ورد في التاريخ، قصص العديد من النساء اللاتي تم ذكرهن دون الإشارة إلى أسمائهن في القرآن الكريم، وهن من نساء العالمين المخلدات، ومن بين سيدات العالمين المخلدات في التاريخ الإسلامي ومنهم أم المؤمنين "أم حبيبة" زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. أسمها أم حبيبة، وهي رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي، وهي صحابية من المهاجرين والسابقين الأولين وزوجة النبي محمد (ص)، من إخوانها الصحابي يزيد بن أبى سفيان، والصحابي والخليفة معاوية بن أبى سفيان. وبحسب "كتاب" نساء حول الرسول: القدوة الحسنة والأسوة الطيبة" للدكتور محمد إبراهيم سليم، أن أم حبيبة واحدة من كرام من هاجر إلى الحبشة من النساء المسلمات بنت رجل من أكبر المعادين للدعوة آنذاك "أبى سفيان" تاركة أباها وأخواتها والعز والمتعة في ظلهم، ماضية إلى أرض الغربة والوحشة والنأي مع زوجها عبيد الله بن جحش. سافرت إلى الحبشة مع زوجها لكنها هناك بقت وحيدة، فقد تنصر زوجها، وداعها إلى النصرانية، فرفضته وقاطعته، ولم تتخل عن دينها، وظلت ثابتة على الحق من ربها ورسوله الكريم، وهي في غربتها بلا أهل، وظلت تعاني آلام الغربة القاتلة، وآلام الترمل، وآلام الوحدة والوحشة، لا يجمعها مع مهاجري الحبشة إلا رابطة العقيدة، بينما أبوها سيد مكة وصاحب الكلمة النافذة، والرأي المطاع، لكنها ترفض حماه، وتأوي إلى حمى الله ورعايته صابرة صادقة مجاهدة، وبقيت رفيقتها الوحيدة هي ابنتها حبيبة. مرت حقبة من الزمن وهي في عزلتها الحزينة حتى شعرت ذات يوم بجارية من جواري النجاشي تطرق بابها مستأذنة، كانت تحمل رسالة من النجاشي: "إن الملك يقول لك: وكلى من يزوجك من نبي العرب، فقد أرسل إليك يخطبك". واجتمع المسلمون في المساء بقصر النجاشي ليشهدوا إعلان الخطبة والزواج، وتلقت أم حبيبة التهاني والهدايا، وأصبحت أم للمؤمنين، واحتفلت المدينةالمنورة فيما بعد بدخول بنت أبى سفيان بيت الرسول. لقد ألم أم حبيبة أن تظل الحرب دائرة بين زوجها النبي الكريم، وبين أبيها، وكان كل أملها أن يتحقق وعد ربها "عسَى اللَّهُ أن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، وقد تم وعد الحق الكريم. وتم فتح مكة وأعلن أبو سفيان إسلامه، وبعث أبو سفيان من نادى في مكة "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن"، وعادت الفرحة تغمر قلب "رملة" وسجدت لله شاكرة، وعاشت أم حبيبة عهد الرسول وخلفاؤه الرشيدين، وأكملت ما تبقى من حياتها في المدينة، حتى لقيت ربها في خلافة أخيها معاوية.