في 19 يناير 1839م كانت مدينة عدن تواجه غزوا انجليزيا ظل متربصا بها زمنا ويختلق الاعذار والحجج الواهية لغزو هذه المدينة الاستثنائية , بينما السبب الرئيس وراء ذلك الغزو هو موقع المدينة الاستراتيجي وحاجة ملكة البحار لهذا الموقع وفق مخططاتها الاستعمارية شرقا وغربا . كانت المعركة غير متكافئة بين اجدادنا الابطال والغزو الانجليزي الذي داهم المدينة من البحر واحتلها -اقصد مدينة "كريتر" - ولكن ذلك الدفاع المستميت كان مؤشرا وعلامة على رفض الاحتلال من اول يوم وعلى ان هذا الاحتلال سيخرج بالطريقة نفسها التي دخل بها . ظل الانجليز يحتلون عدن ما يقرب من 129 عاما وتوسعوا في نواحي الجنوب شرقا وغربا وشمالا من خلال معاهدات واتفاقات مع الكيانات الساسية الجنوبية العديدة من مشيخات وامارات وسلطنات . وخلال مدة الاحتلال الطويلة ظل الجنوب يشتعل مقاومة في وجه الدخيل الاجنبي في كل ارجاء الجنوب التي وطأتها قوات الاحتلال وكان ذروة ذلك انتفاضات ردفان في الخمسينيات التي لمع فيها اسم لبوزة و المجعلي . تلك الانتفاضات الشعبية التي كانت تتفجر في وجه الاحتلال كانت مقدمة لانطلاق ثورة 14 اكتوبر المجيدة في عام 1963م من على قمم جبال ردفان الشماء , لاسيما ان رياح التحرير قد هبت عربيا وكانت مصر عبدالناصر داعمة لكل الثورات العربية التحررية ومنها ثورة الجنوب ضد الاحتلال الانجليزي ,. كانت ردفان موقعا مناسبا وموفقا لانطلاق الثورة نظرا للتواجد العسكري الانجليزي فيها ولرفض قبائل ردفان لسياسة الانجليز في ضمها لامارة الضالع ومنعها ما اخذ اية ضرائب على القوافل التي تمر فيها من جهة الشمال والعكس ,. كان نظام الائمة في صنعاء يشجعون على انتفاضات القبائل الجنوبية ضد المحتل الانجليزي ولكنه كان يطمع في الجنوب ولا يريد للكيانات السياسية الجنوبية ان تتوحد . ولا احد ينكر الدعم المعنوي الذي قدمته الحكومة الجديدة في صنعاء بقيادة عبد الله السلال لثورة الجنوب , ولكن ذلك الدعم نفسه انطوى على نفس النظرة التي كان ينظر بها الامام الى الجنوب بانه جزء تابع للشمال , ومع هذا فان الاخوة الشماليين لم يشاركوا في قتال الانجليز مع ثوار الجنوب لا من خلال قبائلهم ولا من خلال جيشهم النظامي ما عدا حالات قليلة لا يقاس عليها بينما شارك الجنوبيون في ثورة 26 سبتمبر والدفاع عنها وابلوا بلاء حسنا في ذلك . امتد النضال المسلح ضد الانجليز بقيادة الجبهة القومية اربع سنوات حتى تحقق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967م, كان نضالا مريرا وشاقا شمل كل مناطق الجنوب من خلال جبهات قتال منظمة رافق ذلك عمل سياسي واعلامي وفكري واجتماعي مؤسسي وقدم شعبنا خيرة ابنائه في سبيل الحرية والاستقلال . لقد استطاعت الجبهة القومية ان تتغلغل في صفوف الجماهير وتاطيرهم حزبيا ونظمت حتى القبائل واستفادت من مقدراتهم القتالية ونظمت ووجهت كل ذلك ثوريا وسياسيا وهذا كان واحدا من اسباب انتصار الثورة , الا وهو العمل التنظيمي المؤسسي الثوري والسياسي , ولم تقتصر الجبهة القومية على التوغل في صفوف الجماهير في المدينة والريف ولكنها توغلت ايضا في صفوف الجيش الجنوبي الذي كان يتبع الاحتلال ومن هنا امنت نفسها من اي ضربات غير متوقعة , وضمنت ولاء الجيش لها اذ وقف الى جانبها في نهاية المطاف وحسم الامر لصالحها واستلمت بذلك السلطة من الانجليز . هذه علامات بارزة في ذكرى ثورتنا المجيدة الاولى , ولا شك ان هناك سلبيات رافقت الثورة واخفاقات وقعت فيها حكومة الثورة بعد الاستقلال المجيد . فقد اقصت الجبهة القومية قوى جنوبية اخرى ومن ثم مارست الاقصاء داخلها ولكن لا يجوز محاكمة الماضي بمنظور اليوم فلكل مرحلة ظروفها وملابساتها وصراعاتها فلا نعادي التاريخ ولا نكرره . فعلى الثورة الجنوبية التحررية السلمية الراهنة ان تفيد من تاريخ الجنوب المعاصر سلبا وايجابا وتفكر بالحاضر والمستقبل من اجل حرية الجنوب واستقلاله الثاني واستعادة دولته بطابعها المدني الديمقراطي الجديد بعيدا عن الاقصاء والصراعات العقيمة التي تضر باللحمة الوطنية الجنوبية .