سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحدود الجديدة لحرب اليمن ما الذي دفع التحالف العربي الداعم للحكومة المعترف بها دولياً لإعلان العملية العسكرية الجديدة، وما تداعيات تلك العملية محليا وإقليميا ودوليا؟
• استمرار تصعيد الحوثيين في اليمن حول اليمن إلى ورقة تفاوضية ضمن البرنامج النووي الإيراني • استمرار تصعيد الحوثيين في الممرات الدولية واستهدافها لأبو ظبي والرياض بالصواريخ والمسيرات قد جعلها مهددا فعليا للأمن الإقليمي والدولي • معارك مأرب أضعفت الحوثيين، واستنزفت معظم قوتهم البشرية المُدربة
تشهد الحرب في اليمن تحولا جديدا مع دخولها العام الثامن منذ انقلاب الحوثيين على الدولة وإسقاطهم للعاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، فالتحالف الذي تشكل بقيادة السعودية والإمارات لدعم شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد الانقلاب المدعوم من إيران، أعاد ذات النشاط العسكري الذي أطلقه مع عاصفة الحزم في مارس / آذار 2015، لكن هذه المرة مع نقل الحوثيين الحرب إلى ممرات التجارة الدولية وعاصمة الاستقرار الاقتصادي في المنطقة أبو ظبي. في الوقت ذاته فإنه يعني تراجعاً للإمارات عن تحوّل سياساتها الخارجية الذي بدأته في النصف الثاني العام الماضي (2021) ببناء علاقات جيدة بعيداً عن التدخلات العسكرية. وستعمل الإمارات في ثلاثة مسارات دولياً: الأول، إعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب الأمريكية، وتدرس الولايات المتحدة إعادتهم بالفعل عقب طلب من أبو ظبي. الثاني، التصعيد في مجلس الأمن، حيث ستبذل جهوداً لاستهداف الحوثيين بعقوبات أشد لكنها قد تتضرر الحكومة الشرعية ببعض تداعيات العقوبات. الثالث، استخدام علاقتها مع أوروبا وروسيا والصين لإدانة أكبر للحوثيين وتحجيم التعاطف معهم. 3) التداعيات على أمن المنطقة: تسبب هجوم الحوثيين في إثارة التوتر مجدداً في المنطقة، إذ أن من الصعب أن يشن الحوثيون هجوماً كهذا دون ضوء أخضر من إيران -على الأقل- التي تزودهم بالأسلحة. وفيما رأت أبو ظبي تقييد هجمات 2019 في مياه الخليج ضد مجهول -رغم وضوح اليد الإيرانية- إلا أنها هذه المرة وجهت الاتهام ضد الحوثيين بشن الهجوم. لذلك فإن هذا الهجوم يخلط الأوراق في المنطقة من جهتين رئيسيتين: أولاً، التقارب الإماراتي- الإيراني. حيث أجرى البلدان مفاوضات رفيعة المستوى خلال الأشهر القليلة الماضية بهدف تخفيف التوترات في المنطقة. إذ أن أي محاولات إيرانية للإنكار قد يفشل بسبب التقارير أن متحدث الحوثيين ووفد التفاوض الخاص بالجماعة كان في زيارة إلى طهران والتقى بالرئيس إبراهيم رئيسي والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أثناء حدوث الهجوم على أبوظبي. كما أن التاريخ القريب ينفي النكران الإيراني إذ أن هجوم الحوثيين على منشآت نفط «بقيق» و»خريص» السعودية في 2019، تبناه الحوثيون، لكن اعتُبر لاحقاً أن مصدره من إيران على الأرجح. ثانيا: الأمر ذاته بالنسبة للمشاورات السعودية-الإيرانية، إذ أن الهجوم جاء في وقت كان أعادت إيران «ثلاثة من دبلوماسييها إلى السعودية، وصلوا إلى مدينة جدة لمباشرة أعمالهم في المندوبية الدائمة لإيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت ست سنوات». ما ستعتبره الرياض إمعاناً إيرانياً في إرسال التهديدات رغم جنوح المملكة لخفض التوتر. ويبدو أن السعودية وإيران أكبر المستفيدين من هجوم الحوثيين: بالنسبة للرياض فإنه يمثل عودة لأبو ظبي في الحرب بعد أن شعرت أن خروجها عام 2019 طعنه في الظهر. وطهران باعتباره رسالة إلى المفاوضين في فيينا إن أي عقوبات اقتصادية جديدة يتسبب بتدمير اقتصادات المنطقة. 4) الاعتبارات الأمريكية بالتأكيد أن الولايات المتحدة تبدو في وضع سيء، حيث أن سياسة إدارة بايدن خلال عام من تقديم التنازلات للحوثيين والضغط على الحلفاء، جاء بنتائج عكسية باستهداف أمن المنطقة بشكل جذري إذ أن الهجوم: - لا يبعد سوى عدة كيلومترات عن قاعدة الظفرة الجوية حيث توجد القاعدة العسكرية المركزية الأمريكية. - سيمثل الهجوم على مطار أبو ظبي الدولي قلقاً أمريكياً إذ أن المطار يستخدم في سفر المواطنين الأمريكيين. وإذا ما حدث هجوم من الحوثيين على دبي وأدى إلى وقوع قتلى من الأجانب، فإن أبو ظبي وواشنطن ستكونان في وضع حرج للغاية. - يؤكد الهجوم فشل الاستراتيجية الدبلوماسية التي أعلنت عنها إدارة بايدن لإنهاء الحرب في اليمن، مع رفض الحوثيين الحوار واستمرارهم التصعيد داخل اليمن وخارج الحدود. وهو أمرٌ يفقد واشنطن حلفائها في المنطقة ويترك الباب مفتوحاً لخصومها روسيا والصين. - إذا ما زادت الولايات المتحدة من نشاطها العسكري في اليمن دعماً لحفائها فإن ذلك سيثير بعض الانتقادات لإدارة بايدن. كما أن إعادة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب رغم أنه الخيار المتاح إلا أنه يؤكد فشل استراتيجية بايدن لإنهاء الحرب في اليمن ويجعله في موقف محرج للغاية أمام الجمهوريين والرأي العام الأمريكي. وإذا ما استمر الحوثيون في مهاجمة الإمارات والمنشآت الحيوية في السعودية ستواجه الإدارة تساؤلات متعلقة ما إن كان الأجدر بها الوقوف مع حلفائها بدلاً من تقديم التنازلات للحوثيين وإيران. خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان العام الماضي.
سيناريوهات: تبحث السعودية والإمارات وحلفائهما الإقليميين والدوليين عن آليات ضغط جديدة لإعادة الحوثيين إلى المفاوضات، لكن قوبل كل ذلك بتصعيد عسكري للجماعة، ما دفع بالرياض وأبو ظبي لإطلاق عملية عسكرية جديدة وصل شظاياها للعاصمتين الخليجيتين، وهذا ما يجعل الخيارات المتاحة أكثر ضيقا من ذي قبل، فما هي سيناريوهات المرحلة المقبلة:
السيناريو الأول: استمرار الضغط العسكري: المتابع لمسيرة جماعة الحوثيين يجد أنها لا تلجأ للحوار والتفاوض إلا مضطرة إثر ضغط عسكري كبير عليها، كما حصل قبيل اتفاق ستوكهولم الذي أبقى سيطرتها على ميناء الحديدة بعد أن أوشكت القوات المشتركة بدعم التحالف إسقاطه في يدها، وهذه النظرية قد تكون هي الدافع لإعلان التحالف لعملية عسكرية جديدة وهجومه المكثف على أهداف عسكرية نوعية للجماعة، لكن لن يحقق هذا السيناريو أي ثمرة مالم يعاد ترتيب الميدان ويسلح الجيش اليمني ويترك هامشا كبيرا لقيادة الشرعية في التحرك لحشد الطاقات لصالح معركة لا تحتمل الفشل، لان ما بعدها سيطرة إيرانية من خلال الحوثيين على كل اليمن، كما أن نجاح هذا السيناريو يتطلب وجود دعم أمريكي واضح للسعودية والإمارات وعودة برنامج الدفاع والحماية لأجواء هذين البلدين النفطيين، وتكون الجدوى من التصعيد العسكري كبيرة في اخضاع الحوثيين للحوار سريعا، إذا ما شعرت إيران بكلفة اقتصادية أو عسكرية جراء سياسة التلاعب ملف اليمن . هذا السيناريو مرجح إذا هناك توافقا أمريكيا سعوديا لاستمرار العمليات العسكرية وحدودها.
السيناريو الثاني: عقوبات اقتصادية موازية لإيقاف الحرب قد يسبق هذا السيناريو إدانة جماعة الحوثيين وإعادتهم إلى قوائم الإرهاب، وتبني قوات دولية التواجد في ممرات التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن لمكافحة قرصنة الحوثيين، واتخاذ قرارات أممية تحد من التدفقات المالية للجماعة وتعرقل استفادتهم من مصادر الدخل القومي مثل النفط والجمارك والاتصالات والطيران، وتحد من تدخلاتهم في الأعمال الإغاثية والاستفادة من أموال المانحين، وهذا السيناريو يحتاج لأدوات قوية تراقب أداء الجماعة ، وإلا فقدراتها على خلق البدائل كبيرة، ولدى إيران وحلفائها خبرة واسعة ونفس طويل في إيجاد طرق متعددة لمواجهة العقوبات. أما سيناريو إيقاف الحرب بدون إجراءات موازية فلم يعد مطروحا منذ استبعاد انسحاب السعودية من حرب اليمن نهائيا، لكن لازالت هناك شكوك في حال تعنت الحوثيين بإمكانية فرض اتفاق يعرقل عودة الحوثيين إلى المحافظات الجنوبية ومناطق الحدود، مع اتخاذ التحالف لإجراءات عسكرية تحرم الحوثيين من التمدد إلى المحافظات الشرقية وباب المندب، وتدويل وضع مينائي الحديدة والصليف وتركه يتحرك في المحافظات الشمالية التي يسيطر عليها ذات الكثافة السكانية والتضاريس الصعبة والكلفة الاقتصادية الكبيرة. هذا السيناريو هو تأجيل للمواجهات وتمديد للحرب، لكن يمكن أن يكون نافذة طوارئ للتحالف في حال فشل في الحسم العسكري، أو في اخضاع الحوثيين للسلام.
السيناريو الثالث: قبول الحوثيين بالعودة إلى المفاوضات قد يضطر الحوثيون الذهاب إلى مفاوضات بفعل الضغط العسكري، لكن ذلك عديم الجدوى مالم تتغير آلية ضمانات تطبيق نقاط الاتفاق دون انتقاء، كما هو الحال مع الاتفاقيات السابقة بالذات اتفاق ستوكهولم. ما يرجح هذا السيناريو إصرار المجتمع الدولي إيقاف حرب اليمن، وحاجة الحوثيين لتخفيف الضغط. خلاصة: إذن من الواضح أن الوقت يخدم إيران في المنطقة، واستمرار تصعيد الحوثيين في اليمن يؤكد أن الجماعة حولت اليمن إلى ورقة تفاوضية ضمن البرنامج النووي الإيراني، ما جعل السقف الوطني الذي يمكن للقوى اليمنية التفاوض معها تحته منعدما، كما أن تصعيدها في الممرات الدولية واستهدافها لأبو ظبي والرياض بالصواريخ والمسيرات قد جعلها مهددا فعليا للأمن الإقليمي والدولي، وهو ما سيجعل الحرب في اليمن تنسحب من يد الفاعلين المحليين، وتصبح عمليا بيد الفاعلين الإقليميين والدوليين.