوثيون يطوقون أحد المركز الصيفية في صنعاء بعناصرهم وسط تعالي صراح وبكاء الطلاب    بسبب منعه عكس الخط .. شاهد بالفيديو قيادي حوثي يدهس متعمدا مدير المرور بصنعاء    العثور على جثة مواطن معلقة في شجرة جنوب غربي اليمن    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    عندما قال شيخان الحبشي للشيخ محمد بن أبوبكر بن فريد أنت عدو للغنم    البدعة و الترفيه    عضو مجلس القيادة الدكتور عبدالله العليمي يعزي في وفاة المناضل الشيخ محسن بن فريد العولقي    "ضمائرنا في إجازة!"... برلماني ينتقد سلوكيات البعض ويطالب بدعم الرئيس العليمي لإنقاذ اليمن!    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    فيديو مؤثر.. فنان العرب الفنان محمد عبده يكشف لجماهيره عن نوع السرطان الذي أصيب به    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    خصوم المشروع الجنوبي !!!    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير حقوقي دولي : قوات الحوثي وصالح تورطت بقتل مدنيين في الجنوب

اكد تقرير حقوقي دولي اصدره مركز المدنيين في الصراعات حول العالم وحمل عنوان "عشنا أياماً في الجحيم"الصراع في اليمن من منظور المدنيين ان القوات الموالية للحوثيين وصالح تورطت باعمال قنص مدنيين وقصف مساكن آهلة بالسكان خلال الحرب الاخيرة بعدد من محافظات الجنوب وذلك في اول تقرير دولي يدين هذه الجماعة.
والتقرير الذي تلقت صحيفة "عدن الغد" نسخة منه يقع في اكثر من 20 ألف كلمة واعده عدد من الباحثين الدولين والراصدين المحليين ومولت اعماله الحكومة الالمانية .
وتولت السيدة ندوى الدوسري تنفيذ بحث هذا التقرير وكتابته وهي خبيرة في الشأن اليمني واستشارية لدى مركز المدنيين في الصراعات. ساعدها في هذا البحث باحثون محليون في خمس محافظات في اليمن وتولت السيدة سحر محمد علي كبير مدراء برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا مراجعة وتحرير هذا التقرير.
وأجرى كل من مدير البرنامج السيدة مارلا كينان والمدير التنفيذي فيدريكو بورلو ومدير الاتصالات السيد كريستوفر أولبريتون مراجعة إضافية عليه. كما قدم المتطوعة لدى المركز بينديكيت أبو النصر مساعدة في البحث وفي إنتاج المادة. تولت السيدة دينا فيرديزكا تصميم هذا التقرير وإعداده للنشر.
واكد التقرير انه ومنذ بداية اندلاع هذا الصراع تورطت قوات الحوثي وصالح في قصف المناطق الآهلة بالسكان والمستشفيات والمرافق الطبية والمدارس وغير ذلك من البنى التحتية المدنية مما دفع بالعديد من المدنيين في كل من تعز وعدن إلى الهروب من حرب مستعرة واستهداف متعمد يترصدهم بالإضافة إلى تحركاتهم. وأشار مدنيون في كل من هاتين المدينتين إلى هجمات نفذها عمداً قناصة ضد مدنيين ووجهوا الاتهام إلى قوات الحوثي وصالح في اقتراف هذه الأفعال.

وفي الوقت الذي توقف فيه القتال في عدن وفي بعض مديريات محافظة مأرب فلا يزال المدنيون العائدون الى مناطقهم ومنازلهم وقراهم يواجهون مخاطر جسيمة من الألغام والذخائر غير المتفجرة. وفي ذات السياق تعاني الجهات المختصة والفرق الهندسية بنزع الألغام في اليمن من عدم قدرتها على نزع الألغام والذخائر غير المتفجرة بسبب محدودية امكانياتها وقلة عدد موظفيها وتجهيزاتها إلى جانب ضعف التمويل وكثافة المناطق الموبوءة بالألغام والعبوات الناسفة, لذا تبدو في حاجة ملحة للمساعدة في الجوانب التقنية ورفدها بموارد بشرية متخصصة في نزع وتفكيك حقول الألغام حتى تتمكن من القيام بعملها وواجبها في تطهير مستنقعات الموت ليتسنى للمدنيين العودة الى مناطقهم بصورة آمنة.
يشير مدنيون أن الوضع الأمني في أنحاء من عدن قد شهد تحسناً منذ أن تم إخراج قوات الحوثي وصالح وزيادة دوريات الأمن من قبل قوى الأمن التي تم تشكيلها حديثاً.
وبعض من هذه القوى والتشكيلات الأمنية تكونت من المقاومة المحلية والتي تألفت من مدنيين ورجال قبائل وكذلك من الانفصاليين الجنوبيين, وهؤلاء كانوا قد شكلوا عدة تكتلات لقتال مواجهة الحوثيين في مناطقهم وهم من يتم دمجهم حالياً ضمن قوات الأمن والجيش في عدن وحضرموت ومأرب وتعز, بيد أن مدنيين أبدوا خشيتهم إزاء ضعف الإشراف على هذه القوات وافتقارها إلى الانضباط والاحتراف, ويؤكدون وجوب نزع السلاح عن تلك العناصر التي لم يتم دمجها بصورة رسمية ونظامية في قوات الأمن والجيش. يقر مسؤولو الأمن بالحاجة إلى رفع مستوى الاحترافية لهذه القوات وأهمية تدريبها تدريبا مهنياً على كيفية العمل على نحو فعال وآمن خاصة أثناء التعامل مع المدنيين. ورغم تلقي تلك القوى أنشطة تدريبية محدودة من قبل بعض أعضاء التحالف إلا أن هذا التدريب قد ركز بصورة أساسية على أساليب وتكتيكات القتال. كذلك أقر مسؤولو الحكومة والأمن بضعف هيكلية القيادة والسيطرة وعمليات الضبط والربط لقوات الأمن التي من المفترض أنها تقع تحت تحكم وإدارة وإشراف الجهاز الأمني والعسكري للحكومة اليمنية وذلك لأن بعض تلك القوات تم تدريبها وتجهيزها والإشراف عليها من قبل دول أعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية. وقد تسبب هذا في خلق فجوات عميقة في عملية الإشراف على هذه القوات من قبل إدارات الامن والجيش التابعة للحكومة اليمنية.

ولاهمية التقرير تنشر "عدن الغد" نصه كما ورد .


رسالة المنظمة
تتمحور رسالة مركز المدنيين في الصراعات في تحسين مستوى الحماية للمدنيين العالقين في الصراعات في جميع أنحاء العالم. ونحن في هذا المركز نحث وننصح المنظمات الدولية والحكومات والجيوش والجماعات المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة لتبني وتنفيذ سياسات من شأنها أن تمنع وقوع الضرر على المدنيين. وحين يتعرض المدنيون للضرر فإننا نقوم بالمناصرة من أجل تقديم التعويضات والمساعدات لهم بعد وقوع الضرر. ثم نقوم بتوصيل أصوات هؤلاء المدنيين أنفسهم إلى من بيده صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم.
شكر وتنويه:
تولت السيدة ندوى الدوسري تنفيذ بحث هذا التقرير وكتابته وهي خبيرة في الشأن اليمني واستشارية لدى مركز المدنيين في الصراعات. ساعدها في هذا البحث باحثون محليون في خمس محافظات في اليمن وتولت السيدة سحر محمد علي كبير مدراء برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا مراجعة وتحرير هذا التقرير. وأجرى كل من مدير البرنامج السيدة مارلا كينان والمدير التنفيذي فيدريكو بورلو ومدير الاتصالات السيد كريستوفر أولبريتون مراجعة إضافية عليه. كما قدم المتطوعة لدى المركز بينديكيت أبو النصر مساعدة في البحث وفي إنتاج المادة. تولت السيدة دينا فيرديزكا تصميم هذا التقرير وإعداده للنشر.
يود مركز المدنيين في الصراعات أن يتقدم بالشكر لكل الأفراد والأشخاص والمنظمات والهيئات الذين ساعدوا في تنفيذ البحث في اليمن, وهذا الشكر موصول أيضاً لكل الأشخاص الذين وافقوا على مشاركتنا قصصهم وآلامهم وآمالهم ورؤاهم. كما يود المركز أن يقدم شكره لكل من بيتر ساليزبري وهيلين لاكنر وأيين سمايلز لما قدموه من ملاحظات قيمة على المسودات الأولى لهذا التقرير.
تم تمويل هذا المشروع من قبل معهد IFA (Auslandsbeziehungen) عبر موارد مالية مقدمة من وزارة الخارجية الألمانية



"لا يوجد حماية للمدنيين. لا توجد الا جبهات ومعارك واشتباكات"
--أحد اليمنيين في مدينة تعز التي مزقتها الحرب

ملخص تنفيذي
لأكثر من عامين يستمر المدنيون في اليمن في البحث عن طرق للنجاة وملاذ آمن وسط ضربات الغارات الجوية وهجمات القناصة وقصف بالدبابات والكاتيوشا وحقول الألغام الأرضية الكثيفة والعشوائية والنزوح المستمر والتهجير القسري إلى جانب المجاعة وشبح الفاقة والصعوبات الاقتصادية البالغة. فقد ترك الاقتتال بين قوات على الأرض من جانب، والاستخدام المفرط للقصف الجوي من جانب آخر آثاراً مدمرة على السكان في بلد طالما صُنّف كأقل البلدان نمواً في منطقة الشرق الأوسط وواحد من أشد البلدان فقراً على مستوى العالم.
تفشى العنف وتمدد في مختلف أنحاء اليمن حين تمكن الحوثيون وهم جماعة تنتمي للمذهب الزيدي الشيعي من السيطرة على صنعاء العاصمة وذلك في سبتمبر 2014 بمساندة من القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وتفاقمت حدة هذا الصراع حين تدخل تحالف تقوده السعودية عسكرياً في مارس 2015 لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً الى السلطة. حيث تشير تقديرات صادرة عن الأمم المتحدة إلى ارتفاع أعداد القتلى إلى ما لا يقل عن 10 ألف شخص وإصابة 37 ألف آخرين فيما فاق عدد أولئك الذين أجبرهم هذا الصراع المرير على النزوح 3 ملايين شخصا. ويحتاج ما يربو عن 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 27.4 مليون إلى مساعدة إنسانية عاجلة. في الأثناء ازدادت تهديدات شبح المجاعة لا سيما في مناطق الريف حيث يعاني 7.6 مليون إنسان من انعدام الأمن الغذائي بصورة حادة إلى جانب معاناة ما يقارب من 2 مليون شخصا من سوء التغذية. وحتى شهر ديسمبر 2016, أخفقت أطراف الصراع في احترام والحفاظ على عدة اتفاقيات كانوا قد التزموا بها لوقف إطلاق النار في اطار وساطة قامت بها الأمم المتحدة.
هذا التقرير الذي بين يديك يرصد ويوثق ويحاول نقل أنماط وصدى وآثار الاضرار التي لحقت بالمدنيين بشكل متكرر ومستمر ومن قبل جميع الأطراف، ويقدم وجهة نظر المدنيين عن أطراف الصراع المختلفة. كما ينظر التقرير الى ما يلزم عمله لرفع كفاءة واحترافية ومهنية الأدوار المنوطة بقوات الأمن والجيش، ويبرز هذا التقرير احتياجات المدنيين وتوقعاتهم من حيث تقديم الحماية النفسية والضرورية والمساعدة العاجلة والحتمية للمتضررين من الحرب وإعادة بناء حياتهم وحياة أسرهم. كما يقترح جملةً من التوصيات والوسائل والاجراءات يقدمها إلى كافة أطراف الصراع والمجتمع الدولي بما في ذلك التأكيد على جملة من الترتيبات المهمة واللازمة من اجل عملية سلام شاملة غير منقوصة من شأنها أن تساعد في وضع نهاية عاجلة لجحيم الصراع ودورات العنف في البلد.
نفذ مركز المدنيين في الصراعات بحثاً شمل كلاً من العاصمة صنعاء ومحافظات عدن وتعز وحضرموت ومأرب وتم خلال ذلك تنفيذ العديد من المقابلات مع مدنيين ومحافظي المحافظات ومسؤولين أمنيين وعسكريين وقيادات لجماعات مسلحة إلى جانب شخصيات مجتمعية وقادة مجتمع مدني.
يدخل في مفهوم الأضرار المدنية كما يشرحه المدنيون في ثنايا هذا التقرير الوفاة والإصابة وتدمير الملكية الخاصة إلى جانب النزوح وحالات الاختطاف والاخفاء القسري. ويشترك كافة أطراف الصراع في اليمن في مسؤولية الأضرار والآلام والمعاناة التي تعرض لها المدنيون, كما أخفقت هذه الأطراف في اتخاذ أي تدابير أو اجراءات احترازية للتقليل من الأضرار على المدنيين أثناء قيامها بعمليات عسكرية، وفي بعض الحالات تظهر التقارير الواردة والأحداث المرصودة والموثقة بأن هناك اعتداءات متعمدة مع سبق الإصرار والترصد طالت المدنيين من قبل تلك الأطراف.
الأمر الذي يبدو ثابتا في مختلف أرجاء هذا البلد هو عجز المدنيين التام في الحصول على أي ملجأ أو عون أو مساعدة من أي من أطراف الصراع. يقول رجل (46 سنة) من مديرية مجزر في مأرب: "نذهب الى الطرف الذي تسبب في إلحاق الضرر بنا فيعتذر، لكنه يوجه اللوم على الطرف الآخر عمّا حدث. أنا لا أثق بأحد، كلهم مجرمون وكلهم بلا ضمير". وعند سؤالهم عمّا قاموا به لحماية أنفسهم أثناء مجريات الصراع أجاب العديد من المدنيين بأنهم تركوا خلفهم منازلهم وحاجياتهم. "كنا فقط نهرب من حي إلى آخر, ولم يكن لدينا خيارا اخر سوى الهرب ", الكلام هنا لامرأة من عدن عمرها 43 سنة. في صنعاء ذكر من شملهم البحث من المدنيين بأنهم إما انتقلوا إلى مناطق أكثر أمناً أو نزلوا للاختباء في الادوار الأرضية بعيداً عن النوافذ وتحديداً حين يتناهى إلى سمعهم أزيز طائرات التحالف. في هذا السياق يقول رجل عمره 55 سنة "ليس أمامنا سوى الهروب من مكان إلى آخر, لا يوجد مكانا آمنا نلجأ اليه."
منذ بداية اندلاع هذا الصراع تورطت قوات الحوثي وصالح في قصف المناطق الآهلة بالسكان والمستشفيات والمرافق الطبية والمدارس وغير ذلك من البنى التحتية المدنية مما دفع بالعديد من المدنيين في كل من تعز وعدن إلى الهروب من حرب مستعرة واستهداف متعمد يترصدهم بالإضافة إلى تحركاتهم. وأشار مدنيون في كل من هاتين المدينتين إلى هجمات نفذها عمداً قناصة ضد مدنيين ووجهوا الاتهام إلى قوات الحوثي وصالح في اقتراف هذه الأفعال.
من جانب آخر تسببت ضربات التحالف التي تقوده السعودية في وقوع قتلى وجرحى إلى جانب تدمير مدارس ومرافق طبية ومنشآت تجارية في كل المحافظات التي نفذ مركز المدنيين في الصراع بحثه فيها, ليؤكد هذا البحث نتائج وردت في تقارير منظمات أخرى دولية ويمنية, ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة يتحمل هذا التحالف المسؤولية عن 60% من إصابات المدنيين منذ تدخله في مارس 2015. وعلى غرار أخوتهم المواطنين في عدن وتعز خلص المدنيون من سكان صنعاء بأنه تم استهدافهم عمداً من قبل طيران التحالف. وبحسب ما ورد على لسان امرأة في الأربعين من عمرها في صنعاء "السعودية لا تحترم أي قانون أو قيم، تقصف المدنيين, وتقتل البشر والشجر وحتى الحيوانات لم تسلم من العدوان" حسب تعبيرها. وقد أجرى التحالف تحقيقاً في بعض مزاعم استهدافه مدنيين وأقر في بعض الحالات بخطأ وفشل أفراده في الالتزام بقواعد الاشتباك. غير أنه ليس واضحاً إن كان قد جرت مسائلة أي من هؤلاء الأفراد عن أفعال كهذه وما إذا كان التحالف قد أجرى أي تغيير لمنع حدوث أو تكرار مثل تلك الحوادث.
يوثق هذا البحث أيضاً حالات من النزوح والتهجير الإجباري للمدنيين إلى جانب حالات من الاخفاء القسري والمعاملة السيئة لصحفيين وخصوم سياسيين من قبل قوات الحوثي وصالح. كذلك تعرض مدنيون إلى الاعتقال التعسفي من قبل قوات النخبة اليمنية –التي دربتها الإمارات العربية المتحدة- في محافظة حضرموت على خلفية شبهة ارتباطهم بتنظيم القاعدة.
وفي الوقت الذي توقف فيه القتال في عدن وفي بعض مديريات محافظة مأرب فلا يزال المدنيون العائدون الى مناطقهم ومنازلهم وقراهم يواجهون مخاطر جسيمة من الألغام والذخائر غير المتفجرة. وفي ذات السياق تعاني الجهات المختصة والفرق الهندسية بنزع الألغام في اليمن من عدم قدرتها على نزع الألغام والذخائر غير المتفجرة بسبب محدودية امكانياتها وقلة عدد موظفيها وتجهيزاتها إلى جانب ضعف التمويل وكثافة المناطق الموبوءة بالألغام والعبوات الناسفة, لذا تبدو في حاجة ملحة للمساعدة في الجوانب التقنية ورفدها بموارد بشرية متخصصة في نزع وتفكيك حقول الألغام حتى تتمكن من القيام بعملها وواجبها في تطهير مستنقعات الموت ليتسنى للمدنيين العودة الى مناطقهم بصورة آمنة.
يشير مدنيون أن الوضع الأمني في أنحاء من عدن قد شهد تحسناً منذ أن تم إخراج قوات الحوثي وصالح وزيادة دوريات الأمن من قبل قوى الأمن التي تم تشكيلها حديثاً. وبعض من هذه القوى والتشكيلات الأمنية تكونت من المقاومة المحلية والتي تألفت من مدنيين ورجال قبائل وكذلك من الانفصاليين الجنوبيين, وهؤلاء كانوا قد شكلوا عدة تكتلات لقتال مواجهة الحوثيين في مناطقهم وهم من يتم دمجهم حالياً ضمن قوات الأمن والجيش في عدن وحضرموت ومأرب وتعز, بيد أن مدنيين أبدوا خشيتهم إزاء ضعف الإشراف على هذه القوات وافتقارها إلى الانضباط والاحتراف, ويؤكدون وجوب نزع السلاح عن تلك العناصر التي لم يتم دمجها بصورة رسمية ونظامية في قوات الأمن والجيش. يقر مسؤولو الأمن بالحاجة إلى رفع مستوى الاحترافية لهذه القوات وأهمية تدريبها تدريبا مهنياً على كيفية العمل على نحو فعال وآمن خاصة أثناء التعامل مع المدنيين. ورغم تلقي تلك القوى أنشطة تدريبية محدودة من قبل بعض أعضاء التحالف إلا أن هذا التدريب قد ركز بصورة أساسية على أساليب وتكتيكات القتال. كذلك أقر مسؤولو الحكومة والأمن بضعف هيكلية القيادة والسيطرة وعمليات الضبط والربط لقوات الأمن التي من المفترض أنها تقع تحت تحكم وإدارة وإشراف الجهاز الأمني والعسكري للحكومة اليمنية وذلك لأن بعض تلك القوات تم تدريبها وتجهيزها والإشراف عليها من قبل دول أعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية. وقد تسبب هذا في خلق فجوات عميقة في عملية الإشراف على هذه القوات من قبل إدارات الامن والجيش التابعة للحكومة اليمنية.
تظهر الآثار المترتبة التي خلفها الصراع على حياة المدنيين من حيث الخسائر والصدمات النفسية والمعاناة الإنسانية مرتفعة وباهظة الثمن على المستوى الاجتماعي والسلم الأهلي, كما تسبب هذا الأثر في تفاقم الانقسامات المناطقية وازدياد حدة التوتر والكراهية والضغينة والاستقطاب بين المجتمعات المحلية والقبائل, إلى جانب مطالبة معظم الجنوبيين بالانفصال عن الشمال.
وعلى الرغم من الانقسامات العميقة والروايات المختلفة حول من يتحمل مسئولية الحرب فقد اتفق معظم المدنيين على انعدام الثقة لديهم وبشكل حاد في كل من حكومة هادي وتحالف الحوثي وصالح. حيث يلقي المدنيون في الشمال باللوم على تحالف السعودية بسبب الدمار الذي تسبب به. وفي نظر اليمنيين فإن هادي وحكومته منقطعون عن الواقع في اليمن منعزلون عن هموم الناس ومتطلباتهم الضرورية ويصفون حكومة هادي "بالحكومة الهاربة" حيث أنها لم تعد بعد بصورة كاملة إلى اليمن. وتعبيراً عن الشكوك إزاء محادثات السلام تحدث مواطن مدني من صنعاء بالقول "لو كانوا ]مشيراً إلى هادي والحوثيين وصالح[ يضعون مصالح اليمن في قلوبهم لكانوا قد توصلوا إلى حل". ورأى رجل من صنعاء (55 سنة) أنه لكي تنجح محادثة السلام ينبغي على السعودية أن توقف الضربات الجوية وأن تقوم "بترحيل" حكومة هادي إلى اليمن. من جانب آخر أفاد مدنيون من تعز ومأرب بأن السلام لن يتحقق مالم تنسحب قوات الحوثي وصالح من هاتين المحافظتين وتتوقف عن قصفهما.
على وجه العموم يرفض المدنيون أن يكون للشخصيات السياسية الحالية في اليمن أي دور محوري في مستقبل البلد, والكثير منهم يريد أن يتم محاكمة تلك الشخصيات على جرائم الحرب. ويطالب المدنيون بحكومة نزيهة وفعالة وبمؤسسات قضائية وأمنية فاعلة وعادلة.
في النهاية وحتى تضع الحرب أوزارها في اليمن يتعين تشكيل حكومة وطنية موحدة بمساعدة الداعمين الدوليين وإحياء ثقة الشعب بها. ويمكن أن تبدأ هذه الحكومة بحماية المدنيين وجبر الضرر والأذى الذي تعرض ويتعرضون له من كافة الأطراف، كما يجب عليها معالجة المظالم والانتهاكات التي أدت إلى تصاعد وتيرة العنف من خلال إشراك فئات المجتمع المحلي في عملية السلام وإعادة بناء البلد وذلك من خلال وضع احتياجات المدنيين على رأس قائمة الاولويات.


توصيات
إلى كافة أطراف الصراع:
ضمان التقيد والانضباط بالقانون الدولي الإنساني أثناء تنفيذ كافة العمليات الأمنية والعسكرية
احترام اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تتم برعاية من مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن, والاتفاق على آلية مشتركة للرقابة على وقف شامل لإطلاق النار تتولى الأمم المتحدة الإشراف عليها وتسمية منتهكيها ومتجاوزيها.
ضمان ان تشمل أي عملية للسلام معالجة جادة للمظالم واسترداد الحقوق ومحاسبة المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء اليمن، على أن يشارك في عملية السلام قيادات سياسية محلية وفئات من المجتمع المدني والنساء والشباب بحيث لا تقتصر العملية على النخب السياسية التقليدية والتي تحتكر المشاركة فيها في الوقت الحالي. ومن الضروري مشاركة النساء والقيادات المحلية المؤثرة والتي من شأنها أن تعكس اعترافا بمشروعية هذه المظالم ونية جادة بأن يكون لهذه القيادات المحلية دورات في وضع ترتيبات الحوكمة والأمن التي ستأتي في أعقاب التوقيع على أي اتفاق.
إلى الحكومة اليمنية:
العودة إلى عدن وبشكل دائم وتحديد أولويات لعودة الخدمات الأساسية في اليمن والعمل مع السلطات المحلية في مختلف أرجاء البلد لتحسين الوضع الأمني وتطبيع الحياة وضمان عودة المدنيين إلى مناطقهم بعد تطهيرها من الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المتفجرة.
العمل مع السلطات المحلية وفئات المجتمع المدني لوضع آلية ناجعة لتلقي ومعالجة شكاوى المدنيين بخصوص الأضرار التي لحقت بهم خلال الصراع. البدء في وضع الخطط والآليات والتجهيزات من الآن لتقديم مساعدة ما بعد الضرر بحيث تتضمن مساعدات مالية وعينية, وتدريب مهني ومساعدة طبية للمدنيين المتضررين من الصراع على أن تتسم هذه العملية بالشفافية والتوزيع العادل لكافة المناطق المتضررة دون محاباة أو تمييز, وضمان مشاركة النساء والمجتمع المدني في إعداد ووضع برامج ملائمة ومناسبة لتحقيق ذلك.
العمل على ضمان حدوث إدماج حقيقي لمقاتلي المقاومة في قوات الأمن والجيش بصورة شفافة بمنأى عن أي محاباة مناطقية أو قبلية أو سياسية. طلب المساعدة لتنفيذ برامج تدريبة تتضمن المحاكاة او استخدام اسلوب السيناريوهات خصوصا في مجال القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وحماية المدنيين والتعاون المدني العسكري والشرطة المجتمعية. التأكيد على الحكومة في سبيل إجراء تحقيق شفاف ونزيه في مزاعم تورط قوات المقاومة بالحاق الضرر بالمدنيين ومساءلة الأفراد المسئولين عن ذلك.
إلى سلطة الأمر الواقع للحوثيين في صنعاء
التخفيف من حدة الصراع والسماح بالوصول الإنساني والمساعدات من دون أية عرقلة إلى المدنيين بشكل عام وفي المناطق المحاصرة مثل تعز.
إجراء تحقيق في مزاعم تورط قوات الحوثي وصالح في الحاق الضرر بالمدنيين ومسائلة الأشخاص المتورطين في تلك الانتهاكات.
إلى التحالف بقيادة السعودية:
إجراء مراجعة على قواعد الاشتباك الحالية وآليات ووسائل التوجيه والاستهداف لضمان التقيد بالقانون الدولي الإنساني والممارسات المثلى وذلك للتقليل إلى أدنى حد من إلحاق الضرر والأذى بالمدنيين. وتتضمن مثل هذه الممارسات ما يلي:
إصدار توجيهات وإرشادات جديدة للقادة العسكريين في التحالف لضمان التقيد بالقانون الدولي الإنساني وتحديداً المبادئ المتصلة بالتمييز والتناسب والتأكيد على ضرورة التقليل إلى أدنى حد من إلحاق الضرر والأذى بالمدنيين (بما في ذلك افتراض تواجد المدنيين في المباني المزمع استهدافها). مساءلة ومحاسبة أولئك الذين لا يلتزمون بهذه التوجيهات.
استحداث قائمة بالمرافق التي يُمنع قصفها –أو مراجعتها ان وجدت حاليا- لتشمل المدارس والمستشفيات والعيادات والبنى التحتية المدنية والتي يحرّم استهدافها بموجب القانون الدولي الإنساني.
إشراك الفاعلين في مجال تقديم المساعدات الانسانية في اليمن لتكون المعلومات لدى التحالف حول الإحداثيات الخاصة بالمدارس والمنشئات الطبية أكثر دقة.
ضمان إجراء تقييم للأضرار الناجمة عن المعارك مع الأخذ بعين الاعتبار وفيات وإصابات المدنيين وكذا الأضرار التي لحقت بالمنازل والبنى التحتية واستخدام نتائج ذلك التقييم لإجراء تحليل معمق مبني على الدروس والآثار المترتبة، ويستفاد منه في التوجيهات الجديدة وفي التدريبات العسكرية القائمة على السيناريوهات لمنع أي ضرر يلحق بالمدنيين مستقبلاً.
إجراء تحقيق في كافة مزاعم إلحاق الضرر بالمدنيين بما فيها تلك الواردة من منظمات دولية ويمنية
في حالات ارتكاب أخطاء أو عدم الالتزام بقواعد الاشتباك ينبغي مساءلة الأشخاص المتسببين في ذلك ونشر نتائج التحقيقات للعلن والبدء بإجراءات تقديم الافراد للمساءلة.
تعويض المدنيين عن القتل والإصابات والأضرار على الممتلكات.
في الحالات التي تعرضت لأضرار بشكل عرضي، ينبغي تقديم التعويضات اللازمة أولا بتقديم الاعتذار ثم بالتعويض المادي والعمل على ضمان أن يتم تقديم التعويضات المالية بشفافية وبناءً على مدخلات من الفئات المجتمعية والأسر المتضررة.
ضمان مساءلة القوات اليمنية التي تم تدريبها وتمويلها وتقديم المشورة لها من قبل التحالف وذلك من خلال التحقيق في مزاعم تورط مثل هذه القوات في انتهاكات ضد المدنيين في اليمن.
إجراء مراجعة على برامج تدريب قوات الجيش والأمن اليمنية وإدخال أنشطة تدريب على القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ووسائل الضبط القضائي وتكريس مهارات وأدوات وقيم حماية المدنيين بحيث يستخدم التدريب اسلوب المحاكاة أو السيناريوهات.
إلى الأمم المتحدة:
ضمان مشاركة القيادات المحلية بما في ذلك النسوية وقيادة المجتمع المدني والقيادات الشبابية في المفاوضات الجارية حالياً بما يعزز وبصورة حقيقية من شمولية عملية السلام.
دراسة وبحث بدائل مع الحكومة اليمنية وسلطة الحوثيين حول الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة لأغراض نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماج وتوحيد المجموعات المسلحة .
إجراء تقييم شامل وتحديد المناطق الموبوءة بالألغام والذخائر غير المتفجرة والعبوات الناسفة وكذا تحديد جهود نزع الألغام التي تبذلها حالياً جهات محلية حكومية وغير حكومية، من شأن ذلك أن يكرس من منهجية التخطيط لوضع استراتيجية فاعلة وناجعة لنزع وتفكيك حقول الألغام وتطهير المناطق من الذخائر التي لم تنفجر وكذا تعزيز برامج التوعية بمخاطر هذه المواد في اليمن.
إلى الشركاء المانحين، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
وضع شروط لأي دعم للتحالف التي تقوده السعودية بما في ذلك مبيعات الأسلحة بناءً على تنفيذ سياسات وخطوات عملية من أجل منع إلحاق الضرر بالمدنيين.
دعم جهود الأمم المتحدة والمجتمع المدني المحلي مالياً وفنياً لتنفيذ أنشطة نزع الألغام وتطهير المناطق وكذا التوعية بالمخاطر والآثار الكارثية في المستقبل.
الدعم من خلال التنسيق مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية لجهود إعادة هيكلة قوات الأمن والجيش الحالية وتطوير احترافيتها, وكذا تقديم الدعم لأنشطة التدريب والتأهيل في مجال القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وأنشطة تدريب نوعية من أجل حماية المدنيين من خلال أسلوب المحاكاة او السيناريوهات ودعم التدريب في مجال العلاقات المدنية- العسكرية والشرطة المجتمعية.
تقديم المساعدة اللازمة لإعادة تأهيل المحاكم والسجون والمساعدة في جهود إصلاح الجهاز القضائي، باعتبار وجود المحاكم وتفعيل القضاء والرقابة على السجون أمر ضروري لتحسين الوضع الأمني وبناء الثقة في الحكومة وتعزيز المؤسسية.
المنهجية
هذا التقرير مبني على بحث ميداني نُفذ في اليمن خلال الفترة من أغسطس وحتى نوفمبر 2016. وفي سياق هذا البحث أجرى مركز المدنيين في الصراعات مقابلات مع 71 مواطن مدنيا من بينهم 35 امرأة و36 رجلا, كما نظم ثمان جلسات نقاش مع مجموعات بؤرية شارك فيها 95 شخصا مدنيا من بينهم 46 امرأة و49 رجلا. اقتصرت أربع جلسات من هذه النقاشات البؤرية على الإناث. كذلك قام المركز بمقابلة 25 شخصية من السلطة المحلية شملت محافظين ومسؤولين في الحكومة إلى جانب 16 مسؤولا أمنيا وعسكريا و14 من قيادات الجماعات المسلحة المحلية و3 أفراد من تلك الجماعات. بالإضافة إلى ذلك أُجريت مقابلات مع عشرات من قيادات المجتمع المدني وكذا ممثلي المنظمات الدولية الناشطة في اليمن.
يجدر الإشارة في هذا الصدد أن معظم المقابلات التي نفذها المركز تمت من خلال باحثين محليين تم تدريبهم والإشراف عليهم من قبل استشارية المركز، حيث يقيم هؤلاء الباحثون في ذات المناطق التي طُلب منهم تنفيذ البحث فيها، وبهذا كانوا على وعي تام ودراية شاملة بالحساسيات المختلفة. ومن خلال روابطهم وعلاقاتهم فقد تمكن هؤلاء الباحثون من الوصول إلى مجموعة عريضة من الفاعلين والمؤثرين المحليين. في عدن أجرت استشارية المركز مقابلات أخرى إضافية خلال الأسبوعين الأوليين من شهر أكتوبر 2016. سعى المركز إلى أن تشمل المقابلات عينة متنوعة من الأشخاص من حيث النوع الاجتماعي والانتماء والميول السياسي والسنّ والموقع الجغرافي. حيث أُجريت المقابلات باتباع طريقة الأسئلة المفتوحة من خلال استبيان يحدد المواضيع التي يركز عليها البحث في كل مقابلة وحوار , وشمل كذلك التأكيد على طرح أسئلة متابعة بهدف الإيضاح والاستنتاج أو مزيد من التفاصيل عن تجربة الشخص المشمول بالمقابلة.
إن هذا التقرير لا يعد مسحاً يرمي إلى تقديم نتائج أو استنتاجات يمكن التعويل عليها إحصائياً. حيث يبني المركز هذه الدراسة على نتائج دراسات كمية هامة نفذها آخرون. ويسعى المركز من خلال هذا التقرير إلى تقديم آراء وإفادات مفصلة للمدنيين عن الصراع وعن الفاعلين الأمنيين في اليمن وكذلك حول الأولويات الرئيسية من وجهة نظرهم من أجل معالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين وتجنب تكرار دورات العنف وتعزيز السلم الاجتماعي والأهلي. كذلك لم يركز هذا التقرير على توثيق انتهاكات الأفراد للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وإنما انصبّ تركيزه على تحديد الأنماط الرئيسية للأضرار التي لحقت بالمدنيين من قبل أطراف الصراع.
ومن أجل أمن وخصوصية المشمولين بالمقابلات المدنيين والعسكريين على حد سواء وحمايتهم من أي تداعيات لاحقة, فإن مركز المدنيين في الصراعات يحتفظ بأسماء هؤلاء وكذا المعلومات التي يمكن أن يُعرفوا من خلالها في هذا التقرير.
يركز هذا التقرير على أنماط الأضرار التي لحقت بالمدنيين كما يشرحها المدنيون انفسهم وتحديداً في مناطق الخطوط الأمامية ومناطق المواجهات التي شهدت قتالا واشتباكات شديدة بين مقاتلي الحوثي المسنودين من قبل وحدات عسكرية موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح من جانب, وبين مقاتلين محليين تدعمهم قوات موالية للحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية. وهذه المناطق تشمل عدن وتعز ومأرب, كذلك يركز هذا التقرير على مدينة المكلا حيث وقعت اشتباكات بين عناصر من تنظيم القاعدة وقوات جنوبية مدعومة من التحالف. إضافة إلى ذلك يتضمن هذا التقرير مقابلات مع مواطنين مدنيين في العاصمة صنعاء والتي شهدت قصفاً متواصلاً وشديداً من قبل التحالف منذ 26 مارس 2015. لهذا، لذا لا يزعم هذا التقرير بأنه قد أحاط بكافة أنماط وآثار الضرر التي أصابت المدنيين في كافة أنحاء اليمن.


خلفية
في 2011 بعد عام من احتجاجات سلمية شعبية واسعة شكلت جزءاً مّما أصبح يعرف فيما بعد ب "الربيع العربي", أُجبر علي عبد الله صالح والذي ترأس مقاليد الحكم في اليمن لفترة طويلة تقدر بثلاثة وثلاثين عاما، على التنحي عن السلطة وتسليمها إلى نائبه عبد ربه منصور هادي. ظهر حينها تحالف صالح مع الحوثيين، ويعتبر الحوثيين جماعة من الشيعة الزيدية ظهرت في محافظة صعدة في الشمال في التسعينيات من القرن الماضي وقاتلت حكومة صالح في دورات حروب متقطعة في الفترة من 2004- 2010. في 21 سبتمبر 2014 تمكنت قوات حوثية مسنودة بقوات موالية لصالح من السيطرة بسهولة على العاصمة صنعاء. وفي الأشهر التي تلت ذلك توسعت قوات الحوثي وصالح إلى عدة محافظات في البلد واقتحمت منزل الرئيس هادي وقتلت 11 من افراد حراسته الخاصة ووضعت الرئيس هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح ووزراء حكومته قيد الإقامة الجبرية مما أدى إلى استقالته وكامل أعضاء حكومته في يناير 2015.
في أوائل فبراير 2015, حلت جماعة الحوثي مجلس النواب وأعلنت عن ما سُمي "الاعلان دستوري" في الوقت الذي استمرت في التقدم عسكريا نحو الجنوب ومحافظات رئيسية في المنطقة الوسطى، وكانت هذه الاحداث بداية اندلاع حرب أهلية دامية في اليمن كما تسببت بتدخل عسكري أجنبي. وفي 26 مارس 2015 شن تحالف من 10 بلدان تقوده السعودية حملة عسكرية تكونت بصورة رئيسية من غارات وضربات جوية لإعادة الرئيس هادي إلى السلطة وإنهاء انقلاب الحوثي-صالح. حتى الآن لم تنجح عملية السلام برعاية الأمم المتحدة في تقديم حل لهذا الصراع, ولم تسفر ثلاث جولات من محادثات السلام بين حكومة هادي وتحالف الحوثي-صالح والتي انعقدت في يونيو 2015 وديسمبر 2015 وبين أبريل وأغسطس 2016 عن أي تقدم يذكر. وفي 28 نوفمبر 2016 شكل الحوثيون مع حزب صالح حكومة جديدة وهي خطوة وصفها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن بأنها "عقبة جديدة وغير ضرورية في طريق السلام في اليمن".
إن الصراع الحالي ترجع أسبابه جزئياً الى اتفاقية مجلس التعاون الخليجي في 2011 والتي باتت تعرف إعلاميا ب " المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية " والتي هدفت إلى تخفيف التوتر السياسي في أعقاب احتجاجات العام 2011 التي قادها الشباب ونصت على فترة انتقال سياسي من عامين. غير أن هذه الاتفاقية قد أخفقت في معالجة أسباب النزاع في اليمن وفي تمثيل واستيعاب مطالب جميع الأطراف واقتصرت على إعادة تدوير النخب السياسية متجاهلة بصورة واسعة مطالب المحتجين الساخطين بسبب الوضع الذي وصلت اليه البلاد. ولم يُمثل الشباب والجنوبيون والحوثيون خلال عملية التفاوض حول بنود تلك الاتفاقية ولا عند توقيعها. ومع أن صالح قد تنحى عن السلطة فقد سمحت له هذه الاتفاقية باستمرار مزاولة النشاط السياسي فاحتفظ برئاسة المؤتمر الشعبي العام، أكبر أحزاب اليمن في البرلمان، وأبقى سيطرته على معظم وحدات القوات المسلحة والأمن بما في ذلك أفضلها تجهيزاً وتسليحا وتدريباً.
ووفقاً لهذه الاتفاقية أصبح نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي الرئيس الجديد بعد أن تم انتخابه كمرشح وحيد في انتخابات غير تنافسية وذلك في فبراير 2012, ومنذ لحظاتها الأولى وجدت الحكومة الانتقالية –والتي تقاسمها مناصفةً حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة المتمثلة في تكتل اللقاء المشترك وهم يمثلون النخبة السياسية في البلد- لتجد حكومة الوفاق الوطني نفسها عالقة في نزاعات سلطة بين النخب. في غضون ذلك استمرت أوضاع المعيشة في التدهور وازداد الوضع الاقتصادي سوءاً مع انتشار الصراعات العنيفة وتعثر العملية السياسية.
مثّل مؤتمر الحوار الوطني جزءاً رئيسياً في خارطة طريق الانتقال السياسي التي تمت بوساطة من مجلس التعاون الخليجي وبدعم من المجتمع الدولي. شارك في هذا المؤتمر 556 شخصاً يمثلون الأحزاب السياسية وفئات أخرى شملت الحوثيين والشباب والنساء. غير أن هذا المؤتمر انهار بسبب إخفاق المشاركين فيه في حل الخلاف حول موضوع توزيع السلطة.
بعد فترة قصيرة من اختتام مؤتمر الحوار الوطني أقرت لجنة رئاسية استحدثها الرئيس هادي نظاماً فيدرالياً جديداً يقسم اليمن إلى ستة أقاليم افتقرت هذه العملية إلى مداولات ونقاشات كافية وكذلك إلى الشمولية وعارضها كثيرون بما فيهم الجنوبيون الذين أرادوا على الأقل ترتيبات بإقليمين شمال-جنوب بحدودهما القائمة قبل الوحدة مايو 1990، كذلك عارضها الحوثيون الذين رأوا بأن الاتحاد المكون من ستة أقاليم يحصرهم في إقليم فقير الموارد وبدون منفذ بحري.
في غضون ذلك أعطى إخفاق الحكومة في تحسين الظروف المعيشية لليمنيين فرصة للحوثيين للحشد ضدها. وتفاجئ الكثيرون في اليمن أن الحوثيين قد قاموا بذلك بالتحالف مع صالح الذين خاضوا ضده ست جولات من الحروب بين 2004 و2010. هذا التحالف كان معنياً بصورة رئيسية بهزيمة عدو مشترك لهم هو حزب الإصلاح أكبر أحزاب المعارضة في البلد. وكان حزب الإصلاح قد دعم احتجاجات الشباب ضد صالح وتمكن من كسب تأثير كبير في السلطة بعد انتفاضة الربيع العربي في اليمن. وقد برهن تحالف الحوثي وصالح على نحو يثير الدهشة قدرته على الاستمرار وتحول اهتمامه الرئيس من اجتثاث حزب الإصلاح والسيطرة على صنعاء إلى الاستيلاء على كامل البلد بحلول العام 2015.
أخفقت عملية الانتقال التي بدأت في أواخر 2011 في معالجة المظالم والصراعات السابقة. وانحصر تركيزها على التسوية السياسية فيما بين النخب التقليدية وإعطاء الأولوية للمخاوف الأمنية على حساب الاحتياجات الاقتصادية للشعب ومطالب الاصلاح سياسي. وقد أدى إخفاق عملية الانتقال السياسي إلى تصاعد وتيرة العنف. وتسهم الحرب الدائرة حالياً في تفاقم التوترات الداخلية وعرقلة ملامح الحل بل وتزيد المظالم السابقة سوءاً وتعقيداً.
قضايا إنسانية
كانت الجمهورية اليمنية قبل العام 2014 في وجه تحديات جمة على عدة أصعدة بما فيها شحة الغذاء والمياه واتساع رقعة الفقر والفاقة وحالة ركود اقتصادي إلى جانب معدلات مرتفعة في نمو السكان واختلالات حادة بين مناطق الحضر والريف وأمية واسعة بين النساء. وجاء هذا الصراع ليزيد الطين بلة, ففي تقديرات نُشرت في أكتوبر 2016 أشارت وكالات الأمم المتحدة إلى أنه منذ مارس 2015 حصدت الحرب أكثر من 7000 حياة و37000 مصاب. ومن بين سكان اليمن البالغ عددهم 27.4 مليون إنسان يعيش النصف منهم تقريباً في مناطق متضررة من الصراع بصورة مباشرة, ويحتاج ما يقرب من 18.8 مليون إلى شكل ما من المساعدات الإنسانية بمن فيهم 10.3 مليون طفل في حاجة ماسة وشديدة لهذه المساعدات.
في نفس السياق يعاني أكثر من 7 ملايين شخصا من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد, ويعاني 2 مليون شخص من سوء التغذية أو من المجاعة لا سيما في مناطق الريف. ومن بين هؤلاء 1.3 مليون طفل من بينهم 320000 يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم. ومنذ يناير 2014 دفع الصراع 3.27 مليون إنسان إلى النزوح الداخلي في بلد يفتقر إلى المخيمات لاستيعاب ضحايا النزوح. ويصبح هؤلاء مشردون بالفعل في ظل عدم وجود أقارب يقدمون لهم المساعدة. علاوة على ذلك فان اقتصاد البلد يتهاوى وتنهار الخدمات الأساسية فيه/ على ضعفها، وبشكل متسارع. ويتعذر على 14 مليون يمنيا, منهم 8.3 مليون طفل, الحصول على خدمات الرعاية الصحية بسبب النقص المزمن والحاد للأدوية وانقطاع المرتبات اضافة الى الدمار الذي خلفه الصراع.
كذلك وصل عدد الأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس الى أكثر من 3 مليون طفل ومنذ اندلاع الصراع تسرب أكثر من 1.8 مليون طفل من التعليم. ولا تزال 1600 من المدارس موصدة الأبواب بسبب غياب الأمن أو الأضرار المادية التي لحقتها أو بفعل استخدامها كملاجئ للنازحين. كذلك أثرت المخاوف المرتبطة بالعنف وانعدام الأمن بصورة سلبية على القدرة على إيصال المساعدات الانسانية في اليمن.
اللاعبون الأساسيون في اليمن
الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي: تعمل الحكومة في المنفى في الرياض منذ 26 مارس 2015. وقد بذلت عدة محاولات للانتقال إلى عدن خلال العام 2016, إلا أن تواجدها في اليمن يظل محدوداً ورمزياً. فقد انتقل رئيس الوزراء وعدة وزراء معه إلى عدن لفترات قصيرة خلال العام المنصرم ولكن لا تزال الحكومة تعمل بشكل رئيسي من الرياض.
سلطة الحوثيين في صنعاء: وهذه يسيطر عليها تحالف الحوثي-صالح, وتتألف بصورة رئيسية من المؤتمر الشعبي العام, الحزب الحاكم خلال حكم صالح ومن مواليين لجماعة الحوثيين (الذين يُعرّفون أنفسهم رسمياً بأنصار الله). إلى جانب العاصمة صنعاء تبسط هذه السلطة سيطرتها على محافظات صنعاء وعمران وذمار وصعدة والحديدة وإب وأجزاء من محافظات حجة وتعز والجوف.
السلطات المحلية في المحافظات: والموجودة على مستوى المحافظة والمديرية. وتعاني السلطات المحلية منذ زمن من التهميش وقلة التمويل ويتفاوت نفوذ السلطة المحلية ومقدرتها على الحكم بين محافظة وأخرى. حيث يعمل مسؤولو السلطة المحلية مع فاعلين غير رسميين بدعم أحياناً من التحالف وقوات حكومة هادي لتحسين الأمن. وعندما انهارت حكومة هادي في يناير 2015 توقف الدعم المادي للسلطات المحلية.
المقاومة: حين تقدم مقاتلو الحوثي في اتجاه البيضاء وتعز ومأرب والجنوب حملت فئات مدنية محلية وقبائل وانفصاليون السلاح لمواجهتهم وللدفاع عن مناطقهم. وفي مناطق حضرية مثل تعز وعدن لم يكن لدى الغالبية من هؤلاء خبرة في القتال ولا كيفية التعامل مع الأسلحة. هذه الجماعات أصبحت تُعرف وبصورة واسعة باسم "المقاومة" وغالباً ما يُشار إليها في وسائل الإعلام الدولية كقوات "موالية للرئيس هادي" أو "مدعومة سعودياً". ونظراً للاسم الأكثر شيوعاً فإن هذا التقرير سيشير إلى هذه القوات باسم "المقاومة".
أنماط الأضرار المدنية
يقع النصيب الأكبر من الاضرار على المدنيين رجالاً ونساءً منذ بداية الحرب الأهلية في سبتمبر 2014 ليزداد هذا الوضع سوءاً مع التدخل السعودي في مارس 2015. وفي هذا السياق أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بمقتل 7 ألف إنسان وإصابة 37 ألف آخرين منذ دخول التحالف في هذا الصراع.
يندرج في أنماط الأضرار المدنية كما يشرحها الذين تم استطلاع آراءهم في هذا التقرير القتل والإصابات وتدمير الممتلكات والاخفاء القسري والنزوح الاجباري فراراً من القصف والضربات الجوية وهجمات القناصة في عدن ومأرب والمكلا وتعز وصنعاء. تتشاطر أطراف الصراع جميعها في اليمن مسؤولية إلحاق الضرر بالمدنيين, فقد أخفقوا في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة للتقليل إلى أدنى حد من الأضرار على المدنيين خلال العمليات العسكرية. وفي بعض الحالات تظهر التقارير بأنه كان هناك استهدافا متعمدا للمدنيين.

أعمال القنص وقصف مناطق مدنية
منذ بدء الصراع, تورطت قوات الحوثي و صالح في هجمات على مدنيين وعلى اهداف مدنية, بما في ذلك قصفها لمناطق اهلة بالسكان المدنيين ومرافق طبية ومدارس وغيرها من مرافق البنية التحتية المدنية. ويُلقي مدنيون في كل من عدن وتعز باللائمة على قوات الأمن الخاصة (والمعروفة أيضاً باسم الأمن المركزي) وقوات الحرس الجمهوري –و كلاهما لا يزال يدين بالولاء لصالح- في شن هذه الهجمات. ففي عدن جرت اشتباكات بين قوات الأمن المركزي المتمركزة في المدينة وبين قوات موالية للرئيس هادي وذلك في 19 مارس 2015، وقد ذكر مدنيون في عدن أن قوات الأمن المركزي انضمت إلى قوات الحوثي وصالح حين اقتحمت المدينة في وقت لاحق من نفس الشهر.
وبحسب إفادة امرأة من عدن في الثلاثين من عمرها, شنت قوات الأمن المركزي هجمات على مدنيين بمقذوفات الكاتيوشا ومدفعيات الهاون والأسلحة الثقيلة والرشاشات والقنابل اليدوية عندما رفعت المقاومة سلاحها لمواجهة قوات الحوثي وصالح. يقول رجل شاب من عدن في الثامنة والعشرين من عمره " قصفت دبابات الأمن المركزي حارات المدنيين في عدن في شهر مارس 2015 عند بداية الحرب, وقتلوا النساء والأطفال بسبب قصفهم العشوائي, كما قصفوا مرافق خدمات مدنية بما فيها مضخات المياه ومحطات الكهرباء ومرافق صحية".
وعلى غرار ما حدث في عدن, ساعدت قوات الأمن المركزي المتمركزة في مدينة تعز في دخول قوات الحوثي وصالح إلى المدينة وهاجمت أحياء مدنية، ففي مارس 2015 فتح جنود من الأمن المركزي النار على محتجين سلميين من دون توجيه إنذار واستعانوا بقناصة وقد خلف هذا مالا يقل عن سبعة قتلى و83 مصابا وذلك في حادثتين منفصلتين.
اشتكى العديد من المدنيين في عدن وتعز من القناصة متهمين قوات الحوثي وصالح بذلك. ووفقاً للجنة خبراء اليمن التابعة للأمم المتحدة ففي عام 2015 استخدمت قوات الحوثي وصالح قناصة متمركزين في سطوح مبان لاستهداف أشخاص كانوا يبحثون عن مكان وملاذ آمن أو يسعون للحصول على رعاية طبية أو غذاء. وبحسب بيان صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لقى 42 مدنياً مصرعهم في تعز خلال النصف الثاني من أغسطس 2015 نتيجة لهجمات القناصة وقصف من قبل حوثيين. وذكر مدنيون في كلا المدينتين بأن قناصة الحوثيين استولوا على العمارات الطويلة بما في ذلك فنادق بارزة ومبانٍ مطلة واستهدفوا من خلالها مدنيين. ورأى العديد من المدنيين بأن هذه الهجمات كانت مدروسة وهدفت إلى زرع الخوف وإجبار مقاتلي المقاومة على الاستسلام. في تقريرها الصادر في شهر نوفمبر 2016, وثقت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان, وهي منظمة يمنية غير حكومية, 32 حالة من القصف العشوائي خلال الفترة ما بين أبريل 2015 ومارس 2016 في تعز. ويُلقي هذا التقرير باللوم على قوات الحوثي وصالح لشنها معظم هذه الهجمات على أحياء مدنية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. وذكر التقرير أن حالة قصف واحدة كانت موجهة إلى المقاومة.
إفادة رجل من تعز عمره 51 سنة
أنا مالك لعمارة في منطقة الحَصِب في بير باشا. في بداية الحرب, اضطررت بسبب الاشتباكات الشديدة في الحَصِب أن انتقل مع زوجتي وبناتي إلى منزلي الآخر في حي ديلوكس حيث أعمل. انضم إلي في هذا البيت والدة زوجتي وإخواني وبنات أختي الذين انتقلوا من منازلهم ليسكنوا معنا في هذا البيت. في 23 أغسطس 2015 كنت مع أسرتي في واحدة من الغرف حوالي 10:30 مساءً حين سقط صاروخ داخل بيتي. فقدت الوعي على إثرها ولم أستعيده إلا عندما كان هناك أناس يسحبونني من تحت الأنقاض. قُتل في هذا القصف اثنتان من بناتي وثلاث من بنات أختي, كما فقدت اثنتان من بنات أختي أرجلهن. أتى هذا القصف بالدمار الكامل على الدور الثالث وقسم من الدور الثاني. أما بالنسبة لعمارتي الأخرى في الحَصِب فقد تعرض الدور الأول للنهب, والدوران الأول والثالث تم تدميرهما بقذائف الهاون, كما نُهبت خزنتي التي أحتفظ فيها بما أملكه من مال وذهب وساعة ذهبية وجنبية ثمينة, تساوي قيمتها جميعاً حوالي 30 مليون ريال يمني (100000 دولار أمريكي). لقد فقدت أسرتي ومنزلي وما أملك من مدخرات وأنا الآن أعيش في منزل للإيجار بعد أن كنت أملك عمارتين. لقد كنت مستور الحال أما الآن بالكاد أدبر حالي.
هذا المقذوف هو كاتيوشا أطلقته قوات الحوثي. لقد قصفوا حينها بكثافة. لم أرفع أي شكوى ولا أعلم عن أي سلطة تتلقى الشكاوى. لا يبدو أن حكومة هادي تهتم, والدعم الذي تقدمه المنظمات الإنسانية محدود. من هم في الحكومة فاسدون, وحسبهم أن يهتموا بمصالحهم الشخصية. السلطة المحلية في هذه المدينة غير فعالة.
إفادة ناشطة (36 سنة) لقي أخاها مصرعه في 7 أبريل 2015 في عدن
في مثل هذا اليوم والوقت تماماً منذ عام كنا نعيش لحظات رعب لا توصف. الظلمة تسكن أحداقنا, لا كهرباء ولا ضوء ينير سوى ومضات الصواريخ والكاتيوشا المنهالة علينا من كل حدب وصوب. جيراننا نزلوا من الأدوار العليا للاختباء بالدور الأسفل في بيتنا. أمي المنهارة تماماً لم تتوقف عن البكاء لحظة واحدة, كأن حدسها يخبرها بالكارثة التي سنعيشها لاحقاً. لم تفلح تطمينات جارتنا لها. تذهب أمي إلى الغرفة الأخرى التي ينام أحمد فيها وهو الذي عاد مبكراً على غير عادته لينام (نومه الأخير). نام عميقاً حتى خلت أنه مات أو أصابته شظايا وهو نائم. أخفت أمي تليفونه وأغلقت تلفون المنزل بعد أن علمت أن صديقه الخضر العسل استشهد برصاص قناص. أخبرناه بذلك في الصباح, وحين خرج لم يعد إلينا. لقد اختطف حياته قناص ذلك اليوم عندما كان يحاول أن يسعف شخصاً آخراً أُصيب بطلق ناري إلى المستشفى. لم يستطع أصحابه من إنقاذه لأن القناصة كانت تستهدف أي شخص يقترب من المصابين. لقد كان في منتهى الشجاعة حين خاطر بحياته حيث مكث مطروحاً بعد إصابته ونزف حتى مات. وكان يمكن إنقاذ حياته لو سمح القناصة لآخرين بإسعافه. حين ذهبنا إلى المستشفى شاهدنا الممرضة تبكي. أخبرتنا بأنه قد أنقذ حياة شخصين في وقت سابق ذلك اليوم حيث أحضرهم إلى المستشفى لكنه قضى نحبه وهو يحاول إنقاذ حياة ثالثة.
اليوم وبعد عام أعيش تلك التفاصيل بحذافيرها. جاء أخي إلى الدنيا خلال حرب 1994 على عدن وغادرها في حرب 2015 على عدن أيضاً. كذب من قال أن الحزن والوجع يبدأ كبير ثم يصغر، فهو في حالتي يكبر كل يوم.

منعت هجمات القناصة إلى جانب القصف الشديد لأحياء سكنية المدنيين من الحصول على المواد الغذائية وعلى احتياجاتهم الأساسية كالماء والخدمات الصحية. بهذا الخصوص يتذكر رجل في السابعة والأربعين من عمره في تعز فيقول "حين بدأت الاشتباكات نهاية مارس 2015, كان منزلنا في منطقة تبادل إطلاق النار فاخترق الرصاص العديد من الغرف فيه. لذلك أرسلت عائلتي إلى الريف حيث الأمان وبقيت أنا وكبرى بناتي في البيت. كنا نختبئ في الطابق الأرضي لأنه كان أكثر أماناً من الطوابق العلوية. كان الخروج من المنزل بمثابة مهمة انتحارية بسبب القناصة وكان من الصعب جداً العثور على بقالة ولو وُجدت بقالة مفتوحة فإن الذهاب إليها كان محفوفاً بالمخاطر". وذكرت امرأة شابة في عدن عمرها 29 سنة بأنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى بقالة لأيام بسبب القصف والقناصة ولم تتمكن بسبب ذلك من شراء الحليب لرضيعها طوال تلك المدة.
جرى استهداف مدنيين بمن فيهم نساء وأطفال وعلق الكثير منهم في مناطق الصراعات بسبب رصاص القناصة. وهذا الوضع يشرحه رجل من تعز في السابعة والثلاثين من عمره:
حين تقدمت المقاومة إلى ثعبات, تعاملت قوات الحوثي-صالح مع الحيّ كمنطقة عسكرية على الرغم من كثافة القاطنين فيه. لقد قصفوا ودمروا الكثير من المنازل وقصفوا كذلك سيارتي ومحل بقالتي. والدي أرداه قتيلاً أحد القناصة حين كان يصلي الفجر في الطابق الثالث. لقد خسرت منزلي ودخْلي ووالدي. كان حيّ ثعبات يخضع لهجمات مكثفة من قبل قناصين ولم نتمكن من زيارة جيراننا أو أسرنا لأنه كان يتملّكنا الخوف والقلق من أن نُقتل من قبل القناصة. عشنا أياما في الجحيم.
تُتهم قوات الحوثي وصالح كذلك بقصف مناطق مدنية بما فيها أسواق مزدحمة. وتصف امرأة في الثانية والأربعين من عمرها كيف أن أحد أبنائها (17 سنة) لقي حتفه, فيما أُصيب ابنها الآخر (15 سنة) بالشلل على إثر قصف الحوثيين لسوق تجاري في منطقة المسبح في تعز في سبتمبر 2015. ووفقاً لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان, لقي 18 مدنياً مصرعهم وأُصيب 68 آخرون في 3 و8 يونيو 2016 حين قصف الحوثيون عدة مناطق سكنية وأسواق في تعز.


الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
ساندت الولايات المتحدة ولا تزال التحالف الذي تقوده السعودية وزودته بدعم لوجيستي (من ضمنه تزويد الطائرات بالوقود في الجو) وكذلك بالمعلومات الاستخبارية إلى جانب تقديم النصح حول "الالتزام بقانون الصراعات المسلحة" و "الممارسات الفضلى للتقليل من خطر اصابة ضحايا في صفوف المدنيين".
منذ مارس 2015 ساهمت الولايات المتحدة في تمويل المساعدات الإنسانية بمبلغ 327 مليون دولار. والولايات المتحدة هي أيضاً أكبر مزود أسلحة للسعودية, وصادقت في نوفمبر 2015 على صفقة مبيعات أسلحة بمبلغ 1.3 مليار دولار لتغذية ما تم استنزافه من ذخيرة في هذه الحرب. ولكن مع ارتفاع القتلى من المدنيين وتفاقم الوضع الإنساني, وفي أعقاب القصف الجوي على صالة عزاء في صنعاء في شهر أكتوبر 2016 أعلنت الولايات المتحدة عن مراجعة للمساعدة الأمنية التي تقدمها للسعودية وأشارت بالقول إلى "إن تعاون الولايات المتحدة الأمني ليس شيكاً على بياض". وفي 12 أكتوبر 2016, قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش إرنست بأن مساعدة الولايات المتحدة "تقتصر أساساً على الدعم اللوجستي, ونتبادل معهم معلومات استخبارية لكننا لا نحدد الأهداف لهم, والسعوديون وشركاؤهم يستفيدون من بعض المعلومات الاستخبارية التي نجمعها لكنهم يتخذون قرارات الاستهداف بأنفسهم". وفي 31 أكتوبر 2016 خلال اجتماع لمجلس الأمن حول اليمن, دعت الممثل الدائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة سامنثا باور إلى وقف الأعمال العدائية ووضع نهاية للقصف والضربات الجوية. في ديسمبر 2016 قررت الولايات المتحدة ألّا تمضي قدماً بخصوص المبيعات العسكرية الخارجية للسعودية للذخائر التي تُطلق من الجو بسبب مخاوف من الحاق خسائر في صفوف المدنيين في اليمن. وعبر مسؤول عن مخاوفه إزاء مشاكل "ممنهجة ومتوطنة" في أساليب الاستهداف التي تمارسها السعودية في اليمن.
وتدعم المملكة المتحدة أيضا التحالف الذي تقوده السعودية. وبحسب وزير دفاع المملكة المتحدة, فإنه "بمقتضى ترتيبات طويلة الأجل" مع السعودية تقدم القوات البريطانية التدريب والمشورة للسعودية "حول الممارسات الفضلى في أساليب الاستهداف للمساعدة في ضمان الامتثال المستمر بالقانون الدولي الإنساني", لكن ليس لهذه القوات أي دور عملياتي. أيضاً باعت المملكة المتحدة أسلحة بقيمة 3.3 مليار جنيه إسترليني, غير أن صادرات الأسلحة تخضع "لمراجعة دقيقة ومستمرة" عقب تزايد وقوع الخسائر في صفوف المدنيين والقصف الجوي على صالات العزاء في اليمن.

القصف الجوي للتحالف
منذ 26 مارس 2015, أدى قصف التحالف بقيادة السعودية الى مقتل واصابة مدنيين, وأدى الى تدمير مرافق ومنشئات عامة بما في ذلك جسور ومصانع ومرافق رعاية صحية ومدارس. في يناير 2016 خلصت لجنة خبراء اليمن التابعة للأمم المتحدة إلى أن استهداف المدنيين من خلال القصف الجوي والتعامل مع مدينة صعدة بكاملها وخاصة منطقة مران في صعدة كهدف عسكري من قبل التحالف ينتهك مبادئ التمييز والتناسبية والحيطة. في بيان له صدر في مارس 2016 قال المفوض السامي لحقوق الإنسان أن التحالف الذي تقوده السعودية هو مسؤول عن الخسائر الأكبر في صفوف المدنيين وبما يساوي ضعفي جميع الخسائر التي تسببت فيها كافة القوى الأخرى مجتمعة. وأفاد تقرير آخر للأمم المتحدة بأن التحالف مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال في الحرب.
أفاد بعض المدنيين الذين أجرى معهم المركز مقابلات في تعز ومأرب وعدن بأن القصف الجوي استهدف هذه المناطق بسبب تواجد الحوثيين فيها. تقول امرأة من مأرب في الأربعين من عمرها "توقفنا عن إرسال أطفالنا إلى المدارس لخوفنا من أن تتعرض للقصف الجوي فالحوثيون دائما ما يُخيمون في المدارس." وفي بعض الحالات يرى المدنيون بأن التحالف يستهدف بالقصف مناطق سكنية ومنازل وطرق ومزارع ومرافق عامة حتى ولو لم يتواجد فيها الحوثيون. منذ انطلاقة شرارة هذه الحرب تعرضت مرافق تابعة لأطباء بلا حدود لقصف جوي أربع مرات, وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من كادر المنظمة والمرضى في تلك المرافق.
تُعد مديرية صرواح في مأرب واحدة من المناطق التي غفلت التقارير عن أثر الضربات الجوية فيها على المدنيين منذ أن بدأ التحالف بقصف تلك المديرية في أبريل 2015. على هذا الصعيد يتحدث صالح, 51 سنة, الذي فقد 11 فرداً من أسرته بسبب غارتين جويتين منفصلتين في سبتمبر وديسمبر من العام 2015 أنه وأفراد أسرته قد تم قصفهم مع أنهم فضلوا الحياد وامتنعوا عن الانحياز إلى أي جانب سواء الحوثيين أو المقاومة:
كنت في صنعاء وطُلب مني أن أعود إلى صرواح بسبب حالة طارئة. عندما وصلت إلى المنطقة صادفت رجلين كان كل منهما ينظر الى الاخر وسمعت أحدهم يهمس في أذن الآخر "هل نخبره ما حدث؟" سألتهما عمّا حدث وأخبروني بأنهم قد انتهوا لحظتها من دفن عشرة رجال. أصبت بالصدمة حينما أخبروني بأسماء الراحلين وكان منهم أخي وأبناء عمومتي وأنسابي. قضى هؤلاء نحبهم في قصف جوي في ديسمبر 2015, وكلهم مدنيون ليس لهم أية صلة بأي طرف في هذا الصراع. أخي كان شيخاً, وقد نجح في فض نزاعات وسعى لإحلال السلم في المنطقة. لم يكونوا حتى في مكان قريب من منطقة الاشتباكات, فالمكان الذي كانوا فيه يقع على بعد أكثر من 40 كيلو متر من جبهات القتال. كان هؤلاء الرجال في مخزن (هنجر) يمضغون القات ]أوراق تصنف كمخدر خفيف يمضغه اليمنيون عادةً في فترة ما بعد الظهيرة واثناء لقاءاتهم الاجتماعية اليومية[. كانوا يظنون أنهم بمنأى عن الخطر, وفجأةً ضرب صاروخ الهنجر فأنهى حياة عشرة رجال على الفور, وأُصيب واحد منهم بإصابة بالغة. كان نساء وبنات هؤلاء الرجال في منزل مجاور والذي تدمر أيضا بسبب القصف الجوي لكنهن نجون ليعشن كأرامل ويتيمات ما تبقى من حياتهن.
بالإضافة إلى ذلك, كان صالح أيضاً قد فقد أخته في قصف جوي سابق في الصحراء في سبتمبر 2015. يتذكر صالح هذا الحادث المأساوي بالقول "لم أتعافى بعد جرّاء رحيلها. لم نتمكن حتى من العثور على أشلاء جسدها. كان كل شيء متفحماً إلى درجة تعذر علينا أن نميز الأشلاء الآدمية عن أي شيء آخر".
في حادث آخر, وبحسب إفادة من مؤسسة مأرب للإعلام وهي منظمة محلية عملت على رصد وتوثيق حوادث القصف الجوي في صرواح فإن إحدى هذه الغارات في 29 أكتوبر قضت على أسرة بكاملها فأتت على الأب والأم وولديهما وابن أخته حينما كانوا يقطفون محصول البرتقال في مزرعتهم بوادي حباب. وهذه المنطقة تبعد أكثر من ثلاثين كيلو متر عن منطقة الاشتباكات بين الحوثيين والمقاومة.
في محافظة حضرموت حيث شن التحالف الذي تقوده السعودية عملية لطرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا في أبريل 2016, اشتكى المدنيون بأن الغارات الجوية استهدفت أماكن سكنية حتى عندما لم تكن القاعدة متواجدة فيها. وذكر مشاركون في مجموعات بؤرية أن التدمير قد طال 70 منزلاً وأدى إلى نزوح 120 أسرة أواخر أبريل 2016 بسبب قصف طيران التحالف. وفي مديرية الشحر أفادت امرأة بأن غارة للتحالف استهدفت في 24 أبريل مبنى لإدارة الأمن فتسببت في انفجارات ثانوية دمرت ما يزيد عن ثلاثين منزلاً وعشرين سيارة وألحقت الإصابة باثني عشر مدنياً. تقول هذه السيدة "لم تكن عناصر أنصار الشريعة ]فصيل تابع لتنظيم القاعدة[ متواجدة هناك, لأنهم كانوا يعلمون بقدوم التحالف. لقد غادروا المدينة في لمح البصر تماماً كما استولوا عليها في لمح البصر".
كذلك استهدفت الغارات الجوية ضرب منشآت تجارية محلية. حول هذا ذكر رجل (39 سنة) من ساكني حي جول مسحة في مدينة المكلا بأن التحالف دمر مصنعاً له بكل ما فيه من معدات وأجهزة بثلاث ضربات جوية في 24 أبريل 2016. كان هذا المصنع قد اُفتتح في يناير 2016، ولم تكن القاعدة متواجدة في هذه المنطقة وفقاً لإفادته. أما امرأة في الخامسة والخمسين من عمرها والتي دُمّر منزلها في المكلا من قبل التحالف فتقول "كانوا على علم بأن القاعدة قد غادرت المكان أصلاً ولم تكن موجودة في المقام الأول. لقد كان عناصر القاعدة في المجمع القضائي كما كانوا نازلين في فنادق ضخمة في المكلا".
في السياق ذاته , تزعم الغرفة التجارية بصنعاء بأن الضربات الجوية للتحالف قد ألحقت الضرر أو دمرت ما لا يقل عن 196 منشأة تجارية في الفترة بين 26 مارس 2015 و17 فبراير 2016. ولم تذكر الغرفة التجارية والصناعية فيما اذا كانت قوات الحوثي وصالح قد استخدمت أي مواقع اقتصادية او صناعية لأغراض عسكرية.
رد التحالف بقيادة السعودية على مزاعم بإلحاق الضرر بالمدنيين
في فبراير 2016, ورداً على تقارير واسعة عن خسائر في صفوف المدنيين, شكّل التحالف لجنة للتحقيق في مزاعم بأضرار أصابت المدنيين وعدم التقيد بالقانون الدولي الإنساني من قبل التحالف. وتم تشكيل فريق مشترك لتقييم الحوادث لبحث الخسائر المدنية. تكوّن هذا الفريق من 14 عضواً ذوي خبرات عسكرية وقانونية من كل من السعودية, الكويت, اليمن, قطر, البحرين والإمارات العربية المتحدة. وفي بلاغ صحفي نشره هذا الفريق في 4 أغسطس 2016 رد فيه على ثمان حوادث موضحاً النتائج الأولية للتحقيقات التي قام بها التحالف في ثمان فقرات. تراوحت الاستنتاجات فيها بإلقاء اللوم على المنظمات الانسانية لعدم إبلاغها التحالف بإحداثيات تحرك المعونات التي تقدمها على الارض إلى توصيات بأن تُقدم الأسر المتضررة وثائق رسمية لطلب "تعويضات" من لجنة التعويضات بالتحالف إلى تبرئة ساحة التحالف.
وفي أغسطس 2016, ضربت غارة جوية للتحالف مستشفى عبس –الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود- في محافظة حجة فقضت على 19 شخصاً وأصابت 24 آخرين بجراح, وأصيب المستشفى بدمار جزئي. وفي ديسمبر 2016 خلُص تحقيق الفريق المشترك لتقييم الحوادث إلى أن قوات التحالف "قصفت" عربة متحركة كانت تقل أفراد حوثيين في مدينة عبس وكانت هذه العربة بجوار مبنى يخلو من علامات تُشير إلى أنه مستشفى. وقد دحضت أطباء بلا حدود هذا الاستنتاج للفريق المشترك وأعلنت بأن إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لكافة عمليات هذه المنظمة, بما فيها في مستشفى عبس كانت تقدّم إلى التحالف كل ثلاثة أشهر منذ يوليو 2015 وأنه في 10 أغسطس 2016 –قبل عشرة أيام من وقوع الضربة- كانت تعلو العمارة لوحة كبيرة تحمل شعار منظمة أطباء بلا حدود. وبحسب هذه المنظمة نفسها فإن أربعة من مرافقها قد تم ضربها منذ بدء ضربات التحالف. على هذا الصعيد قال المتحدث الرسمي لفريق التقييم المشترك "قوات التحالف ستقدم اعتذارها للخطأ غير المقصود وتقدم المساعدة المناسبة للمتضررين وستباشر تحقيقاً مع الأشخاص المسؤولين عن الحادث للنظر فيما إذا كانوا قد انتهكوا قواعد الاشتباك المعتمدة وستقوم باتخاذ الإجراء المناسب بخصوص هذا الحادث".
وبعد ان أدت غارات جوية قصفت صالة عزاء في صنعاء الى مقتل 140 شخص في أكتوبر 2016،"قام فريق التقييم المشترك بفحص كافة الوثائق والمستندات المرتبطة بالحادث... وأجرى تقييماً على الأدلة بما في ذلك قواعد الاشتباك وشهادة المختصين المعنيين وأولئك المتورطين في الحادث". وخلُص فريق تقييم الحوادث المشترك بأن "معلومات استخبارية غير صحيحة" أفادت بتواجد قادة حوثيين مسلحين في موقع صالة العزاء في صنعاء. وانه تم تنفيذ علمية الاستهداف بدون الحصول على توجيه من الجهات المعنية في التحالف" و "من دون الالتزام بالإجراءات الاحترازية المعتمدة من قيادة قوات التحالف للتأكد من عدم وجود الموقع ضمن المواقع المدنية المحظورة الاستهداف، ووجه مركز توجيه العمليات الجوية في الجمهورية اليمنية احدى الطائرات الموجودة في المنطقة لتنفيذ المهمة مما أسفر عن وقوع ضحايا واصابات للمتواجدين في الموقع".
خلُص فريق التقييم المشترك إلى أنه ووفقاً للوائح وقواعد التحالف "يجب اتخاذ الاجراءات القانونية بحق الأشخاص الذين تسببوا في الحادثة، والعمل على تقديم التعويض المناسب لذوي الضحايا والمتضررين، وضرورة قيام قوات التحالف فورا بمراجعة تطبيق قواعد الاشتباك والمعتمدة بما يضمن الالتزام بها."
تبايناً مع تصريحات فريق التقييم المشترك, ألقى اللواء أحمد عسيري المتحدث الرسمي باسم التحالف السعودي باللائمة في الصراع على الحوثيين بشكل كامل منكراً أن يكون التحالف قد ألحق المعاناة بالمدنيين. وذكر أن المرافق المرتبطة بالجهد الحربي هي التي ضُربت فقط. وقال العسيري أن الحملة الجوية أوقفت تقدم المتمردين ودمرت 90% من صواريخ وطائرات الحوثيين وضغطت عليهم للانضمام إلى محادثات تهدف إلى إنهاء الحرب. وقال العسيري "المسؤولية هنا هي أساساً مسؤولية المتمردين الذين أطاحوا بحكومة اليمن الشرعية والذين يعيقون تدفق المؤن الإنسانية."
ينبغي ان تستمر جهود التحالف في التحقيق حول تسبب الضربات الجوية في الحاق الضرر بالمدنيين، وإن كان من الواضح انه يجب ان على التحالف ان يقوم باجراءات اكثر بكثير من الذي يقوم به الآن من أجل منع وقوع أضرار بالمدنيين والبنى التحتية. يتعين على هذا التحالف إجراء مراجعة شاملة لقواعد الاشتباك الخاصة باستخدام القوة والإجراءات الحالية لمنع وقوع هكذا حوادث –ولا سيما في مناطق مأهولة بالسكان حيث ترتفع مخاطر إلحاق الضرر بالمدنيين والبُنى التحتية- وكذا يتوجّب على التحالف التأكد من الالتزام بالارشادات التي تكفل التقيد بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والالتزام بقواعد الاشتباك. يجب على التحالف كذلك أن يفحص القوائم الخاصة بالأهداف الممنوع ضربها وإجراءات الاستهداف ومصادر المعلومات الاستخبارية التي تُستخدم لغرض الاستهداف وتنفيذ أنشطة تدريب على منع حدوث الخسائر المدنية وتحسين التنسيق مع المنظمات الإنسانية وكذا مراجعة عملية الموافقة على استخدام القوة. علاوة على ذلك يجب نشر أي إجراءات تحقيق ومساءلة تمت بسبب عدم الالتزام بقواعد الاشتباك, كما أقر بها فريق التقييم المشترك ,علناً على الملأ.
إن جميع أطراف الصراع مطالبون بالتقيد بالقانون الدولي الإنساني والتأكد من أن جميع الجراءات الاحترازات الممكنة قد أُخذت للتقليل إلى أدنى حد من إلحاق الضرر بالمدنيين والمواقع المدنية عند الاشتباكات والعمليات العسكرية. كما يجب على القيادات العسكرية قبل اتخاذ الاوامر باستخدام القوة الأخذ في الاعتبار الآثار المرتبة الثانية والثالثة على المدنيين والناجمة عن تدمير المصانع والمدارس أو حينما تُقصف المرافق الطبية مما يؤدي الى حرمان الناس من الحصول على رعاية أساسية. كما إن اجبار الحوثيين على الوصول الى طاولة التفاوض من خلال تدمير صنعاء وصعدة لا يمكن أن يفضي إلى سلام دائم.
النزوح بفعل الصراع
تسببت الحرب في نزوح أكثر من 3 مليون يمني معظمهم لا يزال عاجزاً عن العودة إلى منازلهم وفقاً لتقرير مشترك لمفوضية اللاجئين العليا التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة. وتقريباً فإن جميع المدنيين المشمولين بمقابلات هذا البحث اما نازحين أو أنهم قد اضطروا الى النزوح في وقت ما خلال الحرب. فقد دفع القصف الكثيف بالمدفعية والقنابل لأحياء مدنية في تعز وعدن ومأرب والمكلا الكثير من المدنيين لإخلاء منازلهم وهجرها. وعند سؤالهم عما فعلوه لحماية أنفسهم خلال مجريات الصراع أفاد الكثير من المدنيين بأنهم قد غادروا منازلهم. "كنا فقط نهرب من حي إلى آخر, لم يكن بوسعنا غير الهرب", والكلام هنا لامرأة (43 سنة) من عدن. في صنعاء ذكر من شملهم البحث من المدنيين بأنهم إما انتقلوا إلى مناطق أكثر أمناً أو اختبأوا في الطوابق الأرضية بعيداً عن النوافذ وتحديداً حين يتناهى إلى سمعهم أزيز طائرات التحالف الحربية. في هذا السياق يقول رجل عمره 55 سنة "لم يكن أمامنا سوى الهروب من مكان إلى آخر, لا يوجد مكان آمن".
أجبر القصف بالمدفعية عدداً كبيراً من المدنيين على ترك منازلهم بحثاً عن أماكن آمنة حتى لو كانت رحلة تحيط بها المخاطر من كل صوب. وكما ورد على لسان امرأة عدنية (30 سنة) "أصبح حيُّنا غير آمن تماماً بسبب القصف المستمر, كنا نعلم بأن الرحلة ستكون خطرة جداً ولكن كانت المغادرة أفضل الخيارات أمامنا، فغادرنا. كانت السيارة تمضي بنا تحت قذائف المدفعية وطلقات القناصة. حشرنا أنفسنا تحت مقاعد السيارة وكنا نسمع أزيز الرصاص والقذائف وهي تتطاير حولنا".
كان خروج الناس ورحلتهم إلى السلامة محفوفة بالمخاطر لعدم وجود ممرات آمنة للمدنيين. بعض المدنيين قضى نحبه وهو يحاول الهروب. في 6 مايو 2015 قُتل 120 شخصا بمن فيهم 40 مدنياً على الأقل أثناء محاولتهم الفرار من عدن بقارب قصفه الحوثيون.
في معظم الحالات ترك من فرَّ من بيته من المدنيين كل ممتلكاتهم خلفهم عندما هرعوا مسرعين للنجاة بحياتهم. تقول امرأة من عدن في التاسعة والعشرين من عمرها وهي تصف رحلتها "كنا نرتعش من الرعب حين تركنا منزلنا. كان القصف شديداً فلم نأخذ أي شيء معنا لا أموال ولا ذهب ولا حتى ملابس. لقد ركضنا فحسب".
حتى أولئك الذين انتقلوا إلى مناطق أخرى, لم يحالفهم الحظ في كل الحالات. فقد ذكر بعض المدنيين بأنهم اضطروا إلى التنقل عدة مرات على سبيل المثال احدهم قال بأنه انتقل من القَلُّوعَة إلى خور مكسر، ثم من خور مكسر إلى إنماء داخل عدن أو من مديريتي صرواح ومجزر إلى مدينة مأرب في محافظة مارب. وهرب بعض المدنيين في عدن إلى مدينة المكلا في حضرموت وإلى العاصمة صنعاء. فيما غادر آخرون إلى محافظات أخرى أو إلى الريف.

امرأة من تعز- "لا يمكنك أن تغالط (تخدع) الموت"
في مايو 2015, قررت أنا وزوجي أن نأخذ أطفالنا الخمسة ونغادر منزلنا... لأنه كان في منطقة اشتباكات وأصبح غير آمن بالمطلق. خرجنا على الرغم من المخاطر حيث كان القناصة ينتشرون في كل المكان. في البداية عشت مع أسرتي ستة أشهر غير أن بيتهم كان صغيراً جداً ولم يتسع للجميع, ولذا استأجرنا شقة صغيرة في الضربة والتي كانت حينها منطقة آمنة. و في 17 مارس 2016 بينما كنا نتجاذب أطراف الحديث في الشقة التي انتقلنا اليها فجأة سمعنا دوي انفجار ضخم رأيت بعدها دخان ونار تخرج من غرفة المعيشة حيث كان زوجي وابنتي وابني جالسين. بقية بناتي كنّ في غرفة أخرى. لا أتذكر بالضبط ما حدث في تلك اللحظة, كنت مصدومة ثم سمعت قذيفة أخرى تسقط في الجوار.ركضت لأبحث عن صغيري فوجدته مغموراً بالتراب والدماء, والشظايا مغروسة في أنحاء مختلفة من جسمه. فقد زوجي وابنتي حياتهما فوراً وعانيت من حروق في جسمي ووجهي وكذا من شظايا في عدة أجزاء من جسمي أيضاً. غرفتان في الشقة تم تدميرهما بالكامل. لا يزال صغيري يعاني من ألم في عينه اليسرى نتيجةً للحادث. قال لي الجيران بأن الضربة من صاروخ كاتيوشا أطلقت من الحوبان وهي منطقة يسيطر عليها الحوثيون.
أُجبر مدنيون في كل من تعز ومأرب على مغادرة منازلهم. وبحسب إفادة قيادي محلي في مديرية صرواح في محافظة مأرب فقد أغلق الحوثيون الطرق ما بين القرى داخل المديرية, وأجبروا الناس على الخروج من منازلهم ثم قاموا بنهبها. يتحدث رجل في الثلاثين من عمره عن كيف أجبره الحوثيون على مغادرة منزله ليستخدموه كقاعدة عسكرية:
تواصل القصف فقررنا نقل النساء والأطفال إلى مناطق آمنة وبقينا نحن الرجال لحراسة المنزل حتى لا يتعرض للنهب من أحد. فجأة وجدنا أنفسنا محاطين بخمسين مسلح من الحوثيين. أرادوا أن يستخدموا منزلنا لأنه يشرف على الجحملية وهي منطقة اشتباكات. كسروا الأبواب ودخلوا المنزل عنوة وكنا نحن في الداخل. كانوا يفتشون كل شيء, بعد ذلك أخذونا أنا وأخوتي ووضعونا في سجن تم احتجازنا فيه لمدة أسبوع. خلال ذلك الأسبوع حولوا المنزل والمنطقة بكاملها إلى مترس. ولم يطلقوا سراحنا الا بعد أن أجبرونا على توقيع التزام بأننا لن نعود إلى المنزل.

في نوفمبر 2016, حدث نزوح قسري في قرية الدَّبح في محافظة تعز وقد وثقت منظمات مجتمع مدني لعدد 867 فرداً من 175 أسرة أجبرهم الحوثيون على النزوح من قريتهم أوائل نوفمبر. وقد روت امرأة في أواخر الأربعينيات من عمرها أُجبرت على ترك القرية لمنظمة شباب شفافية وبناء بأن الحوثيين قد قاموا باختطاف رجال وعدد من الأطفال لثلاثة أيام وهددوا بالذبح من لم يغادر منازلهم من النساء.
في قرية الدّبح, أجبر الحوثيون الرجال على الخروج من القرية. ووفقاً لشبكة الراصدين المحلية, أفاد شهود بأن الحوثيين لم يريدوا أن يروا أي "داعشي" في القرية، ويستخدم الحوثيون مصطلح الدواعش على نحو واسع لوصف خصومهم دون أي دليل يسند دعواهم. وقد وثقت شبكة الراصدين المحليين روايات شهود بأن الحوثيين دخلوا إلى هذه القرية صباح 1 نوفمبر 2016 واستخدموا مكبرات الصوت لتحذير سكان القرية بأنهم سوف يطلقون النار ويقبضون على أي رجل يرونه بعد مغيب شمس ذلك اليوم.
على غرار ذلك عُزي النزوح القسري أيضا إلى المقاومة. فقد ذكر رجل مدني في تعز كيف أن المقاومة أجبرته على مغادرة منزله, "حين تقدمت المقاومة إلى ثعبات ]في تعز[ طلبوا مني مغادرة منزلي المكون من أربعة طوابق. حاولت أن أقاوم, لكنهم أصروا فغادرت إلى حي مجاور. بعدها بأيام قليلة كان هناك اقتتال شديد بالقرب من منزلي وفجأة سمعت صوت انفجار مهول. لقد تم تفجير بيتي عن بكرة أبيه. لا يمكنني أن أصف مدى الحزن والألم عندما رأيت ذلك يحدث أمام عيني".
عانى النازحون من المدنيين في كافة المحافظات من الفراق عن ذويهم ومن يعز عليهم حيث يضطر الرجال في الغالب إلى إرسال أسرهم إلى أماكن آمنة بينما يخاطرون في البقاء في منازلهم لحراستها خوفا من ان يتم نهبها اذا بقيت خالية. لقد خسر النازحون المدنيون منازلهم وممتلكاتهم وأعمالهم ووظائفهم ومصادر دخلهم. عن هذا تحدث رجل من صنعاء (55 سنة) قائلا أنه أُصيب بنوبة قلبية مرتين بعد أن تعرض منزله لأضرار بالغة بسبب قصف جوي للتحالف في مايو 2016. ويقول هذا الرجل "أصبح منزلي الآن مأوى للحيوانات. خسرت دخلي وأنا الآن مستأجر شقة".

الاختفاء القسري وسوء المعاملة
منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء, اختفى كثير من خصومهم السياسيين والصحفيين. وقد وثقت منظمة العفو الدولية 60 حالة "تكشف عن نمط من حالات القبض التعسفي والاخفاء القسري على يد الحوثيين في صنعاء وإب وتعز والحديدة خلال الفترة من ديسمبر 2014 إلى مارس 2016". وقالت المنظمة بأن من ضمن من تم استهدافهم شخصيات سياسية معارضة ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين وأكاديميين وغيرهم. وقد تم عزل العديد منهم عن العالم الخارجي لفترات طويلة تعرضوا فيها للتعذيب وسوء المعاملة, كما مُنعوا من الحصول على محام أو التواصل مع أسرهم.
وقد قامت منظمة مواطنة وهي منظمة يمنية بتوثيق 13 حالة عن صحفيين يُعتقد أن الحوثيين أخفوهم في الفترة ما بين مارس وأكتوبر 2015. ولا تزال أماكن احتجازهم غير معروفة حتى ديسمبر 2016. وقد أجرى مركز المدنيين في الصراعات مقابلة مع أحد أفراد أسرة أحد الصحفيين المختطفين والذي ذكر بأن أخاه قد قُبض عليه مع تسعة صحفيين آخرين في صنعاء في يونيو 2015، وقال "لم يُسمح لنا أن نعرف أي شيء عنه, طلبنا من أشخاص على علاقة مع الحوثيين وبعد الكثير من المتابعة أخبرونا بأنه قد تم نقله بين عدة سجون في صنعاء بما فيها سجن مكافحة الإرهاب". وأخبر قريب الصحفي هذا المركز بأنه بعد عدة محاولات من خلال وسطاء على علاقة بالحوثيين سُمح لأبيهم بزيارة ابنه لحوالي نصف ساعة, أخبر الصحفي والده خلالها أنه قد تعرض ومحتجزون آخرون للتعذيب من خلال تعليقهم من يديهم وإخضاعهم للصدمات الكهربائية وحجزهم في حبس انفرادي لمدة 21 يوم. أيضاً تعرض المحتجزون للتعذيب النفسي حين أُخبروا بأنهم محتجزون في أماكن يمكن أن تكون اهداف لضربات التحالف الجوية".
وفي أكتوبر 2015, أقدم الحوثيون على اختطاف 34 ناشطاً كانوا نزلاء فنادق في إب وتعز عندما كانوا يعتزمون تنظيم مسيرة سلمية تحمل شعاراً "قطرة من الماء بإمكانها أن تحيي أنفساً أكثر من خزانة البندقية أو الرصاصة". أُقيمت هذه المسيرة لممارسة الضغط على الحوثيين لفك الحصار عن تعز وإدخال المياه إلى المدينة. وحتى ديسمبر 2016, لا يزال مصير واحد على الأقل من هؤلاء النشطاء مجهولاً.
حكاية طبيب أختطفه الحوثيون من منزله في تعز في أغسطس 2015 وأفرجوا عنه في مايو 2016
في 5 أغسطس 2015, عند الساعة الثالثة بعد الظهر, اقتحم مسلحون حوثيون يرتدون الزي العسكري منزلي في تعز. كسروا نظارتي, وقاموا بليّ ذراعي ثم سحبوني إلى سيارتهم حيث بقيت لحوالي ساعة كانوا في أثنائها يرعبون زوجتي ويهددونها, فتشوا المنزل ونهبوا مالاً وأشياء ثمينة. ومن بين ما نهبوه أشياء لها قيمة معنوية كبيرة ورثتها من جدي الكبير. بعد ذلك عصبوا عيناي ووضعوا القيود على يدي وأخذوني إلى مبنى بالقرب من مطار تعز. أجبروني على البقاء واقفاً ووجهي الى حائط معصوب العينين ومقيداً بشدة من معصميّ. بعدها استجوبوني لخمس ساعات, من 7 مساء إلى 12 منتصف الليل. طرحوا عليّ أسئلة غبية وسخيفة ووجهوا لي كلمة تهديد. نمت من دون طعام.
بعد ذلك احتجزوني حتى مساء اليوم الثاني. في الساعة التاسعة مساء, 6 أغسطس, تم اخذي بالسيارة إلى صنعاء ومن حولي حراسة مشددة من قبل ستة مسلحين حوثيين كانوا يمضغون القات وينشدون الزوامل ]شكل من الغناء اليمني يمارسه الحوثيون لرفع الروح المعنوية لمقاتليهم وأنصارهم[. وصلنا إلى المقر الرئيسي للأمن القومي في صنعاء قبل الفجر. طلبوا مني, وقد أنهكني البرد والجوع والتعب, أن أتمدد على أرضية ممر وعيناي لا تزالان معصوبتان, ويديّ مقيدتان. مساء اليوم التالي, استجوبوني مرة أخرى وطلبوا مني أيضاً أن أتمدد على أرضية الممر. وجهوا إلي عبارات فظة ومهينة.
في اليوم التالي, تم اقتيادي إلى سجن الأمن القومي في منطقة صرف على مشارف العاصمة صنعاء. وضعوني في زنزانات مظلمة أو خافتة الضوء. منعوا عني الهواء وضوء الشمس. كان المكان ضيقاً للغاية, فالزنزانة بالكاد تتسع لفراش صغير. كانت باردة وعفنة بالرطوبة. كان هناك في ركن هذه الغرفة حفرة مغطاة بمتر واحد بأحجار اسمنتية يقضي فيها النزلاء حاجتهم, بينما يسمع الآخرون ويشمون روائح هذه الإفرازات. كنا نغتسل ونغسل ثيابنا وأجسامنا ونشرب كذلك الماء من الحنفية. خلال فترة احتجازي نقلوني ما بين 15 زنزانة, أحيانا في زنزانة مع نزيل واحد, ومع ثمانية نزلاء في أحايين أخرى. كان انعدام التهوية والرائحة العفنة خانقة في بعض هذه الزنزانات.
كان الطعام يأتينا من فتحة نافذة مثبتة في باب حديدي للزنزانة ظل موصداً على الدوام. كنا نأكل فولاً صباحاً ومساءً, وأرزاً وبطاطاً في وجبة الغداء, تتخللها قطع صغيرة من الدجاج في أيام الأسبوع ولحم قاس يصعب مضغه أيام الخميس والجمعة مع خبز لا يكاد يؤكل. وطالما طلب النزلاء مزيداً من الطعام يسد رمقهم لكنهم لم يحصلوا على شيء وكانوا جوعى على الدوام.
فقدت الكثير من وزني, وطالت لحيتي وشاربي, لكنني لم أكن أعرف كيف أبدو لأنني لم أر وجهي في المرآة لعشرة أشهر. مُنع عنا معرفة أية أخبار أو السؤال عن أي شيء, كما رفضوا زيارة أسرتي لي أو حتى معرفة مكان تواجدي.
بعد حوالي ثلاثة أشهر من اختطافي تواصلت لأول مرة مع أسرتي. طوال فترة احتجازي سمحوا لي بالتواصل عير الهاتف مع أسرتي ثلاث مرات فقط. هكذا عرفت بأنهم أنفسهم قد أصبحوا نازحين وأنني أصبحت جدّاً.

في المكلا بحضرموت أيضا ظهرت حالات إخفاء قسري وسوء معاملة لمدنيين تم احتجازهم من قبل قوات النخبة اليمنية –وهي قوات لمكافحة الإرهاب تم تدريبها والاشراف عليها من قبل الإمارات العربية المتحدة- وهي انتهاكات تستدعي التحقيق. وكان قد تم دحر تنظيم القاعدة من المكلا في ابريل 2016 من قبل قوات النخبة اليمنية وقوات عسكرية إماراتية أيضا بمساعدة من القوات الخاصة الامريكية. وبحسب إفادات أقارب ضحايا تحدث معهم مركز المدنيين في الصراعات, تحتجز قوات النخبة هؤلاء في زنزانات سجن تم بناؤه في مطار الريان الدولي في حضرموت، حيث يتواجد ضباط إماراتيون في هذا المطار ويعتقد أقارب المحتجزين بأن هؤلاء الضباط على علم بهذه الانتهاكات.
تُفيد منظمات غير حكومية محلية بأنه قد تم تعذيب بعض المحتجزين حتى الموت. وتزعم بعض هذه البلاغات أن محمد عوض بارحمه وهو أحد قيادات حزب الإصلاح في محافظة شبوة قد تم جره هو وأخويه من منزلهم في المكلا منتصف مايو 2016 من قبل قوات النخبة. بعدها بيومين عُثر على جثة بارحمه في مستشفى محلي وعلى جسده آثار تعذيب. في حادث آخر أقدمت قوات النخبة على اختطاف لطفي جمعان بافطيم وهو لاعب كرة قدم مشهور في منتصف يونيو 2016, وبعد أيام قلائل عُثر عليه مقتولاً وآثار التعذيب على جسده. يقول شهود بأن بافطيم قد اُختطف على إثر مشادة كلامية مع أحد جنود قوات النخبة.
في أوائل نوفمبر 2016, احتجزت قوات النخبة في المكلا أمين عام المجلس المحلي لمديرية غيل باوزير أثناء مشاركته في تشييع جنازة. أخبر شهود عيان المركز بأن شاحنة صغيرة تقلّ رجالاً يرتدون الزي العسكري لقوات النخبة اندفعوا في صفوف المشيعين من غير أن يدعوهم أحد, فقبضوا عليه على مرأى من ولديه (4 و8 سنوات) من دون إبداء أية تهم. تواصلت أسرته مع قوات النخبة التي أعطتهم ردوداً مختلفة, فأحياناً أخبروهم بأنه محتجز لديهم وأحياناً أخرى قالوا لهم بأنه غير موجود في قائمة المحجوزين لديهم.

رواية والدَيْ مدني مختطف في المكلا
هذا ما رواه الأب لمركز المدنيين في الصراعات:
ابني يعمل كهربائياً. حين كانت القاعدة هنا عمل لهم بعض الأشغال الكهربائية كما فعل الجميع حين كانت القاعدة هنا سواء كانوا أصحاب محلات أو مقدمي خدمات أو مطاعم, الكل تعامل مع القاعدة. ابني لم يكن حالة استثنائية. كان يكسب معيشته فحسب له ولأسرته. كانت القاعدة هي السلطة هنا وكان يعمل مقابل الحصول على المال, مثله مثل غيره.
منتصف الليل جاءت ]قوات النخبة[ واقتادوه إلى الخارج. أخبروه بأنهم مخابرات عسكرية واقتادوه إلى مطار الريان, وإلى الآن انقضت ستة أشهر ولم يسمحوا لنا برؤيته أو بالتحدث معه, بل إنهم لم يتهموه بأي شيء أو يخبرونا عن ما هية تهمته.
ممنوع علينا أن نتصل به أو نراه؟ أين حقوق الإنسان؟ لماذا لا يحاكموه في محكمة؟ يُفترض بهم على الأقل أن يُتيحوا لنا التحدث إليه أو رؤيته. الناس في معاناة, لقد ماتت جارتنا لأن قوات النخبة احتجزت ابنها كذلك. ماتت وهي لا تعلم أي شيء عنه وسمعت بأنهم يعذبونه. لقد ماتت من القهر والحزن. عندما نخاطبهم يكذبون علينا, تواصلت مع المحافظ, ولكنه يكذب أيضاً. لقد اتصل بي ووعدني بأن ابني سيخرج غداً، الأسبوع القادم، ولم يحدث شيء.
على نفس الصعيد, تحدثت أم هذا الولد مع المركز, وقالت "إن كان ابني مذنباً فليشنقوه, وإن كان بريئاً فيتعين عليهم الإفراج عنه. نريد فقط أن نعرف". وتسترسل الأم في حسرة "نحن مصدومون تماماً, مثل هذا شيء غريب على اليمن وعلى حضرموت, حتى في ظل النظام السابق وقواتهم الفاسدة في الأمن لم يحدث مطلقاً ما نشاهده الآن. لم نعهد في حياتنا أبداً هذا المستوى من اختطاف الناس وإرعابهم. لا يمتلك المحافظ ولا قائد المنطقة أية سلطة أو فعل أي شيء. اتصلت بالضابط الإماراتي المتواجد في مطار الريان وكل يوم يعدني بالإفراج عن ابني, لكنه يكذب هو الآخر. وعدنا كثيرا ولكن لم نرَ أي نتيجة الى الآن ".
العالقون في مناطق تبادل إطلاق النار
في الخطوط الأمامية يجد المدنيون أنفسهم عالقين بين قوات الحوثي والمقاومة وضربات التحالف الجوية. يعتقد مدنيون في مأرب وعدن وتعز بأن الغارات الجوية تستهدف أماكن سكنية عندما يشكون بتواجد مقاتلي الحوثي فيها أو تواجد القاعدة كما هو الحال في حضرموت. ونفس الشيء يفجر الحوثيون المنازل في الغالب عندما يشتبهون بتواجد عناصر للمقاومة. أفاد مدنيون في مأرب وتعز وعدن بوقوع قصف جوي استهدف منازل استخدمها الحوثيون وتسبب بخسائر في الأرواح وأضرار بالغة بالمنازل المجاورة في كثير من الحالات.
حول هذا يشرح رجل في السادسة والأربعين من عمره من مجزر في مأرب كيف لحقه الضرر:
نظراً لاحتدام المعارك بين الحوثيين والمقاومة في مديرية مجزر اضطررت وأسرتي للانتقال إلى منطقة الصفراء, وعندما امتدت المعارك إلى الصفراء هربنا إلى مدينة مأرب. في منطقة حصون آل حميضة, فجر الحوثيون منزلي المؤلف من دورين لأن مقاتلي المقاومة كانوا في منازل قريبة منه. خسرت أيضاً في ذلك القصف عشرين رأساً من الماعز. أيضاً منزلي الآخر في محلة الهريشة في مجزر تعرض لقصف جوي لأن الحوثيين كانوا في الجوار. لقد كنا عالقين في منطقة تبادل نيران من مختلف الجهات, فالحوثيون يضربوننا من الأمام, والشرعية ]"الشرعية" مفردة تستخدم بصورة شائعة للإشارة إلى حكومة هادي والقوات الموالية لها[ تضربنا من الخلف. تحملنا الكثير من الرعب وشاهدنا الموت بأعيننا مرات عديدة. كلهم يتحملون المسئولية، الحوثيون قصفوا منزلي بقذيفة هاون والتحالف قصف منزلي الآخر في غارة جوية.
حاول مدنيون التواصل مع كلا الطرفين, الحوثيين والقوات الموالية لهادي ولكن من دون طائل. " نلتقي مع الطرف الذي تسبب في الحاق الضرر بنا فيعتذر، لكنه يلوم الطرف الآخر عمّا حدث" والكلام هنا لرجل (46 سنة) من مديرية مجزر في مأرب ويضيف هذا الرجل "أنا لا أثق بأحد, كل الأطراف مجرمون وعديمو الضمير تماماً. يزعمون أنهم يجاهدون في سبيل الله, لكنهم يتقاتلون من أجل مصالحهم فقط".
في حي الزنوج, وهي منطقة اشتباكات في مدينة تعز, يتحدث أحد المدنيين كيف أصيب منزله حين ضربت طائرات التحالف موقعاً للحوثيين على تلة بالقرب من منزله. بعدها استولى الحوثيون على منزله وحولوه إلى مترس. وحين تقدمت المقاومة وطردت الحوثيين من ذلك المكان, فجر الحوثيون المكان فدمروا منزلي. وتروي امرأة في العشرين من عمرها من مأرب العذاب والمعاناة التي تكبدها المدنيون فتقول "إننا بين فخين: القصف الجوي من السماء, وانتقام الحوثيين على الأرض. لا يهمهم ما يحدث لنا نحن المدنيين".
في مناطق شهدت اشتباكات كثيفة كمأرب وتعز, تعذر على بعض المدنيين أن يحددوا الطرف الذي أضر بهم بسبب هروبهم من تلك المناطق. حول هذا يقول رجل (50 سنة) من مديرية مجزر في مأرب "منذ اندلاع الحرب لا نعلم من المتسبب في إلحاق الضرر بنا. ولا نعلم من الذي سطا على ممتلكاتنا, لقد استخدموا ضدنا كل ما يخطر في بالك من سلاح, فلقد استخدموا صواريخ الكاتيوشا وعربات BMP المصفحة ]وهي عربة روسية الصنع مصممة لمعارك المشاة[ وقاذفات الهاون ومضاد الطائرات ورشاشات كلاشنكوف (AK-47) وغيرها".
الألغام الأرضية
تسببت الألغام الأرضية التي استخدمتها قوات الحوثي وصالح في المناطق التي فقدوا السيطرة عليها –وبشكل رئيسي في محافظات تعز وعدن ومأرب والضالع وأبين ولحج وشبوة- في مقتل وإصابة العديد من المدنيين وفقاً لتقارير عامة. يُقدر عدد الألغام التي زرعها الحوثيون في عدن ولحج وأبين عندما أُخرجوا من الجنوب في يوليو 2015 حوالي 150000 لغما أرضيا. ومن الصعب الحصول على سجلات رسمية بالخسائر الناجمة وإن كان بعض المنظمات غير الحكومية المحلية قد وثقت مئات من الحالات في مأرب وتعز وعدن. ففي تعز وثقت واحدة من هذه المنظمات 69 حالة وفاة و93 إصابة في حوادث على صلة بالألغام في الفترة ما بين مارس 2015 وسبتمبر 2016. وفي مأرب وثقت منظمة أخرى غير حكومية محلية في مأرب في يوليو 2016 وثقت 46 حالة وفاة من انفجار الألغام بينهم 14 طفل وامرأة واحدة, وكذلك 75 حالة إصابة كان من بينهم 25 طفل و9 نساء وذلك منذ بداية الحرب. وسجلت المنظمتان كلتاهما أسماء ومعلومات التواصل مع الضحايا وأسرهم. وفي 1 نوفمبر 2016, تعرضت فتاتان في التاسعة عشرة والسابعة من عمريهما لإصابات بالغة على إثر انفجار لغم بالقرب من قرية الضبعة في تعز.
وقال مسؤولون محليون في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أن هناك 41 منطقة في تعز -39 سكنية وطريقين عامين- موبوءة بالألغام. ومن هذه المناطق هناك 37 شديدة التلوث بالألغام. ومن بين 14 مديرية في محافظة مأرب هناك 6 مديريات شديدة التلوث. وهذه الألغام, بما فيها ألغام ضد الأفراد وضد العربات وبعضها مصنوع محلياً قد تم زرعها في مناطق ذات الكثافة السكانية بالقرب من المنازل والطرق والمزارع والمدارس وغيرها من المرافق والمنافع العامة. في 9 أغسطس 2016 لقي 11 مدنياً من بينهم 7 أطفال مصرعهم وجُرح 4 آخرون في انفجار ألغام ضد العربات في وادي حنّا غرب تعز وفقاً لمنظمة شباب شفافية وبناء وهي منظمة محلية غير حكومية. وقالت نسوة في مديرية صرواح في مأرب أن هناك نساء بُترت أرجلهن في انفجارات ألغام حين كُنّ يرعين الماشية أو يعملن في المزارع أو يقمن بمهام يومية معتادة. " صرواح مليئة بالألغام" والكلام هنا لامرأة مشاركة في نقاشات المجموعة البؤرية في صرواح. وتسترسل هذه المرأة وتقول "لقيت امرأة مسنة حتفها في انفجار لغم عندما كانت ترعى الاغنام".
وذكر مسؤولون محليون عن عمليات تطهير الألغام أنه قد تم نزع ما يقرب من 10000 لغم أرضي في عدن و35000 في مأرب منذ يوليو 2015. وهذه الأرقام لا تتضمن الذخائر غير المتفجرة ولا العبوات الناسفة. وفي تعز تباطأت عمليات مسح ونزع الألغام خلال الحرب بسبب استمرار القصف الشديد والاشتباكات الكثيفة في هذه المحافظة.
تواجه فرق نزع الألغام صعوبات لا يستهان بها وهم يعملون بمستوى محدود من القدرات والإمكانات والموارد. في كل من عدن ومأرب أشار مسؤولو المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام إلى قلة العاملين في المركز والافتقار إلى معدات أساسية لمسح المناطق الملوثة والتخلص من الألغام على نحو آمن.
يغطي المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في عدن محافظات عدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت وتعز. ويغطي نفس المركز في مأرب محافظتي شبوة والجوف. ومسؤولو هذا المركز يشتكون من قلة عدد العاملين حيث لا يتجاوز عدد أفراد الفرق العاملة عن 379 في حين يحتاجون 1200 موظفا. ويشير مسؤول المركز في عدن الى ان أكبر العقبات التي تواجه عمله هي بسبب المركزية بما في ذلك خفض الموازنات من قبل المقر الرئيسي لهذا المركز في صنعاء وكذلك إصرار المنظمات الدولية العاملة في مجال نزع الالغام على العمل عبر المكتب الرئيسي في صنعاء. هناك حالة توتر كبيرة بين المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في صنعاء والخاضع لسيطرة الحوثيين وفروع هذا المركز في عدن ومأرب ومحافظات أخرى خارج سيطرة الحوثيين, وهذا الوضع يؤثر على الحصول على الموارد وأنظمة المعلومات ومستوى الكفاءة. ولا يتوفر لفرق نزع الألغام كل ما يحتاجونه من موارد لازمة وضرورية لتطهير الأرض من الألغام.
في عدن, لقي 12 عضوا من فرق المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام وأصيب 38 آخرون خلال العامين 2015- 2016 بسبب افتقارهم إما إلى المعدات المناسبة أو التدريب. وأشار مسؤولون في هذا المركز في عدن ومأرب إلى حاجة ماسة لمسح المناطق الملوثة وتوظيف وتدريب عاملين إضافيين إلى جانب توفير أجهزة الحماية الشخصية ومعدات مسح ونزع الألغام وكذلك مرتبات للفرق العاملة في الميدان.
وذكر رئيس مركز التعامل مع الألغام في عدن بأنه قد تم التقاط 16727 لغم أرضي من قبل الفريق في ميون -وهي جزيرة مأهولة بالسكان في عدن- غير أنهم عجزوا عن تدميرها بسبب افتقارهم إلى المعدات والموازنة والعاملين. كما تم تحديد منطقة عالية التلوث شمال مطار عدن بعلامات تحذير عن وجود ألغام, غير أن عملية تطهيرها من الألغام لم تُنفذ بعد للأسباب السالفة الذكر.
إضافة الى كل ما سبق فان ما يستدعي القلق أيضا أن المدنيين يقومون الآن بالتقاط الألغام وفي بعض الحالات نزعها وبيعها للكسب المادي. وحين تعرض جبل حديد وهو مخزن رئيسي لذخائر وأسلحة الجيش للنهب في عدن, استولى عدد كبير من المدنيين على أسلحة وذخيرة بما في ذلك ألغاماً أرضيةً من المخزن. وفي منطقة المعافر, تعز, حيث يُعتقد بأنه قد زُرع فيها ما يقرب من 1500 لغم أرضي أفادت منظمة غير حكومية محلية بأن النساء وحتى الأطفال أقدموا على استخراج هذه الألغام لجني المال من بيعها. وفي إفادة لمدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في عدن, ذكر أنه وفريقه قد اشتروا ما يزيد عن 180 لغما أرضيا من مدنيين في باب المندب للمساهمة في الحد من حيازة المدنيين لهذه الألغام.
الحصار المفروض على تعز وأثره على المساعدات الإنسانية
منذ سبتمبر 2015, واصلت قوات الحوثي وصالح حصارها لمدينة تعز وأغلقت طرق وصول المؤن وأعاقت دخول معونات إنسانية ملحة إلى المدينة مما ترك المدنيين في حاجة ماسة لمياه الشرب والغذاء والعلاج الطبي وغيرها من المساعدات المنقذة للأرواح, وذلك وفقاً لبيان صادر عن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون الانسانية/منسق الاغاثة الطارئة. كما وثقت هيومن رايتس ووتش 16 حادثاً خلال الفترة ما بين 31 ديسمبر 2015 و9 يناير 2016, "منع فيها حراس حوثيون في حواجز أمنية المدنيين من إدخال مواد مختلفة إلى المدينة، ومنها فواكه وخضراوات وغاز للطهي وأدوية تلقيح ضد الأمراض وعبوات لغسيل الكلى، وأسطوانات أوكسجين، وصادروا بعض هذه المواد".

وحتى ديسمبر 2016, جرى إغلاق الطرق الرئيسية التي تربط تعز بمدن كصنعاء وعدن والحديدة عبر طرق إسفلتية. ويضطر من يخرج ويدخل مدينة تعز من المدنيين إلى أن يسلك طرقا وعرة بديلة تتطلب عادةً السفر بسيارات الدفع الرباعي. حول هذا يقول أحد المدنيين (29 سنة) بأنه في الماضي كان الذهاب إلى حديقة التعاون في الحوبان يستغرق 15 دقيقة بتكلفة لا تزيد عن 200 ريال (0.7 دولار أمريكي) من خلال وسائل النقل العام. أما الآن فإن هذه الرحلة تستغرق سبع ساعات تمر عبر طرق وعرة وتكلف ما لا يقل عن 5000 ريال يمني (16.7 دولار أمريكي). وأحياناً قد تطول هذه الرحلة بسبب أن وضع الطرق الترابية غير مضمون. ويوضح رجل في السادسة والخمسين من عمره كيف أنه في الماضي كان يحتاج فقط إلى 15 دقيقة للذهاب إلى قريته خارج تعز. أما الآن فلا يقتصر الأمر على طول المسافة للوصول إلى بيته فحسب, لكنه وسبع نساء من أسرته وجدوا أنفسهم في سبتمبر الماضي عالقين في منطقة معزولة بقوا فيها 12 ساعة حينما كان الطريق مقطوعاً بفعل السيول.
كذلك فاقم الحصار مشكلة تشتت الأسر، يقول أحد المدنيين (46 سنة) والذي أرسل أفراد أسرته إلى إب في بداية الحرب أنه كان يراهم يومياً لأن الرحلة كانت تستغرق حينها ساعة واحدة فقط. أما الآن فهو يراهم كل ستة أشهر لأن الرحلة تستغرق سبع ساعات إلى جانب التكلفة الباهظة للسفر. أما الطرق الترابية التي تربط مناطق الريف الداخلية فلا يمكن الوثوق بها. وقد أثر الحصار على حصول الناس على الغذاء وخدمات أساسية, ووفقاً لتقرير وضع السوق لبرنامج الغذاء العالمي في نوفمبر 2016, كانت أسعار المواد الغذائية في تعز وصعدة هي الأعلى على مستوى البلد.
يمنع مسلحو الحوثيين في نقاط التفتيش الرئيسية سيارات المدنيين من الدخول إلى المدينة, فيجبروهم على المشي لساعات كما يمنعون أحياناً مرور أفراد بحاجة ملحة وسريعة للرعاية الصحية.
ووفقاً لمنظمة شباب شفافية وبناء, وهي منظمة حقوق إنسان تعمل في تعز, منع الحوثيون في 25 يوليو 2015 في البداية مرضى الفشل الكلوي من الدخول إلى المدينة لتلقي الغسيل الكلوي حسب الموعد المقرر لهم ولمدة يوم كامل. من بين هؤلاء المرضى رجل (28 سنة) سُمح له بعد ذلك بالدخول مشياً على الأقدام حيث قطع مسافة أربعة كيلو مترات لكي يصل فقط إلى المستشفى. في نفس اليوم, ذكرت مريضة مصابة بالفشل الكلوي في الخمسينيات من عمرها بأنها اضطرت إلى سلوك طريق بديل حيث قطعت المسافة مشياً من خلال القرى حتى تصل إلى المدينة لتلقي علاجها. وتصف هذه المرأة كيف قطعت الرحلة بالرغم من تحذيرات باحتمال تعرضها لإطلاق النار من قبل القناصة. "في القرى التي مشينا طلب الناس من الحوثيين بأن يسمحوا لنا بالمرور لأنني مصابة بفشل كلوي", والكلام هنا لهذه المرأة.



تصورات المدنيين عن الفاعلين الأمنيين وعن الصراع
بلد منقسم:
تعكس تصورات المدنيين عن أهم أطراف الصراع حالة من الاستقطاب الحاد على أسس مناطقية وطائفية تسببت فيها الحرب أو زادت من حدتها. بشكل عام، انقسم المدنيون فيما بين جنوبيين يعارضون الشمال على أساس مظالم قديمة من الحرب الأهلية في عام 1994, وبين مواطنين من تعز ومأرب معارضين لنخب الحكم الشمالية ممثلة بقوات الحوثي وصالح, وبين مواطنين من صنعاء رافضين لحكومة هادي والتحالف الذي تقوده السعودية. في مأرب وتعز, انقسم المدنيون بخصوص الدعم لحكومة هادي. ولكن جذور الصراع في اليمن تعود في جوهرها الى قضايا هامة تتعلق بالمشروعية وبالإرث الذي تحمله أطراف الصراع المختلفة.
يُبدي مدنيون في عدن مشاعر كره قوية ضد الشمال ويصف العديد منهم الحرب بالحرب الثانية التي شنها الشمال على الجنوب. عززت الحرب الأخيرة مظالم الجنوبيين وشعورهم بأن أرضهم ومواردهم وبلدهم وهويتهم قد سلبت منهم. ويرمي العدنيون باللائمة على قوات الحوثي وصالح في تدميرهم لعدن ويتهمونهم باستهداف المدنيين ومرافق البنية التحتية. وذكر العديد منهم بأن قوات الأمن المركزي الموالية لصالح ضربت أحياء مدنية بأسلحة ثقيلة بما فيها عربات سلاح المشاة ومدفعية الهاون وغيرها من الأسلحة الثقيلة إلى جانب هجمات القناصة. كما اتهموا كذلك هذه القوات بتعمد الحاق الضرر بمنافع حيوية كمحطات المياه والطاقة مما زاد من معاناة المدنيين ولا سيما في فصل الصيف حين تكون عدن شديدة الحرارة والرطوبة. تقول امرأة من المشاركات في نقاش مجموعة بؤرية في عدن "الذي بيننا وبين الحوثي وصالح دم. لن ننسى أو نسامح ما حيينا, لقد قتلوا أبناءنا ودمروا مدينتنا وشردونا من بيوتنا".
تغطي أعلام الجنوب مدينة عدن, فتكسو المباني الحكومية والمنازل والشوارع وممتلكات خاصة جنباً إلى جنب شعارات حماسية جنوبية وأخرى مناهضة للشمال وللحوثي وصالح.
في بعض الحالات يمتد الشعور باستياء الجنوبيين من الشمال ليمس مواطنين بسطاء من الشمال يعيشون في الجنوب. ويوجه بعض المدنيين الجنوبيين الاتهام لشماليين في الجنوب بتزويد قوات الحوثي وصالح بمعلومات استخبارية وبمساعدتهم, بل وحتى برفع السلاح والانضمام للقتال معهم ضد أبناء عدن. وبحسب امرأة من عدن في التاسعة والعشرين من عمرها:
اصبحنا نكره الشماليين, نريدهم أن يرجعوا إلى بلدهم. إلى هنا وكفى. لقد عاشوا بيننا لسنوات طوال, عمل الكثير منهم في محلات البقالة أو الدكاكين, وآخرون كانوا عبارة عن باعة متجولين في الشوارع. عاملناهم كأخوة لنا. وقاسمناهم لقمة العيش لأننا نعرف أنهم يعيشون بعيدا عن اسرهم. لكن حين اندلعت الحرب كانوا أول من انقلب ضدنا وقتل أبناءنا وأطفالنا. كانوا يزودون الحوثيين بإحداثيات بعض المناطق لأنهم يعرفونها منذ فترة طويلة. أخبرني بالله عليك كيف تريدني ألّا أكرههم؟.
بشكل عام, شعر مدنيون في الجنوب بأواصر تربطهم بالتحالف الذي تقوده السعودية أكثر من تلك التي تربطهم باليمنيين من الشمال, بل إنهم يلومون قوات الحوثي وصالح في إشعال فتيل الحرب وفي جلب حرب التحالف الجوي على اليمن. حول هذا تقول امرأة في عدن (40 سنة) والتي أُصيب زوجها وابنها بجروح وتعرض منزلهم لأضرار بالغة في قصف جوي من قبل التحالف حدث في يوليو 2015 "سأظل أُلقي باللائمة على الحوثيين, فلم يكن القصف الجوي ليحدث لو أنهم لم يبدأوا الحرب أساسا". وذكر ثلاثة على الأقل من المدنيين العدنيين تضررت منازلهم بفعل ضربة جوية بأن ذلك حدث "بطريق الخطأ" ووجهوا اللوم عن ذلك إلى قوات الحوثي وصالح.
يرغب معظم الجنوبيين في الانفصال الفوري وغير المشروط عن شمال اليمن, وإن كان هناك انقسامات حتى في إطار الحراك الجنوبي. على سبيل المثال يرغب عدد كبير من المدنيين من حضرموت في أن تكون لهم دولة مستقلة خاصة بهم منفصلة عن كل من الشمال والجنوب. في مأرب وتعز, وهي مناطق ذات غالبية سنية/ شافعية يريد سكانها المدنيون أن يروا نهاية لهيمنة صالح والحوثيين. ومع أن الصراع في اليمن ليس طائفياً في حد ذاته فإنه من المحتمل ان يتحول الى صراع طائفي حيث يلجأ طرفا الصراع الرئيسيين الى استخدام مصطلحات ذات صبغة طائفية لحشد وتعبئة المقاتلين.
مزقت الحرب نسيج اليمن الاجتماعي ليصل هذا التمزق إلى قلب المجتمعات المحلية والى داخل القبائل, ولا سيما في تعز ومأرب حيث يخشى المدنيون من أن تستمر الثارات والنزاعات العنيفة لوقت طويل حتى بعد توقف الحرب. "أحياناً تجد أشخاص من نفس الحي يقاتلون مع الطرفين وهذا سيؤدي إلى اغتيالات والى ثأرات في المستقبل", والكلام هنا لرجل (45 سنة) في تعز. وأشار مدني من مأرب إلى حادثة حين استحدث أفراد قبائل محليون متحالفون مع الحوثي نقطة تفتيش في أراضي قبيلة مراد. بعدها أراد بعض أفراد هذه القبيلة المناهضين للحوثيين أن يزيلوا نقطة التفتيش هذه مما أدى إلى اشتباكات خلفت ستة قتلى من القبائل.
أيضاً أحدثت الحرب الجارية مزيداً من التقويض للبنية القبلية، على ضعفها، والتي لعبت دوراً في التخفيف من الصراعات في الماضي. وبتعبير رجل (23 سنة) من مأرب "قبل الحرب كان يمكن لأي رجل أن يستظل بحماية قبيلته أو قبيلة أخرى. أما الآن فإن القبيلة عاجزة حتى عن حماية نفسها, ناهيك عن توفير الحماية لأفرادها". كذلك تحدث مدنيون في تعز ومأرب عن زيادة التوترات فيما بين أفراد المجتمع المحلي وأولئك الذين يزعمون بأنهم هاشميون, لأن بعض هؤلاء انحازوا إلى جانب الحوثي مع أن الكثير منهم قاتلوا ضده أو بقوا على حياد.
تستعرض الأجزاء التالية من هذا التقرير بإيجاز رأي المدنيين حول الأطراف المنخرطة في الحرب:
حكومة هادي
منذ مارس 2016 وتحديداً بعد أن شنت قوات التحالف بقيادة السعودية حملتها الجوية ضد قوات الحوثي وصالح انتقلت حكومة هادي الى الرياض. وقد حاول رئيس الوزراء ومعه بعض أعضاء الحكومة الانتقال إلى عدن في منتصف سبتمبر 2015 ليغادروا بعد ذلك بفترة قصيرة بعد أن استهدفت تفجيرات فندقاً كان يقطن فيه مسؤولون من الحكومة اليمنية وقاعدة عسكرية. وقد حاول رئيس الوزراء ومعه بعض الوزراء الانتقال إلى عدن مرة أخرى في يونيو وسبتمبر 2016, ولكن لم يمكثوا في المرتين سوى لأيام أو أسابيع قليلة. وحتى ديسمبر 2016, لا يزال الرئيس ورئيس الوزراء ووزراء حقائب رئيسية يعملون بصورة واسعة من الرياض. لهذا فإن تواجد الحكومة في اليمن يظل رمزيا الى درجة كبيرة، وإلى الآن لم تقم الحكومة الا بجهود محدودة لاستعادة الأمن وتحسين الخدمات في المناطق التي تسيطر عليها. أما عدن, وهي العاصمة المؤقتة للبلد كما أعلن ذلك الرئيس هادي فتدار بصورة واسعة من قبل السلطة المحلية مع بعض الدعم والمشاركة من دولة الإمارات العربية المتحدة ولا سيما في الحفاظ على الأمن.
كانت آراء وتصورات المدنيين إزاء حكومة هادي سلبية بشكل كبير في المحافظات الخمس التي نفذ فيها هذا البحث. واتهم المستطلعة آراءهم هذه الحكومة بأنها حكومة عقيمة وفاسدة, ووصفوا هادي ووزراءه بأنهم يخدمون أنفسهم وأنم تخلوا عن مسؤولياتهم لينعموا بحياة الترف في الرياض. "حكومة؟ عن أي حكومة؟.." تساءلت امرأة في الثانية والأربعين من عمرها في عدن حيث تسبب الانقطاع الطويل للكهرباء بوفيات في الصيف الماضي. وتضيف هذه المرأة "لقد تركونا لنموت, بينما هم ينعمون في غرف الفنادق المكيفة في الرياض".
وفي حين يعترف بعض المدنيين بشرعية حكومة هادي, ثمة شعور قوي بالإحباط إزاء انقطاع هذه الحكومة عن واقع اليمنيين". حول هذا تتحدث امرأة (30 سنة) في المكلا "إنهم يعيشون في عالم آخر". وذكر مدنيون كثر بأنهم فقدوا الثقة والمصداقية في الحكومة, كما عبرت عن ذلك امرأة من تعز (42 سنة) حين قالت "أنا لا أثق في هذه الحكومة". وسخر عدة مدنيين, بينهم امرأة أربعينية من المكلا, من هذه الحكومة ووصفوها بأنها "حكومة هاربة".
وأبدى مدنيون تضرروا من القصف الجوي في صنعاء ومأرب من امتعاضهم الشديد إزاء الحكومة. "هذه الحكومة انتهت شرعيتها يوم أن دعت إلى الحرب", والكلام هنا لرجل خمسيني من مديرية مجزر في مأرب. أما مدنيون في صنعاء فأغلبيتهم ينتقدون هادي لاستقوائه ب "العدوان" السعودي – حسب وصفهم - المتمثل في الحملة الجوية وأثاروا شكوكاً حول شرعية حكومته. عن هذا تحدث رجل (44 سنة) من صنعاء فقال "لو كانوا صادقين في دعوى شرعيتهم فلماذا لا يقدمون نموذجا يثبت ذلك في عدن؟". وقد تم استعادة عدن, والتي أعلنها هادي عاصمة مؤقتة في فبراير 2015, من الحوثيين في يوليو من تلك السنة. غير أنه وحتى ديسمبر 2016 لم تقم الحكومة بكامل قوامها من العودة إلى هذه المدينة والبقاء فيها بشكل دائم.
قوات الحوثي وصالح
فيما عدا صنعاء, اتصف موقف المدنيين إزاء قوات الحوثي وصالح بالسلبية التامة, ورأى مدنيون في عدن وتعز ومأرب وحضرموت هذه القوات كمثيرين لفتنة الحرب. تقول امرأة في عدن (40 سنة) والتي أُصيب زوجها وابنها بجروح وتعرض منزلهم لأضرار بالغة في قصف جوي حدث في يوليو 2015 "أنا ألوم الحوثيين, فلم يكن للقصف الجوي أن يحدث لو أنهم لم يبدأوا الحرب". مثل ذلك تكرر على لسان امرأة من مديرية مجزر في مأرب والتي قالت " كل هذا لم يكن ليحدث ولم تكن طائرات التحالف لتقصفنا لو لم يدخل الحوثيين أراضينا ". وشيء من هذا قاله مدني في عدن (35 سنة) دُمر منزله وأُصيب بجروح بالغة في رأسه خسر بسببها وظيفته, حيث قال "جاء التحالف إلى هنا ليساعدنا وقصفوا منزلي عن طريق الخطأ. أنا أُحمل الحوثيين وصالح مسئولية كل ما جرى".
في المقابل, كان للمدنيين في صنعاء رأي متعاطف مع الحوثيين على عكس رأيهم في حكومة هادي والمقاومة والتحالف. وعبر هؤلاء عن تقديرهم لحقيقة أن صنعاء ظلت تنعم بالأمن تحت سيطرة مجموعة مسلحة واحدة فقط على عكس المدن الأخرى والتي ظهر فيها مجموعات مسلحة مختلفة وأصبحت ساحات لقتال شرس. وقال هؤلاء المدنيون بأن "اللجان الشعبية", وهي مفردة يستخدمها الحوثيون لتوصيف قواتهم غير النظامية, تعمل على حراسة المرافق العامة وتؤمن الطرقات. "الوضع هنا في صنعاء آمن ولم نشهد أية مشاكل أمنية حقيقية. المشكلة الوحيدة التي نعاني منها هي ضربات الطيران", والكلام هنا لرجل في صنعاء في الخامسة والخمسين من عمره. غير أن مدنيين آخرين تحدثوا كيف أن صنعاء أصبحت غير آمنة للمدنيين وتحديداً أولئك الذين يتجرأون على نقد الحوثيين. وقال أخو أحد الصحفيين المحتجزين أنه انتقل إلى مأرب وغادر والداه صنعاء إلى الريف في ذمار بعد أن اختطف الحوثيون شقيقه.
التحالف بقيادة السعودية
أعرب مدنيون في صنعاء ومأرب وحضرموت عن استيائهم الشديد إزاء التحالف الذي تقوده السعودية، وعبر مدنيون في تعز وعدن عن نفس السخط ولكن بنسبة اقل تجاه التحالف. في صنعاء قضى الكثير نحبهم وأُصيبوا أو عانوا من تدمير ممتلكاتهم بفعل القصف الجوي للتحالف, كما يلوم المدنيون التحالف لأنه قام بعزل صنعاء غير المبرر بإغلاق مطار صنعاء الدولي. ويستخدم المدنيون بصورة شائعة مفردة "الغزو السعودي" أو "العدوان السعودي" في وصف حملة التحالف العسكرية في اليمن.
"السعوديون لا يحترمون أي قانون أو قيم", والحديث هنا لامرأة أربعينية في صنعاء والتي تسترسل فتقول "لقد قصفوا المدنيين فقضوا على البشر والشجر حتى الحيوانات لم تسلم من عدوانهم".
أما صالح من صرواح, مأرب , فقال "لا نعلم أي سلاح يستخدمه التحالف, إنهم يحرقون كل شيء تطاله نيرانهم. لقد دمر التحالف السعودي كل شيء: الحجر والشجر وكل ما يخطر على بالك". فقد صالح 11 فرداً من أسرته في ضربتين جويتين منفصلتين في مديرية صرواح في مأرب.
"سلام؟ عن أي سلام تتحدث والتحالف يقتلنا ويخطف أبناءنا ويقصفنا؟", هذا الكلام لسيدة في الخامسة والأربعين من عمرها تعرض ولدها لإصابات بالغة في غارة جوية على مديرية الشحر في حضرموت. وأضافت "لو كان باستطاعتي لرفعت قضية على التحالف".
تسبب إغلاق التحالف لمطار صنعاء الدولي في زيادة صعوبة الحياة على اليمنيين من سكان الأنحاء الشمالية من البلد ولا سيما أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية ويحتاجون للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج. خلال رحلة من عدن إلى عمّان, الأردن, التقت استشارية مركز المدنيين في الصراعات برجل مسن في كرسي للمقعدين ويعيش على كمامة الأكسجين. وقد أخبر ابنه المرافق له استشارية المركز بأنهم قد قطعوا 10 ساعات في رحلتهم من صنعاء إلى عدن بالسيارة حتى يتسنى لهم السفر جواً إلى عمّان من مطار عدن. بالإضافة لذلك كان على الرجل المسن أن يتحمل 5 ساعات أخرى من الانتظار قبل الإقلاع من مطار عدن –المُدار بشكل رديء- وتحت الحر الشديد. وذكرت امرأة في صنعاء بأن حالة أمها الصحية تدهورت على إثر خطأ طبي بعد عملية جراحية. لم يتمكن ذووها من ترحيلها إلى الخارج للعلاج لأن حالتها لم تكن لتسمح لها بقطع مسافة السفر الطويلة براً إلى عدن للسفر جوا إلى بلد آخر.
على غرار ذلك, أعرب مدنيون في حضرموت, حيث تتواجد القوات الإماراتية وتشارك بشكل فاعل في إدارة الأمن في هذه المحافظة, عن خيبتهم وسخطهم إزاء ما يحدث لمدنيين من حجز خارج إطار القانون وإخفاء قسري. "الحضارم مصدومون جدا. فرحنا بقدوم الإماراتيين, فهم أخوتنا وظننا أنهم سيساعدوننا لكنهم الآن أصبحوا وبالاً, اختطفوا أولادنا وأخفوهم من غير مسوغ قانوني وعلى نحو جائر. إنهم يختطفون الناس في كل مكان ويقتحمون المنازل ويرعبون ساكنيها، بينما سمحوا لمقاتلي القاعدة بالخروج, الكل في المكلا يعرف هذه الحقيقة", الكلام هنا لأم محتجز أخفته قوات النخبة في المكلا لأكثر من ستة اشهر مضت.
السلطات المحلية على مستوى المحافظات
في غياب أي تواجد يُذكر للحكومة اليمنية. أصبحت السلطات المحلية الجهات الوحيدة التي تحكم على الأرض. تتواجد السلطات المحلية في صنعاء وعدن والمكلا ومأرب. أما في تعز فمحافظها خارج البلد وإن كان هناك حضور لبعض وكلاء المحافظة ومسؤولين محليين. أشار بعض المشاركين بأن الوضع في تعز يفوق طاقة السلطة المحلية على معالجته, وخصوصاً أن حكومة هادي لا تقدم ما يكفي من المساعدة.
في مأرب وعدن, كان للمدنيين في الغالب رؤية جيدة عن محافظي هاتين المحافظتين، بالرغم من شعورهم بالإحباط بسبب تدني مستوى الخدمات. تحدث بعض المدنيين في عدن بشكل ايجابي عن المحافظ هناك ورأوا بأن السلطة المحلية يمكن أن تكون أكثر فاعلية, لكنها تفتقر إلى الموارد والدعم من الحكومة. في مديرية مجزر في مأرب, ثمن بعض المدنيين ما قام به المحافظ من توصيل خطوط الكهرباء إلى مديريتهم لأول مرة. في المقابل, لكن المدنيين في المحافظات جميعها عبروا عن خيبة أملهم إزاء إخفاق السلطات المحلية عن تقديم ما يكفي من الدعم والمساعدة للنازحين وفئات أخرى تضررت بفعل الحرب.
في المكلا, عبر مدنيون عن شعورهم بالإحباط إزاء السلطة المحلية والتي, وفقاً لكلامهم, تعاملت معهم باستعلاء ورفضت الاستماع إلى شكاواهم. وقال عدة مدنيين تضرروا بالحرب بأن السلطات المحلية فشلت في توثيق أضرار لحقت بمنازل وممتلكات المدنيين. وأفاد اثنان من المدنيين بأن مسؤولين في السلطة المحلية حاولوا إجبارهم على توقيع وصل استلام ينص على تلقيهم تعويض بمبلغ 23000 ريال يمني (76 دولار أمريكي) مقابل الأضرار التي لحقت بمنازلهم. وحين رفضا ذلك عرض عليهما مبلغ 57000 ريال يمني (190 دولار أمريكي). وعندما أصروا على الرفض, حسب ما جاء في إفادة رجل وامرأة مدنيين من المشاركين في المجموعة البؤرية, قال لهما مسؤولو السلطة المحلية بأن باب المحكمة مفتوح. وعلقت امرأة مشاركة في لقاء المجموعة البؤرية "يريدوننا أن نقبل ب 23000 ريال يمني (76 دولار) في حين تحتاج على الأقل 15000 ريال يمني (49 دولار) فقط لكي تتمكن من إصلاح نافذة واحدة. ما الذي يمكن أن يفعله من خسروا بيوتهم كاملة بذلك المبلغ الزهيد الذي يقدمونه؟!". وتضيف هذه السيدة "إنهم يلوون أذرعتنا. يقولون هذا الموجود أقبلوا أو لا تقبلوا هذا شأنكم, هم يعلمون أن ليس هناك محاكم تعمل, أو حكومة ]تعالج هذه[ المسألة".
كما اتهم بعض المدنيين في حضرموت المحافظ بالقيام بالقبض التعسفي على من يعارضه. حول هذا قالت امرأة في الخامسة والخمسين من عمرها بأن "المحافظ يأمر بالقبض على أي شخص يجرؤ على التصدي له أو تحديه. كل يوم نسمع قصة من هذا القبيل".

المقاومة
في عدن, حيث توقفت الحرب في يوليو 2015 يحمل المدنيون وجهة نظر إيجابية عن المقاومة فقد أعرب مدنيون من عدن عن تقديرهم للتضحيات التي بذلها مقاتلو المقاومة دفاعاً عن عدن وعن الجنوب خلال الحرب. وقالوا بأن المقاومة قد ساعدتهم على حراسة الأحياء وإخلاء المدنيين من مناطق الصراع. وذكر مدنيون بأنهم يلجأون إلى قيادات المقاومة لمساعدتهم على فض النزاعات أو معالجة حوادث أمنية كالاعتداءات الجسدية وأعمال السطو. ويطلق عدنيون كثر ممن شملتهم المقابلات وصف "عيالنا" على مقاتلي المقاومة.
في تعز ومأرب حيث لا تزال الحرب مستعرة, وحيث انقسم أبناء هذه المناطق وقاتلوا مع طرفي الحرب اختلطت مشاعر المدنيين حول المقاومة. في تعز أشار بعض المدنيين بأن المقاومة تدافع عن المدينة من الحوثيين. غير أن الإحباط تملكهم لطول أمد الحرب وعدم تحقق إنجاز يُذكر, وكذا لعجز التحالف وحكومة هادي على تقديم دعم كافي للمقاومة لتحقيق انتصار عسكري. عن هذا قال رجل (في التاسعة والثلاثين) "لو تم تزويد المقاومة بما يكفي من الأسلحة الثقيلة لكانوا قد تمكنوا من إخراج قوات الحوثي وصالح من المدينة منذ وقت طويل". وذكر عدة مدنيين بأن المقاومة تساعد في تقديم بعض الخدمات الأمنية لكنها تفتقر إلى الكفاءة. وأشارت امرأة مشاركة في المجموعة البؤرية بأن المقاومة ساعدتهم على الانتقال إلى مناطق آمنة. غير أن المدنيين وبصورة عارمة عبروا عن أملهم في أن يروا نهاية لتواجد الجماعات المسلحة -بما في ذلك المقاومة- وعودة للمؤسسات الرسمية. واتهم بعض المدنيين في تعز المقاومة باستدعاء الحوثيين للقصف بتمركزهم في مناطق سكنية. فيما أشار آخرون إلى حدوث اشتباكات فيما بين مجاميع المقاومة ساهمت في عدم الاستقرار وغياب الأمن في المدينة. تحدثت امرأة فقدت ابنها في قصف للحوثيين على حي المسبح في المدينة بأنه قد تم نهب منازل في المنطقة تسيطر عليها مجاميع من المقاومة.
اشتكى مدنيون في تعز بسبب ظهور عدة جماعات مسلحة في المدينة بعضها مجهولة الهوية والولاء. "بصراحة لم نعد نفرق بين هذا وذاك. لا نعلم من هم المقاومة ومن هم البلاطجة ولا من هم اللصوص المسلحون. الجميع مسلح والجميع يزعم بأنه مقاومة". والكلام هنا لأحد المشاركين في نقاش المجموعة البؤرية في تعز, والذي أضاف "لا يوجد حماية للمدنيين. هناك جبهات, معارك, اشتباكات والكل منشغل في جبهته". في بعض الحالات, استغل المسلحون الفراغ الأمني لتصفية حسابات. فقد تطرق أحد المشاركين في المجموعة البؤرية إلى حادث اقتحم فيه مسلحون في تعز منزلاً لمسؤول محلي فنهبوا المنزل ووجهوا لصاحبه تهمة بأنه عميل لصالح. وقال هذا المشارك "بعد التحقيق في الحادث, اتضح بأن قائد المجموعة المسلحة كان لديه خصومة شخصية مع هذا المسؤول المحلي".
في تعز وعدن, أشار المشمولون بمقابلات هذا البحث إلى حوادث قُتل فيها مدنيون بالرصاص الراجع في مناطق تسيطر عليها المقاومة. ويحدث اطلاق الرصاص في الهواء بشكل عشوائي كما يحدث خلال الاحتفال بالأعراس وهي عادة منتشرة في المناطق الريفية وخصوصاً في مناطق شمال اليمن, لكنها محدثة على من هاتين المدينتين. حول هذا تحدثت امرأة من تعز (26 سنة) "حين نخرج من بيوتنا لا نعلم إن كنا سنرجع سالمين ام لا. لقد فقدنا الأمان حتى ونحن داخل منازلنا. بل وفي مناطق آمنة خالية من الجماعات المسلحة يمكن للرصاص الراجع أن ينهي حياتك". بحسب بيان صادر عن مدير مكتب الصحة والسكان في عدن, وصل عدد من قتل أو أُصيب بالرصاص الراجع, وحتى شهر أغسطس 2016, 82 مدنياً. ومن ضمن الوفيات كان هناك 14 طفلاً و5 نساء ورجل واحد. وقد خرج المدنيون في عدن في مسيرات احتجاج يومية خلال 20- 23 أكتوبر 2016 مطالبين أن تقوم السلطات المحلية بجهود حقيقية لمعالجة هذه المشكلة.
على صعيد انتشار الجماعات المسلحة يشبه الوضع في تعز حالياً ما كان عليه الوضع في عدن عقب دحر الحوثيين من المدينة في يوليو 2015. يستحضر المدنيون في عدن حوادث مشابهة قامت فيها الجماعات المسلحة آنذاك من قبيل نهب المنازل وسوء استخدام القوة وابتزاز التجار وأصحاب المحلات والاعدامات خارج اطار القانون. وقد تحسن الوضع الأمني في عدن منذ مايو 2016 حين استلمت زمام المسؤولية قوات أمن جديدة مسنودة من قبل التحالف وشرعت الجهات الامنية في زيادة دوريات الشرطة في أرجاء المدينة والقيام بحملات صارمة للقبض على المجرمين وخلايا الإرهاب.
اما في مأرب فينظر المدنيون إلى المقاومة من زاوية قبلية, وهناك من يخشى بأن يفضي الانخراط في المقاومة والصراع بشكل عام الى ثارات وصراعات قبلية في المستقبل. اما بالنسبة للسلاح فتواجده ليس بالجديد على القبائل في مأرب وهي طالما استطاعت التعامل معه ولذلك لا تعد مسألة انتشار السلاح في مأرب مشكلة حقيقية على غرار المحافظات الأخرى.
محادثات السلام التي تديرها الأمم المتحدة
منذ يونيو 2015, انعقدت ثلاث جولات من محادثات السلام برعاية من الأمم المتحدة, استمرت أخر جولة لأكثر من 90 يوماً في الكويت. ضمت المحادثات ممثلين من حكومة هادي في الرياض وتحالف الحوثي وصالح في صنعاء. ولم يتم إشراك أطراف محلية أخرى في هذه المحادثات التي انتهت من دون تحقيق أي تقدم ليستمر الاقتتال في ظل عدم إبداء الأطراف في هذه المحادثات أي استعداد أو رغبة للتسوية.
تعكس آراء المدنيين في المحافظات المشمولة بالبحث غياب الثقة لديهم في عملية السلام بشكل كبير وسبب ذلك يعود بصورة رئيسية إلى اعتقادهم بأن كلا الطرفين الممثلين في المحادثات لا يضعا حساب لمصالح البلد واليمنيين. "كلا الجانبين يتلاعب بالمحادثات, فهم يلهثون وراء السلطة والثروة, ولا يهمهم أمر المدنيين. ]هم[ منشغلون فقط في كيفية تقسيم الكعكة فيما بينهم", والكلام هنا لرجل من مأرب في الخامسة والثلاثين من عمره. وقريب من هذا عبرت عنه امرأة (40 سنة) من صنعاء حين قالت "لو كانت مصالح اليمن حاضرة في قلوبهم لكانوا قد توصلوا إلى حل". ينتقد المدنيون حقيقة أن المحادثات تقتصر فقط على النخب السياسية التقليدية في اليمن والتي لا تحظى بثقة الناس.
"نريد سلاماً حقيقياً, لا نريد سلام المؤتمرات والفنادق الفخمة", هذا ما ورد على لسان امرأة (55سنة) من مأرب. ومعظم المدنيين لا يرون الأطراف الممثلة في محادثات الكويت جادة وصادقة. فقد هاجمت امرأة أربعينية من مأرب الطرفين بقولها "أريد هؤلاء الموجودين في محادثات الكويت أن يرحلوا". هذه الأطراف تدفعهم غريزة السلطة والحفاظ على مصالحها. وأتمنى أن أرى قيادات من مجتمعنا في هذه المحادثات. لو شارك هؤلاء في المحادثات فإننا سنصل إلى حل".
ترى غالبية المدنيين, لا سيما في تعز أن هذه المحادثات مضيعة للوقت والمال. ويشعر مدنيون في عدن وتعز ومأرب وحضرموت بأن هذه المحادثات لا تعنيهم وتجري بمعزل عنهم. يقول رجل عدني (28 سنة) "ليس لدينا أية فكرة عن ما يدور في الكويت, وما نسمعه فقط أن فلاناً ذهب وفلاناً رجع. وعبرت امرأة من تعز (25 سنة) عن تشاؤمها من هذه المحادثات, وقالت "يبدو أنهم لا يعملون لنا في تعز أي اعتبار حين نسمع عن محادثات السلام هذه, ففي كل مرة يعلنون فيها عن وقف إطلاق النار تزداد حدة القتال والاشتباكات في المدينة".
ويختصر حالة السخط وانعدام ثقة الناس في هذه المحادثات أحد العدنيين (24 سنة) حين قال "فلتذهب محادثات الكويت الى الجحيم."
في تعز ومأرب وعدن, يرى بعض المدنيين بأن محادثات السلام قد تم تفصيلها لمصلحة الحوثيين, وبأن اتفاقات وقف إطلاق النار تتيح لهم الفرصة للتعبئة وحشد الصف. واشتكى مدنيون في تعز من اشتداد وتيرة القصف على المدينة خلال فترات وقف إطلاق النار. عن هذا يتحدث قيادي في المجتمع المدني في تعز في الخامسة والأربعين من عمره فيقول "يدفع مدنيون أبرياء ثمن هذه المحادثات, فالحوثيون وصالح يجدون في كل اتفاق لوقف إطلاق نار فرصة لممارسة المزيد من القتل."
ويتفق المدنيون بأغلبية كاسحة أن المحادثات الراهنة والأطراف المنخرطة فيها لن تحقق السلام أو تضع نهاية للعنف لأنها ببساطة غير مهتمة بإنهاء الحرب. واتهم بعض المدنيين في صنعاء حكومة هادي والسعوديين بسوء النوايا وإعاقة وتعطيل محادثات السلام. واشترط رجل (55 سنة) لنجاح هذه المحادثات أن تتوقف السعودية عن شن الغارات الجوية وأن تقوم بترحيل حكومة هادي إلى اليمن. أما في تعز ومأرب فأكد مدنيون بأن السلام لا يمكن ان يتحقق اذا لم يقم الحوثيون بسحب قواتهم ووقف القصف على هاتين المحافظتين. يقول رجل من تعز في السادسة والأربعين من عمره "]ما[ من أمل للمصالحة في تعز إن لم تغادر مليشيات الحوثي أرضنا. يجب أن يرحلوا حتى نتمكن من حل خلافاتنا هنا". وقريب من هذا قالته إحدى المشاركات في نقاش المجموعة البؤرية, "إذا خرج الحوثيون من صرواح فستكون هناك فرصة في أن تتحسن الأمور".
في عدن طالب جميع من شاركوا في المقابلات من المدنيين تقريباً بالانفصال فوراً عن شمال اليمن كشرط مسبق لأية مصالحة أو جهود سلام. "لكي نتصالح مع الشماليين علينا أن نعود بلدين منفصلين كما كنا", والكلام هنا لامرأة من عدن (29 سنة). والتي استرسلت بالقول "ربما نتمكن من مسامحتهم مع الوقت, لكننا لن نسامح أو ننسى إذا أجبرونا على البقاء معهم, ولو حدث ذلك فإن اليمن ستظل في صراع حتى قيام الساعة".
في محافظة حضرموت الغنية بالنفط كان إحساس المدنيين هناك بانفصالهم عن محادثة السلام أكثر من غيرهم في المحافظات الأخرى. ويوجز أحد المشاركين في نقاش المجموعة البؤرية هذا الشعور بقوله "هذه المحادثات لا تعنينا بشيء, ما نريده هو تعليم أطفالنا. ومستشفيات وماء وكهرباء وصرف صحي وأن نتمكن من استلام مرتباتنا نهاية الشهر". وكخطوة ضرورية لإحلال السلام ينقسم المدنيون في حضرموت فيما بينهم إزاء الانفصال عن جنوب اليمن وانفصال حضرموت عن كل من شمال اليمن وجنوبه. وفضل غالبيتهم استقلال حضرموت استقلالاً كاملاً عن الجنوب والشمال. عن هذا قال رجل (55 سنة) "لا نريد أية مصالحة مع أي كان, نريد حضرموت فقط, تعبنا من استغلالنا من قبل الشمال والجنوب منذ 1967. كلهم عاشوا على ثرواتنا".


قوات الأمن في اليمن
حين تسلم عبد ربه منصور هادي زمام السلطة في اليمن, ورث جيشاً شديد التشتت يسيطر عليه متنافسون وفاعلون سياسيون مقربون من الرئيس السابق صالح. وقد احتفظ هذا الأخير بالتحكم على جزء كبير من هذا الجيش والذي انهمك في القتال لإعادته إلى السلطة. في ظل هذه الظروف واجه هادي في محاولته لإعادة هيكلة قوات الأمن والجيش والتي تم تفويضه بها كجزء من عملية الانتقال السياسي مقاومة وعدم امتثال لأوامره من قبل كافة الأطراف التي تحكمت بالجيش.
وزع مؤتمر الحوار الوطني, كما نوهنا إليه آنفاً أعماله بين عدة فرق من بينها فريق أسس بناء الجيش والامن. وقد اتفقت الفرق هذه على ضرورة رفع مستوى الحرفية للمؤسسة العسكرية والأمنية وعدم تسييسهما بحيث تكون القوات المسلحة حكراً على الدولة. غير أن تنفيذ هذا على أرض الواقع كان في غاية الصعوبة والتعقيد.
أجرى هادي تغييرات وتنقلات لقادة ومسئولين في قطاعي الجيش والأمن لكن تلك التغييرات لم تؤدي الى تغير معادلة القوى داخلها، مما أبقى على ولاءات منتسبيها القديمة والمشتتة. ومنذ العام 2011 نجم عن التجاذبات للسيطرة على الأمن والجيش اشتباكات مسلحة بين وحداتها وصولا الى تصاعد وتيرة العنف ثم إلى استيلاء قوات الحوثي وصالح على السلطة في سبتمبر 2014.
يتفشى الفساد في أوساط قوات الجيش والأمن بصورة واسعة, وتشير تقديرات أن ثلث هذه القوات هي أسماء وهمية لأفراد موجودين على الورق فقط. في 2015, وضعت الشفافية الدولية اليمن في المرتبة 145 في قائمة أكثر البلدان فساداً من بين 168 بلداً في العالم.
قبل الحرب تلقت القوات اليمنية مساعدة عسكرية وأخرى أمنية من الولايات المتحدة عبر كل من وزارة الخارجية وصندوق شعبة التدريب والتجهيز في وزارة الدفاع الامريكية رقم 1206/ 2282. كذلك دعمت الولايات المتحدة القوات المسلحة في اليمن بمبالغ متواضعة من المنح المقدمة من التمويل العسكري الخارجي لاستبدال معدات عسكرية قديمة ومتهالكة. وأصبح بذلك صندوق 1206 المصدر الرئيسي للمساعدة العسكرية الأمريكية المعلنة لليمن. وقد أُنشئت شعبة 1206 للسماح بتقديم معدات أو مؤن أو تدريب لقوات وطنية عسكرية في الخارج مشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب. وبشكل عام, "ترمي مساعدات الصندوق 1206 إلى تعزيز وتقوية قدرات سلاح الجو اليمني ووحدات العمليات الخاصة فيه ومراقبة وضبط الحدود وقوات خفر السواحل. وقد ساعدت تمويلات شعبة 1206 في تملك قوات الجو اليمنية لطائرات نقل وترصد. ومنذ السنة المالية 2006 تلقت اليمن مبلغ وصل في الإجمالي إلى 401.326 مليون دولار أمريكي كمساعدة من شعبة 1206". وفي مارس 2015, أعلنت وزارة الدفاع بأنها لا تعلم مصير ما يزيد عن نصف مليار دولار قيمة أسلحة ومعدات قدمتها الولايات المتحدة لليمن منذ 2007.

إصلاح قطاع الأمن وأثره على حماية المدنيين

ثمة حاجة ملحة وسريعة لإصلاح قطاع الأمن في اليمن ليس فقط لرفع مستوى احترافيتها ومهنيتها وجاهزيتها فحسب وإنما كذلك لتحسين فرص حماية المدنيين. غير أن الدعم الدولي المقدم لليمن يتم من منظور مكافحة الإرهاب دعماً لجهود محلية لدحر تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب. ومن هنا ينبغي على التحالف الذي تقوده السعودية وكذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الداعمين لحكومة هادي أن يحددوا أولويات إعادة بناء قطاع الجيش والشرطة حتى يرتفع مستوى حرفيته من خلال التدريب والتأهيل السليم على القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان والشرطة المجتمعية والممارسات الفضلى في حماية المدنيين والعلاقة المدنية/ العسكرية.
في الوقت الراهن يتوزع الجيش على سبع مناطق جغرافية رئيسية. وتنخرط وحدات الجيش في كل هذه المناطق العسكرية في قتال الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق صالح. وتعتمد هذه الوحدات بصورة واسعة على دعم التحالف. أما قوات الأمن والشرطة السابقة في الجنوب فقد تفككت حين انضم عدد كبير من الجنود والذين كانوا لا يزالون يدينون لصالح بالولاء إلى قواته أو غادروا الجنوب. في يوليو 2015, قرر هادي إدماج آلاف من مقاتلي المقاومة في المناطق التي تم دحر الحوثيين منها في القوات المسلحة وهم الآن يشكلون القوام الأعظم لقوات الأمن. وبحسب ما ذكره مدير أمن عدن فإن حوالى 90% من قيادة القوات الأمنية مكونة من مقاتلي المقاومة سابقاً و10% فقط من ضباط أمن سابقين. وفي مأرب يمثل أفراد المقاومة الذين تم دمجهم مؤخراً في قوات الجيش والأمن نسبة 65% تم ضمهم مؤخراً و25% فقط هم عناصر سابقة في الجيش والأمن. ويشكل مقاتلو المقاومة المحليين في مأرب حوالي 30% من قوة الشرطة هناك, فيما تذهب النسبة المتبقية لمجندين من مناطق أخرى في البلد. يقوم ضباط جيش وأمن سابقون بتنفيذ بعض برامج التدريب والتأهيل لهذه القوات الجديدة والتي مع ذلك تظل تلك القوات محدودة القدرات والموارد.
تكشف مقابلات أجراها مركز المدنيين في الصراعات مع قيادات محلية في الجيش والأمن وكذلك مع مدنيين فجوات في القيادة والسيطرة وغياب برامج تدريب شاملة في القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وفي استخدام السلاح إلى جانب غياب الانضباط وتردي وضع المرافق والأجهزة والمعدات.
الإشراف على قوات الأمن وعلى عملية التجنيد
أظهرت مقابلات مع مدنيين حدوث تحسن ملحوظ في الوضع الأمني في عدن خلال العام 2016. في ديسمبر 2015, تم تعيين محافظ ومدير أمن جديدين للمحافظة وكلاهما يحظى باحترام واسع في المدينة. وفي أوائل أغسطس 2015 ساعد التحالف, وبشكل رئيسي القوات الإماراتية, في تنظيم وإعداد أفراد المقاومة الجنوبية في شن هجوم كبير تمكن من إخراج تنظيم القاعدة من معظم المناطق في الجنوب. وهذه الجهود نجم عنها حدوث تحسن في الوضع الأمني في المدن وعلى الطرق الرئيسية, وحدت من أنشطة الجماعات الإرهابية وحدت من انتشار الجرائم العشوائية وجرائم الابتزاز التي كانت تقوم بها العصابات. أفاد مدنيون في عدن, وعلى وجه الخصوص النساء منهم, بأنهم أصبحوا الآن أكثر أماناً. عن هذا قالت امرأة في عدن (24 سنة) "في الماضي كنت أعود إلى المنزل قبل المغرب بسبب غياب الأمن. والآن استطيع أن أبقى خارج المنزل حتى 10 و 10:30 مساء. عدن الآن أكثر أماناً".
غير أنه في الوقت الذي شهد الوضع الأمني تحسناً في بعض المناطق, فإن غياب الأنظمة السليمة في القيادة والسيطرة على قوات الجيش والأمن وكذا الإشراف على هذه القوات والقيام بتحقيقات في مزاعم بإجراءات تعسفية نُسبت إلى بعض الوحدات الامنية يحتاج إلى معالجة سريعة. فقوات الأمن الحالية لا تعمل في إطار نظام موحد للقيادة والسيطرة يخضع بصورة كاملة لحكومة هادي. على سبيل المثال في عدن, لا تخضع قوات الحزام الأمني –وهي أفضل الوحدات تدريباً- للتسلسل القيادي لمدير أمن عدن الذي يقود قوات الشرطة وكذا القوات الخاصة المناط بها عمليات مكافحة الإرهاب. وفي حين تعتبر هذه القوات على المستوى العملياتي خاضعة لمدير الأمن إلا أنها في واقع الممارسة تتلقى أوامرها من المستشارين العسكريين الإماراتيين والذين يمولون ويدربون ويوجهون عمليات مكافحة الإرهاب هناك. ومثل ذلك في حضرموت, حيث الإماراتيون مشاركون وبقوة في إدارة وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب من خلال قوات النخبة وبتنسيق محدود جداً مع قوات الجيش والأمن المحلية في المحافظة.
إن مثل هذه الوضع من شأنه أن يؤثر على مستوى الفاعلية العملياتية حين تكون مسؤولية القيادة والتحكم موزعة على قيادات مختلفة، وتتأثر سلباً امكانية الإشراف والتحكم على مسارات أنشطة وعمليات تلك القوات ومساءلتها عند وجود مزاعم ودعاوى بتورطها في انتهاكات. على سبيل المثال وكما أوردنا آنفاً, تحدث مدنيون في حضرموت عن حالات إخفاء قسري تورطت فيها قوات النخبة المدربة من الإمارات, بينما امتنع مسؤولون محليون عن تقديم إجابات لأهالي المخفيين أو تحمل المسؤولية. على هذا الصعيد تحدث رجل حضرمي تعرض أخوه للاحتجاز من قبل قوات النخبة فقال "ذهبت إلى مدير أمن المكلا لأسأله عن أخي الذي اقتادته قوات النخبة في أكتوبر 2016 وأجابني بأن الأمن لا يتدخل في مهام الجيش ووظائفه".
كذلك الحال يؤثر التجنيد في قوات الجيش والأمن على حماية المدنيين لأن التسييس الحاصل في مختلف الوحدات من شأنه أن يؤثر على قدرة أفراد هذه الوحدات على حماية المدنيين. ففي يوليو 2015, أصدر هادي قراراً بدمج أفراد المقاومة المحلية في القوات المسلحة, غير أن عملية التنفيذ شابها غياب الوضوح والشفافية. وبحسب إفادات قيادات محلية قابلها المركز فإن عملية تجنيد أفراد المقاومة في القوات المسلحة قد اعتمدت على علاقات قياداتهم مع التحالف وحكومة هادي. وحتى في أوساط من تم تجنيدهم, هناك تباينات وفوارق في المرتبات وفي مستوى التدريب. واشتكى ضابط عسكري ومعه عدد من أفراد المقاومة شملتهم المقابلات بأنه قد تم تجنيد أفراد لم يشاركوا في الحرب في حين جرى استبعاد بعض أفراد شاركوا فعليا في القتال في صفوف المقاومة.
وفي حين يُشار إلى عملية التجنيد هذه وعلى نحو واسع باعتبارها دمج لعناصر المقاومة في القوات المسلحة, إلا أنها في الواقع محاولة لبناء قوات الجيش والأمن من نقطة الصفر. ولهذا فإن "مصطلح 'دمج عناصر المقاومة الجيش' يعد خادعاً ومضللاً" بحسب وصف صحفي محلي. ويضيف هذا "هذه الكلمة تعطي انطباعاً بأن لدينا قوات مسلحة بينما ذلك غير صحيح. فمعظم عناصر الجيش والشرطة كانوا من الشمال وعندما اندلعت الحرب بعضهم غادر عدن وبعضهم وجه السلاح ضدنا". و تقريباً فان كل الأفراد المنضوين في قوات الأمن الآن هم من أبناء نفس المناطق التي يقومون فيها بدورهم الأمني ولهذا ينظر إليهم بأنهم يتمتعون بمشروعية كبيرة من قبل الناس لا سيما بالمقارنة مع قوات الأمن السابقة التابعة لصالح. ويمكن لهذا أن يوفر فرصة ممتازة للشروع في إصلاح قطاع الأمن ويمكن لها مع ذلك أن تفاقم من إذكاء الصراعات المحلية إن لم تتم عملية الإصلاح الأمني بشفافية وحيادية. وتحتاج هذه القوات المشكلة حديثاً بشكل كبير للتدريب حتى تتمكن من أداء مهامها.
في حضرموت, أشار عدة مدنيين بأن قوات النخبة قد تم تشكيلها حصراً من قبائل معينة على رأسها قبائل الكثيري والحموم والصيعري والمنهالي, فيما جرى استبعاد قبائل وفئات اجتماعية أخرى. وفي عدن ذكر عدة مدنيين بأن وحدات المقاومة الحالية والتي تم ضمها إلى قوات الأمن قد اُختيرت على أساس خلفيات مناطقية وقبلية و/ أو سياسية مما قد يخلق مشاكلاً وصراعات في المستقبل. أضف على ذلك, اشتكى مدنيون كثر إلى جانب بعض مسؤولي الأمن من أفراد تم تجنيدهم بسبب روابط ووساطات, فيما تم رفض تجنيد بعض مقاتلي المقاومة كانوا قد وُعدوا بذلك.
ضعف التدريب:
يشكل المدنيون غالبية القوات التي تقوم حالياً بمهام أمنية في كل من عدن وحضرموت ومأرب وتعز, وهؤلاء كانوا ممّن شاركوا في القتال خلال الحرب وخبراتهم أو مستوى تدريبهم لا يكاد يذكر. والبعض من هؤلاء تلقى تدريبات اقتصرت على مهارات القتال وإن كان قد تم نشرهم كعناصر شرطة.
خلال العام المنصرم, بذل الإماراتيون جهوداً في التدريب العسكري وكثفوا من مساعيهم في القتال ضد الحوثيين وتنظيم القاعدة. في يوليو 2015 ومرة أخرى في يناير 2016, درب الإماراتيون 4000 جنديا يمنيا في عصب, إرتيريا, ك "قوة لمنع الفوضى وغياب القانون في عدن". وينهمك الإماراتيون في تدريب قوات عسكرية وأمنية وكذلك جماعات مسلحة أخرى. ومنذ خريف 2015 نسق الإماراتيون أيضاً لضم أفراد محليين في عدن إلى الجيش وقدموا تدريبا جويا لطيارين يمنيين في قاعدة العند في محافظة لحج.
يركز تدريب القوات العسكرية والأمنية على عمليات حربية تتضمن استخدام أسلحة خفيفة وثقيلة مثل مدافع الهاون والدبابات والمدفعية. وقد دُربت مجموعات في برامج تدريب تتراوح مدتها ما بين 15 و45 يوم. كما درب ضباط يمنيون سابقون مجموعات أخرى في حين تلقى آخرون تدريبهم في السودان وإرتيريا والإمارات والسعودية. أما قوات الحزام الأمني فقد تم تدريبها على يد خبراء من الإمارات والسودان والأردن ولمدة ثلاثة أشهر كان بينها تدريب على اقتحام المنازل وعمليات الاحتجاز وإجراء الاستجواب.
وفيما عدا مأرب, أشار فاعلون أمنيون إلى عدم تلقي الجنود أي تدريب في القانون الدولي الإنساني. وفي مأرب, تم تدريب حوالي 700 من الجنود وضباط الشرطة الجدد ولفترة قصيرة على العمل الشرطوي وحقوق المدنيين بموجب القانون اليمني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. نظم هذا التدريب منظمتان غير حكوميتين محليتين بتنفيذ وإدارة محاميين ومدربين في القانون الدولي الانساني. كذلك جرى تدريب عشرات من ضباط جدد وحاليين من قبل ضباط شرطة على إجراء التحقيقات الجنائية وكيفية التعامل مع المشتبه بهم وحماية خصوصيتهم وحقوقهم أثناء عملية التحقيقات وجمع الأدلة.
في كل الأحوال, قالت قيادات في الجيش والأمن لمركز المدنيين في الصراعات أن ثمة احتياج كبير لتدريب القوات الجديدة, وأشار هؤلاء إلى مشاكل على صلة بالانضباط وضعف المهارات والتعامل مع الأسلحة ولا سيما في أوساط أفراد المقاومة الذين انضموا مؤخرا لقوات الامن والجيش, حول هذا قال ضابط عسكري في عدن "لسوء الحظ يميل بعض الأفراد الجدد إلى التباهي من خلال إطلاق النار في الهواء وخصوصاً خلال الأعراس, مما يشير إلى غياب الانضباط عندهم, إلى جانب حاجتهم إلى التدريب الصارم ليتعلموا احترام السلاح الذي يحملونه ويستخدمونه فقط عندما يضطرون لذلك".
أفادت بلاغات عن حوادث أطلق فيها أفراد المقاومة الرصاص على رفقائهم بطريق الخطأ عندما كانوا ينظفون بنادقهم أو بتصويب السلاح عليهم كمزاح من غير أن يدركوا أن السلاح كان محشواً أو قتل مدنيين من غير قصد عبر إطلاق الرصاص في الهواء. وأشار مسؤول عسكري إلى حادث اخترق فيها واحد من أفراد المقاومة بسيارته ليلاً نقطة عسكرية كان يخدم فيها أصدقاؤه متظاهراً بأنه انتحاري يحمل متفجرات في محاولة لإرعابهم. لكنهم أردوه قتيلاً.
أظهرت المقابلات التي أجراها المركز مع ضباط في الجيش والأمن رغبة عالية لتلقي تدريب سواء لأنفسهم أو لمجندين جدد. وأشاروا إلى حاجتهم للتدريب في خوض المعارك والقانون العسكري والقانون الدولي الإنساني وكذا في مجال إخلاء المدنيين أثناء القتال واستخدام الأسلحة والتكتيكات الجديدة إلى جانب إشراك المجتمع من قبل قوات الجيش والشرطة.
أشار مسؤولون أمنيون في عدن وحضرموت إلى مشاكل على صلة بالتمييز فيما بين عناصر مشبوهة من القاعدة وبين مدنيين, مما دفعهم أحياناً إلى إلقاء القبض على مدنيين. "لا أستطيع التمييز بين الإرهابيين وغيرهم إلا من خلال بطائق هويتهم أو إذا اشتبهت فيهم اذا ما اظهروا نوع من التوتر. ولكن أحياناً يشعر أناس عاديون بالتوتر امام النقاط." الكلام هنا لمسؤول أمني في حضرموت. وعلى نحو من هذا, ورد على لسان مسؤول أمني آخر في حضرموت حين قال "لا أستطيع التمييز, لكننا نقوم بتفتيش كل من ليس لديه بطاقة هوية, وعندما يظهر التوتر على ذلك الشخص أو نشتبه فيه فإننا نقبض عليه ونرسله إلى مطار الريان لاستجوابه".
وذكر ضباط أمن في عدن بأن من شأن التدريب أن يساعدهم على التمييز فيما بين "عناصر متطرفة" وبين المجموعات الأخرى. وأكد معظم ضباط الأمن المشمولين بالمقابلات بمن فيهم مدير أمن عدن الحاجة إلى التدريب في الاستخبارات وجمع المعلومات ومكافحة الإرهاب. وقال مدير أمن مأرب بأن وحداته تحتاج إلى دورات تدريب في التحقيق الجنائي والطرق الحديثة في الاستجواب وجمع الأدلة وكذا برامج لاشراك المدنيين.
مشاكل ذات صلة بالأجور وضعف التجهيز
تحدث مسؤولون عسكريون عن مشاكل في الأجور والمرتبات من شأنها أن تؤثر على الحفاظ على بقاء القوات او تركها معرضة للفساد. يتلقى العديد من الجنود المنضمين إلى الخدمة إما أجوراً زهيدة أو لا شيء. وحتى هذه المرتبات والأجور على ضآلتها فإن دفعها يتأجل في حالات كثيرة. ونظراً لسيطرة الحوثيين في صنعاء على الموازنة فلم تدفع المرتبات لأولئك الضباط الذين تعهدوا بالولاء لهادي أو قاتلوا قوات الحوثي وصالح. وبحسب إفادة مدير أمن عدن, يتولى التحالف دفع مرتبات لبعض الضباط لكنه لا يغطي كافة الأفراد الذين تم تجنيدهم.
كذلك أثار مسؤولون قابلهم المركز مخاوفاً بخصوص ضعف التجهيز والمعدات والتي تؤثر على الفاعلية العملياتية وكذا على معنويات الأفراد. عن هذا تحدث ضابط عسكري في عدن فقال "واجهنا تحديات كثيرة وعانينا من نقص حاد في الأسلحة والذخيرة والدعم المعلوماتي. كنا نخمن واعتمدنا على الحظ". كما تفتقر أقسام الشرطة إلى العربات والأثاث والهواتف والسلاح. وذكر مدير أمن عدن بأنه في حاجة إلى أجهزة ومعدات تعينه على القيام بعمليات مكافحة الإرهاب. كذلك أكد ضباط جيش على حاجة أفرادهم للمعدات والسلاح. "نحتاج أن نسلح جميع جنودنا فحين تعطي سلاحاً للبعض منهم فقط دون الآخرين فأنت تخلق مشاكل". هذا ما قاله ضابط عسكري في مأرب. وطالب مسؤولو جيش وأمن في عدن ومأرب وحضرموت ببناء قاعات ومواقع سليمة ومجهزة للتدريب. وفي مأرب أشار مدير الأمن إلى أنهم بحاجة لأقسام شرطة إضافية وعربات وأنظمة اتصال وكاميرات للمرافق العامة وأماكن تجمع المدنيين. وأشار آخرون إلى الحاجة لإيجاد قاعدة بيانات لقيد وتسجيل أسماء ومعلومات عن الجنود المنخرطين وذلك لمنع الازدواج والفساد.

احتياجات المدنيين وتوقعاتهم

تمنى المدنيون في كل المحافظات أن يروا نهاية سريعة للحرب وأن ينسحب المسلحون من المناطق السكنية. في صنعاء, كانت الرغبة الكاسحة عند المدنيين تتمثل في توقف القصف الجوي, فيما اراد مدنيون في مأرب وتعز ان تسحب قوات الحوثي وصالح مقاتليها وأن توقف حربها على هاتين المحافظتين. وعبر معظم المدنيين عن رغبتهم في أن تقوم حكومة صادقة وجادة تهتم بالمواطن العادي, إلى جانب التخلص من عناصر الفساد في النظام السابق والتي لا تزال تتحكم في صنع القرار. عن هذا تحدثت امرأة في صنعاء (35 سنة) فقالت "نريد الأمان مع حكومة مدنية لا تكون من أي حزب من الأحزاب السياسية الحالية. حكومة ينتخبها الشعب". وقريب من هذا قاله رجل خمسيني من صنعاء أيضا "لا نريد نفس الوجوه القديمة, لا نريد أن نرى وزيراً يموت فيتولى ابنه منصبه".
غير أن المدنيين أيضاً يفتقرون إلى احتياجات محددة وتحدوهم آمال وتوقعات ينبغي الاهتمام بها من أجل إعادة بناء المجتمعات وتوفير الأمن والاستقرار طويل الأجل للمدنيين.
الإقرار بالمظالم والمصالحة والمساعدة في مرحلة بعد الضرر
تسود مشاعر عارمة من الغضب والاستياء والسخط بسبب ما لحق بالمدنيين من أضرار جراء هذا الصراع. وعبر المدنيون بصورة كاسحة عن مخاوفهم من احتمال تصاعد وارتفاع وتيرة العنف مرة أخرى إذا فشلت عملية المصالحة في معالجة المظالم وتعويض من لحق بهم الضرر نتيجة الصراع. ورأى أغلبية المدنيين الذين قابلهم المركز بأن دورات العنف يمكن كسرها وإنهاؤها فقط اذا حدث إقرار من قبل أطراف الصراع بالأضرار والأذى الذي تسببوا فيه وكذلك استبعاد القيادات الحالية التي شاركته الحرب بالإضافة الى عملية سلام تشمل الجميع ومصالحات محلية على مستوى المحافظة والمجتمع, إلى جانب مساعدات لمرحلة ما بعد الضرر تعالج الاحتياجات الماسة والملحة لمن تضرروا بالصراع من الناس.
أبدى المدنيون شعوراً طاغياً بعدم ثقتهم في القيادات الحالية المنضوية في محادثات السلام. بالنسبة لهم يتعين على هذه القيادات أن تتنحى لكي تنجح المصالحة. عن هذا تحدثت امرأة (45 سنة) في صنعاء, فقالت "لو كانوا جادين بخصوص المصالحة يجب أولاً على القادة السياسيين الحاليين أن يتقاعدوا ليفسحوا المجال لدماء جديدة. هم يهتمون فقط بمصالحهم الخاصة واقتتالهم على السلطة هو الذي أشعل هذه الحرب". وأضافت "لنعطي الفرصة لأشخاص جدد ليتولوا زمام الأمور فربما يتمكن هؤلاء من تحقيق السلام".
وهذا ما أكدته امرأة أربعينية في صنعاء حين قالت "لا نريد لا صالح ولا الحوثيين ولا الإصلاح ولا هادي, نريدهم أن يرحلوا كلهم".
طالب مدنيون كثر بأن تحاكم القيادات الحالية والتي انخرطت في الصراع, بمن فيهم صالح وهادي وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي, عن جرائم الحرب التي تسببت بها. "أريد صالح والحوثي أن يمثلوا أمام القضاء, فصالح هو وراء كل هذا", والكلام هنا لامرأة أربعينية من عدن. أما شاب من صنعاء في الثالثة والعشرين من عمره, فقال "نريد أن يمثل هادي وحكومته امام القضاء. لا يمكننا أن نتوقع أن تأتي العدالة منهم, إنهم مجرمو حرب".
وإلى جانب مطالبتهم بعملية سلام أكثر استيعاباً وتمثيلاً يرغب المدنيون في أن يروا جهوداً للمصالحة المحلية تعالج ما ظهر من صراعات محلية تسببت بها أو أجّجتها الحرب حتى يمكن احتواءها وحلها في النهاية. وفي مأرب طالب المدنيون بإشراك قيادات قبلية بارزة في هكذا جهود. "يجب أن يتصدر مشايخ كبار من صرواح والنواحي المجاورة لها أي جهد لحل هذه الصراعات. وينبغي أن تقدم ضمانات لإنهاء العداوات", والكلام هنا لامرأة (45 سنة) في مأرب. وطالب مدني في مأرب أن يشارك ممثلو الأحزاب السياسية على المستوى المحلي وكذلك قيادات مجتمعية ومنظمات غير حكومية وفئات الشباب في تلك الجهود ايضا. وعزز هذه الرؤية مدني خمسيني من صنعاء حين قال "بإمكان الوساطة القبلية أن تساعد في تحقيق المصالحة, القبائل متوازنة ومشايخ القبائل عندهم خبرة في فض النزاعات".
علاوة على ذلك, طالب المدنيون جميعهم بصورة من صور المساعدة النقدية تعوضهم عن الخسائر التي تكبدوها خلال الحرب. وكما شرح آنفا في الجزء الخاص بأنماط الأضرار, تسبب هذا الصراع في خسائر في الأرواح والإصابات وخسائر في الممتلكات وخلف آثاراً بالغة على الاقتصاد. "هل هناك أي شيء في العالم يمكن أن يعوضني عن خسارتي لابنتي وزوجي؟ لا شيء يعوض ذلك! ولكن على الأقل أريد أن أتمكن من إصلاح بيتي الذي دُمر في الحرب", هذا ما قالته امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها في تعز.
ذكر مدنيون في صنعاء وحضرموت وتعز وعدن بأنه لم يعد بمقدورهم إرسال أطفالهم إلى المدارس. عن هذا قالت فتاة عمرها 18 سنة من مأرب "نريد فقط أن تتوقف هذه الحرب وأن أعود إلى البيت حتى أتمكن من العودة إلى المدرسة مثل الناس العاديين". وشكى عدة مدنيين كانوا أصحاب أعمال تجارية وممتلكات قبل الصراع بأنهم يكافحون الآن لتوفير احتياجات أساسية, بل وأبدى بعضهم خوفه من أن يأتي عليهم يوم لا يقدرون فيه على شراء أبسط متطلبات الحياة وهو الطعام. تقول إحدى النساء النازحات (42 سنة) في تعز "في الماضي كنا نطالب بخدمات أساسية وحرية, أما الآن فإننا خائفون من أن نموت جوعاً".
يطالب المدنيون بمساعدة تعينهم على إعادة إعمار بيوتهم التي دمرتها الحرب ليتمكنوا من المضي في حياتهم مرة أخرى. كذلك طالب الكثير منهم الحكومة والتحالف لتقديم مساعدة طبية على وجه السرعة لجرحى الحرب بما في ذلك نقل من لا يستطيع أن يحظى برعاية طبية كافية في اليمن بسبب انهيار وضعف وعجز النظام الصحي. أما من خسر مصنعه وماشيته فطالبوا بمساعدة مالية تعينهم على التعافي من هذه الخسائر. ويحتاج آخرون فقدوا عائلهم إلى مصادر دخل بديلة ومشاريع صغيرة ومن خلال التدريب على العمل يستهدف هذه الفئة تحديداً.
تعزيز نظام القضاء
طالب المدنيون بدون استثناء بأن تكون لهم دولة قوية ذات نظام وقانون, حيث يرون ذلك عنصراً ضروريا لإنجاح أي جهود للمصالحة. لقد أتت هذه الحرب على مؤسسات القضاء والأمن فمزقتها إرباً. يقول شاب في الرابعة والعشرين من عمره من تعز "أصبحت الآن لا أثق بأي طرف. أريد أن أرى مؤسسات يعامل الجميع في ظلها بالتساوي". وأكدت على ذلك امرأة من حضرموت (35 سنة) حين قالت أنه يتعين لنجاح جهود المصالحة أن يتم تعزيز حكم القانون ومحاكم القضاء. "أريد نظاما وقانوناً قويين يطبقا على الجميع", والكلام هنا لامرأة (45 سنة) من صنعاء.
تلقّى نظام القضاء بما في ذلك السجون والمحاكم ومكاتب النيابة العامة ضربة موجعة أثناء مجريات الصراع. وحتى ديسمبر 2016, لم تُبذل جهود تُذكر لاستعادة خدمات القضاء في عموم أنحاء البلد. ويجد المشتبه بهم والمحتجزون على ذمة جرائم جسيمة أو خفيفة أنفسهم في سجون أوضاعها متردية ويمضي عليهم هذا الحال لفترات طويلة من دون توجيه أية تهمة لهم أو تقديمهم للمحاكمة. وفي بعض الحالات يُحتجز الأطفال في عنابر مع الكبار. يتولى أفراد تعوزهم الخبرة والتأهيل السليم إدارة هذه السجون والقيام بمهام التحقيقات الجنائية.
ولم يسلم نظام القضاء مثله مثل غيره من مؤسسات أخرى رئيسية من حالة الانقسام التي تعصف بالبلد حالياً. عندما سيطر الحوثيون على صنعاء عينوا بديلاً لرئيس مجلس القضاء الأعلى وكذلك للنائب العام. أما في عدن وتعز وحضرموت ومأرب فلا يُنظر لمجلس القضاء الأعلى ككيان شرعي. كما يتعذر على القضاة رفع أي قضايا الآن إلى المحكمة العليا لأنهم لا يعترفون بسلطة هذه المحكمة التي تقع تحت سيطرة الحوثيين في صنعاء. وبعد الحرب غادر الجنوب قضاة من محافظات شمالية كانوا يعملون هناك. عن هذا أكد رئيس محكمة الاستئناف في عدن الحاجة لتعيين مجلس قضاء أعلى جديد من قبل هادي حتى يستأنف نظام القضاء عمله في المناطق المحررة.
في عدن ولحج وأبين وحضرموت وتعز, تعرضت المحاكم ومكاتب النيابة وأقسام الشرطة والسجون إما للدمار أو الأضرار أو النهب. في تعز أغلقت المحاكم أبوابها, وفي عدن على سبيل المثال أصاب الدمار مبنى المجمع القضائي ومحكمة الاستئناف. أيضاً تعاني المحاكم ومكاتب النيابة من غياب التمويل حيث جرى تعليق الموازنات التشغيلية من قبل الحوثيين في أبريل 2015, ولهذا لم يُعمل شيء لإصلاح الأضرار أو إمداد المحاكم ومكاتب النيابة بالتجهيزات اللازمة للعمل.
بُذلت جهود متواضعة لإنعاش نظام القضاء, ومؤخراً استأنف عدد قليل من المحاكم الأولية عملها وإن اقتصرت فقط على النظر في قضايا الأحوال الشخصية (تشمل أمور كالزواج والطلاق وقضايا الميراث), إلى جانب بعض القضايا التجارية وقضايا أخرى غير جنائية. أما في تعز حيث المعارك لا تزال مستعرة شكلت مجموعة محامين وقضاة لجنة مصالحة وتحكيم كإجراء مؤقت لحل الخصومات. لهذه اللجنة خمسة أعضاء وأربع لجان فرعية كل منها مكون من ثلاثة أعضاء. يعمل في هذه اللجان الفرعية أشخاص بخلفيات قانونية تتضمن مساعدي قضاة ومحامين وموظفي محكمة كالأمناء ومسؤولي التوثيق والتسجيل. ولا تنظر هذه اللجان في قضايا جنائية وإنما في مسائل على صلة بالأحوال الشخصية ونزاعات تجارية صغيرة.
في تعز, جرى ترميم مبنى البحث الجنائي ويتم استخدامه حالياً كمقر لإدارة الأمن والتحقيقات الجنائية. وقد تم إلحاق سجن مؤقت يتسع لخمسين شخصا بهذا المبنى. غير أن هناك حاجة للتدريب والتجهيزات للسجن وإدارة البحث الجنائي في هذا المرفق.
الإشراف على الجماعات المسلحة ونزع سلاحها
اتفق المدنيون في كافة المحافظات على مطلب بأن تكون الحرفية والمهنية هي الصفة السائدة في مهام قوى الأمن والجيش وأن يكون هناك إشراف على هذه القوات لمنع الانتهاكات. عن هذا تحدثت امرأة أربعينية من تعز فقالت "أُطالب بدولة قوية وأمن قوي يستطيع أن يحميني ويحمي مدينتي". كما يتمنى المدنيون أن تُعاد هيكلة قوات الشرطة والجيش وأن "تُطهر من ضباط سابقين لهم سجل سابق في الفساد وانتهاك حقوق الإنسان", بحسب ما قاله رجل خمسيني من حضرموت.
وحذر مدنيون في تعز وعدن وحضرموت من أن الانتشار غير المسبوق للسلاح ولا سيما في أوساط الشباب قد ساهم في تدهور الوضع الأمني. وطالبوا باتخاذ إجراءات فورية للتعامل مع هذه المشكلة الخطيرة. كذلك طالبوا بحل المجموعات المسلحة بمن فيها جماعات المقاومة والتي تعمل باستقلالية دون رقيب. واشتكى مدنيون في حضرموت من اقتحامات لمنازل واحتجاز تعسفي من قبل جماعات مسلحة تدعي بأنها تعمل مع التحالف. عن هذا يقول رجل (48 سنة) من حضرموت "التحالف يوزع الأسلحة على من هب ودب, فلم نعد نعرف من الجيش ومن الشرطة ومن المقاومة. الكل مسلح والكل يقول بأنه يعمل مع لتحالف. يقتحمون المنازل ويحتجزون الناس دون أي مسوغ".
خاتمة
فيما تستمر موجات الصراع المستعرة في اليمن يدفع المدنيون ثمنا باهضا من حياتهم وصحتهم ودمار منازلهم ومدارسهم. يتجاوز عدد من هم بأمس الحاجة إلى مساعدة إنسانية من اليمنيين 80% من السكان. وقد فاقمت الحرب من الانقسامات الداخلية وأثارت النعرات والصراعات على مستوى المجتمعات المحلية. ولم تثمر بعد جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار أو وقف الأعمال العدائية عن نتائج ملموسة تعزز من فرص السلام، حيث أن الأطراف الممثلة في محادثات السلام قد أخفقت حتى الآن في احترام التزاماتها المعلنة والمتكررة لوقف إطلاق النار.
يتطلب حماية المدنيين من الأذى والضرر بالدرجة الاولى إنهاء الحرب. وفي حين يجري التفاوض على هكذا جهود بإمكان أطراف الصراع إجراء مراجعة شاملة على عملياتهم العسكرية الحالية والقيام بإجراءات احترازية لمنع وقوع الضرر على المدنيين والتقيد بالقانون الدولي الإنساني. في الوقت الذي شرع مدنيون للعودة إلى بيوتهم في بعض أنحاء البلاد, ثمة حاجة ملحة لتوجيه الجهود وتكثيف المساعي للحد من إصابة المدنيين بأضرار جرّاء الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة, وكذا إعداد برامج شاملة للمساعدات في مرحلة ما بعد الضرر بما يعبر عن احتياجات المجتمع ويساعد في إعادة لم الشمل وتحقيق السلم الأهلي وتوفير مناخ ملائم للمساءلة والمحاسبة. وتبقى الحاجة قائمة وضرورية لإصلاح قطاع الأمن مع التركيز على تدريب وحدات الشرطة والجيش في مجالات تشمل القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وحماية المدنيين, وإشراك المجتمع وذلك لتجنب الثأرات التي قد تنتج جراء الحرب ولوقف الانتهاكات وتوفير الأمن اللازم للمدنيين.
يشعر المدنيون بحالة عميقة من عدم الثقة والبغض إزاء تحالف الحوثي وصالح وحكومة هادي والتحالف الذي تقوده السعودية. في المقابل فإن رؤية وانطباع هؤلاء المدنيين إزاء السلطات المحلية والفاعلين على المستوى المجتمعي جيدة نسبيا وهذا يقدم فرصة لبناء الثقة من خلال استيعاب الفاعلين المحليين في مفاوضات السلام, والتي ينبغي لها أن تكون الطريق لبناء مؤسسات ذات مشروعية وسلام دائمين.
منذ العام 2011, حاول المجتمع الدولي أن يساعد في وضع حد للصراع وتوفير الدعم للانتقال السياسي. إلا أن هذه الجهود تعثرت ولم تجد طريقا للنجاح لأنها لم تستجب لاحتياجات المدنيين ومعالجة مظالمهم, كما لم تضمن تمثيلهم تمثيلاً حقيقياً وعادلا في عملية الانتقال السياسي. من هنا ثمة حاجة ملحة لعدم تكرار أخطاء الماضي, والتركيز بدلاً عن ذلك على إيجاد سلام وأمن مستدامين من خلال استيعاب آراء وتصورات المدنيين وتلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم في إعادة بناء وطنهم وضمان مشاركتهم الفعالة في عملية السلام وفي الحوكمة. إن جهوداً كهذه هي بالضرورة ملحة وواجبة حتى يتسنى كسر دائرة العنف وتضييق الخناق على بؤر التوتر والنزاع التي لا تزال تعصف بهذا البلد.


عن هذا التقرير
يوثق تقرير "عشنا أياماً في الجحيم" أنماطاً من الأضرار التي طالت المدنيين في كل من محافظات عدن وحضرموت ومأرب وصنعاء وتعز, وكذا تصورات وآراء المدنيين نحو أطراف الصراع. ويعكس هذا التقرير احتياجات وتوقعات المدنيين من حيث الحماية والمساعدة على بناء حياتهم وحياة مجتمعاتهم من جديد, إلى جانب الفجوات وأوجه القصور في برامج تدريب قوات الجيش والأمن, إلى جانب قضايا مهمة تتعلق بالإشراف على هذه القوات. وتبرز الحاجة الى ان يتوصل كل أطراف الصراع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية كأولوية لا تحتمل التأجيل حتى تشرع في معالجة المظالم التي أدت إلى هذا العنف من خلال إشراك المجتمعات المحلية في عملية السلام.
عن مركز المدنيين في الصراعات
يركز عمل مركز المدنيين في الصراعات على تحسين مستوى الحماية للمدنيين العالقين في الصراعات في جميع أنحاء العالم. ونحن في هذا المركز نحث وننصح المنظمات الدولية والحكومات والجيوش والجماعات المسلحة التي تعمل خارج اطر الدولة لتبني وتنفيذ سياسات من شأنها أن تمنع وقوع الضرر على المدنيين. وحين يصاب المدنيون بالضرر فإننا نناصر من أجل تقديم التعويضات والمساعدات بعد وقوع الضرر. ثم ننقل أصوات هؤلاء المدنيين أنفسهم إلى من بيده صنع القرار الذي يؤثر على حياتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.