السيرة الذاتية للمناضل الخالد / عبد القادر سعيد طاهر الأغبري الاسم: عبد القادر سعيد أحمد طاهر اللقب: أبو سند تاريخ الميلاد: 1941 م مكان الميلاد: الأغابرة القرية: الأغابرة العزلة: الأغابرة المديرية: حيفان النشأة: نشأ في القرية وتعلم بها كما تعلم الوطنية عن والده الذي كان أحد مناضلي 1948 م وأصي ب بطلقة شظاياها ظلت تلازمه طوال حياته. درس في مدارس عدن - والتحق بحركة القوميين العرب وكان أحد قادتها البارزين. الدراسة: الثانوية - عدن. خريج كلية الثقافة العامه جامعة عدن الأدوار النضالية التي قام بها وشارك فيها: 1 - تأسيس خلايا سرية لتنظيم حركة القوميين العرب "التواهي" 2 - المسئول السياسي لتنظيم حركة القوميين العرب شمال اليمن - 1963 م . 3 - من مؤسسي تنظيم الجبهة القومية 4 - عضو القيادة المركزية لحركة القوميين العرب بيروت عن شمال اليمن 1965 م. 5 - مسئول القيادة التنسيقية للجبهة القومية وحركة القوميين العرب في الشمال. 6 - مؤسس التنظيم الشعبي للقوى الوطنية 7 - مؤتمر حرض 1965 م 8 - مؤسس نادي الشباب الثقافي - تعز 66/1967 م. 9 - المسئول الأول عن تنسيق المساعدات العسكرية والمالية لثورة 14 أكتوبر من تنظيم الشمال. 10 - مسئول العلاقات السياسية مع الحكومة الشمالية لدعم سياسة الجبهة القومية. 11 - الموجه السياسي والتنظيمي لأعضاء التنظيم في الشمال لملء الشواغر في تنظيم الجبهة القومية 12 - المخاطب عن قيادة تنظيم الجبهة القومية مع سفراء . الدول في الشمال 13 - المبادر لفك ارتباط الجبهة القومية بجبهة التحرير بسبب ارتباطها بالمخابرات المصرية 66/1967 م. 14 - صاحب المبادرات في حل الخلاف بين جبهتي التحرير والقومية والحكومة اليمنية إبان الاقتتال الأهلي. 15 - المبادرة للجبهة القومية بتحقيق المشاركة السياسية للأحزاب في عدن. 16 - صاحب الدعوة لقيام جبهة وطنية للنضال السياسي. 17 - السياسي الرافض لفكرة الكفاح المسلح في شمال اليمن. 18 - المدافع عن الثورة المسلحة في الجنوب من منظور وطني، وملاءمة الكفاح ضد الاستعمار، وعدم ملاءمته بين اليمنيين، والرفض لفكرة الانقلابات. 19 - رئيس فرع هيئة الرقابة على النقد - تعز. 20 - مدير البنك المركزي اليمني - تعز. إضافات أخرى: 1 - محاور موضوعي في المؤتمرات اليمنية للدفاع عن الثورة والجمهورية .. الجن - حرض ... إلخ 2 - فرضت عليه الإقامة الجبرية لأكثر من مرة في تعز. 3 - تعرض لمحاولات اغتيال متكررة. 4 - عضو مؤسس للحزب الديمقراطي الثوري اليمني، وعضو الأمانة العامة للقيادة المركزية للحزب والمسئول السياسي. 5 - اعتقلته حكومة القاضي الحجري 1973 م مع رفاق له في الحزب 6 - توفي - في ظروف غامضة بمستشفى جبلة المعمداني - في شهريونيو 1974 م، وأصدر حزبه الحزب الديمقراطي الثوري اليمني بيانا اتهم فيه أحد عقداء المخابرات المركزية الأمريكية الذي كان يعمل طبيبا في المستشفى بأنه وراء وفاته - بسحب جميع السوائل من جسمه - تاريخ الوفاة: يونيو 1974 م ظروف الوفاة: غامضة مكان الدفن: تعز أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فلما تسجيليا عنه عام 1974 م
يصادف ((18 من مايو)) ذكرى رحيل القائد اليمني (الاشتراكي) عبد القادر سعيد أحمد طاهر أحد رموز الحركة الوطنية وأحد أبرز وأنظف مؤسسي حركة القوميين العرب في اليمن وأحد قادة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي اليمني، وهو شخصية فريدة وحياته تستحق الدراسة والتتبع لأنه أحد النماذج القليلة الذين كانوا يملكون رؤى وطنية جامعة وثاقبة دعا إليها مبكراً وتم تطبيقها بعد عقود من الزمن ولو أنه استجيب لأفكاره لوفرنا عمر جيل كامل من الشقاء والمناطحة العبثية ووفرنا كثيراً من الدماء وسحبنا البساط على الاستبداد من زمان، بل ربما لم يتمكن من الجلوس ومصادرة الوطن والثورة بهذا الشكل المدمر ..من زمان استهوتني سيرة وشخصية القائد (عبده محمد المخلافي) وعندما بحثت عن حياته ودوره بين معاصريه من كل القوى، وهو بالمناسبة اعني( المخلافي ) مؤسس حركة الإخوان المسلمين باليمن..
لم أكن أتصور أن أجد بجانيه القائد الاشتراكي (عبد القادر سعيد) وعلى عكس السائد وقتها يبحثان معاً رغم اختلافهما في التوجه عن كيفية إنقاذ الوطن بعمل مشترك وإخراج العمل الحزبي من شرنقة التعصب وآفة الإقصاء وثقافة إزاحة الآخر وتخوينه أو تكفيره، لقد كانا يبحثان معاً في جلساتهما في تعز ومدارسها ومقهى (الابي )الشهير كملتقى سياسي شعبي وزاويا شارع 26 سبتمبر عن صيغة للعمل المشترك بين القوى المتناحرة التي كانت تختصم على حساب الوطن ولصالح الاستبداد وعرفت كيف كان عبد القادر سعيد شاباً طموحاً يعمل للوطن ويحب كل اليمنيين ويفهم أن الحزبية هي وسيلة لخدمة الوطن وآلية تواصل وإثراء وتوحيد وليست بديلاً عن الوطن وهو مالم يفهمه الكثير حينها ,ولو أنهم لاحقاً قد فهموه جيداً وعادوا لتنفيذ افكاره البيضاء لكن بعد اكثر من أربعة عقود و بعد ما خسر الوطن الكثير من خيرة أبنائه وخسر اليمن الكثير من فرصه ؟! دعم عبد القادر سعيد الكفاح المسلح في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني وكان أحد قادة الجبهة القومية وقاد بفكره التصالحي محاولات صلح عديدة بين الجبهتين القومية والتحرير لكنه بنفس الوقت أعلن رفضه الكامل لإعلان زملائه الكفاح المسلح في الشمال باعتبار أن رفع السلاح ضد اليمنيين لا يلائم منهج النضال الوطني ولا يجوز.. فسفك دماء اليمنيين لا يمكن أن يكون له أي مبرر وطني, داعياً الى النضال السياسي السلمي والعمل المشترك كبديل عن العنف وفكر إنكار الآخر الوطني .... قال عنه الشهيد جار الله عمر :(أقول للتاريخ إن عبد القادر سعيد كان الرجل الأكثر نضجاً والأكثر تطوراً منا جميعاً) وهو هنا قامة مثل (جارا لله).. اعتذار تاريخي واعتراف بعمق وصوابية أفكار المناضل عبدالقادر سعيد فبعد اربعة عقود تقريباً قاد الشهيد جار الله عمر وزملاؤه تأسيس اللقاء المشترك وإنهاء عقلية الإقصاء كما بدأ مع زملائه من قادة القوى الوطنية في المشترك بانتهاج النضال السياسي السلمي التي اطاحت وحدها بالاستبداد والحكم الأسري وهي أفكار ودعوات نادى بها (عبد القادرسعيد) قبل أكثر من أربعين سنة واتهم حينها من بعض رفاقه بالرجعية وحمل رواسبها.
وبحسب القائد الاشتراكي محمد عبد الدائم السادة فقاد كان عبد القادر سعيد من الشخصيات التي خسرها الوطن مبكراً مع عبده محمد المخلافي (اخواني ) وعبدالسلام مقبل (ناصري) وآخرين ذهبوا بعمر مبكر وكان أهم ما يميزهم حب اليمن والعمل على تمتين القواسم المشتركة ومحاربة العداء والخصومة بين فرقاء العمل الوطني باعتبارها طاعون العمل الوطني الثوري ويحول الثورة والنضال الى وسائل سخيفة بيد المستبدين وسهام مسمومه في صدر الوطن، وهو ما يجب أن يفهمه شباب اليمن والثورة اليوم في زمن انتصار الثورة فلم يبق شيء لأعداء الوطن للانتقام من الثورة والشعب سوى زرع الشقاق والتعصب بين شباب الوطن وقواه الحية ونسف الجسور المشتركة..رحل الشهيد عبد القادر سعيد في 1974م بظروف غامضة وهو نفس الغموض الذي اكتنف رحيل زميله الشهيد عبده محمد المخلافي الذي سبقه ورحل في 1969م ... عبد القادر سعيد وأمثاله هم صور بهية للضمير الوطني ونماذج مشرقة لتاريخ النضال السوي يجب أن لا تغيب عن ذاكرة الاجيال لأنها نادرة وملهمة و قد حاولت مقاومة الظلام المركب بأظافرها وأرواحها محدثة ثقباً من ضوء في جدار الغسق لعله ينفذ إلينا والى الأجيال القادمة وقد نفذ منه الكثير.
له صولات وجولات في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، ويكاد يكون المرجعية الأخلاقية الفائقة لكل رفقائه في العمل السياسي -ستينيات وسبعينيات القرن الفائت. كانت روحه الفروسية دليلاً إلى ما يجب أن يكون، ويتفق مريدوه على أنه من أفضل النماذج التي أنتجتها هذه الحركة كمشروع وطني في ذهن مناضل عتيد؛ ما جعله واحداً من أهم رجالات الفكر السياسي الذين عرفتهم اليمن، وهو نتاج الانصهار القومي الاشتراكي الأسمى وطنيا. مواليد مطلع الأربعينيات الذي انتمى مبكرا إلى أولى الخلايا التي شكلت حركة القوميين العرب في اليمن، كما ساهم على نحو بارز بتأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ككيان سياسي تقدمي في واقع متخلف يجلب الإحباط وأكثر.
يعتبر الحزب الديمقراطي من أهم وأوسع الكيانات الحزبية اليمنية التي خرجت من كنف حركة القوميين العرب في اليمن، وذلك الى جانب الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل، فيما كانت هذه الحركة وراء إنشائها أيضاً . كثيرون تأثروا بألق عبدالقادر سعيد الذي جاء إلى عدن-حيث يعمل والده- من إحدى قرى عزلة الأغابرة والأعروق في الشمال، ليعيش هناك فترة الدراسة والتكوين المعرفي ، ثم بعد 62 عاد إلى تعز حيث كان من أبرز المهمومين سياسيا وثقافيا واجتماعيا بمصير الثورة والوطن، كما ظل التثقيف الذاتي همه الأول، يحث الآخرين عليه، والمصداقية رأسماله الشخصي في ممارسته للسياسة كإنسان "لا تعرف أحلامه الرائعة أي حدود".
في تلك الفترة، كان الرجل من بين قليل مناضلين بمثابة نقطة الالتقاء الروحي بين الجنوب والشمال، أو يمكن تشبيهه بالمهموم الوحدوي خالص النبل وطنيا، فإضافة إلى أنه حشد للانضمام للحرس الوطني من أجل الدفاع عن سبتمبر، كان من المساهمين الأوائل في انفجار ثورة أكتوبر. لعل عام 63 كان حافلا للغاية في حياته السريعة، إذ كانت كتاباته الفكرية تهز الوجدان، وتجعله متفردا بكونه واحدا من أهم دعاة التسامح السياسي ورجل التحالفات الوطنية بامتياز. ولأن قضيته كانت كبيرة، ومنطقه الواعي كان حضارياً ومعتدلاً في مواجهة بنى التخلف وتعقيدات الواقع وأزماته، فقد كان بنقاوة نضالية عالية، كما كان ضد السياسة التي بلا معايير سوى الاستحواذ والفتك والحس الشمولي الغاشم.
في المجال الصحفي، تولى مسؤولية سكرتارية صحيفة "الثورة" لفترة ، كما أدار صحيفة "سبأ"، وفي المجال النقابي قام بتأسيس الاتحاد العمالي، بعد أن جعل من الحركات العمالية المتفرقة كيانا موحدا. كذلك في نفس الفترة ساهم بتأسيس المؤتمر الشعبي كأول حزب معلن في الشمال، قبل أن تقوم السلطات بحظره تحت مبرر منع الحزبية، ثم مع إعلان قيام الجبهة القومية لتحرير الجنوب، كان عبدالقادر سعيد أحد أرفع قيادييها المؤسسين.
آنذاك كانت مدينة تعز خيط الوصل بين الشمال والجنوب، كما كانت معقلا للحركات الوطنية، وللأفكار الحديثة للتحرر والتمدن والتقدم: وقتها ساهم عبدالقادر سعيد في تأسيس نادي الشباب الثقافي الذي كان مصنعا للجيل الوطني الجديد، لكن حكومة انقلاب 5 نوفمبر أمرت بإغلاقه –على نحو غاشم-بمجرد تعرشها على السلطة.
امتاز الحركيون اليمنيون عموماً –مثل بقية الحركيين القوميين في البلدان العربية الاخرى - بالتثقيف الفكري، والقدرة المشهودة للتوسع والاستقطاب، اضافة الى دعم وقيادة ومساندة جماهير بلدهم في معارك كفاحاتها التحررية بشكل عضوي لافت . ولقد عُد عبدالقادر سعيد الذي كان يفكر بطريقة" وماذا بعد ؟ " واحدا من الذين وقفوا مع عملية التحول الفكري القومي نحو اليسار- لحظة انطواء مرحلة في عمل ونضال حركة القوميين العرب- وفك الارتباط التنظيمي اليمني مع مركز قيادتها في بيروت، خصوصاً مع الوعي الموضوعي الذي طرأ بأهمية المسألة الطبقية في اعتبارات النضال والانتماء لقضية العدالة الاجتماعية، كما لضرورة توثيق نضالات الحركيين بالاعتبارات الوطنية بشكل خاص . وبما ان لحظة العالم هي للانعطاف الاشتراكي الحاد ، و للبناء الديمقراطي أيضاً ، كان تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني من معظم الحركيين العام 68: شيئاً فشيئاً انتشرت فروع هذا الحزب الواعد شمالا وجنوبا حتى كان من الفصائل القليلة لتي لها فروع خارج اليمن أيضا من الطلاب والمغتربين الوطنيين، رغم ظروف العمل السري الرهيبة، وتأثير الدعاية السامة المعادية لليسار بالذات.
عقب ذاك، كانت ثورة سبتمبر قد مرت بمآسٍ موحشة ومعقدة، إضافة إلى أن السعودية ظلت تمارس هوايتها المفضلة في مواصلة الصيد في المياه اليمنية العكرة عبر قواها التقليدية في اليمن، ولقد احتاج أبو سند (الاسم التنظيمي لعبدالقادر سعيد) معجزة كي يبقى على قيد الحياة قليلاً، فلقد كانت الاعتقالات على أشدها والتصفيات قائمة بجنون، غير أن الأوضاع سرعان ما تفجرت في صنعاء ومن ثم في بقية المدن الرئيسية، وراح ضحيتها العشرات والمئات للأسف، إن لم يكن الآلاف، ما بين قتيل ومعتقل ومفقود ومعذب ومشرد "بتهمة الحزبية".
بشجاعة ظل عبدالقادر سعيد يحذر من الطائفية لأنها لا تخدم أهداف الجمهورية الناشئة، كما ظل واعيا لأبعاد الصراع الطبقي ، بل ومعتبرا أن رحلة التطور في أي شعب رعوي عشائري، شاقة للغاية. ومع ايمانه الكبير بالطاقة الوطنية للانسان اليمني المهدور في ظل واقع التجزئة القائم والخطر الكبير على الثورة ، كان أحد أهم المؤثرين المدنيين في حركة المقاومة الوطنية التي تشكلت مع احتدام حرب الملكيين والجمهوريين، فيما كان صارماً يشدد على التفاصيل تنظيمياً، وله آمال بدور فائق لليمن في المنطقة، كما تميز بالنفس الطويل والرحابة والقدرة على الاستشراف والامل والتجاوز.
يقول عنه الأستاذ عبدالباري طاهر: إنه جزء أصيل من الضمير والوجدان الوطني. ويجمع كل من عرفوه على أنه رجل المهمات الاستثنائية بامتياز، في حين أن حضوره الفريد بين أوساط العمال والمثقفين والطلاب والتجار والعسكر والوجهاء ساهم كثيرا في انتشار شعبية الحزب الديمقراطي ووفرة المنتمين النوعيين إلى صفوفه.بحسب شهادة للأستاذ أحمد قاسم دماج أحد أخلص رفقائه في محطات كثيرة: كان عبدالقادر سعيد حيويا وعميقا، ومثقفاً من طراز نادر، كما تمتاز مهارته بالتوازن الهادف والنقد الذاتي والاحتواء، وتلك البديهة العقلانية والعاطفية التي كالبرق.
عاش ابن المصور البسيط سعيد أحمد طاهر أحد مناضلي حركة 48، أشد بأسا وصلابة ونضوجا، فيما شخصيته الوفاقية وروحه التواقة للتنوير، جعلته يتصف بكونه كان مقنعاً على نحو آخاذ لعديد أطراف في الحركة الوطنية، وصاحب حضور متسق في التفكير والممارسة أيضاً، كما تفرد باعتباره عارم الألق في صفوف حزبه، إذ كان بجدارة، وهو القائد الشاب، على رأس زعماء الحزب الديمقراطي الذين جعلوه كياناً نوعياً على أكثر من صعيد، متميزاً باحتوائه لكوادر هامة سياسياً وثقافياً ونقابياً وعسكرياً واجتماعياً، وتحديداً لأكثر عناصر الحركة الوطنية حساً وإيثاراً وشغفاً بمسألة الوحدة الوطنية خلال تلك الفترة.
واضحٌ أن الرجل كان ملهماً لرفاقه تماماً، إذ تعامل معهم بروح خلاقة بلا شوائب تذكر، كما كان مهموماً بالمسألة التنظيمية ، ولم يكن تكوينه النفسي إلا زاهداً بالمقابل ، ولذلك رفض عدة مناصب رفيعة عُرضت له من صنعاءوعدن، ومقترحاً لها رفاقاً آخرين.
ولقد مثل الانفتاح النابه فضيلة من فضائل عبدالقادر سعيد في العمل الوطني، إذ كان على صلة وثيقة باتحاد الأدباء والكتاب مثلاً، كما كان على صلة محترمة بقيادات في تنظيم الضباط الأحرار، وأيضاً بالإخوان المسلمين، رغم أن هؤلاء رفضوا دعواته الحوارية المتكررة إلى لم الشمل السياسي على أسس وطنية في فترات كثيرة. وأيضا: كانت صلته طيبة بالبعثيين والناصريين، ومن كانوا في اتحاد الشعب الديمقراطي، وحتى قيادات في اتحاد القوى الشعبية كانت تكن له خالص الود نظراً لتفوقه في المبدئية الوطنية ذات البعد الثاقب، ولما تميز به تحليله الشخصي من الحكمة الفريدة.
المؤلم أنه اتهم بالرجعية من قبل عدد من الرفاق، حيث كان فكريا ضد العنف، فهو اليساري بلا تهور، ولذا وقف ضد من كانوا يريدون أن يكون الحزب الديمقراطي حزبا ثوريا صارما في مسألة الكفاح المسلح، كما وقف ضد الاستيلاء على السلطة في صنعاء بالقوة عن طريق الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى، ولعل موافقة الغالبية من الرفاق على تأسيس هذه الجبهة هي أقسى اختبار يتعرض له الرجل. تلك الحماسة كما توقع آلت للفشل الذريع، كما خلفت آثارها التاريخية والمعنوية الفادحة، وفي هذا الصدد ثمة شهادة بالغة المعنى للفقيد الكبير جار الله عمر أحد قادة الجبهة حينها -أعلنها قبل وفاته للزميل صادق ناشر بعد أن توصل إلى أهمية وضرورة أن يكون الحوار والنضال السلمي هو العقيدة السياسية المثلى والأنجع- مفادها أن عبدالقادر سعيد "كان هو الأكثر نضجا وتطورا منا جميعاً " .
يشهد الجميع لعبدالقادر سعيد بالطبع أنه لم يكن حينها طرفا في صراعات الرفاق في عدن كذلك، إذ كانت روحه تتأثر حزناً لما يجري، فلقد كان تفكيره الدائم منصباً في كيفية إنقاذ الذات اليمنية من التدهور الوطني الحاصل والرقي بها وحدوياً وانسانيا ، بينما كان يهدف في كل ممارساته إلى تكوين موقف سياسي متين لمختلف القوى على الساحة وفقاً لقاعدته الأساس في السياسة والفكر: "تنمية الحس الوطني المبدع والمسؤول".
بذلك كان الرجل ذا خصوصية خاصة لمثاليته، وحرارة صدقه مع الذات والآخر، إذ لم يستسغ أبداً الفاشيات الثورية أو الدينية أو العصبوية، كما ظل موضوعياً في رصده للتباينات والفجوات بعين غير مأزومة داومت على ترميم الخرابات برجاحة لا تهدأ. والشاهد أنه ملك التقدير كله، معتدا بذاته كما ينبغي، فيما يكفيه أنه بممارساته السياسية والاجتماعية النظيفة والمستقبلية، أضاف قيمة أخلاقية وحيوية ستبقى خالدة في تاريخ الحركة الوطنية والحزبية في اليمن.
صاغ عبدالقادر سعيد اختلافه هذا بدأبه الحلمي الباهر -تأسيساً لمرحلة النهضة التي كان يتمناها– فيما أوجاع تغريبته جاءت فوق كل الاحتمال، قبل أن يدفع روحه مؤمناً بخياره الوطني المقدس، كافراً بكل الذين دخلوا حظيرة المرضى المتواطئين الذين كانوا يفضلون الانتماء إلى مربعاتهم العصبوية الأولى، للأسف، بدلاً من الانتماء السليم للأفق الوطني المفتوح.
منتصف السبعينيات رحل في مستشفى جبلة بإب، بعد أن قضى لفترة معتقلاً في تعز، وتعرضه للتعذيب الرهيب. ولأنه كان مع تطلعات الشعب، وضد المشاريع الصغيرة، وحتى لا تفقد ثورة سبتمبر مضمونها الاجتماعي الذي ما زال ضائعاً حتى الآن، وصل عبدالقادر سعيد إلى أن يكون في مواجهة حقد الأوغاد كل لحظة، خصوصاً وأن عدوانية الذين أرادوا تجيير الثورة والالتفاف عليها كانت تتفاقم على نحو مخيف ورذيل وبشع.
غير أنه الرجل الذي كان يضيف قيمة ملفتة داخل النسق الوطني العام -الطري بعد الثورتين- بسلوكه الوطني المتجذر والصلب، كما ظل يمثل جيله الشاب الطامح لمعافاة الوطن، مفضلاً الاقتحام والمواجهة لفضح كل التزويرات والمغالطات التي تمت على حساب الأمل المرجو منهما، خصوصاً مع تهميش وإقصاء وإخماد المناضلين الحقيقيين، أصحاب الرؤية والكفاءة والدافع الوطني والموقف السياسي الجاد والنزيه.
ظل عبدالقادر سعيد حتى أيامه الأخيرة مع الصف الذي لم يفرط بالقيم الجمهورية أبدا، تائقاً للحرية وللعدالة وللكرامة، كما للسوية الوطنية الفعالة، على الضد تماماً من كائنات الريال الأخضر، أو المغامرين السياسيين، أو كائنات العصبية المناطقية أو المذهبية.
هذا الراحل الكبير الذي دفن جثمانه بمدينة تعز في جنازة بدت كأنها مظاهرة عن حق المواطنة ومواجهة أشباح الظلام بعدم اليأس، ومعنى أن يكون الوطن للجميع، أقيمت له حينها جنازة رمزية مهيبة في مدينة عدن، شهدت مشاركة شعبية واسعة. كما تدفق الرفاق بالمئات من صنعاء وبقية مدن اليمن، لتقديم واجب العزاء، كاشفين جباههم التي لا تنحني للمخبرين، في تحدٍّ ساطع انتصرت فيه جذوة الشرف وعزيمة الرفض للاستلاب.
بالتأكيد، فإن اسمه العابر في صفحات التاريخ الوطني الحديث، سيبقى مضيئا على الدوام، وبانتظار الإنصاف اللائق، بصفته درساً وطنياً خلاباً وراسخاً بالمغايرة والمراس الصعب وقيم الأصالة والتجدد معاً، كما باعتباره حالة نضالية نادرة، تشبه أغنية جميلة تقض مضاجع أصحاب القلوب الخشنة، فيما يصعب على التاريخ إغفالها أو التعالي عنها، رغم أن منطق اليوم هو لتجليات الوجه الآخر للاستبداد وللاستغلال باسم الثورتين، حيث مشهد النشاز الذي تفوق –وما زال يتفوق- بالانتهازيين والسطحيين وكبار المحترفين من المنتفعين وقتلة الأحلام المشروعة الذين وقف عبدالقادر سعيد ضدهم، أولئك الذين أخلوا بقيم الجمهوريتين، فصاروا أبطالاً لمناخات البؤس الحاضرة ولعدم الوئام الوطني، كما جعلوا شخصية اليمنيين في الحضيض، بل ويكادون تماماً أن يدمروا ما تبقى من الذاكرة الوطنية المشرفة، وبما يمكن أن نزهو به من التاريخ.