عبدالجبار ثابت الشهابي عندما تلج بقدميك إلى أي سوق من الأسواق، ولاسيما أسواق الخضار والفواكه؛ تشعر، وأنت تقابل وجوه الباعة المبتسمة، وتسير على بساط مخملي من كلمات الترحيب التي تتطاير من هنا وهناك، ومن حميمية الكلمات التي تجذبك في كل اتجاه.. تشعر بأنك بالفعل بين قوم طالما افتقدتهم.. بأنك بين مجموعة من الملائكة بقلوب من نور، أو أنك زعيم من الزعماء الكبار!!.. هكذا نشعر نحن المساكين.. أصحاب القلوب البيضاء النظيفة، ولذلك تجدنا نجري وراء من لسانه الحن بالعسل، فنغمض العينين، ونفتح الاذنين، ومعهما نفتح الجيوب، ولا نناقش، ولا نبايع.. وكيف يتجرأ الإنسان أن يقول كلمة لصديق حميم، اكتشفه للتو، وكيف بعد أن رفعه هذا الصديق إلى الأعالي، وقال فيه نثرا ما لم يقله أعظم الشعراء والنظامون؟ وكيف يفعل شيئا من ذلك وقد ألبسه هذا الصديق أحلى الحلل، وأطلق عليه أرفع الألقاب، وناداه بأجمل الكنى؟! ليس ثمة غير التسليم، والدفع المجزي بصمت، وعلى كل حال والأكثر من محرج؛ أن تجد البائع ينادي صبيه اليافع أن أحمل الطلبات إلى بيت الأستاذ بسرعة، واحذر أن تأخذ أجرا، وإلا، طبعا.. حتى الآن نحن فرحون، ومسرورون على الآخر، وكيف لا نفرح، وقد ذقنا لذة الزعامة، أو قل الصداقة، وعلى الأقل؛ نسينا سخرية أم العيال، وتوبيخها الذي لا يكل، ولا يمل.. لكن مع ذلك لا دوام إلاّ لوجه الحي القيوم.. فما أن تصل البضاعة، حتى تفتش أم العيال المغطى.. وتنجلي المسألة عن حزمة من الأكاذيب، وعن ليل مدلهم من الإهانات، وتنجلي حكاية ذلك البساط المخملي عن بضاعة تالفة، وأحلام واجفة، وآمال احترقت في أول ملامسة للواقع؛ لتنتهي الكلمات، وتنكشف عن مجرد سالفة.