لا ترى بثينة ما حولها. عينها متورّمة ووجهها يؤلمها، لكنها تجاهد بيديها الصغيرتين لفتح عينها اليسرى كلما طرق زائر باب غرفتها في مستشفى عبد القادر المتوكل في صنعاء. تعرف بثينة أن أولئك الذين يطرقون باب غرفتها، منذ دخولها المستشفى، يحملون هدايا لها. تبتسم لهم وتعود إلى شرودها. أحياناً، قد تستجيب للأحاديث الخافتة التي تدور بين زوارها وطبيبها عندما يرد إسمها، وأحياناً تتجاهل العالم، وتنشغل بدميتها، أو تعدّ ربطات الشعر الملونة في حقيبتها الصغيرة. تقول لنفسها: "سأضعها على شعري في العيد". الطفلة بثينة محمد منصور الريمي (6 سنوات)، لا تعرف أن لا عيد ينتظرها بعدما قتل جميع أفراد أسرتها المكوّنة من ثمانية أشخاص، إضافة إلى خالها منير الذي تحبه كثيراً. يعجز قلب بثينة عن الاعتراف بأنها الناجية الوحيدة في أسرتها.
يوم المأساة
فجر الخميس، في الخامس والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، كانت بثينة نائمة إلى جوار أمها وأخوتها، عندما استهدف طيران التحالف العربي بقيادة السعودية، مبنى المواطنة معصارة محمد معصار في فج عطان في صنعاء بثلاثة صواريخ، ما أدى إلى تدميره، علماً أنه مكون من ثلاث طبقات، قتل في القصف ستة عشر شخصاً هم جميع أفراد أسرتها: والدها محمد الريمي، والدتها أمل، وأشقاؤها هالة (10 سنوات)، وآية (9 سنوات)، وبرديس (7 سنوات)، وعمار (ثلاث سنوات)، ورغد (سنتين)، وخالها منير، وثمانية آخرون بينهم محمود الفلسطيني (فلسطيني الجنسية)، ووائل عبد الحفيظ (سوداني الجنسية).
نجت بثينة من الموت، لكنّها لم تنج من رعب ما خبرته في ذلك الفجر. وباتت تعاني من كوابيس تطاردها في نومها وفي يقظتها. "تظلّ شاردة، ولا تتكلم إلّا إذا ما وجه الناس حديثهم إليها"، تقول كفاية منصور الريمي، عمة بثينة التي ترافقها في المستشفى. تضيف: "تبكي بثينة وهي نائمة، وأحياناً تصحو من نومها متعرّقة". هل تذكر عائلتها؟ تجيب: "في اليوم الثاني من الحادثة، بدأت بثينة تحكي ما رأته. لم يسألها أحد، كانت تهذي وتكلم نفسها"، تبكي العمة. وتسألها: "هل تريدين أن تحكي لي يا بثينة"؟ فتجيب: "كنت هناك، قالت أمي ستذهب إلى المطبخ. بوم... صاروخ... أبكي وأنادي أمي وأبي. قدمي عالقة. أبكي وأناديهم. بعدها دوخت". تفسّر العمة: "تقصد أنه أغمي عليها". تصمت بثينة مجدداً، وتعود إلى فرك يديها. ليست بثينة الطفلة الوحيدة الناجية خلال هذه الحرب، والتي قضت أسرتها في قصف طيران التحالف العربي لفج عطان في ذلك اليوم. سام بسام الشيخ (7 سنوات) يشاركها مصيبتها. مات والده ووالدته في القصف. لكن صورة بثينة التي تناقلها الإعلام اليمني، وهي تحاول فتح عينها، أبرزت قصتها وأثارت تعاطف كثيرين أبدوا رغبتهم في الاهتمام بها. نسأل عمتها: "هل توافقون على طلب تبني بثينة"؟ فترد بحزم: "أسرة أبيها على قيد الحياة. أعمامها وعماتها سيهتمون بها ولن يتركها أحد. يكفي ما عانته".