ما عاد الآدمي يدري هذه الأيام أيهما أكثر: السيارات؛ أم البشر، هذا فيما لو استثنينا من المعدود مايسمونها بالمجنونة، والدراجات النارية، ثم دراجات البيدل، أو الهوائية، حتى أصبحنا نجد الطريق ذات أربعة الخطوط مسروقة، فلا فراغ فيها سوى لخط واحد، والباقي: خطان للسيارات الواقفة عن اليمين والشمال، وخط للواقفة المرشحة للتحرك، والخاصة بالمتسوقين من جوانب الطريق، فيما يكتفي سائقو الدراجات النارية (الموترات) بعمل الخياطة بين السيارات والبشر، وطبعا كل دراجة تحمل مالا يقل عن اثنين من الرجال السمان، إن لم يكونوا اربعة، او خمسة من نحاف الأجساد، ويافوضى حركي السيارات، وخصوصا في أوقات القات، أو الذروة. القاسم المشترك اليوم في كل مدن محافظة عدن، وربما كل محافظات هذا الوطن المنكوب بالفوضويين والبلاطجة، ومن هم في حكمهم- في ظل عدم قدرة الدولة على بسط سلطة النظام والقانون، باستثناء بعض المحافظات- أن معظم الآليات المتحركة، من سيارات، ودراجات نارية، و(المجنونة من صنفها)، معظمها دون أرقام، وإن وجدت أرقام عليها؛ فلا تعلم أهي في اليمن، أم في بلاد (واق الواق) وكل مالك سيارة، او دراجة يضع رقما يناسب هواه، ومن رأسه، وبعيدا عن الدولة وقوانين البلد، حتى يصبح المرء يقلب كفيه، وبردد مع نفسه: الله يرحم الزمان الذي كان فيه صاحب الجاري جمل لا يستطيع الحركة إلا برقم، فضلا عن السيارت الصغيرة، والكبيرة. في هذه المعمعة؛ نحن نمشي على الأرض لضرورات الحياة: العاجز، والمرأة، والطفل، والشاب الذي يعلم الله كم يتحمل من المسؤوليات الإجتماعية، والذي يعلق عليه والداه، ثم المجتمع الآمال العريضة في مستقبل البناء والتنمية، ولا يضع له سائق السيارة، (وقد يكون طفلا) اي اعتبار، وبالكثير متل اي قطة تمشي في الشارع... نمشي إذن، نعم، لكن دون ضامن، ولا كابح، ولا مستند، ولا علامة دالة، وإذا حصلت كارثة ( لا قدر الله) في هذه الظروف؛ فحاسب لك (ريح) كما يقول الملحدون، أو كما يقول المثل: (كم من سعيدة في سوق البيض)!! المشكلة أن كل الناس، من عاقل فطن؛ إلى إدنى الناس عقلا، إلى اللص الذي يقتنص غفلات الناس، وخصوصا في زحمة السيارات، والبشر، والمتسوقين، إلى الموظف الذي يبيع الأمانة؛ ليشتري سيارة، أو سيارات، إلى الشرطي الذي يحمي عصابة اللصوص في سوق القات، وأسواق الزحمة، وربما يحمي المجرمين في هذا الزمن، كلهم يتفقون على ضرورة وجود الكابح لكل هذه الحركة المجنونة.. يتفقون في وقت أن يكون أحدهم مفعولا فيه، لا فاعلا في غيره.. يريدون وجودا فاعلا للقانون، وهيبة واسعة للقضاء، ووجودا مؤثرا للشرط!! السؤال المعضل في هذه الحال، وفي كل هذه المعمعة: من، أو بمن سيكون هناك نظام وقانون يلجأ إليه الجميع، وهم يواجهون أخطار السيارات، وغيرها من الأخطار المحدقة في كل هذه الفوضي، وضياع المحاكم، الدائم؟! وإذا كنا جميعا نضرب في بنيان النظام والقانون الذي هو ضامن لسلامتي وسلامتك؛ فمن سيحميه (أي النظام والقانون)؛ ليحمي هو حقي، وحقك، وحق الكل، من : الدماء، والأرواح، والأعراض، والأموال.. من؟ إن لم نكن نحن، ونحن دون استثناء، وكل من موقعه، وفي موقعه... لقد صار الإنسان اليوم يخرج من بيته؛ ليواجه تيارات جارفة من الأخطار، وهو إذ يرمي نفسه في هذه الطريق، أو ذاك الاتجاه؛ يعلم أنه لا يدري: هل سيعود سليما معافى إلى داره، أم مدهوسا على نقالة، هل سيجد من ينصفه من خصمه، أم يقصمه من خصره، أو يقصم ظهره؟ هل سيعود بحاجته إلى داره، أم سيحترق في الطريق بناره؟!. باختصار: لقد صرنا في حيرة من أمرنا، والمنكي أن كل مشاكلنا هي من صنع أيدينا، بدءا من الطريق، وانتهاء بأي مصيبة تحدث على وجهها، والمحير- ونحن نبكي كل المآسي التي تأكل أرواحنا- أن الحل لا يمكن أن يصنعه أحد غيرنا.. فمتى نقتنع؟ ومتى نراجع أنفسنا لنعود إلى حياتنا الوادعة.. بسلام غامر، وأمان؟!