بعد البيان غير المسبوق لأحمد علي عبدالله صالح.. مناشدة عاجلة لقيادات حزب المؤتمر في صفوف الشرعية    صادم.. لن تصدق ماذا فعل رجال القبائل بمارب بالطائرة الأمريكية التي سقطت في مناطقهم! (شاهد الفيديو)    لقاء يجمع ولي العهد السعودي والرئيس الإماراتي في هذا المكان اليوم الجمعة    المليشيات الحوثية تبدأ بنقل "طلاب المراكز الصيفية" إلى معسكرات غير آمنة تحت مسمى "رحلات"    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    أسماء من العيار الثقيل.. استقطاب اللاعبين بالدوري السعودي ترفض طلبات للأندية للتوقيع مع لاعبين لهذا السبب!    ظلام دامس يلف وادي حضرموت: خروج توربين بترومسيلة للصيانة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    طفل يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل قاعة الامتحانات.. لسبب غريب    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    رئيس الاتحاد العام للكونغ فو يؤكد ... واجب الشركات والمؤسسات الوطنية ضروري لدعم الشباب والرياضة    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    أمطار رعدية على عدد من المحافظات اليمنية.. وتحذيرات من الصواعق    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ساحة للحرية إلى مخيم للاستبداد ذكريات حلم لم يتحقق
نشر في عدن الغد يوم 09 - 02 - 2014

لم يكن اندلاع شرارة الثورة يوم 11 فبراير 2011م وليد الصدفة او تقليد للثورة المصرية التي في يومها استطاعت الإطاحة بمحمد حسني مبارك وإعلان تنحيه عن السلطة ، كما كان النظام يحب الترويج لذلك بقوله اليمن ليست تونس أو مصر، بل كانت حصيلة توفر الظروف الموضوعية وخاصة بعد وصول الحياة السياسية بين فرقاء العمل السياسي لمأزق ولم يعد بإمكان طرفي المعادلة السياسية سلطة ومعارضة تقديم حلول للخروج باليمن الى بر الأمان .
ولكن نستطيع القول بأن الثورة المصرية ونجاحها في تنحي مبارك عن السلطة وفرت الفرصة التاريخية لذلك ، وكان شباب تعز السباقين في التقاط هذه الفرصة التاريخية .
كنت أنا ضمن مجموعة من الشباب (ذكوراً وإناثاً عددها لايتجاوز الخمسة عشر) المتمردين على أداء أحزابهم السياسية وعلى كل الوضع السيئ في البلد من كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، والتي شكلت حركة شباب نحو التغيير (ارحل) في تاريخ 28/1/2011م والتي بدأت أول نشاط لها في يوم 3فبراير 2011م عندما كان هناك اعتصام لأحزاب المشترك بالقرب من محطة صافر في تعز ، وقد خططنا لتحويل هذا الاعتصام الى مظاهرة تنطلق من مكان الاعتصام الى أمام مبنى المحافظة وقد جهزنا لذلك سيارة محملة بمكبر صوت وصور جيفارا كما كنا نردد أثناء الاعتصام شعار الشعب يريد إسقاط النظام هذا الشعار الذي أزعج في حينها قيادة المشترك في محافظة تعز وخاصة من كانوا يعتلون منصة الاعتصام وعبر مكبرات الصوت كانت تطلب من الحاضرين الإلتزام بشعارات المنصة كما تم أيضاً تمزيق أسلاك مكبر الصوت بعد أن بدأ الشاب عيبان السامعي يدعو الحاضرين للتوجه بمظاهرة إلى المحافظة عبر مكبر الصوت بعد أن أنتهى اعتصام المشترك ، وقبلها قاموا بسرقة العديد من صور جيفارا ، وبالفعل توجهت المظاهرة إلى أمام المحافظة بعد أن انقسمت المظاهرة إلى مظاهرتين ووصلتا إلى أمام مبنى المحافظة كل على حده وتم تفريق المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي من الأسلحة المتوسطة في الجو.
وكان النشاط الثاني للحركة يوم 8/ فبراير/ 2011م وذلك بعمل اعتصام أمام مبنى المحافظة تضامناً مع شباب الثورة المصرية ورددنا يومها أيضاً شعار الشعب يريد إسقاط النظام وأصدرنا بيان وضحنا فيه أهدافنا من الاعتصام ومن أهمها إسقاط كل رموز وقادة المؤسسة العسكرية والأمنية ومحاكمتهم .
وكما قلت بأن اندلاع ثورة 11 فبراير لم يكن وليد الصدفة بل لتوفر الظروف الموضوعية ، فبعد إعلان قرار تنحي مبارك عن السلطة ألتقط شباب تعز هذه الفرصة التاريخية وخرجوا الى الشوارع ابتهاجاً لهذا التنحي وإشعالاً لفتيل الثورة اليمنية فبراير 2011م .
في تلك الليلة ليلة 11/فبراير /2011م خرجنا بمظاهرة الى أمام مبنى المحافظة تردد شعار الشعب يريد إسقاط النظام وكان عدد الشباب بقرابة 5000 ألف شاب وشاركن من النساء الأستاذة والحقوقية المحامية إشراق المقطري وطفلتيها أنفال وإيلاف وكذلك الأستاذة والناشطة السياسية شيناز الأكحلي ، ولاأنسى هنا الطفلة أنفال سمير المقطري التي حملتها على أكتافي وكانت تهتف بالشعارات عبر مكبر صوت صغير والشباب يرددون بعدها تلك الشعارات .
استمرينا على ذلك الحال حتى قرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل وحينها تعرضنا للرشق بالحجارة من قبل بلاطجة ولكننا صمدنا بالرغم من ذلك ، ولكن بعدها تم إطفاء الكهرباء على المنطقة بما فيها كهرباء أعمدة إنارة الشارع ، حينها انطلقنا بالمظاهرة باتجاه شارع جمال ومع مرور الوقت بدأت تقل أعداد الشباب الى ان أصبح العدد أقل من مائة شاب ، شباب مستقلون وشباب ينتمون للحزب الاشتراكي اليمني ومنهم من ينتمي للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري ، قررنا المبيت في الشارع نفترش الأرض ونلتحف السماء ونقتات بالحرية ونغني بها ولها الشعب يريد إسقاط النظام ، ياتعز نحن شبابك فاتحين للثورة بابك . الملفت للنظر في تلك الليلة ان المخبرين كان عددهم يقترب من ثلث عددنا إلا أنهم انسحبوا قرابة الساعة الثالثة فجراً.
ولكي نستطيع الاستمرار كان لابد من توفير وجبة الصبوح ومكبر صوت لأن مكبر الصوت الصغير الذي كان متوفر لم يعد متوفر لأن صاحبه لم يبق معنا ، لذلك حاولت الحصول على مبلغ مالي ومكبر صوت وبالفعل نجحت في الحصول على مبلغ عشرين ألف ريال ومكبر صوت وكان هذا الدعم من النائب البرلماني الأستاذ سلطان السامعي الذي كنت على تواصل معه عبر الرسائل القصيرة والتي مازلت أحتفظ بها في هاتفي حتى اللحظة ، وقد تكفل الأستاذ والناشط السياسي والحقوقي أحمد طه بمهمة إحضار المبلغ والميكرفون ، أيضاً حصل الشباب على ثلاثة ألف ريال دعم من أحد سائقي الشاحنات الكبيرة جراء مساعدتهم له في دفع شاحنته .
بعد تأمين لوازم الاستمرار من صبوح ومكبر صوت وشعارات مكتوبة على كراتين وورق مقوى وعادي حثيث الشباب على الصمود قائلاً لهم إن مستقبل اليمن ومستقبلكم مرهون بصمودكم الأربع الساعات القادمة ، أنتم الآن نواة الثورة وكرة الثلج التي سوف تكبر كلما تدحرجت ، لا أنسى كذلك حديث الأستاذ فكري قاسم للشباب وحثهم على الإقتداء بشباب الثورة المصرية.
كما قلت كان عدد من قرر المبيت قرابة الستين شاباً ( أو أكثر من الأربعين بقليل حسب مقطع الفيديو الذي صورته بتلفوني للشباب وهم يؤدون صلاة الفجر) ،بالإضافة إليهم بعض الشباب الذين لم يؤدوا صلاة الفجر ولكن عند تناول وجبة الصبوح وصل العدد الى 130 شاب أعتقد أنه نتيجة لانضمام بعض العمال والشباب العاطلين عن العمل بعد أدائهم لصلاة الفجر بالجامع وخروجهم منه والانضمام إلينا .. أتذكر العدد جيداً لأنني أنا من حاسب البوفيه (بوفية وكفتيريا الريان) التي قدمت لنا الصبوح وكان لكل شاب حبتين خبز طاوة وشاي حليب ، لذلك كان عدد حبات الخبز 260حبة خبز بمبلغ وقدره 8400 ريال طبعاً مع الشاي الحليب ،كما أن صاحب أو محاسب البوفيه قدم لنا حسماً ب 400 ريال ليصبح ثمن وجبة الصبوح 8000 ريال فقط ، وأيضاً كان يريد أن يعطيني وجبة صبوحي مجاناً وبما أشتهي لكنني رفضت ذلك وقلتُ له سأكل مثل ما أكل الشباب بالضبط حبتين خبز وشاي حليب حينها خاطبني رجل من ملامحه يبدو أنه في العقد السادس من العمر كان يتناول وجبة إفطاره قائلاً مادمتم بهذه الأخلاق فحتماً ستنجح ثورتكم وستكون اليمن بخير قالها ودمعة حبيسة في عينيه مستعصية على الانهمار ، ووافقه صاحب البوفيه أو المحاسب بإيماءةٍ بهز رأسه إلى الأسفل والأعلى تؤكد ذلك.
بعد الانتهاء من تناول وجبة الإفطار عُدنا نجلجل بأصواتنا بحناجرنا نهتف الشعب يريد إسقاط النظام ، ياتعز نحن شبابك فاتحين للثورة بابك ، ثورة ثورة يمنية بعد الثورة المصرية ، فأهتز شارع جمال على إثر أصواتنا المجلجلة وخطى أقدامنا الواثقة مع بزوغ ضوء الفجر الذي بأجسادنا التحفناه بعد ظلام دامس خلعناه .
وفي الصباح الباكر انضمت لنا الأستاذة الأديبة والكاتبة بشرى المقطري مٌنسقة حركة شباب نحو التغيير (ارحل) التي وصلتني منها رسالة في الليلة السابقة ونحن أمام المحافظة تقول فيها :( تمنيتُ أن أكون حاضرة معكم )، وبعدها انضمت الأستاذة والناشطة الحقوقية المحامية ياسمين الصبري صاحبة فكرة تأسيس الحركة التي عقدنا اجتماعاتنا في مكتبها (مكتب محاماة) ، وجابت مظاهراتنا شوارع تعز حاملين لافتاتنا الورقية والكرتونية المتواضعة بشكلها القوية والغنية بمضمونها وهكذا حتى بدأت تكبر كرة الثلج أكبر فأكبر الى أن وصل عدد الشباب الى الآلاف في ظهر يوم السبت 12/فبراير 2011 م ، كما أتذكر جيداً الشاب الثائر من أعماق أعماقه محمد حسن العامري الذي كنتُ لا اعرفه في ذاك الوقت كان يتمايل بجسمه متراقصاً بطريقة رائعة وهو ماشياً في المظاهرة كما كان يقوم بعمل إيماءات تعبيرية بيديه أثناء ترديد شعار الشعب يريد إسقاط النظام وكان بذلك يمد الشباب بالنشاط والحيوية والصمود ، لذلك وصفته أنا فيما بعد بأحد منشوراتي في الفيس بوك ( الراقص في قلب الخطر) لأنه كان حاضراً في مقدمة أغلب المسيرات التي قُوبلت بقمع شديد إن لم يكن كلها .
مكثنا في التحرير الأعلى نهتف ونردد الشعارات الثورية والأعداد تتزايد تباعاً الى ذلك الحشد الشبابي حتى منتصف الليل تقريباً حينها حاولوا تفرقتنا أيضاً بنفس الطريقة التي مارسوها الليلة السابقة بإطفاء الكهرباء على المنطقة وكذلك إطفاء كهرباء أعمدة إنارة الشارع ابتعدنا قليلاً عن ذلك المكان تحسباً من أي اعتداء مُحتمل بمجموعات منتشرة هُنا وهُناك ثم عادت الكهرباء وعُدنا الى نفس مكان التجمع.
غادرتُ أنا المكان بمعية الأستاذ والناشط السياسي وليد العبسي في تمام الساعة الثانية تقريباً بعد منتصف الليل متوجهاً أنا إلى منزلي ووليد إلى مخدعه للحصول على قسط من النوم والراحة بعد السهر والإرهاق المستمرين لكن قبل ذلك وفي طريق مغادرتنا مررنا مروراً سريعاً على مقهى البرنس في حوض الأشراف لمعرفة صدى الحدث في الوسائل الإعلامية وأخبار المحافظات وخاصة أمانة العاصمة .
من شدة التعب والإرهاق والسهر المتواصل لم أصح إلا ظهر اليوم الثاني الأحد 13 فبراير 2011 م فتحتُ تلفوني وتلقيت العديد من الرسائل التي تنبئني بالمكالمات الفائتة حينها تلقيت مكالمة تلفونية من الأستاذة إشراق المقطري بعد أن أطمأنت عليَّ أخبرتني عن مداهمة قوات الأمن لمكان تجمع الشباب وتفريقهم واعتقال البعض منهم كان ذلك بعد نصف ساعة تقريباً من مغادرتي أنا ووليد مكان تجمع الشباب في التحرير .
استمرت حملة الاعتقالات الى عصر اليوم الثاني أي يوم الأحد 13 فبراير لأي شاب يشتبه به بأنه من شباب الثورة ويتواجد في التحرير أو شارع جمال ، وبعد عصر ذلك اليوم انتقلنا الى منطقة محطة صافر والتي أصبحت تُعرف لاحقاً بساحة الحرية وتواصلنا بمن نعرفهم من الشباب لينضموا الينا الى المكان الجديد ساحة الحرية وبالفعل تزايدت الأعداد كما أن الشباب المُعتًقلين توجهوا من المعتقل إلى الساحة بعد الإفراج عنهم مباشرةً ليرسموا بذلك أروع بطولات الصمود ولا أنسى لحظة وصول الشابان وسام محمد قاسم الذي أُصيب بكدمة على جبينه إثر اعتقاله ورفيقه في المُعتقل الشاب ذي يزن علي نعمان والاستقبال الحار الذي حُظيا وتشرفا به أو بالأحرى أن الاستقبال حَظى وتشرف بهما وحملهما على أكتاف الشباب حمل الأبطال ، أستمر الشباب بترديد الشعارات الثورية ولكن ومع مرور ساعات الليل لم يتبق إلا 150 شاباً تقريباً صمدوا وقرروا أيضاً المبيت في الساحة دون فَرش أو غِطاء إلا الكراتين التي افترشوها ودون طعام أيضاً إلا ماسدوا به رمق جوعهم بتقاسم مايمتلكوه من ريالات ، وبالمناسبة أتذكرُ موقف أذهلني وأصابني بغصة في نفس الوقت لشابين لا أعرف اسميهما كانا يجلسان على الطاولة المجاورة لي بالبوفية القريبة من الساحة التي تقع أمام مستشفى الصحوة وأنا أشرب الشاي وقد طلبا واحد شاي أحمر وأثنين روتي فقط ، أحدهما تحسس جيبه بيده وأخرجها بإفلاس تُحسن من طلبهما وسرعان ماخاطب المباشر هات شاي حليب بدل الأحمر لا أعلم هل كانت وجبة عشاء أم صبوح ؟!! لأن الوقت كان بعد الساعة الثانية فجراً بالرغم من موقفهما الصمودي إلا أنني حينها تمنيتُ أن تبلعني الأرض .. أكملتُ شرب الشاي وناولت محاسب البوفيه ثمن الشاي ووجبة الشابين ووضعتُ خلسة على طاولتهما 250 ريال قبل أن أنصرف من البوفيه مسرعاً أبتلع غُصتي لأني أعلم أنه يوجد الكثير من الشباب الذين لايمتلكون حتى ثمن شربة ماء ، ذَكرتُ موقف الشابين هنا ليس لذكر موقفهما الصمودي فحسب بل لعلَّ أحدهما يقرأ هذا آملاً بشرف اللقاء بهما والتعرف عليهما عن قرب .
وبعد جولة في الساحة غادرتُ أنا برفقة الأستاذ وليد العبسي الساحة الساعة الثالثة فجراً تقريباً متوجهان الى مقهى إنترنت بالقرب من مستشفى الثورة وبعد ساعة من مغادرتنا أتصل بي الأستاذ والعامل الثائر مصطفى الزريقي يخبرني بمداهمة قوات الأمن لهم ومطالبتهم بمغادرة المكان لكن الشباب رفضوا المغادرة وقالوا لرجال الأمن إما تتركونا نبيت هنا أو تعتقلونا وبالفعل أستدعى رجال الأمن المساعدة بطلب أطقم وشاحنات إضافية لنقل الشباب الى المعتقلات وقد تم إيداعهم وتوزيعهم على ثلاثة معتقلات في قسم الجحملية وإدارة الأمن والمطافئ كنا حينها في الإنترنت ونشرنا الخبر في الفيس بوك ، وفي صباح اليوم الثاني يوم الاثنين 14 فبراير 2011 م توجه ناشطون حقوقيون و سياسيون وإعلاميون ومهتمون للإفراج عن الشباب وفعلاً تم الإفراج عن الشباب في تمام الساعة العاشرة صباحاً تقريباً وعادوا الى الساحة ليجدوا فيها بلاطجة بمعية رجال من إدارة أمن مديرية القاهرة يرفعون صور صالح ليخوضوا مواجهة معهم بعد سهر وجوع وبرد واعتقال مواجهة بالتراشق بالأحجار ووقوف رجال أمن مديرية القاهرة مع البلاطجة بإطلاق الرصاص في الجو لترويع شباب الثورة إلا أن شباب الثورة شباب الحرية شباب التغيير استبسلوا وتمكنوا من استعادة ساحتهم وطنهم المصغر كانت مواجهة فاصلة في تأسيس هذه الساحة ساحة الحرية أول ساحة تأسست بتضحية وصمود وإيثار الشباب بحثاً عن الحرية والتخلص من العبودية والاستبداد وحُلماً ببناء الدولة المدنية الحديثة دولة المساواة والنظام والقانون ، حُلمٌ جميلٌ لم يستمر أكثر من شهر صحوتُ بعده على كابوس مُرعب .. من ساحة للحرية إلى مخيم للاستبداد .
ياغصتي كم أصيح . . . من صغري يا زمن
يالعنتي والجريح . . . تأكل عُميره المحن

إن مات جرحي القديم . . . ينبت لي جرح ثاني
وأعيش بحسي أهيم . . . ضائع ومجراني


كم يَنهبُوها الغِلال . . . كم يخلقوا أعذار
ومن يُربي الرجال . . . قالوا لئيم غدار

واللي يحب قريته . . . مُلحد خطير الصوت
النفي من جِربته . . . عقابُه وإلا الموت

ياغُصتي والجراح . . . من صغري يازمن
يالعنتي والرياح . . . كم غَدَرَتْ باليمن
الأبيات الأخيرة للشاعر والأديب اليمني الراحل عبدالله سلام ناجي
من ملحمة نشوان والراعية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.