الموت مأساة كبرى في حياة البشر، كم هو مؤلم ومحزن فقدان من نحبهم ونحمل لهم ذكريات جميلة وعاطرة في حياتنا ولهم إبداعات خالدة في ذاكرة الوطن وأسمائهم محفورة في سجلات الزمن . الأرض في دورانها المستمرة ، والحياة في سيرها الذي لا ينقطع، والبشر في خلافاتهم التي لا تنتهي ، ونشاط الموت الغير اعتيادي في بلادنا يحصد الأرواح جماعات وأفرادا .. ومن كثرت ما نسمعه ونشاهده عن حركة الموت الدائبة حتى أصبحنا نستقبل الأخبار المتواترة بدهشة فاترة وحزن عابر لأن أخبار القتل والموت تأتيك تباعا .. لا تستفيق من واحده إلا وجاءت الأخرى بتبعاتها
الرحيل الفاجع لشَخصيات المؤثرة التي لها بصمات على ارض الوطن توقظ فينا الإحساس والمشاعر بالموت الحقيقي بألم وحسره لفراق الأحبة وتتكدر حياتنا وتتأثر نفوسنا أسى ولوعة عليهم ...
ترجل نجم من نجوم الوطن المضيئة
عند ما نقل إلي النبأ الفاجع ابن أختي نواف وهو جار المرشدي وصديق أولاده في حي ريمي ..عبر اتصال هاتفي فقد كان يعلم حبي وتقديري لفنا ن الشعب المرشدي وقد جادلته من هول الصدمة في ذلك. من شدة المفاجئة ليس إنكارا لقضاء الله وقدره فإيماننا بالله أمر راسخ في قلوبنا ووجداننا وأعمالنا وجوارحنا ولكنها طبيعة النفس حين تفاجئها الفجيعة على حين غرة ، ولا يسعنا إلا ان نقول الحمد لله على قضائه وقدره وهو القائل ( كل نفس ذائقة الموت )
موت شخصية تتمتع بسيرة ثرية في العطاء ومسيرة حافلة بالإنجازات الفنية الراقية .. نظيفة ونزيهة وصادقة مع نفسها ومجتمعها ولها بصمة ساطعة واضحة المعالم يعرفها الصغير قبل الكبير شخصية بعيده كل البعد من الانغماس في أتون الفتن ونزف الدماء وإزهاق الأرواح .ليس كموت أي إنسان عادي عاش ومات على هامش التاريخ أو شخصية أقحمت نفسها في سجل التاريخ بمداد الدم البعض لا يعرف ان الفقيد الفنان محمد مرشد ناجي يتمتع بروح الدعابة والطرف ولديه مخزون هائل من الثقافة والفكر والأدب ويتمتع برجاحة العقل وسرعة البديهة وحسن التصرف ، وهو كشخصية عامة مشهورة وفنان كبير مر بمواقف حرجه ولكنه بذكائه استطاع الخروج منها بأحسن الحلول
رحل عنا المرشدي ذو شخصية استثنائية اخص سماتها نقاء الضمير وأصالة الإنسانية وسمو النفس وطيب السريرة وحسن الأخلاق وهذه الصفات الخلاقة قلم تجدها في إنسان وخصوصا في زماننا هذا الذي ماتت فيه الضمائر سقطت النفوس من اجل الفلوس .. كم من نافق .. واكرر نافق أزعجونا بصياحهم ونباحهم وشرور أعمالهم حول الثوابت والمواقف والصمود على المبادئ فإذا بنا نرى بعضهم أول المهرولين والمرتدين عن مبادئهم ومن كبار التابعين للسلطان في الاتجاه المعاكس لما كانوا عليه
يرحم الله محمد مرشد ناجي فقد كان مرآه صادقة في فنه وفي حياته وفي تعامله مع كل من يعرفه .. من خلال مسيرته الطويلة وسيرته الناصعة، عبَر عن ضمير الوطن وتاريخ الشعب بفنه وإنتاجه الفني الكبير ..غنا للماضي والحاضر وعن معاناة الناس في أفراحهم وأحزانهم وانتصاراتهم وانكساراتهم وعاداتهم ومناسباتهم وغناء للوطن أجمل الأغاني الوطنية 0
أنا اعتبر فترة أواخر الخمسينات والستينات من أجمل الفترات عندما كان التنافس الشريف بين العملاقين الكبيرين المرحوم المرشدي والمرحوم احمد قاسم قدما خلال تلك الفترة أجمل وأروع الإبداعات الفنية 0
الفن العربي الأصيل لم ينقطع ، تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل والمرشدي وريث ومورَث للفن اليمني الأصيل الذي يتغنى به العرب من المحيط إلى الخليج . المرشدي رائد من رواد الفن العربي وسيظل المرشدي علامة فارقة في رحلة الإبداع ، صقل فنه بعشق الوطن والمتابع لفن المرشدي الذي غنى للوطن بتراثه القديم والحديث وسوف يحفظ له التاريخ ذلك وتتداول الأجيال فنه على مر الزمن الحمد لله من قبل ومن بعد ولا نقول إلا ما قد قيل ان القلب ليحزن والعين لتدمع وإنا على فراقك يا أبو علي لمحزونين وإنا لله وإنا إليه راجعون . وعزاؤنا الحار إلى أسرته وأقربائه ومحبوه ولكل من تأثر لموته ، وللفقيد منا أفضل ما نقدمه الدعاء : اللهم اسكنه فسيح جنات النعيم مع الأبرار المتقين .. اللهم ان كانت ذنوبه كثيرة وجلت عن الصفة فإنها قليلة في جنب عفوك وكرمك وجودك وإحسانك فاعف عنه يا ارحم الرحمين والهم أهله ومحبوه الصبر والسلوان
الكلام عن المرشدي لم ينتهي وللحديث بقية . كتبت هذه السطور بعجالة ولم أقوم حتى بمراجعتها دموع القلم :
حتى وان ترجلت قامة وطنية كبرى بحجم المرشدي فهو في قلوبنا ووجداننا بفنه وحسن خلقة ودعابته وضحكته التي لا تفارق محياه وتاريخه وأصالته وإبداعاته وسيظل علامة فارقة في رحلة الإبداع واسم مثبت في ذاكرة الوطن
