ترجمة: د.طارق علي عيدوس السقاف رئيس قسم اللغة الإنكليزية / كلية التربية / صبر كان أنطونيو يسأل شايلوك ليعطيه فرصة أخرى ليدفع له، و لكن شايلوك لم يكن ليسمعه و قال للحارس بأن يأخذه للسجن للمحاكمة و قال صارخا بغضب " لا تطلب مني أن أرحمه ، لا تتكلم معي عن الرحمة و المغفرة، لن أرحمه سآخذ حقي رطلا كاملا من لحمه" ، ولكن أنطونيو الشجاع لم يطلب من شايلوك الرحمة ثانية لأنه كان يعلم بان شايلوك يريد قتله ، فكان كل ما يتمناه أنطونيو هو أن يرى صديقه بسانيو لمرة واحدة قبل أن يموت. و بعدها أٌخذ أنطونيو إلى المحكمة و بدأت محاكمته ، و قال دوق البندقية لشايلوك " أرحم أنطونيو " ، فرد شايلوك بغضب " و الله لا أتنازل عن حقي إلا إذا أكرهتموني على ذلك و عندها تهتز هيبة القانون في هذه المدينة ، إن أنطونيو عدوي، إنني أكرهه "، فرد بسانيو قائلا " وهل من يكره يقتل؟ " ، فقال أنطونيو لبسانيو " لا فائدة من التحدث معه" .
و بعدها نظر بحزم قائلا للقاضي " لا تضيع وقتك يا سيادة القاضي ، أصدر حكمك علي و أعط لشايلوك حقه " ، فقال بسانيو مستعطفا شايلوك " سأدفع لك ستة آلاف من الدوكات مقابل الثلاثة آلاف التي اقترضها منك أنطونيو ، فرد عليه شايلوك " حتى لو دفعت لي ستة أضعاف هذا المبلغ، لن أتنازل عن حقي في الرطل من اللحم من جسد أنطونيو"، فسأله القاضي " كيف تطلب الرحمة من الآخرين لك في حين أنك بلا رحمة " فرد عليه شايلوك بحقد " لم ارتكب أي جرم لأخشى العقاب، و الآن أصدر حكمك بإعطائي حقي من اللحم " بينما شعر القاضي بالحيرة دخلت بورشيا القاعة في هذا الوقت متنكرة في زي قاض و لم يتعرف عليها بسانيو و كانت نريسا معها متنكرة بزي شاب. أخذت بورشيا مقعدها كقاض، و بدأت بسؤال أنطونيو " هل أنت أنطونيو؟ و هل هذا هو اتفاقك مع شايلوك؟ " " نعم " ، فقالت " إذن يجب أن يكون شايلوك متسامحا و أن يرحم أنطونيو" .
فرد شايلوك " لماذا علي أن أرحمه؟ " ، فردت بورشيا " إن الرحمة تنزل من السماء كقطرات المطر فتروي الأرض و تعيد لها الحياة، كما أنها تبارك من يرحم غيره من الناس، فالملوك في قلوبهم رحمة كما أن الله سبحانه يرحم عباده ، و جميعنا نتضرع إلى الله كي يرحمنا ، لذا يجب علينا أن نتعلم كيف نرحم غيرنا. هل لازلت متمسك بحقك؟ " فرد شايلوك بعناد " أنني أطالب بحقي باسم القانون" ، فقال بسانيو " أنني مستعد لأن أدفع عشر مرات مقدار المال الذي اقترضه أنطونيو، أرجوك أيها القاضي غير القانون ولو قليلا لكي ننقذ أنطونيو" ، فردت بورشيا " لا نستطيع تغيير بنود القانون، فإذا غيرنا بندا واحدا فقط اليوم ، سيأتي آخرون في الغد و يطلبون تغيير باقي بنوده" ، فصاح شايلوك فرحا " شكرا أيها القاضي الشاب الحكيم" ، فقالت بورشيا " دعني أرى وثيقة الاتفاق بينكما " ، فأعطاها شايلوك الوثيقة ، فقالت بعد أن قرأتها بتمعن " نعم ، باسم القانون لشايلوك الحق في الحصول على حقه من اللحم مقتطعا من جسد أنطونيو. كن رحيما دعني أمزق هذه الورقة " ، مرة أخرى قال شايلوك بعناد " لا " ، وأخيرا قالت " كن مستعدا يا أنطونيو ، شايلوك خذ السكين ".
فصرخ شايلوك بهستيريا فرحا " أوه ، شكرا أيها القاضي الشاب الحكيم " فسألته بورشيا " هل أحضرت شيئا لتزن اللحم " فرد شايلوك " لدي كل شيء هنا " ، فسألت بورشيا أنطونيو " هل ترغب في قول شئ ؟" فأجاب أنطونيو دون أن يبدو عليه أي خوف أو رهبة قائلا " فقط أريد أن أقول وداعا لصديقي بسانيو ، و لا تحزن لأجلي ، أخبر زوجتك عني و كيف أنني أحبك " ، فصرخ بسانيو " أنني احبك أكثر من حياتي ، أكثر من زوجتي ، اكثر من أي شخص على هذه الأرض ، وأنني مستعد لأخسر كل شئ لأنقذك" ، فقالت بورشيا لبسانيو " لن يعجب زوجتك هذا العرض إن كانت هنا و سمعت ما قلت ". بعدها قال جرتشيانو " لدي زوجة أحبها كثيرا جدا ، و لكنني أتمنى بأن تكون ميتة و في الجنة بحيث تطلب من الله أن يساعد أنطونيو" .
ضحكت نريسا بهدوء عندما سمعت زوجها يقول هذا ، فقالت لجرتشيانو " لحسن الحظ بأنك تمنيت هذه الأمنية و زوجتك غير موجودة هنا، لأنها لو كانت موجودة وسمعتك تقول ذلك لكانت المشاكل في انتظارك". قال شايلوك " إننا نضيع وقتنا " فقالت له بورشيا " خذ حقك من اللحم ، إن القانون و المحكمة يعطيان لك حقك " ، و أخذ شايلوك سكينه و بدأ بالاقتراب من أنطونيو ، و لكن بورشيا استوقفته قائلة " انتظر ، هناك شيئا آخر، إن أنطونيو قد وعد بإعطائك رطلا من لحمه ، و لكنه لم يعد بإعطائك شيئا من دمه و هذا غير وارد في الوثيقة، لذا فإن أرقت ولو قطره واحدة من دمه أثناء أخذك حقك من اللحم فإنك سوف تفقد أرضك و تخسر كل مالك" ، فصاح جرتشيانو " أيها القاضي الحكيم " ، فسأل شايلوك " هل هذا هو القانون ؟ " فقالت له بورشيا " سترى القانون، أنت أردت القانون فكان لك ما أردت" ، فقال شايلوك " إذن آخذ المال، أعطني ثلاثة أضعاف ما أقترضه أنطونيو مني " فصاح بسانيو فرحا " تفضل " ، و لكن بورشيا أوقفته قائلة " انتظر ، لم يقبل شايلوك بأخذ ماله منذ البداية و كل ما كان يطالب به هو رطل من لحم أنطونيو و هذا كل ما يستطيع أخذه لا أقل ولا أكثر فقط رطل من اللحم و بدون إراقة قطرة دم واحدة و إلا سيخسر أرضه و جميع أمواله" .