الحوثيون يعرضون مشاهد لإسقاط طائرة أمريكية في أجواء محافظة مأرب (فيديو)    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وفاة طفلين ووالدتهما بتهدم منزل شعبي في إحدى قرى محافظة ذمار    رئيس الاتحاد العام للكونغ فو يؤكد ... واجب الشركات والمؤسسات الوطنية ضروري لدعم الشباب والرياضة    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    أمطار رعدية على عدد من المحافظات اليمنية.. وتحذيرات من الصواعق    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعمار البريطاني أبقى الجنوب اليمني حبيس التخلّف الاقتصادي والاجتماعي (1-2)
المناضل الكبير راشد محمد ثابت ل«الجمهورية» :
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2013

عاش طفولته في مدينة عدن وحصل على التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي فيها ، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة دمشق بسوريا حيث حصل على درجة البكالوريوس تخصص فلسفة وعلم اجتماع ، كما حصل على دبلوم دراسات عليا من المانيا .. شغل العديد من المناصب القيادية في اليمن الجنوبي بعد الاستقلال « رئيس لتحرير مجلة الحارس ومدير عام الاذاعة والتلفزيون ثم وزيراً للإعلام من عام 1973الى 1974م فوزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء وسفيراً في القاهرة ثم عين مديراً لمكتب امين عام الحزب الاشتراكي ووزيراً للإعلام فوزيراً للثقافة والسياحة ثم عين وزيراً لشؤون الوحدة اليمنية قبل اعلان الوحدة وكان المسؤول عن ملف مفاوضات الوحدة الى جانب زميله يحيى العرشي، وزير الدولة لشؤون الوحدة في الشمال.. بعد الوحدة شغل وزيراً لشؤون مجلس النواب ثم رئيساً للجنة الأحزاب ، فسفيراً لليمن في تونس ثم المغرب وأخيراً عضواً في مجلس الشورى.. عضو مؤسس لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وعضو المجلس التنفيذي للاتحاد حتى عام بعد الوحدة ، شارك في مؤتمرات ومنتديات دولية، قدم خلالها بحوثاً حول الثقافة والاعلام وتاريخ الحركة الوطنية وألف كتاباً بعنوان «عدن الاعتقالات ووحشية التعذيب في سجون الاستعمار البريطاني» ، له ديوانان في الشعر الغنائي والسياسي هما «حنين المفارق» و«بلقيس زنبقة الوعد» ، كما ساهم الى جانب مجموعة من المثقفين في تأليف كتاب حول الثقافة الوطنية اليمنية الى جانب تأليفه أهم كتاب يؤرخ لثورة ال14من أكتوبر بعنوان «ثورة 14أكتوبر اليمنية.. من الانطلاقة الى الاستقلال». ذلك هو الاستاذ الشاعر والاديب المناضل الكبير راشد محمد ثابت الذي يصعب على أي كاتب أو أديب أو صحفي أن يصف تاريخه ويعطيه حقه مهما امتلك من نبوغية وثقافة أدبية وسياسية واسعة ولا نستطيع أن نقول عنه أكثر مما قاله فيه شاعر اليمن وأديبها الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقدمته الرائعة للإصدار الشعري للمناضل راشد «بلقيس زنبقة الوعد» حيث قال: راشد محمد ثابت واحد من اولئك الموهوبين المبدعين الذين تركوا محاولاتهم الاولى في كتابة القصائد والأغاني واتجهوا الى العمل الفدائي لكتابة أجمل شعر وابدع أغنيات في مقاومة الاجنبي والدفاع عن الوطن المستباح ، وفي ساحات المقاومة أثبت راشد محمد ثابت وجوده ودخل السجن أكثر من مرة في مدينة عدن بتهم زعزعة أمن الاحتلال واصطياد جنوده الذين كانوا ينشرون الذعر في انحاء المدينة اليمنية الباسلة .. واستطاع هذا الفتى المناضل طوال معركة التحرير أن يكتب مع رفاقه من الفدائيين أنصع ملاحم النضال الوطني التي أنهت والى الابد الوجود الاجنبي وقادت الى تحرير جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني بعدما يقرب من قرن ونصف القرن.. وجاء الاستقلال بالتزاماته وما استجد في عهده من مسؤوليات ومنازعات ليضع هذا الفدائي الموهوب على رأس مجموعة من المهام الصعبة التي شغلته عن تطوير موهبته وممارسة هوايته الأولى وهي كتابة الشعر وابداع الأغاني العاطفية الرقيقة الهادفة الى الارتقاء بالمشاعر والسمو بالذوق الاجتماعي.. التفاصيل مثيرة وشيقة في حديثه عن الثورة اليمنية 14أكتوبر بدورها النضالي البطولي والارهاصات والاشكاليات التي واجهت مدها الثوري ودوره في الحركة الوطنية والكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني والأحداث التي اعقبت الاستقلال عام 1967م والوحدة وعلاقته بالشأن الثقافي والأدبي والاعلامي.. فإلى تفاصيل الحوار:
- استاذ راشد .. هل يمكن أن تضعونا في صورة طبيعة الاوضاع في الجنوب اليمني قبل الاستقلال ؟
- أولاً عن طبيعة الاوضاع في الجنوب ما قبل الاستقلال .. الحقيقة الوقائع والاحداث التي سارت عليها الثورة في مرحلة ما قبل الاستقلال حاولت أن أبينها في الكتاب الذي أصدرته قبل سنوات .. هذا الكتاب «ثورة 14أكتوبر من الانطلاقة حتى الاستقلال» ..طبعاً تناولت فيه مجرى النضال التحرري ضد الاستعمار البريطاني وارتباط هذا النضال بالتطورات التي حصلت في الشمال بعد ثورة «26سبتمبر» ، ثم الاصطفاف الذي حصل بعد ثورة «26سبتمبر» ، هذا الاصطفاف الذي كان عماده الرئيسي قوى رجعية وقوى استعمارية تمثلت ببريطانيا وأمريكا وبعض الانظمة العربية المجاورة للجمهورية العربية اليمنية بعد الثورة مباشرة .. يمكن أن أتحدث عن الواقع والبيئة التي انطلقت منها ثورة «14أكتوبر» وبواعث هذه الانطلاقة حينها كانت هناك عوامل كثيرة ومنها عامل هام من عوامل التخلف في البنية الاجتماعية وبناء دولة النظام والقانون في الجنوب والشمال ، ففي الجنوب يتمثل هذا العامل في غياب التنمية الاقتصادية القائمة على الازدهار الصناعي والزراعي ، وكذا في اليمن الذي كان يقبع في قاع التخلف الاقتصادي والثقافي لم يتمكن النظام من بناء عوامل تحقيق التماسك الاجتماعي وتوحيد الهوية الوطنية الداخلية وذلك بسبب أن هياكله الاقتصادية لم تخرج بعد من اطار الهيكلة القبلية والعشائرية الى دائرة الهيكلة الاقتصادية المتطورة التي تتبلور فيها ملامح التقسيم الاجتماعي خاصة اذا اخذنا في الاعتبار ان ثورة «14أكتوبر» قد حددت ملامح منطلقاتها في النضال ضد الاستعمار ومن ثم في البناء اللاحق للاستقلال، يعني في قيام نظام اجتماعي متحرر تسود فيه العدالة الاجتماعية وبناء المجتمع المتقدم. كان طموح القيادة فعلاً يستهدف التغيير الاجتماعي بعد الاستقلال وهو الأمر الذي كان يتطلب من هذه القيادة ان تحدد نهجها على ضوء ما هو مرسوم في ذهنها من الصورة القائمة في ملامح التقسيم الاجتماعي المحدد في مرحلة ما بعد الاستقلال على أساس الوضع الاجتماعي الطبقي كما هو حاصل في النظام الرأسمالي او الإقطاعي او الاشتراكي القائم في بلدان الصين وغيرها من دول العالم. بينما الواقع يقول: إن الاستعمار البريطاني خلال سنوات وجوده الطويل حاول أن يغرس مفهوماً خاصاً للواقع وللثقافة التي تبرر التجزئة والتقسيم الجغرافي والديمغرافي للمنطقة، وبالذات المنطقة الجنوبية من اليمن والتي ظلت ترزح تحت وطأة الحكم البريطاني دون إحداث أي تغيير في البنى الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية، بل كرس الهيمنة الاستعمارية في الجانب الثقافي التي هي ثقافة المستعمر والتي كانت نتاج لمناهجه ومفاهيمه وطرائقه المختلفة في التدريس والتوعية الثقافية والإعلامية، وكثيراً ما كانت السياسة البريطانية تحدد أساليبها في السيطرة على المواطن في عدن او خارجها على الطرح الذي يعزز من مواقفها السياسية الآنية والذي يخدم وجودها ويحافظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة الجنوبية والمناطق المجاورة لها بالامتداد الى مناطق عمان والخليج العربي.
- أستاذ راشد.. ماذا عن الانتفاضة في الجنوب اليمني على المحتل الانكليزي.. بمعنى أدق كيف بدأت هذه الانتفاضة؟
- إذا أردت أن تعرف عن الانتفاضة ضد الاستعمار فبإمكانك العودة إلى كتابي ثورة 14 أكتوبر اليمنية من الانطلاقة حتى الاستقلال وتحديد مسار النضال منذ الانطلاقة الأولى، كيف كانت الانتفاضات متقطعة عندما كانت لا تحظى بقوى ونخب سياسية قادرة على التنظيم والاندفاع والاستمرار، لكن بالعودة إلى تفاصيل الكتاب ستجد الكثير من الوقائع وسيتحدد لك المسار النضالي المنظم الذي استطاع ان يحافظ على بقاء الثورة واستمرارها حتى الاستقلال.
- الاستعمار البريطاني حاول جاهداً تعميق الأمية والجهل والتخلف في أوساط أبناء الجنوب ومارس الكثير من الأساليب الوحشية والقمعية ضد كل من يقف في وجهه.. برأيكم ما هي الأسباب التي أدت إلى تطور العقلية الثورية وتوسع جبهة النضال ضد المستعمر؟
-- الاستعمار البريطاني يمكن القول: إن سياسته أثمرت في إبقاء منطقة الجنوب اليمني حبيسة التخلف الاقتصادي، والاجتماعي ، وذلك دون اي تغيير يذكر في أنماط الحياة التي كان يعيشها الأفراد والمجتمع، ورأت في كل سلطنة او مشيخة جغرافية وأحياناً في كل قبيلة ثمة ثقافة خاصة تبرر الانتماء إليها كهوية خاصة للأفراد او الجماعات التي تعيش في هذا الاطار الجغرافي الضيق. هذه الصورة التي كانت قائمة عشية الاستقلال هي جوهر الإشكال الذي عانى منه المثقفون الحزبيون الذين تمثلوا الايديولوجية القومية والاشتراكية والوطنية اليمنية وقد ظلوا في حالة من الضياع في افياء هذه الايديولوجيات حائرين امام الهويات المحلية التي حاولت ان تنازعهم الولاء بين خياراتهم الراقية او البقاء ضمن خصوصيات هذه المناطق الجغرافية والكيانات السلاطينية ومهاوي التمسك بالثقافة المناطقية، إلى جانب التشتت في الانتماء لهذه المناطق والكيانات والسير على ذات المنهج المجسد لهذا التمزق في الهوية والانتماء الى الثقافة المناطقية وخصائصها التقليدية. ومن واقع هذا الموروث الاستعماري الرجعي بدأت القيادة الجديدة عشية الاستقلال تبحث عن التعريف الواسع للثقافة الوطنية التي تمثل مصالح أوسع الجماهير على امتداد الرقعة الجغرافية اليمنية التي تتوافر فيها شروط النهوض الواسع في التنمية الاقتصادية والتطور في المجالين الصناعي والزراعي. هذا التطور الذي يحمي الهوية الوطنية، التي تتجانس في روابطها البشرية والحضارية وتستوفي شروط الانتماء إلى الامتداد الواسع للأرض والإنسان في هذا الوطن.
- رغم المحاولات الاستعمارية للاستعمار البريطاني في طمس الهوية اليمنية للجنوب اليمني، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، بل ووجهت بالرفض والمقاومة.. الى ماذا يرجع ذلك؟
-- كان الوضع الجغرافي والديمغرافي عشية الاستقلال في الجنوب يتسم بالشتات والتجزئة القبلية والعشائرية، يعني الجنوب كان موزعاً إلى 22 دويلة وسلطنة وكانت مدينة عدن هي الوحيدة التي تتميز بثقافتها الواسعة وبروز السمات المدنية التي كانت تستوعب الامتداد الثقافي والوطني في اطاره اليمني الواسع، ما عدا ذلك انعزلت المناطق الريفية على نفسها وبقيت بعيدة عن التحديث والتجديد «لا مشاريع زراعية، ولا مواصلات، ولا مدارس، ولا وحدات صحية، ولا تحسين لوضع الفلاحين» ولهذا انكفأت المناطق الريفية في ظل الاستعمار والسلاطين على نفسها في نطاق التقسيم الجغرافي للسلطنات والمشيخات.
وفي ظل طابع قمعي واستغلالي ساد من قبل مشايخ السلطنات وأذنابهم، وبدت هذه السلطنات أكثر محافظة على الهويات المحلية التي تجسد الاعتزاز بالانتماء إلى هذه الروابط العشائرية والقبلية دون الإحساس بمشاعر الانتماء الى الهوية الجامعة سواء على مستوى الهوية الجنوبية التي كانت بريطانيا قد حولتها الى مشروع اتحادي مصنوع لدويلات المحميات الغربية لعدن دون المحميات الشرقية او على مستوى الهوية الوطنية الواسعة التي تبنتها الأحزاب القومية والحركة العمالية اليمنية في مدينة عدن التجارية وخارجها في مدن المحميات الأخرى.
بعد ذلك جاءت القيادة السياسية التي قادت مرحلة التحرير.. جاءت هذه القيادة الجديدة من المثقفين الذين اكتسبوا الثقافة الوطنية الواسعة في مدينة عدن، جاءت الى الحكم وهي تدرك ان شروط التطور الثقافي المجسد للهوية الوطنية الواسعة غير متوفرة في الوسط الاجتماعي المفتت والممزق في الجنوب، وذلك لانعدام القاعدة الاقتصادية الراسخة في المجال الانتاجي لقطاعي الصناعة والزراعة ومن ثم أحست هذه القيادة بضعفها وقلة خبرتها في ادارة المجتمع بالاعتماد على جهاز اداري في مدينة عدن لم يكن من اعدادها او انها اختارت أياً من الموظفين في هذا الجهاز الاداري الموروث. وهكذا وجدت القيادة الجديدة نفسها عشية الاستقلال في خضم من التناقضات الداخلية والخارجية وكان من واقع التطورات التي شهدتها منطقة اليمن حينئذٍ مقدراً لها «اي لهذه القيادة» ان تقود الثورة في الجنوب الى مشارف الاستقلال واستلام ادارة الحكم لكل مناطق الجنوب التي كانت موزعة الى كيانات سلطوية، جغرافية، متنافرة الانتماءات والولاءات في ثقافتها وهوياتها الاجتماعية والوطنية. التأثير القومي العربي
- طيب استاذ.. كيف تأسست الحركات الوطنية في عدن في ظل هذا الكم الهائل من التناقضات؟
- الحركات الوطنية تأسست بفعل التأثير القومي العربي.. بعد سقوط الدولة العثمانية وبروز الاتجاهات القومية التي كانت حينها تكتسب تأثيرها من التطورات القومية التي حصلت في أوروبا. هذا التطور في الفهم القومي بدأ يأخذ في ثقافة المجتمعات العربية بالأولوية وتأسست احزاب قومية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم حركة القوميين العرب، ثم جاءت ثورة 23 يوليو في مصر بزعامة الرئيس جمال عبدالناصر وعززت هذا الاتجاه بقيام نظام قومي داخل مصر التي كانت تمثل منبع وقلب الامة العربية في تلك الفترة. الطلبة اليمنيين.
- عفواً على المقاطعة.. ولكن يقال ان نزوح الكثير من ابناء عدن والمحميات المجاورة لها في اليمن الجنوبي الى اليمن الشمالي وبعض الدول العربية نتيجة للأعمال القمعية الهمجية والوحشية التي كانت تطالهم كان لها الاثر في تنامي الوعي الثوري واكتساب الخبرة ممن سبقوهم في هذا المضمار في تأسيس حركات وجبهات ثورية لمواجهة الاحتلال ومقاومته بشكل منظم؟ .
- الحقيقة التأثير كان مصدره الطلبة اليمنيون الذين ذهبوا للدراسة في الخارج من خلال بعثات دراسية سواء عن طريق سلطة الاحتلال او من خلال ما فرضته التطورات على الحكم الامامي في الشمال، اراد بعد ثورة مصر وظهور التيارات القومية «الامام» ان يجاري هذه التيارات من خلال ارسال بعض البعثات الطلابية وكانت ايضاً تحت الرقابة الامامية، ولكنهم «اي الطلبة» استطاعوا بحكم اكتسابهم المعارف والثقافة القومية الى جانب الثقافة الانسانية بحكم التأثير الذي طرأ على قسم كبير من المبعوثين وبالذات إلى الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل مركزاً رئيسياً لقوى التحرر.. هذا التأثير بدأ يفعل فعله في الطلبة ومن ثم في اوساط المغتربين اليمنيين.
- مقاطعاً.. الجبهة اليافعية كانت اكثر الحركات التحررية في الجنوب انفتاحاً ووعياً؟
-- لا.. لا.. كل الجبهات والحركات التي تشكلت في الجنوب «الجبهة الناصرية، جبهة الأحرار، الجبهة اليافعية، وجبهة دثينة، وأحزاب في حضرموت» كانت قد اكتسبت الوعي التحرري والقومي، ولكن المؤتمر العمالي كان هو السباق إلى هذه الأفكار التحررية وفي قيادة حركة التحرر بطابعها اليمني الواسع.. المؤتمر العمالي وقادة المؤتمر العمالي وبالذات النخبة الأولى مثل محمد سالم علي ومسواط وعبدالله عبد المجيد الأصنج ومحمد عبده نعمان وعبده خليل سليمان وحسين سالم باوزير وعلي حسين القاضي وطه أحمد مقبل وعلي السلامي وعبدالله عبدالمجيد السلفي، هذه المجموعة من الشباب من أبناء مدينة عدن هم الذين تحركوا وأسسوا العمل النقابي، ثم تطور هذا العمل النقابي إلى وجود أحزاب سياسية بدأت بحزب البعث وحركة القوميين العرب وانتهت بحزب الشعب الاشتراكي واتحاد الشعب الديمقراطي.. وبالتالي كل هذه التطورات والتفاعلات هي التي ادت الى قيام حركة تحرر يمنية قوية.
- العمل التحرري في الجنوب اتخذ مناحي جديدة في إدارة العمل الثوري ضد الاستعمار.. برأيك وانت احد القياديين الثوريين الذين سلكوا هذا المنحى ما هي الدوافع والمبررات التي أدت الى هذا التطور للحراك الثوري من العشوائية الى العمل المنظم والموجه والمؤدلج؟
- كما قلت لك سابقا: التأثير القومي الخارجي وقيام ثورة 23 يوليو كان احد البواعث والاسباب التي ادت الى بروز الحركة العمالية والنقابية في عدن، الى جانب ذلك هناك تطور حصل في مدينة عدن تمثل في تطور بنية المجتمع المدني، يعني تأسست مؤسسات بترولية في عدن وكان من ضمنها المصافي، كما توسعت بريطانيا في الميناء، وكانت عدن مركزاً للاستيراد والتصدير لليمن ومنطقة الجزيرة العربية كلها، الى جانب ذلك الحركة التجارية نشطت حيث جاءت شركات لتقدم خدمات في البنوك وفي الخدمات الملاحية البحرية وفي ورش الصيانة للسفن والزوارق الكبيرة والصغيرة، كل هذا ادى الى بلورة ملامح مجتمع جديد ساعد على تأسيس النقابات العمالية التي بدأت تطالب بالحقوق العمالية أولاً، ثم تطورت الحقوق العمالية الى حقوق سياسية، حيث بدأت النخبة السياسية التي كانت تمثل العمال تضع نفسها في مواجهة القمع الاستعماري لحماية المواطنين والمجتمع المدني سواء الذين كانوا ينتقلون من الأرياف او الذين كانوا قد انصهروا وكونوا المجتمع المدني في مدينة عدن. موجودة في كتابي
- هل يمكن ان تضعنا في حقيقة ما الذي حدث بعد تكون الحركات التحررية في الجنوب؟.
- طبعاً انا قلت لك: إن حركات التحرر قادت العمل الثوري بشقيه السياسي والفدائي حتى الاستقلال، وهذه ستجدها في الكتاب ولا أحب ان أكررها هنا، اذا تريد ان نتحدث عن ما بعد الاستقلال ممكن.
- قبل الحديث عن ما بعد الاستقلال نود أن نعرج إلى المناطق الوسطى والمناطق الحدودية بين الشطرين الشمالي والجنوبي.. ماذا عن مساهمة هذه المناطق في الكفاح ضد الاستعمار؟
-- كل الشعب اليمني من مختلف المناطق اليمنية كانوا متواجدين في مدينة عدن، وبالتالي كل من كان في مدينة عدن ساهم في مرحلة التحرير، وايضاً المناطق المجاورة من تعز الى إب، ساهمت الى حد كبير في حركة المناضلين وتقديم الاسلحة لخلايا الكفاح المسلح وتقديم المساعدات من غذاء وفي بعض الأحيان تقدم رواتب عندما كانوا «أي المناضلين» يجدون أنفسهم بدون رواتب ولا مساعدات ، فكانوا يتلقون الرواتب والمساعدات من إخوانهم من اليمن الشمالي من مناطق إب والحديدة وتعز..
لقد كانت مدينة تعز مآل ومأوى لكل المناضلين، يعني التدريب كان يتم فيها وأيضا اللقاءات وكانت مقراً للقيادات ، بالإضافة إلى ذلك الذين كانوا يهربون من قمع ووحشية الاحتلال يلجأون الى تعز، كما ان التفاعل النضالي يجري في عروق كل يمني لتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني ومن الحكم الاستبدادي الامامي في الشمال. جميع اليمنيين ساهموا في الثورة اليمنية 26سبتمبر و14 اكتوبر سواء كانوا من الشمال أم الجنوب، لا حدود تمنعهم، حتى ان الاجراءات التي اتخذتها قوى الاستعمار والسلاطين ضد ابناء الجنوب بعدم تحركهم للدفاع عن ثورة 26سبتمبر لم تستطع منعهم من التحرك والوصول إلى الشمال ومن ثم الانطلاق للانخراط في المؤسسة العسكرية للدفاع عن ثورة 26سبتمبر.. الكل تحرك للدفاع عن ثورة 26سبتمبر من ابناء الجنوب والشمال وكذلك تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني.
التعايش بين الثوار
- من وجهة نظركم كيف كان التعايش بين قوى التحرر في الثورة اليمنية 26سبتمبر و14 أكتوبر في الشطرين الشمالي والجنوبي حينها؟
-- لم نكن نحس بوجود فارق.. لقد كان التفاعل واحداً والناس كانت تعتبر بأن الثورة هي ثورة جميع اليمنيين دون استثناء، ولن تستطيع أية قوة ان تصدهم او تمنعهم عن مشاعرهم المتمازجة والموحدة. الحقيقة ان الموانع التي وجدت اليوم لم تكن موجودة في تلك المرحلة.. الموانع التي تدخلت فيها اطماع الافراد الشخصية هي التي اججت الحقد والضغائن بين ابناء الشعب اليمني.. الشروط والظروف التي كانت قائمة قبل ثورة 26سبتمبر وقبل ثورة 14 اكتوبر كانت ظروفاً جامعة وموحدة لمشاعر الانسان اليمني سواء في الشمال او الجنوب كون القوى التي كانت تريد ان تمزق الشعب كانت ضعيفة في تلك المرحلة.
تأثرنا بالحركة النقابية
- بعد أن أسهمتم في تأسيس الحركات والمنظمات والجبهات الثورية في الجنوب كيف كنتم تنسقون عقد اجتماعاتكم ولقاءاتكم؟
- الحقيقة ان بداية اهتمامنا بالنضال الثوري ضد الاستعمار البريطاني حينما كنا نتابع ونحن في مرحلة الدراسة نشاط النقابات ، ونتأثر بآبائنا المنخرطين بالحركة النقابية ونشاطها النضالي وبالنخبة السياسية التي كانت تقود العمل النقابي.. نحن في مدينة عدن مثلاً كنا في وسط اجتماعي من الشباب الذين بدأوا المشاركة في المظاهرات في أحياء عدن.. كانوا مجموعة وهم من أصدقائي الذين لنا احتكاك بهم بنادي شباب التواهي حيث كان يجمع هذا النادي بين جنباته مجموعة من الشباب المتحمس والمنخرط في النقابات العمالية علي احمد عمراوي وعلي إبراهيم جاوي وعباد احمد إسماعيل وحسن عيسى وعبدالملك إسماعيل وعبدالجليل الرعدي واسكندر إسماعيل وعبدالله حسن غانم وإسماعيل كوكني ومحمد عبدالله الذهب وعبده خليل سليمان.. هؤلاء المجموعة الكبيرة من المثقفين أثروا وتأثرنا منهم كانوا يقودون المظاهرات وكانوا ايضاً بينهم من النشطاء الذين بدأوا في الانخراط بالعمل المسلح منذ عام 1958م. هؤلاء كانت لهم انتماءات حيث بدأوا مع الاستاذ محمد عبده نعمان، احد مؤسسي النقابات العمالية في عدن، وهذا الرجل بعد ان قام الانجليز بنفيه الى اليمن الشمالي الى مدينة تعز بدأ في تبني الكفاح المسلح وذلك عام 1958م وكان من ضمن الذين قاموا بعمليات فدائية صالح عبدالرزاق الشعيبي وعبدالحافظ نعمان الذي يشغل حالياً في حكومة الوفاق الوطني منصب وزير التعليم الفني والتدريب المهني، حيث قام بعمل فدائي وعمره لم يتجاوز 14 عاماً مع عبدالقوي طنبش وعبده علي عثمان الذي يشغل حالياً استاذاً في الجامعة وعباد احمد اسماعيل ومجموعة آخرين من الشباب لا تسعفني الذاكرة لذكرهم قاموا بعمليات فدائية ضد الاحتلال في عدن ادت الى اعتقال السلطات الاستعمارية للأستاذ عبدالحافظ نعمان وصالح عبدالرزاق وهذا الاخير حكم عليه الاستعمار بداية بالسجن 5 سنوات ومن ثم تم احتجازه في السجن بعدن حتى الاستقلال، اي انه قبع في السجن تقريباً أكثر من 10 سنوات .. وبالتالي هذه التفاعلات النضالية اسهمت في تبني حركة القوميين العرب للكفاح المسلح التي انخرطنا كشباب فيها.
- هل حركة القوميين العرب أول من تبنت الكفاح المسلح؟
-- لا.. أنا قلت لك: إن أول حركة تبنت الكفاح المسلح هي النقابات العمالية، وكذلك حزب الشعب الاشتراكي كان قد تجاوب مع أطراف من الحكومة المصرية انه سيقوم بكفاح مسلح، وفعلاً قام برمي قنبلة في مطار مدينة عدن على المندوب السامي، حيث قام برمي هذه القنبلة خليفة عبدالله حسن الموظف والذي كان رئيس نقابة عمال المطار إبراهيم زوقري، وقد اعتقل خليفة عبدالله حسن خليفة وظل معتقلاً حتى تم إطلاق سراحه من قبل المحتل اثر المظاهرات التي خرجت تطالب بإطلاق سراحه وكذلك دفاع المحامين عنه، ولا ننسى أيضاً انه كانت هنالك انتفاضات مسلحة في الأرياف ضد الاستعمار البريطاني تبنتها قبائل من العوالق وبيت آل فريد ومن دثينة والضالع والصبيحة وحضرموت ومشكلتها تكمن في أنها كانت متقطعة وغير منظمة إلى أن أتت القوة المنظمة المتمثلة بحركة القوميين العرب والحركة النقابية العمالية، حيث بدأ العمل السياسي يتنظم.
- لكن استاذ كيف كنتم تلتقون بزملائكم وتعقدون الاجتماعات؟
-- العمل الثوري كان عبارة عن روابط للأحياء ، وعندما انطلق العمل الفدائي المنظم كان المطلوب أن يستعصي كشفه من قبل المخابرات البريطانية.. حيث قامت القيادات الرئيسية في الجبهة القومية حينها المتمثلة بفيصل عبداللطيف وعبدالفتاح إسماعيل ونور الدين قاسم ووضعوا خطة للعمل الفدائي في عدن فوزعوا الاحياء الى روابط «كرابطة كريتر ، ورابطة خور مكسر والمعلا والتواهي ورابطة الشيخ عثمان والبريقة، وانا كنت ضمن رابطة المعلا وخور مكسر والتواهي حيث دشنا العمل الفدائي المنظم الذي كان يتسم بالسرية المطلقة. وللعلم لم تكن أية رابطة من هذه الروابط تعرف او على علم بأسماء اعضاء وتكوينات الرابطة الأخرى عدا المسؤول الاول الذي كان يلتقي مع المسؤول الاول عن الروابط الاخرى في اجتماعات الشعبة المسؤولة عن مدينة عدن، وأحياناً كان يحصل ان يتعارف بعض أعضاء الروابط فيما بينهم البين للتنسيق في العمليات الكبيرة ولكن هذا كان يحدث فقط في إطار العناصر الناضجة التي لا يمكن ان تبيح بالسر، وكانت حتى الخلايا القاعدية التي تعمل تحت مسؤولية الرابطة لا يعرف عنها العضو الآخر ما عدا أعضاء الخلية الواحدة فقط الذين يعرفون بعضهم وكان جميع الذين يعملون في إطار الخلايا القاعدية والروابط والقيادة يحملون أسماء مستعارة ولهذا كان العمل منظماً، بالإضافة الى ذلك الجبهة انشأت جهازاً امنياً مسؤوليته تكمن في استلام المعلومات من كافة قطاعات التنظيم وبالتالي العمل على تحليل هذه المعلومات وتقييمها ومراقبة الاشخاص المنضوين في العمل في الجبهة وخلاياها المسلحة وكان العمل في مجمله يتسم بالسرية والدقة وستجد في الكتاب تفاصيل عن هذه المسألة.
- وبعد انطلاق ثورة 26سبتمبر في اليمن الشمالي على الحكم الامامي المستبد هبّيتم من كل المناطق الجنوبية الى الشمال من منطلق هدفين رئيسين الدفاع عن ثورة سبتمبر واكساب تشكيلاتكم وخلاياكم العسكرية الخبرة والمراس في الحرب ومجابهة العدو؟
- طبعاً .. قيادة الحركة وكذلك قيادة المؤتمر العمالي تحركوا عشية الثورة .. قبل الثورة كان هناك تنسيق مسبق بين القيادتين في الشمال والجنوب.. فقبل الثورة السبتمبرية بيوم واحد وصلت رسالة الى قيادة حركة القوميين العرب في عدن من قيادة الحركة في الشمال لإبلاغهم بأنه ستقوم ثورة على الحكم الملكي.. وكان المسؤول الاول عن مكتب الحركة في الشمال سلطان أحمد عمر وكان الرجل الثاني بعده حينها سعيد الجناحي.
- حينها ما الذي كانت تمثله تعز بالنسبة لكم؟
-- نحن كنا نطلع من عدن للتدريب في تعز.. حيث كان يتم تدريب كل القيادات الفدائية في منطقة صالة بتعز على يد مجموعة من الضباط المصريين وطبعاً ذهابنا الى تعز كان يتم بصفة سرية ، كما أنه في ثاني يوم من الثورة انتقلت عناصر القيادة من عدن الى الشمال ومنهم علي أحمد السلامي وعبدالقادر سعيد وعبدالحافظ قايد وسالم زين محمد وعبدالرحمن غالب واعني بهؤلاء مجموعة القيادات الرئيسية التي انتقلت الى الشمال ثم لحقهم فيصل عبداللطيف وقحطان الشعبي من القاهرة إلى صنعاء وتعين حينها قحطان مستشاراً للرئيس السلال لشؤون الجنوب بدرجة وزير، فبدأ قحطان مع القيادات الشمالية والجنوبية الرئيسية بالتهيئة للثورة في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني.
- هناك من يقول: ان شرارة ثورة اكتوبر اعلنت قبل موعدها المخطط .. ما تعليقكم؟
-- لا.. لا .. اولاً القيادات اجتمعت بصنعاء في فبراير 1963م ووضعوا ميثاقاً وناقشوا التسمية على اساس ان تكون جبهة التحرير، لكن حصل خلاف من داخل قيادات الحركة الوطنية أثناء تواجدهم في الشمال وقياداتها الرئيسية كانت في الجنوب فبعضهم كانوا مصرين على تبني الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير الجنوب ، وبعضهم كان يريد تأجيل الكفاح المسلح وهذا الاخير هو حزب الشعب الاشتراكي بقيادة عبدالله الأصنج كونه كان قد دخل في مفاوضات مع الاحتلال البريطاني حول الرحيل من جنوب اليمن وكان يريد ان يستنفد كل الوسائل والطرق الدبلوماسية والمفاوضات السياسية معهم كونه كان الحزب الشرعي الوحيد والمعترف به في الجنوب حينها، بينما الأحزاب الأخرى لم يكن معترفاً بها وكانت تعمل بالسر ، وبالتالي كان يرى من وجهة نظره ان الكفاح المسلح هو آخر وسيلة لمقارعة الاحتلال، بينما كانت الجبهة القومية والتي كان يتزعمها فيصل عبداللطيف انه ونتيجة للحصار والاشكاليات التي اختلقها الاستعمار والسعودية في الحدود المتاخمة للجمهورية العربية اليمنية حينها ترى انه من الافضل والأهمية بمكان مباشرة الكفاح المسلح حتى يعطلوا على الاستعمار البريطاني عملية الاعداد لحرب ومواجهة ثورة 26سبتمبر في الشمال، وكان معهم في هذا الاتجاه الاخوة المصريون والمتمثل بالبدء بالكفاح المسلح.
-استاذ راشد.. عشية ثورة 14 اكتوبر أين كنت؟
-- كنت حينها في عدن.. حيث كنت موظفاً في المطار المدني.
- كيف كان وقع خبر استشهاد المناضل الشهيد راجح لبوزة عليكم؟
-- هو طبعاً كانت عندنا تباشير ببدء الكفاح المسلح، حيث كان قد بدأ قبل عودة لبوزة الى ردفان من معارك الدفاع عن ثورة 26سبتمبر وإدخال الأسلحة والذخائر إلى عدن وتخزينها استعداداً لساعة الصفر لانطلاق الكفاح المسلح ضد الاستعمار وخضعت الخلايا التنظيمية للتدريب على هذه الأسلحة وكيفية استخدامها وإعدادها وتهيئتها للمواجهات المسلحة.
- المعروف أن الاستعمار وضع إجراءات عسكرية مشددة على مداخل عدن كيف تدخل الأسلحة في حين يصعب أن تمر النملة من أمام الانجليز دون أن يعرفوا ما في جوفها؟
-- الحقيقة عندما تبدأ الثورات تتهيأ الجماهير شعبياً ونفسياً.. فلقد كانت الجماهير تساعد الثورة في كل المناطق، حيث كان من يقومون بإدخال السلاح عندما تحصل لهم أية بادرة او شكوك بأنهم سيكونون عرضة للاكتشاف أو الاعتقال والتصيد من قبل المخابرات البريطانية، المواطنون يساعدونهم في اخفائهم واخفاء ما يحملون من اسلحة.. كانوا حتى عندما يتحركون في مناطق الأعبوس أو المقاطرة أو الصبيحة يمرون بسهولة حيث كان في كل منطقة خلايا تنظيمية حزبية موجودة عملها حماية قوافل الاسلحة في نطاق عملها ، وعندما تصلهم المعلومات فوراً يبدأون بإقامة صلة بينهم وبين المواطنين من اجل حماية هذه القوافل التي تتحرك لإدخال الاسلحة الى مدينة عدن.. المواطنون كانوا مهيأين خصوصاً بعد قيام ثورة 26سبتمبر ودخول المصريين وتأثير اذاعة صوت العرب التي تبنت الثورة حينها في الجمهورية العربية اليمنية وكذلك في الجنوب فكان كل مواطن يعتبر نفسه جندياً في هذه الثورة.
- بعد قيام ثورة 14 اكتوبر عام 1963م نشأ صراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير.. برأيك ما هي الاسباب والدوافع لهذا الصراع؟
-- هذه الصراعات كانت بواعثها ودوافعها كثيرة تحتاج في تفاصيلها إلى كتاب وأنا شرحت بعضها في هذا الكتاب من خلال وثائق ومنشورات للطرفين.. وعلى ذلك ممكن اجيبك باختصار: ان الدوافع الذاتية عند الزعامات غلبت نفسها احياناً ولهذا حصلت بعض الاخطاء في تحقيق التحالفات المطلوبة لمرحلة التحرير ومرحلة ما بعد التحرير.. فلو كانت القيادات تجردت عن هذه النوازع الذاتية التي اثرت عليها كان يمكن ان يكون الوضع افضل بكثير.. كان يمكن ان يتحالفوا في وقت مبكر ويستمروا في هذا التحالف ويدخلوا مرحلة ما بعد الاستقلال بإمكانيات اكبر وأوسع.
- وقد استفاد البريطانيون من هذه الصراعات؟
-- طبعاً استفاد البريطانيون حتى ايضاً جيراننا استفادوا من هذه الصراعات سواء على مستوى الشمال أو على مستوى الجنوب.
- ما الذي أدى إلى إنهاء المشكلة بين هذين التنظيمين قبل اعلان الاستقلال بوقت؟
-- المصريون لعبوا دوراً في توحيد المتصارعين سواء في الشمال او الجنوب بعد ان لعبت المخابرات البريطانية وأعوانها دوراً في تمزيقهم وتناحرهم.. حيث كانوا حتى عشية الاستقلال وهم يتفاوضون عند جمال عبدالناصر.. هناك عوامل كثيرة دخلت فيما بينهم كانت السبب في تفرقهم خاصة بعد الانقلاب الذي حصل في الشمال في 5 نوفمبر ودخول صراع ما بين القوميين والبعثيين والناصريين والبعثيين وهذه الصراعات أثرت الى حد كبير على وضع التحالف بين القوى التحررية الثورية في الشمال والجنوب.
- كان من ضمن أهداف الثورة الوحدة بين الشطرين.. لماذا برأيكم لم يتم هذا الامر عقب اعلان الاستقلال؟
-- الحقيقة النضال كان على اساس انه عندما يتحقق الاستقلال تتحقق الوحدة، وهذا الامر كان في ذهن القيادة وكل مناضل، لكن هناك تطورات حصلت عشية الاستقلال. أولاً كان هناك اصرار بريطاني على الرحيل وتسليم عدن واخلاء قواعدهم بشرط ان تبقى الجنوب دولة مستقلة عن الشمال الى جانب ذلك انقلاب 5 نوفمبر وخروج المصريين هذان الأمران أديا الى ان يتغلب تيار تقليدي في الشمال يتحرك لصالح النظام السعودي، والقوى التي قامت بانقلاب 5 نوفمبر في الشمال هي قوى تقليدية مشايخية بالتحالف مع عناصر من البعث والاخوان المسلمين ، ودخول القوة الملكية بالحسابات السياسية واتفاق هذه الاطراف بمساندة ودعم سعودي هدفها القضاء على القوى الليبرالية واليسارية التي تكونت في الشمال الجنوب وتنفيذ فيما سمي حينها اتفاق خمر ولهذا فضل الاحرار الجنوبيون ان يظلوا دولة مستقلة حتى يحصل تغيير وانسجام في الرؤى والتوجه بين الشمال والجنوب لتحقيق الوحدة.
- ما الذي تم بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م؟
-- بعد تحرير الأرض من الاستعمار كان الشعار هو القضاء على التخلف كهدف اساسي من اهداف الثورة.. القيادة السياسية في الجنوب صرفت جهودها في الدعوة إلى الخلاص من حالة التمزق والتشتت في الولاءات الاجتماعية وفي الهوية الوطنية ورفعت الشعارات الممجدة لوحدة الانتماء للوطن اليمني الكبير وبدأت القيادة في تكثيف جهودها في بلورة القسمات الأولى لهذا الوعي الوطني الذي يجسد وحدة الإرادة في النهوض الوطني وبرؤية استراتيجية للتنمية الشاملة على صعيد الحركة الاقتصادية وكذا على صعيد النهوض الاجتماعي الواسع الذي يمتد على طول وعرض الوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه.
كانت صورة هذه القيادة الجديدة من المثقفين في اذهان الشعب زاهية السمعة والقبول وغاية في الألق والتمجيد وذلك من واقع ما التزموا به من نهج في نطاق ما يحتمله الواقع المحلي آنذاك والذي كان يحمل التعبير المطابق لمصالح الجماهير اليمنية والمتفاعل مع نهوض الثورة العربية التي بشر بها جمال عبدالناصر في ارجاء الوطن العربي الثائر حينها ضد الاستعمار والرجعية المستبدة.
القيادة الجديدة بعد الاستقلال وجدت نفسها وهي على قمة السلطة الجديدة امام مسؤوليات جديدة وشعرت ان الانقسامات والتجزئة التي كانت في اطار المجتمع لم تعد تحتمله السلطة الجديدة التي تهدف الى قيام مجتمع متماسك البنيان والهوية، لذلك تحولت هذه المسألة الى اشكالية معقدة عكست نفسها سلباً على نشاط القيادة في تحديد الاولويات وفي ترتيب مهام المرحلة اللاحقة للاستقلال خاصة بعد ان تسربت تحت يافطة كل الشعب جبهة قومية الكثير من القوى المعارضة للتوجه الجديد الى مواقع الجهاز الاداري والعسكري في الدولة وهي محملة بالأفكار المتخلفة والولاءات المناطقية والقبلية التي تعاكس التوجهات الجديدة لسلطة الثورة التي بدأت تتحرك في مجالات التنمية الاجتماعية وتحديد الهوية الجامعة للشعب في اطار الوحدة الوطنية الواسعة.
في المؤتمر الرابع للجبهة القومية الذي انعقد في شهر مارس من عام 1968م في مدينة زنجبار بمحافظة أبين بدأت تتحدد الخيارات في تبني نهج الاشتراكية العلمية كأيديولوجية يلتزم باستيعابها التنظيم السياسي الجبهة القومية وهو النهج الذي انعكس بصورة غير واضحة ومباشرة في صيغة الميثاق الذي اقره المؤتمر الاول الذي عقد في 22 يونيو عام 1965م، وقد مثلت وثيقة الميثاق الوطني حينها الخيار الايديولوجي لأعضاء الجبهة القومية لإنجاز المهام النضالية المباشرة لمرحلة تحرير الشعب والوطن من الهيمنة الاستعمارية وتحديد آفاق التحولات الاجتماعية والاقتصادية في المرحلة اللاحقة للاستقلال وكان واضحاً في سياق الميثاق.
ان الجبهة القومية لم تحدد بشكل واضح مسألة الذهاب في وقت مبكر نحو الوحدة اليمنية وذلك من واقع ادراكها لتعقيدات الواقع الاجتماعي الذي كان سائدا في الجنوب ، وما تحمله هذه التعقيدات من مهام يستوجب أولا: انجازها في اطار التطورات التي يجب ان تتم على صعيد البنية الاجتماعية المفككة والذهاب نحو تغيير البنية الاقتصادية مع ما يستلزم ذلك من ارتباط هذا التغيير بالانجازات على مستوى البناء الثقافي والروحي واستكمال الجهاز المؤسسي لجهاز الإدارة الاقتصادية والسياسية المكملة لخياراتها المتطورة الدولة للمجتمع.
لا ريب ان النخبة السياسية التي قادت النضال في مرحلة التحرير ووصلت الى سدة السلطة الجديدة كانت اكثر جرأة في معالجة مشكلة التشظي والانقسام في الواقع الاجتماعي ونقد البنية القائمة ووضع تصور لبنية جديدة جامعة وشاملة لتحل محل البنية الاجتماعية المفككة والمقسمة الى عدة كيانات في التركيبة السلاطينية القديمة ولكن وصول هذه النخبة الى سدة الحكم مع ما تحمله من ثقافة تجديدية وتحديثية لم توفق في اكتساب الوعي المطابق للواقع المتحرك امامها، ووقعت في اشكالية عدم المواءمة بين النظرية والممارسة .. بين ما تتبناه من أفكار وبين تطبيقها على صعيد الواقع الملموس.
هذه الاشكالية تطرق اليها القيادي العدني عبدالملك اسماعيل الذي كان عضواً قيادياً في الجبهة القومية في ورقته التي قدمها الى المؤتمر الرابع للجبهة القومية عام 1968م يوضح فيها وجهة النظر التي يتبناها مع مجموعة من قيادات الجبهة القومية بزعامة مؤسس الجبهة فيصل عبداللطيف وهي ان الافكار التي وضعت في الميثاق الوطني لازالت هي الافكار المرشدة للبناء والتطور لمرحلة ما بعد الاستقلال وان الامر فقط يستوجب ان تكلّف حكومة الاستقلال بوضع برنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي يترجم هذه الافكار في صيغة برنامج تنفيذي خاصة وان القيادة قد اختارت فيصل عبداللطيف وزيراً للاقتصاد ، وعبدالفتاح إسماعيل وزيراً للثقافة والإعلام ، وعبدالملك إسماعيل وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية ، ونوه القيادي عبدالملك إسماعيل الى ضرورة الاستعانة بخبراء من الاحزاب التقدمية في مصر والعراق وخاصة من الخبرات التي تعمل في المنظمات الدولية كالأخ محمد سليمان حسن وعبدالرازق حسن وزكي مراد واحمد نجيب الهلالي وغيرهم.
واضاف منتقد الاوراق التي قدمت الى المؤتمر باسم اليسار الذي استعان بنائف حواتمة «ان هذه الافكار التي احتوتها الوثائق لزملائه من أعضاء القيادة العامة في الطرف الآخر إنما هي أفكار تحلق بعيدا عن الواقع وهي الأفكار التي درجت بداية إلى اعتبار ظاهرة التخلف موروث استعماري محض واظهاره وكأنه عقدة هذا التخلف المريع دون التعرض للعوامل الداخلية والهيمنة الاقطاعية العشائرية التي وفرت للاستعمار شروط البقاء والسيطرة على مقدرات الشعب والبلد.
واشار الى ان التفسير العلمي الصحيح يحتم النظر الى الواقع المحسوس بكل خصائصه وارتباطاته بالتأثيرات المتبادلة مع اطرافه الداخلية والخارجية وتحديد الاسباب الحقيقية وراء تخلف القوى المنتجة وعلاقة الانتاج المرتبطة بتعدد الانماط الاقتصادية بما تحتويه من اشكال بدائية في ملكية وسائل الانتاج كالملكية المشاعية والملكية شبه الاقطاعية والملكية الخاصة والصغيرة في المدن والارياف الامر الذي يتحدد على ضوء هذه الخصائص دور واتجاهات الصراع الاجتماعي المحرك للتطور في هذه المرحلة دون الخوض في المواقف السياسية والايديولوجية القائمة في البلدان المتطورة واسقاطها على البنية الاجتماعية المعقدة في بلادنا والتي لا يمكن ان تستقيم على تصنيف واحد مجلوب نظريا بلون التصنيف القائم في أوروبا ، وهو ما تبنته الوثائق المقدمة من اليسار الى المؤتمر الرابع للجبهة القومية علما بأن البنية الاجتماعية في اليمن من السهل تبيانها من خلال الاستقصاء للمشكلات الاقتصادية ذات الانماط المتعددة في الكثير من البلدان المتخلفة والمشابهة وتحديد الطبيعة الاجتماعية القائمة في بلادنا، ومن ثم تحديد ملامح واتجاهات الصراع الاجتماعي في المرحلة اللاحقة للاستقلال دون اللجوء إلى الإقصاء أو التهميش للقوى التي قد تكون أساسية او قوى محركة للتطور الاقتصادي والاجتماعي في البلد.
طبعا هذا ما اظهره المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية من صراع حول النهج الذي يجب ان يتبع في عملية التغيير بعد تحقيق الاستقلال.
-أستاذ راشد بعد إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م وتسليم الاستعمار البريطاني لعدن.. كيف تم الاتفاق بين القوى الثورية الجنوبية حول من سيدير الدولة بالرغم من انه كان هناك صراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير؟
-- لقد حسم الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير لصالح الجبهة القومية بغض النظر عن التطورات التي حصلت.. وقد أشرت في بداية الحوار ان الجبهة القومية بدأت تدخل في إشكاليات مع قوى تقليدية وقوى من الداخل متشظية دخلت تحت شعار كل الشعب جبهة قومية الى التنظيم السياسي وهذه المسألة شكلت عقبة للجبهة القومية حينها في عملية تحديد النهج الصحيح في المستقبل والتنمية، وكان الهم الاساسي بعد الاستقلال مباشرة التنمية السياسية وتحديد الأولويات في هذا الجانب وفي بناء الدولة على مستوى مناطق الجنوب، وهذا الموضوع بحد ذاته بحاجة إلى أن تباشر القيادة أولا في عملية التنمية الاقتصادية والتنمية الاقتصادية لابد وان تتحقق لها موارد استثمارية واسعة، بينما النظام ووجه بحصار واسع من قبل النظام في الشمال والسعودية وبعض الدولة المجاورة.
- برأيكم ما هي الدوافع التي أدت إلى هذه الحرب الشعواء على النظام في الجنوب آنذاك؟
-- النخبة السياسية التي كانت تقود السلطة الجديدة في الجنوب كان الانقسام في صفوفها، خاصة بعد أن خرجت من المؤتمر الرابع للجبهة القومية بطموح نظري متوثب يجاري توثبات العصر وافرازاته الإيديولوجية المعقدة ، فكان من بين صفوف النخبة وعلى رأسهم الرئيس الشهيد سالم ربيع علي من يحاول النفاذ ولو بجهود شاقة إلى المطالب الطموحة التي تنادي بها الجماهير والى الحاجات التي تطرحها الحياة على ارض الواقع ومن ثم يقبل بالتصدي لهذه المهام تحت طائلة الشعور بالمسؤولية وتحديد أبعادها والاتجاه بالاستزادة بالمزيد من المعرفة والاستفادة من نتائج الخبرة الايجابية والمكتسبة منها، كما كان من بين صفوف النخبة من يداري عجزه بالانتماء القبلي إلى جانب الانتماء السياسي، وهناك من يتقرب إلى الرموز المؤثرة في الحزب والسلطة لتغطية ضحالة الوعي والقصور في الإبداع السياسي والنضوب المعرفي والعقلي ، ومع ذلك فإن الغلبة كانت من نصيب الفكر الضامر والكسول أو لصالح من يبالغ ببهرجة الشعارات ويتشوق للجديد اليساري دون أن يسعفه الحظ لملامسة الواقع والتفتيش عن تفاصيله وخصائصه المتحركة، هذا النوع من صف النخبة وفي الوسط القيادي الجديد اظهر مقدرة مبالغاً فيها في التعصب للأفكار الاشتراكية العلمية دون التعمق في مضامينها أو إلزام نفسه بتبني جانب من هذه الأفكار التي ساهمت في استعداء الواقع دون أن تساهم في تغييره أو تجديده نحو الأفضل.
- من وجهة نظركم ما هي الأسباب التي ساهمت في تبني الأفكار الاشتراكية داخل الجبهة القومية؟
-- كانت ظروف المرحلة حينها تتسم بهذا الصراع «صراع المعسكرين» وكان حينها المعسكر الرأسمالي «الغربي» يضع شروطا لتقديم مساعداته للشعوب، حيث كان المعسكر الرأسمالي يدعم النخب ولا يدعم الشعوب، والتجربة التي مر بها جمال عبدالناصر أثبتت حقيقة هذا التوجه الرأسمالي، عندما أراد أن يبني السد العالي ويقيم صناعات ثقيلة في مصر تستوعب العاطلين من القوى الاجتماعية الواسعة وفتح المجال أمام استثمارات واسعة النطاق في الجانب الزراعي حينها أقفلت الدول الرأسمالية مساعداتها في هذا الجانب ولم تقدم مساعدات لعبدالناصر إلا بشروط أن يسلم السلطة للقوى الإقطاعية المتحكمة بالأراضي الزراعية وإنتاج محصول القطن الذي كان يذهب إلى المصانع الأوروبية أو تسليمه القيادة للبرجوازية المتوسطة التي كانت حينها متمثلة بحزب الوفد قبل قيام الثورة في مصر.
هذه التجربة مع عبدالناصر انعكست لتؤكد ان الدول الغربية لن تقدم مساعداتها للشعوب وإنما تقدمها فقط للنخب السياسية لكي تحمي مصالح الاستعمار والرأسمالية في المنطقة، لهذا توجهت الدول التحررية في المنطقة والانظمة الجمهورية الى طلب المساعدات من الدول الاشتراكية والمعسكر الاشتراكي الذي كان يقدم مساعدات بدون شروط، وهذا الامر دفع بكثير من حركات التحرر بما فيها النظام في الجنوب عندما حاصرته السعودية والنظام في الشمال إلى التوجه نحو دول المعسكر الاشتراكي للاستنجاد بها وتقديم المساعدات الاقتصادية التي تساعده على تغذية الناس وهذه هي من الاسباب الرئيسية الى جانب الحرمان الطويل الذي عاناه تحت وطأة الاستعمار البريطاني، الاستعمار البريطاني جثم على الجنوب اليمني تقريبا 130 سنة ولم يعمل أي شيء في الجنوب.. أي شاب لو أراد حينها أن يذهب إلى الأرياف في الجنوب في شبوة أو أبين لوجد أن اغلب ابناء أرياف هذه المناطق عرايا يلبسون فقط المعاوز ورؤوسهم يصبون عليها التراب مع السليط الجلجل حتى يقيهم من حرارة الشمس والمدارس كانت منعدمة وكانوا يدرسون ابناءهم تحت الاشجار والمستشفيات والمراكز الصحية كانت غير موجودة والناس تموت من ابسط الأمراض.
- بالنسبة للناس الذين كانوا يصابون بالمرض في هذه المناطق كيف كان يتم علاجهم؟
-- لقد كانت الشعوذة منتشرة في المنطقة وكان الناس يذهبون بمرضاهم الى المشعوذين ما عدا الناس الذين كانوا يستطيعون الوصول الى مدينة عدن وعلاج مرضاهم في مستشفياتها وهؤلاء لا يتجاوزون 5 % من سكان هذه المناطق.
- كما قلت انه تم حسم الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وآلت الأمور إلى الجبهة القومية، لكن الحقائق التاريخية تقول ان القوى والتيارات داخل الجبهة كانت أيضا تعيش حالة من الصراعات فكيف اتفقوا على من يدير الدولة؟
-- لا يوجد اتفاق
- اعني كيف تم اختيار رئيس الدولة من داخل الجبهة المثخنة بالصراعات حينها؟
-- الحقيقة حصل بعد الاستقلال اختلاف حول النهج الذي يمكن أن تسير عليه الدولة تحول إلى صراع عنيف في إطار الجبهة القومية والمجموعة التي تغلبت هي من قادة البلد.
- المجموعة التي خسرت هذه المعركة أين ذهبت؟
-- بعضهم قتل، وبعضهم اعتزل السياسة، والبعض الآخر غادر البلد الى الخارج.
- من امسكوا بزمام قيادة الجنوب اليمني من الجبهة القومية كيف كانت فترات حكمهم؟
-- اعتقد أن أفضل رئيس في الجنوب كان الرئيس الشهيد سالم ربيع علي حيث كان يتميز بشخصية كاريزمية في إدارة البلد وكان قد حصل انسجام بين سالمين وعبدالفتاح إسماعيل وعلي صالح عباد مقبل وعلي ناصر محمد وانضم إليهم محمد صالح مطيع وعلي عنتر وصالح مصلح وعلي سالم البيض.. هذا الانسجام ساعد تحت قيادة سالمين وكاريزميته على الاستقرار وتوحيد القوى والتيارات داخل الجبهة القومية وكان الرئيس سالم ربيع علي بحسه الثوري وبانتمائه الى جذور اجتماعية متعددة الاصول والانتماءات العشائرية ارتبط منذ نعومة اظافره بتربة الارض الخصبة التي تحتضنها سهول منطقة أبين المنخفضة والتي تمتد من البحر في أطراف أبين عابرة افياء السهول الزراعية التي تتجاوز مدينة زنجبار والقرى المجاورة لها وتمتد لتصل الى مشارف أراضي بني قاصد من مدينة جعار التي تتخطاها الأراضي والوديان لتنعطف شرقا نحو التلال والجبال الى القرى التي تسكنها قبائل من آل فضل والمراقشة ويافع بني قاصد السفلى.. هذه البيئة الجغرافية والديمغرافية هي التي جعلت الرئيس سالمين ينحاز بفكره ونشاطه العملي الى صف الفقراء من ابناء الفلاحين والعمال المنحدرين من اصول اجتماعية تنتمي الى المدن والارياف وكان الرئيس سالمين دائماً تحذوه الرغبة في تغيير حياة الفئات الاجتماعية الفقيرة والارتقاء بها الى المستوى الاحسن والافضل في العيش بحرية وكرامة.
وقد كان الرئيس سالمين يتحرك بنشاطه الملموس ضمن أفق استشرافي يتوخى التجديد والتغيير للحياة التي يعيشها الناس في الارياف والمدن، وكان يحرص على ان يكون نشاطه اليومي يلامس هموم هذه الجماهير ومتطلباتها اليومية الى جانب الحرص على تنمية الوعي السياسي في اوساطها ومن ثم استغلال هذا الوعي من اجل تقديم المزيد من الانجازات لصالح هذه الفئات ورفع اليقظة لديها لصيانة مكتسباتها وإغناء مضامينها والاستزادة القصوى منها.
سالم ربيع علي الودود بمشاعره تجاه الجماهير احس انها بدأت تضيق من ترديد الشعارات التي تحرض الجماهير لتشديد النضال على الاعداء دون أن تلازمها مشاركة فعلية من القيادة في احداث التلاؤم بين العداء الامبريالي وتحقيق الانجازات التي تؤثر في حياة الناس وتضفي على الجماهير صفة التجديد والتحديث نحو التقدم والازدهار.
بعد ان احس سالمين بنزوع الجماهير والاضطراب شرع بممارسة النقد في اوساط التنظيم السياسي «الجبهة القومية» وفي الوسط الجماهيري الذي بدأ يحس بقطيعة مع القيادة ويذم ظاهرة عدم التوفيق بين الفكر المجرد والطموح المعنوي لهذه الجماهير.
- افهم من خلال كلامك ان الرئيس سالمين من حُسن ادارته لفترة حكمه استفاد من الافكار الايجابية للاشتراكية العلمية وطبقها في الواقع؟
-- طبعاً الرئيس سالمين كان يحاول ان يستفيد من الفكر الاشتراكي من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض بواقع المجتمعات المحرومة والفقيرة منها على وجه الخصوص.
- هل لاقى فكر سالمين وتوجهه في ادارة الدولة دعماً ومساندة وارتياحاً من قبل النخبة داخل الجبهة القومية؟
-- طبعا نعم.. سالمين كان في كل اجراءاته التي يتخذها كرجل عملي لا يخرج عن اطار القرارات الحزبية التنظيمية في الجبهة القومية.. وبالذات القيادة في المكتب السياسي للجبهة كان سالمين يستشيرها ثم يبادر ويطرح المقترحات عليها في اطار المكتب السياسي للموافقة ثم يتخذ القرارات المناسبة لتنفيذ هذه المبادرات وتطبيقها على أرض الواقع.
كانت الحكومة تنفذ توجيهات سالمين وما يتخذه سالمين من قرارات عبر المكتب السياسي وليس خارجه، فلقد كان المكتب السياسي يوافق على كل المبادرات لأنه كان كرئيس للدولة عندما تواجهه المصاعب هو الذي كان يبادر ويطرح الحلول وطبعا بمساعدة مجموعة من المحيطين به الذين كانوا يقدمون له التصورات وهو بدوره يقوم بأخذها ويعرضها على المكتب السياسي لإقرارها ومن ثم نقلها الى اطار الجهاز التنفيذي لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
المقربون
-هل من كانوا يحيطون به هم من النخبة الاشتراكية في قيادة الجبهة القومية؟
-- الذين كانوا يحيطون به هم من المقربين له في المحيط الاجتماعي.. الضباط السياسيين البريطانيين كانوا يقولون عن المنطقة التي ولد وعاش فيها سالمين انها منطقة متوازنة في التركيب الاجتماعي لا توجد فيها العصبية القبلية، فهي منطقة سهلية في ابين، سكانها من مناطق مختلفة حتى من اليمن الشمالي حيث يقال ان بعضا منهم من تهامة .. وكان مجموعة من المثقفين من أبناء منطقته يحيطون به.
- طيب استاذ.. سالمين بفكره العملي وتوجهه الاشتراكي كيف استطاع اختيار مجموعته الخاصة لإدارة الدولة؟
--والله كما قلت لك سالمين كان رجل عملي يحب الانسان الكفؤ والعملي لهذا كان يختار الناس العمليين القادرين على الابداع والعمل والذين من الممكن ان يساعدوه على تنفيذ المهام الموكلة اليهم من قبله.
ومن هذا المنطلق كانت شخصيته طاغية على قيادة الجبهة القومية ومكتبها السياسي.. يطرح المقترحات ويستخرجها بقرارات من المكتب السياسي ثم يذهب الى تنفيذها مع مجموعة من الكوادر التي يختارها هو.
- لكنه لم يعش كثيرا؟
-- يعني.. عشر سنوات كانت فترة حكمه.
- وتم تصفيته بعد ذلك؟
-- تم تصفيته فعلا ولكن هذه العملية لعوامل وظروف حتى الآن مازالت غامضة ومخفية ولا احد يستطيع الجزم فيها.
عبدالفتاح اسماعيل
- ماذا بعد سالمين؟
-- صعد عبدالفتاح إسماعيل لقيادة الدولة.
- على أي أساس تم اختياره .. هل كان الرجل الثاني بعد سالمين؟
-- لا اعرف على أي أساس، وأنا من الناس في عضوية اللجنة المركزية الذين كانوا من المعارضين لطلوع عبدالفتاح إسماعيل لرئاسة الدولة لأن مشاعر الناس لا يمكن أن تتقبله، ولهذا كنت صريحا معه وكثير من أعضاء المكتب السياسي الذين مازالوا أحياء حتى الآن بمن فيهم علي ناصر محمد يعرفون تماما أنني كنت من المعارضين لطلوع عبدالفتاح إسماعيل رئيسا للجمهورية وكان معي في هذا الجانب مجموعة من أعضاء اللجنة المركزية منهم منصور الصراري ومحمود عشيش واذكر أيضا بعض أعضاء اللجنة المركزية كانوا لا يحبذون ان يكون عبدالفتاح إسماعيل رئيساً ، بل يرون أن يبقى في موقع الأمين العام للحزب حتى يلعب دور العازل في الصراعات التي تأخذ هذا الطابع التقليدي والمتخلف.
- لماذا كنتم معارضين على ترؤس الدولة عبدالفتاح إسماعيل؟
-- لأن مشاعر الناس لازالت منغلقة والطبيعة القبلية لازالت تفعل فعلها في الصراعات ولهذا من الناحية النفسية التي يعيشها الناس حينها كان من المفروض عدم تزعم عبدالفتاح إسماعيل دفة رئاسة البلد بعد سالمين، كان الأفضل أن يتبوأ موقع رئاسة الدولة واحد من القيادات الثانوية الموجودة ولها ثقل قبلي في نفس الوقت.
- انتم كنتم تخافون على عبدالفتاح إسماعيل؟
-- الأمر ليس خوفاً على أشخاص ، ولكن حتى لا يؤثر هذا الصراع على التجربة ويؤدي إلى تقويضها.
- بالنسبة للجبهة القومية كيف تحولت إلى الحزب الاشتراكي؟
-- لاشك أن هذه المسألة جاءت نتاجاً لظروف وتطورات وباختصار شديد كانت هناك أحزاب شيوعية خارجية تضغط في اتجاه انتقال الجبهة القومية إلى الحزب الاشتراكي وانه لازم يكون النظام في اليمن الديمقراطي واضح في توجهاته وعلاقاته مع الأحزاب الشيوعية في المعسكر الاشتراكي ولكن الرئيس سالمين كان يعارض هذا الاتجاه من منطلق إن الظروف والشروط القائمة لم تكن مهيأة لقيام حزب بفكره الماركسي والشيوعي وانه الأفضل أن يسمى حزب اشتراكي من اجل أن ينسجم مع معطيات الظروف القائمة والمحيطة.
- كيف كانت فترة حكم عبدالفتاح إسماعيل؟
-- ليس فيها أي جديد على مرحلة من كان قبله.
- لم تحدث أي تغييرات؟
-- فترة حكم عبدالفتاح إسماعيل كانت سنة فقط ثم دخلت الصراعات الى الحزب الاشتراكي ومن ثم انتزعت منه رئاسة البلاد والأمانة العامة للحزب.
علي ناصر محمد
- من كان بعد عبدالفتاح؟
-- علي ناصر محمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.