لعل شهية الأتراك قد ارتفعت، وسال لعابها للتدخل في الوطن العربي المستباح من قوى الإمبريالية العالمية منذ زمن طويل. التدخل التركي لم يأتي مصدافة ومن فراغ، أو قرار بين عشية وضحاها، بل جاء بعد تفكير طويل وعبر إحياء النعرات العثمانية والقومية التركية، التي كانت المحفز للرئيس اردوغان وفريق عمله، وكذلك بعد استقرار الجبهة الداخلية في تركيا وتحسن الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية، فبدأ الحلم الذي يراود الأتراك منذ زمن في الظهور. بعد رفض الإتحاد الأوروبي دخول الأتراك فيه خوفا من الإسلاموفوبيا، وبالتالي فلا بديل لتركيا الناشئة إلا التوجه جنوبا، نحو العالم العربي الرجل المريض . إن النظام السياسي العربي المتهالك، الذي بني على أسس واهية، وقواعد على رمال، كان سببا في الأطماع الخارجية، فغاب عن عالمنا مبدأ العدالة الإجتماعية، والمساواة بين المواطنين، وفتح الحريات وغياب الشفافية في اختيار الحكام والولاة والتبادل السلمي للسلطة، هذه الأمور كفيلة بأن تخلق مجتمعات مقسمة ومفككة تحارب بعضها بعضا، ولا تدين بالولاء لأوطانها، بل أصبحت امتداد لأي قوى كبرى في العالم. التدخلات التركية في شمال سوريا واقتطاع أجزاء واسعة منها، وكذلك التدخل في ليبيا والسيطرة على الغرب الليبي والوصول إلى تخوم سرت أول المناطق الشرقية، وكذلك انتشار القواعد التركية في كل من قطر والصومال، والتوقيع جاري مع عمان لإنشاء أكبر قاعدة عسكرية في منطقة الخليج، والتواصل مع الجانب الكويتي المتذبذب والمتخوف في تفعيل اتفاقية الحماية مع تركيا التي وقعها قبل عامين، كل هذه التحركات توحي بأن الملف اليمني والتدخل التركي ليس ببعيد، قد يكون في الوقت الراهن ضئيلا، ولكن لو تغيرت الظروف الموضوعية والسياسية في اليمن، فإننا سوف نجد أنفسنا أمام تدخل تركي واسع. يبقى السؤال ماذا لدى دول الخليج من أدوات المواجهة، ومنع الأتراك من التدخل في الملف اليمني؟ هذا يحتاج إلى جواب من النخب وصناع القرار الخليجي، هل يوجد لديهم حلا مناسبا يحفظ أولا مصالحهم وأوطناهم، ثم مصالحنا كيمنيين ووطننا ؟. خمس سنوات ونيف منذ عاصفة الحزم التي كانت أكبر حدث حصل في تاريخنا العربي منذ ثلاثة عقود مضت، ذلك التدخل السعودي الخليحي الذي رحب به أغلب اليمنين شمالا وجنوبا، وكنا نعتقد إن الحرب لن تطول كثيرا، وأنه خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر نرى الرئيس هادي في صنعاء يخطب للأمة اليمنية والعربية انتصار الحلفاء العرب واليمنيين على مليشيا الحوثي وعفاش، وسوف تبدأ العملية السياسية بالتحرك لحل كل القضايا العالقة، ومنها القضية الجنوبية العادلة بما يرتضيه شعبنا الجنوبي الصابر. ولكن تبخرت تلك الأحلام ولم يعد لعاصفة الحزم إلا اسمها فقط، الحوثي قريبا سوف ينهي سيطرته على الشمال بشكل كامل، والجنوب المحرر رحلوا إليه الحرب من جديد وهي الآن على تخوم العاصمة عدن، بدلا من توجيهها نحو صنعاء!!، العملية السياسية متوقفة، التنمية وإعادة الإعمار متوقفة هي الاخرى، والفشل يلاحق دول التحالف، وقد تفلت الأمور من بين أيديهم ومن خلفهم، وتتحول اليمن مثل سوريا أو ليبيا لتدخلات القوى العالمية الكبرى للنظر في الملف اليمني.