إن إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، عن وقف دعمها للعمليات العسكرية في حرب اليمن وتصريح الرئيس الأمريكي عن نوايا إدارته بالسعي لوضع نهاية لهذه الحرب، وقيامه بتعيين تيموثي ليندركينغ مبعوث جديد في اليمن والذي سيتولى مهمة التنسيق مع المبعوث الأممي من أجل وقف الحرب، والدعوة لمفاوضات بين أطرافها، من أجل الوصول إلى حل سياسي ينهي هذه الحرب المدمرة، كل ذلك بعث الأمل عند بعض الناس وبالأخص الذين ذاقوا ويلات الحرب وبلغ بهم التدمر غاية الاحتمال، كما أيدت السلطة الشرعية هذه المبادرة، ولكن موقف جماعة أنصار الله الحوثية يشوبه شيء من الضبابية كالعادة. قد يقول البعض لقد سبق وعقدت مفاوضات لوقف الحرب من خلال حل سياسي، وجميعها انتهت إلى لا شيء، فذلك كلام في غير كنهه، فالوضع اليوم مختلف، فمن أطلق هذه المبادرة له وزنه وللولايات المتحدة ثقلها كما لها علاقة وثيقة بإستراتيجية هذه الحرب وبأدواتها الخفية، فأساس القضية ومربط الفرس فيها هو هل عند أمريكا النوايا الصادقة لإنهاء هذه الحرب؟، وهل حقا ستكون هي المخلّص من كابوسها المهلك؟، أم أنها لم تكن تهدف إلا لمجرد تسويق إعلامي جديد ومختلف عما سبق. ومع ذلك، وفي نفس الوقت، توجهت إدارة بايدن لإلغاء قرار الرئيس السابق دونالد ترامب وشطب تصنيف جماعة أنصار الله الحوثية، من قائمة الإرهاب، وذلك تحت مبرر إن هذا سيؤدي إلى مضاعفة الازمة الإنسانية، والتي ستكون أسوأ ازمة إنسانية شهدها العالم، متناسية أن قطع دابر الأزمة الإنسانية لن يتأتى إلا عن طريق وقف الحرب وبصورة دائمة، ولن تتمكن إدارته من بلوغ هذا الهدف إلا من خلال مزيد من الضغط على المليشيات الحوثية، فتلك المليشيات لا يمكن تعود إلى طاولة المفاوضات وترضخ صاغرة لإنهاء الحرب إلا عند بلوغها الانكسار وشعورها بالعجز الكامل عن الصمود، فحينها يمكن أن توقف عبثها وتقدم تنازلات، ولكن بغير ذلك لن توقف الحرب، وسوف يُفسَر قرار الرئيس الأمريكي بوقف دعم العمليات العسكرية والسعي لوقف الحرب على أنه قد جاء إما لمجرد إضفاء لون فاقع على هذه الحرب وإعطاء أمل كاذب حول وقفها، بعد أن بهت لونها وصارت شاحبة وهي تدور في حلقة مفرغة، وبعد أن ضاق صدر الشعب من دورانها العبثي، الذي يهدف لسفك مزيدا من الدماء، دون إحراز أي نتيجة تذكر، فالنتيجة الوحيدة التي أصبحت ترمي إليه هذه الحرب ومنذ وقت ليس بالقليل هو استمرار سعيرها ولا غير. أو ربما تكون أمريكا قد شعرت بضعف صمود المليشيات الحوثية، ومن أجل منع تقهقرها والحفاظ على توازن قوى طرفيها لتبقى هذه الحرب (محلك سر)، قررت امريكا تقديم هذه المبادرة التي ستعزز صمود المليشيات الحوثية، فإذا كان هذا التكهن صحيحا، فذلك يعني أن موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن سيكون مطابقا لموقف أمين عام الأممالمتحدة أنطونيو غوتيريس، حين طلب الأخير وقف تقدم المقاومة الجنوبية والجيش الوطني في الحرب في الحديدة، في الوقت التي كان التقدم لصالحهم وكانت الحديدة على وشك السقوط والمليشيات الحوثية تستعد للفرار منها، فجاءت الدعوة لوقف المعارك والتفاوض في استوكهولم وذلك في ديسمبر 2018م، لتمثّل الضمانة القوية لبقاء سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة، وإعادة التوازن لاستمرار هذه الحرب العبثية، وما أشبه الليل بالبارحة.