ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    الإعلان عن مساعدات بريطانية ضخمة لليمن    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حافة النهاية.. هل تتآكل الحكومة الشرعية في اليمن؟

في عام 2011م تمكنت انتفاضة شعبية في اليمن من إجبار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على الاستقالة بموجب مبادرة قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي. وتم اختيار نائبه عبدربه منصور هادي ليقود البلاد في مرحلة انتقالية جديدة تفضي إلى منع انزلاق اليمن إلى حرب أهلية. وتم انتخاب «هادي» كمرشح وحيد للبلاد في فبراير/شباط2012م ليصبح رئيساً شرعياً للبلاد عبر الانتخابات.
اجتمع اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) شاركت فيه كل الأحزاب والقوى الاجتماعية اليمنية بمن فيها جماعة الحوثي المسلحة التي رفضت شكل الدولة مطالبة بإقليم يضم صعدة مع منفذ على البحر عبر منطقة «ميدي»، لتبدأ التصعيد المسلح ضد حكومة الوفاق عبر لافتات عدة من بينها «مواجهة السلفيين-واسقاط قرار حكومي برفع الدعم عن المشتقات النفطية» وتحالفت الجماعة مع «علي عبدالله صالح» رغم حالة العداء بين الطرفين إذ خاضا ستة حروب (2004-2009). واجتاح تحالف (الحوثي/صالح) صنعاء في سبتمبر/أيلول2014 وتم إسقاط حكومة الوفاق، وتعيين حكومة جديدة يقودها «خالد بحاح»، لكن بعد أشهر فرض الحوثيون الإقامة الجبرية على أعضاء الحكومة الجديدة واجبروا الرئيس اليمني على تقديم الاستقالة إلى البرلمان قبل خروجه من صنعاء وتراجعه عن القرار الذي اتخذه تحت ضغط الحوثيين.
حلّ الحوثيون البرلمان وأعلنوا عن مجلس للشورى جديد. طلب الرئيس «هادي» من السعودية التدخل لمواجهة الحوثيين بعد استهداف الحوثيين لقصر معاشيق الرئاسي في عدن الذي وصله بعد تمكنه الخروج من صنعاء.
بناءً على الدعوة الرسمية من الرئيس اليمني (المنتخب) تدخلت السعودية في إطار تحالف عربي ضد الحوثيين في مارس/آذار2015 لحماية الحكومة الشرعية وإعادتها للسلطة في صنعاء، ومنذ ذلك الوقت تعرضت الحكومة الشرعية لحملة من التجريف على مستويين اثنين الأول من حلفائها في التحالف ، والثاني من خصمها جماعة الحوثي التي ترفض الاعتراف بها مطلقاً. وعلى وقع تطورات الحرب فإن الحكومة اليمنية الشرعية التي يقودها عبدربه منصور هادي تواجه تحديات كبيرة للبقاء كحامل للمشروع الوطني مع تعرضها للضعف في المناطق الواقعة تحت سيطرتها بسبب ما أفرزته الحرب من «أطراف جديدة» مؤثرة بشكل كبير عليها.
تناقش هذه الورقة وضع الحكومة الشرعية بعد خمس سنوات من الحرب، في منظورات عديدة:
الأول: عوامل تآكل الحكومة الشرعية ودور التحالف في صناعته.
الثاني: التحديات التي تواجه الحكومة الشرعية.
الثالث: اتفاق السلام المنشود من وجهة نظر الحكومة وحقائق الواقع.
أولاً: سلطة الحكومة الشرعية
خلال سنوات الحرب الخمس تآكلت سلطة الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي، على عكس الفترة بين (2012-2014) فقد كانت الحكومة أكثر قوة وبسطت سيطرتها على عديد مناطق كانت تحت سيطرة أو نفوذ تنظيم القاعدة. وبحلول نهاية 2019 فإن سلطة الحكومة الشرعية في المناطق «المحررة» من الحوثيين ليست كاملة وتخضع بعض المناطق لنفوذ جنرالات عسكريين أو تشكيلات عسكرية مدعومة من جهات خارجية، وأدى ذلك إلى مجموعة من العوامل التي تسببت في تآكل الحكومة الشرعية أبرزها:
- عدم عودة الحكومة الشرعية إلى الداخل: استمر الرئيس اليمني في إدارة شؤون البلاد من المملكة العربية السعودية، ولم يَعد إلى البلاد منذ 2015 إلا ضمن زيارات قصيرة تستمر أسابيع ثم يعود إلى الخارج. كما أن معظم المسؤولين الحكوميين الذين يفترض تواجدهم في الأراضي اليمنية يعيشون في الرياض، وحاولت الحكومة الأخيرة -التي يقودها معين عبدالملك- البقاء في عدن لكنها كانت تحت ضغط ميلشيات المجلس الانتقالي[3] التي عرقلت تحرك الوزراء والمسئولين ما جعل معظمهم يفضلون البقاء خارج البلاد.
إضافة إلى عودة الحكومة يفترض عودة البرلمان اليمني إلى داخل البلاد، وعقد جلساته في مدينة عدن لتأكيد سلطة الحكومة كسلطة تنفيذية وسلطة البرلمان كسلطة باسم الشعب. وقد عقد البرلمان جلسة في مدينة سيئون بحضرموت منتصف أبريل 2019 لكنه رفع بعد يوم واحد من بدء دورة الانعقاد، فهناك أطراف داخل الشرعية وفي التحالف تتخوف من استعادة البرلمان لأدائه الرقابي والدستوري.
2- عدم تمكن الحكومة السيطرة على الإيرادات: لا تملك الحكومة الشرعية قدرة لفرض سيطرتها على الإيرادات بما فيها إيرادات النفط والاتصالات والجمارك، حيث تعاني من مشاكل أهمها:
الأولى: يمنع التحالف -الإمارات على وجه التحديد- تصدير النفط إلى الخارج بين (2014-2018) وعندما بدأ التصدير تواجه الأنابيب التي تنقله هجمات متعددة في شبوة تُتهم فيها القوات الموالية للإمارات.
الثانية: معظم الإيرادات المتحصلة من الموانئ تمر عبر ميناء الحديدة حيث يحصل الحوثيون على الإيرادات في ظل حالة من استمرار التعطيل لميناء عدن الدولي. عدا حالة الفساد من المسؤولين المحليين في ظل ضعف الرقابة الحكومية بفعل الحرب.
الثالثة:لازالت جماعة الحوثي مسيطرة على شركات الاتصالات دون أي اجراءات حقيقية من قبل الحكومة الشرعية لايقاف ملايين الدولارات من التدفق إلى الجماعة المسلحة في صنعاء، إلى جانب قدرة الجماعة في تحصيل أموال الضرائب والجمارك والزكواتوعدم قدرة الحكومة في تحويل المناطق المحررة غلى مناطق مثالية قادرة على استيعاب الناس .
الرابعة: الفساد المستشري في رأس هرم الشرعية وتحكم مسئولين وأقاربهم ببعض اجهزة الدولة التنفيذية والتلاعب بالايرادات وخلق تحالفات فساد داخل منظومة الشرعية وبناء ولاءات قائمة على المصالح الشخصية المتبادلة واستغلال الحرب للثراء .
وما يشير إلى عدم تمكن الحكومة من السيطرة على الإيرادات هو تضمن أحد بنود اتفاق الرياض بين الحكومة و»المجلس الانتقالي الجنوبي» متعلق بترتيب الجانب الاقتصادي، وأبرزها إدارة موارد الدولة، بما يضمن جمع وإيداع جميع إيرادات الدولة، بما فيها الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية، في البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن والصرف بموجب الميزانية المعتمدة وفق القانون اليمني، وتقديم تقرير دوري يتسم بالشفافية عن إيراداتها ومصروفاتها للبرلمان للتقييم والمراقبة.
وبمجرد أن تتمكن الحكومة من تحصيل كافة إيراداتها وتقوم بإيداعها في البنك المركزي بعدن ويتم الإنفاق بموجب الموازنة ووفقا للقانون، فإن ذلك سيعطي للحكومة فرصة للسيطرة على مواردها وردم الثقب الأسود في النفقات، الأمر الذي سيؤدي إلى دعم الريال اليمني -انهار أكثر من الضعف خلال سنوات الحرب- وتحسين الوضع الاقتصادي عموماً[4].
3- تناسل المؤسسات الموازية والميليشيات المسلحة: خلال سنوات الحرب أسست الإمارات تشكيلات شبه عسكرية موالية لها، إضافة إلى مؤسسات موازية مثل «المجلس الانتقالي الجنوبي»[5] الذي يقدم نفسه كحكومة موازية تملك برلماناً خاصاً بها.
إن أبرز تحدي يتمثل بالتشكيلات شبه العسكرية التي لا تخضع للحكومة الشرعية مثل «حراس الجمهورية» و»ألوية العمالقة» و»الأحزمة» و»النخب» و»كتائب أبو العباس» وهي تابعة للإمارات وتقدر عدد هذه القوة بأكثر من 100 ألف مقاتل وتنتشر في المحافظات الجنوبية الثمان إضافة إلى تعز ولا تخضع لأوامر هيئة الأركان اليمنية بل لأوامر من قيادة مختلفة خاضعة لدولة الإمارات. كما تملك السعودية ألوية عسكرية خاصة بها من اليمنيين يقاتلون على حدودها ويتوغلون في الأراضي اليمنية لمواجهة الحوثيين ولا يخضعون لوزارة الدفاع في الحكومة الشرعية.
كما أن الحكومة الشرعية لا تستطيع السيطرة على الجيش حتى في الوحدات التابعة لها مع تضارب في الأوامر بين القيادات. وفي ذات الوقت لا تملك الحكومة القدرة على تسليح نفسها، والسلاح الذي يقدمه التحالف قليل للغاية ولا يستطيع حسم معارك دون إرادة السعودية أو الإمارات، ومؤخرا هناك انعدام واضح لدعم المالي والعسكري للجيش اليمني في محاولة من السعودية الضغط على الرئيس هادي للقبول بالتهدئة تمهيدا لاتفاق سلام مع الحوثيين يشبه اتفاق الرياض مع الانتقالي.
ومما زاد من تآكل الحكومة الشرعية هو سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات في العاشر من أغسطس/آب 2019 على مدينة عدن عاصمة اليمن المؤقتة وتحركت القوات باتجاه مدينة «زنجبار» عاصمة محافظة أبين (المجاورة ل»عدن») وتمكنت من إسقاطها بيد الحزام الأمني، وطردت الحكومة الشرعية من هناك، ما جعل موقف الحكومة سيئاً أمام انقلاب جديد بعد انقلاب الحوثيين وسط مخاوف من شرعنته. وهو ما تم بالفعل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني2019 بتوقيع اتفاق الرياض الذي أبقى «المجلس» ككيان معترف به إلى جانب حصوله على حصة من الحكومة الشرعية ومشاركته ضمن الوفد الحكومي لأي مشاورات سلام شاملة مع الحوثيين. ويمكن أن تصبح الأحزمة والنخبة تحت أوامر هيئة الأركان بعد «اتفاق الرياض»[6] في حال تم تنفيذه لكن بقية الألوية لا تخضع لها وهذا تحدي كبير للحكومة.
4- تعاظم نفوذ الحوثيين: إن استمرار سيطرة قوات الحوثيين على صنعاء وغيرها من المحافظات الشمالية، يجعل من قدرة الحكومة على التفاوض صعباً، كما أن فشلها في تقديم نموذج جيد في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى يجعل من شعبية الحكومة أضعف بكثير من الحوثيين.
تعاني جبهات القِتال من حالة جمود مستمرة في التقدم، فالحكومة اليمنية وحلفاءها توقفت على تخوم مدينة الحديدة منذ 2018 كما توقفت عام 2017 على تخوم العاصمة صنعاء. والتقدم في محافظتي صعدة وحجة الحدوديتين مع المملكة العربية السعودية بدون تغيير كبير خلال العامين الماضيين، ما يجعل من الحوثيين قوة ثابتة ومتماسكة .
5- التدخلات الخارجية ضمن التحالف العربي: تسببت تدخلات التحالف العربي في قضايا يمنية داخلية في إرباك المشهد السياسي والعسكري وانعكس ذلك على قدرة حكومة الرئيس هادي على تأكيد ممارسة سلطتها وواجباتها ومسؤولياتها في المناطق المحررة، فقد بالغ التحاف في السيطرة على المحافظات المحررة ، كما اصطدمت الأهداف الوطنية بالأهداف التي تحملها أبوظبي. ويعود ذلك إلى أن الحكومة الشرعية قامت بوضع «كل البيض» في سلة الرياض، ليس فقط في إدارة المحافظات المحررة بل -أيضاً- في قيادة الجهود الدبلوماسية في الخارج دعماً للحكومة.
شهدت العلاقات بين الحكومة والإمارات تدهورا منذ 2017م، وظهر ذلك بشكل أوضح في مايو/أيار 2018، عندما نشأ توتر بين رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد عبيد بن دغر والإمارات العربية المتحدة بشأن سقطرى، حيث أرسلت أبوظبي قوات عسكرية إلى الأرخبيل الموجود في بحر العرب في ظل تواجد الحكومة على أراضي الجزيرة. وتوسطت المملكة العربية السعودية مرة أخرى في هذه الأزمة، أدى في النهاية إلى إخراج القوات الإماراتية الجديدة التي وصلت الجزيرة، في وقت تستمر القاعدة العسكرية المتقدمة في الجزيرة، وأُضيف إليها وجود عسكري سعودي في سقطرى. وأُعفي ابن دغر من منصبه في أكتوبر/تشرين الأول2018م.
في نهاية يونيو/ حزيران 2019 أعلنت الإمارات انسحابها من قِتال الحوثيين. وقالت أبوظبي إنها ستبدأ الانتقال إلى استراتيجية «السلام أولا» في البلد المفكك بالحرب، بالفعل انسحبت القوات من جبهات القِتال مع الحوثيين، تاركة السعودية وحيدة تواجه حرب الحوثيين. كما أن أبوظبي ارتكبت فِعلاً شائناً بحق الحكومة اليمنية بقصف قوات الجيش اليمني نهاية أغسطس/آب 2019 على تخوم مدينة عدن واتهامه بالإرهاب. ما نقل المعركة بين الرياض -التي تدعم الحكومة- وأبوظبي -التي تدعم الميليشيات الانفصالية - جنوب البلاد إلى نقطة جديدة من الخلافات التي بدأت تتصاعد.
إن خروج الإمارات العربية المتحدة من مواجهة الحوثيين، وتفكك التحالف العربي مثل ضغطاً كبيراً على المملكة -التي تقود التحالف- كما أن ذلك ضغط أكبر على الحكومة الشرعية رغم رغبتها في خروج الإمارات من كل البلاد وليس فقط من جبهات القِتال مع الحوثيين- إذ أن ذلك يشير إلى اقتراب الحرب من نهايتها دون أن يحقق التحالف أياً من أهدافه سوى مزيد من التفكك لليمن، فبعد أن وجدت السعودية نفسها وحيدة في تحالف مواجهة الحوثيين وبعد استهداف المنشئات النفطية لعملاق الاقتصاد السعودي أرامكو، تذهب الرياض مضطرة إلى مشاورات مع الحوثيين.
6- اضطهاد الحكومة وحلفائها: خلال السنوات الثلاث الماضية واصل المجلس الانتقالي الجنوبي تحديه للحكومة في جميع المناطق المحررة. كان المسؤولون في الحكومة هدفا لأعمال عدائية من جانب عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي حيث أخرج المجلس تظاهرات مستمرة لاسقاط الحكومة السابقة «التي كان يقودها أحمد عبيد بن دغر»، وحاصروا الحكومة الشرعية في القصر الرئاسي ب»معاشيق» وتوعدوا أعضائها الذين ينتمون للمحافظات الشمالية بالقتل أو التهجير؛ إلى جانب تعريض الآلاف من أبناء المحافظات الشمالية لخطر الاختطاف والسجن وبأقل تقدير المنع من دخول عاصمة البلاد المؤقتة. وشن «المجلس الانتقالي الجنوبي» والتشكيلات التابعة له حملات عسكرية لتهجير أبناء المحافظات الشمالية من عدن ومصادرة أملاكهم.
كما تعرضت الحكومة الشرعية -وما زالت- إلى الاضطهاد وعدم منحها فرصة إدارة المحافظات التي يفترض أنها خاضعة لسيطرتها، كما أن القوات الحكومية التي تواجه الحوثيين في مناطق مثل تعز ومأرب والجوف لا تتلقى الدعم العسكري المناسب لمواجهة الحوثيين، إلى جانب أن آخر راتب للجيش في تلك المناطق في مارس 2019 .
شكا ثلاثة ضباط كبار في تعز من أنهم يضطرون إلى تهريب الأسلحة من مناطق أخرى تابعة للحكومة وشرائها من الأسواق السوداء، لأن التحالف توقف عن تزويدهم بالأسلحة، كما أن هيئة الأركان اليمنية تعتمد اعتماداً كلياً على ما تقدمه السعودية. ورغم ذلك يقول الضباط أن الإمارات وحلفائها مثل كتائب أبو العباس وقوات حراس الجمهورية التابعة ل»طارق صالح» أو «الحزام الأمني» تقوم بمصادرة الأسلحة المهربة إلى مدينة تعز في النقاط الخاضعة لهم في جنوب المدينة[9].
كما تعرضت الكيانات والأشخاص الداعمين للحكومة للاضطهاد في محافظات الجنوب المحررة، خاصة أعضاء حزب الإصلاح الحليف الرئيسي للرئيس هادي. وكان حزب الإصلاح أحد الأطراف الموقّعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 على مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي أفضت إلى تنحي علي عبد الله صالح، وبالتالي له أهمية بالغة في استمرار شرعية الرئيس هادي الذي منح التحالف العربي أحقية التدخل في البلاد لمواجهة الحوثيين. تعرض أعضاء الحزب إلى موجة من العنف المفرط ضدهم من قِبل دولة الإمارات حد أن الإمارات وظفت شركة من المرتزقة لاغتيال قيادات الحزب وأئمة وخطباء المساجد في المحافظات الجنوبية وأبرزها عدن. ولا تدين الإمارات وقواتها حزب الإصلاح علناً لكن المجلس الانتقالي الجنوبي يعتبره جماعة إرهابية!
واستهداف حلفاء الحكومة الشرعية وأعضاءها يجعل من شعبيتها ضعيفة للغاية، ويجعل من وجودها بدون هذه الشعبية هش غير ممثل كامل للشعب إذا ما استثنينا المؤيدين للأطراف الأخرى التي تناصب الحكومة العِداء.
ثانياً: التحديات التي تواجه الحكومة
بذكر أبرز العوامل التي أدت إلى تآكل «الحكومة الشرعية» فإننا نشير في ذات الوقت إلى جملة من التحديات التي تواجهها والتي من الصعب حصرها في تلك العوامل إذ من الواضح أن الحكومة الشرعية تكافح لمواجهة مجموعة التحديات التي تؤثر على وضعها بتقديم نفسها كممثل للشعب اليمني وحامل للمشروع الوطني الجامع، مقابل مجموعة من العوامل المتغيرة التي تمثل مشاريع فئوية أو مناطقية. ومن أبرز تلك التحديات التي تواجه الحكومة:
1- وحدة اليمن: تواجه الحكومة الشرعية أزمة تفكيك البلاد وخروجها عن الاجماع الوطني الذي ظهر في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) وشكل الدولة الاتحادية من ستة أقاليم وهو المشروع الذي تحمله.
وأدت الحرب إلى ظهور عدد من الرافعات التي تدعو إلى تقسيم البلاد تظهر معظمها في المحافظات الجنوبية مثل:
أ‌. استعادة الدولة الجنوبية: يرفع هذا المشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، ويرفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1969 -1990) وأي زائر للمحافظات الجنوبية التي تخضع لهيمنة المجلس الانتقالي الجنوبي يلاحظ وجود تلك الأعلام، وشوهدت قوات الحزام الأمني في (عدن، أبين، الضالع، لحج)، وقوات النخبة في حضرموت وشبوة وهي ترفع أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وشعارات المجلس الانتقالي الجنوبي أثناء احتفالات التخرج من التدريبات العسكرية وخلال عمليات انتشارها في أبين، وعدن، والضالع، ولحج، وحضرموت. ولا تزال التوترات قائمة بين عناصر قبلية والمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وسقطرى ما يعرقل إقامة مظاهر تأييد مماثلة.
وبطبيعة الحال فإن المجلس الانتقالي لا يحظى بشعبية كبيرة في المحافظات الجنوبية بما فيها الحركات الجنوبية الأخرى التي تدعو -أيضاً- إلى انفصال جنوب البلاد. من بينهم الحراك الجنوبي وهو أقدم المطالبين بعودة دولة ما قبل 1990م -ولا يزال يطالب باستعادتها- لكنه يرفض التدخلات الإماراتية والسعودية في الجنوب، وسبق أن اعتبر حسن باعوم (زعيم الحراك) الوجود الإماراتي في جنوب اليمن احتلالاً. وتخرج مظاهرات مستمرة في عدن وباقي المحافظات تشير إلى توجهه بالنضال السلمي حتى استعادة الدولة الجنوبية. إضافة إلى المعارضين الجنوبيين في الخارج وهم لا يتفقون مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتقدم المواقف في شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى وأبين رؤية لما يمكن توقعه في حال قام «المجلس الانتقالي الجنوبي» بمحاولة فرض هيمنته على المحافظات إذ سيتحول إلى حالة من الاحتراب الداخلي الجديد، ما يضفي تعقيداً جديداً إلى الأوضاع في المحافظات الجنوبية.
ب‌. استعادة السلطنات: ألهم «المجلس الانتقالي الجنوبي» عائلات السلاطين لرفع دعوات لاستعادة السلطنات التي تشكلت منها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، إضافة إلى مواجهة حملتا النفوذ الإماراتية والسعودية من قبل سلطنة عمان التي شجعت بعض أحفاد السلاطين لاستعادة سلطناتهم ، وفي مقابلة مع نجل السلطان الأخير لمحافظة المهرة وسقطرى (1967) وبعد نصف قرن قال «عبدالله بن عيسى آل عفرار» عن نية عائلته إحياء السلطنة لمواجهة محاولات السيطرة على المحافظتين من قِبل الإمارات والسعودية[10]. وهو أمر يحلم به بعض أحفاد سلاطين حضرموت وشبوة وأبين، وقد يدعم ذلك الحلم شعبيا من سكان تلك المحافظات إذا ما شعروا بخطر السيطرة عليها من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتبرونه أداة إماراتية للسيطرة على محافظاتهم.
ج‌. دويلات الفصائل المقاتلة: تذهب بعض الفصائل المقاتلة إلى أنها توحدت لمواجهة الحوثيين في المحافظات الشمالية مثل الحديدة للحصول على مقعد على الطاولة بعد رحيل الحوثيين عن محافظاتهم على سبيل المثال طرح عبدالرحمن شوعي وهو قائد في المقاومة التهامية «عندما يذهب الحوثيون، نريد مكاننا على طاولة الحكومة المستقبلية! لقد اعتادت تهامة أن تكون مستقلة منذ عام 1921، نعتبر أنفسنا تحت الاحتلال!» يشير شوعي إلى مملكة تهامة قصيرة العمر التي كانت موجودة وانتهت بتوافق بين السعوديين ومملكة الإمام يحي حميد الدين. هدد شوعي بالتفاوض مع الحكومة بالسلاح.
ومثل هذا الطموح التهامي بدا يظهر في تعز، ومؤخرا أعلن شيخ قبلي عن فتح معسكر للمنسحبين من أبناء تعز من القتال في الحد الجنوبي للسعودية بعد حوادث غامضة نجم عنها وقوع لواء عسكري كامل في يد الحوثيين، ولم يعرف بعد ما إن كان هؤلاء العائدون قد فتحت لهم معسكرات بالتنسيق بين الشيخ حمود المخلافي قائد المقاومة الشعبية في تعز، أم أنه تصرف نابع من الهويات المناطقية؟ التي كرستها طول فترة الحرب، والاستهداف المنظم لتعز من قبل الحوثيين شمالا والانتقالي جنوبا وقوات طارق صالح غربا.
2- شرعية التحالف العربي: من التحديات التي تواجه الحكومة هي شرعية تواجد التحالف، وتحتاج الحكومة الشرعية إلى دعم من المملكة العربية السعودية من أجل الاستمرار في مواجهة الحوثيين والفصائل التي تحاول السيطرة على الحكومة الشرعية وابتلاع وجودها. وتعرض شرعية التدخل للاهتزاز كما تشير عوامل تآكل الحكومة الشرعية، يجعل من استخدام السعودية لغطاء التحالف للتدخل ضد الحوثيين هشاً.
وما يزيد من هشاشة «غطاء التدخل» الهجوم الإماراتي على الجيش اليمني في أغسطس/آب2019 ودعم «عملية التمرد المسلح» في عدن، وإعلان أبوظبي انسحابها من مواجهة الحوثيين. فاتهام الجيش بالإرهاب بقدر ما يسيء لليمن فإنه ينتقص من مشروعية إقامة الحرب ضد الحوثيين باعتبار الحكومة الشرعية «داعمة ومؤيدة للإرهاب» وهي ذات المبررات التي يتحدث بها الحوثيون ما يزيد من مصداقية ما تقوله الجماعة المسلحة المدعومة من إيران. ويجعل من الحكومة المعترف بها التي أعطت السعودية مشروعية قيادة التحالف لقِتال الحوثيين على أنها تدعم «الإرهاب» فلا يمكنها إدارة دولة والتنظيمات «الإرهابية» جزء من قوامها العسكري وتكتيكتها الحربية باعتراف القوة الثانية في التحالف (الإمارات)، كما أن وجود تماهيّ سعودي مع أبوظبي ومشروعها سيعتبرها الشعب اليمني قوة غزو واحتلال للبلاد وهذا له تبعات دولية ويمنية كبيرة على الحكومة الشرعية وحليفتها السعودية مستقبلا.
3- الاتفاقات السابقة: من التحديات التي تواجه الحكومة الشرعية الاتفاقان اللذان وقعتهما مع الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي على النحو الآتي:
أ‌. اتفاق ستوكهولم: وقعته الحكومة الشرعية مع جماعة الحوثي المسلحة في ديسمبر/كانون الأول 2018، والذي يخص «اتفاق الحديدة» «تفاهمات تعز» «تبادل الأسرى والمعتقلين» ولم يحدث تقدم في هذا الاتفاقات الثلاثة، على الرغم من أن الضغط الدولي ودور الأمم المتحدة من أجل تسهيل تنفيذه.
وتشترط الحكومة الشرعية تنفيذ الاتفاق قبل المضي في مشاورات شاملة مع الحوثيين.
ب‌.اتفاق الرياض: وقعته الحكومة الشرعية مع «المجلس الانتقالي الجنوبي» في الرياض، برعاية سعودية وحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد -حاكم الإمارات الفعلي والداعم للانتقالي الجنوبي-. لكن هذا الاتفاق الذي يفترض أن تقوم السعودية بالإشراف على تنفيذه يعاني من عرقلة في جدوله الزمني، ويذهب مصيره نحو الجمود كما في اتفاق «ستوكهولم».
وأبرز البنود التي كان يفترض تنفيذها خلال خمسة عشر يوماً من التوقيع بمعنى أن تنتهي يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني ولم يتم ذلك: عودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة إلى مواقعها السابقة. إضافة إلى تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية في عدن. تعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن.
أما البنود التي يفترض تنفيذها خلال فترة لا تتجاوز ثلاثين يوماً أي تنتهي مدتها في الخامس من ديسمبر/كانون الأول ولم يتم تنفيذها: تشكيل حكومة كفاءات سياسية من 24 وزيراً مناصفة بين (الشماليين والجنوبيين). إضافة إلى تعيين محافظين لأبين والضالع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.