البنك المركزي يذكّر بالموعد النهائي لاستكمال نقل البنوك ويناقش الإجراءات بحق المخالفين    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    مكاتب الإصلاح بالمحافظات تعزي رئيس الكتلة البرلمانية في وفاة والده    الثالث خلال أشهر.. وفاة مختطف لدى مليشيا الحوثي الإرهابية    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أقرب صورة للرئيس الإيراني ''إبراهيم رئيسي'' بعد مقتله .. وثقتها الكاميرات أثناء انتشال جثمانه    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    ماذا يحدث في إيران بعد وفاة الرئيس ''إبراهيم رئيسي''؟    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكوليرا تقضي على بقايا الاقتصاد اليمني
نشر في أخبار اليوم يوم 09 - 07 - 2017

خوف وقلق، وحالة من الهلع التي لم يسبق لها مثيل تنتاب اليمنيين بسبب تفشي وباء الكوليرا، وانتشاره كالنار في الهشيم في أحياء العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، وزاد من ذلك الهلع الإحصاءات المخيفة لضحايا الوباء والتي تتصاعد يوما بعد آخر.
ولم تقف الكوليرا في اليمن عند استهداف الأرواح، بل تسببت في أزمات اقتصادية لم يعد بمقدور البلد، الذي يعيش تحت ظل طاحونة حرب منذ مارس/آذار 2015، تحمّلها، فتدمرت بنيته التحتية ونفقت السيولة وجفت موارده من نفط وضرائب وصادرات.
وتسببت الكوليرا في تقييد حركة سفر آلاف اليمنيين إلى الخارج، بعدما شددت مطارات الدول التي تستقبل هؤلاء المواطنين إجراءات دخولهم، فضلا عن تضاعف أسعار مياه الشرب، وعزوف المواطنين عن المزروعات، باعتبارها أحد مسببات المرض، ما قصم ظهور مئات آلاف الفلاحين.
ارتفاع ضحايا المرض
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، عن ارتفاع ضحايا الكوليرا في اليمن إلى 1678 حالة وفاة، خلال عشرة أسابيع من تفشي المرض منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي.
وقالت المنظمة، في تقرير لها، إنه تم تسجيل 291 ألفا و554 حالة إصابة واشتباه بالكوليرا والإسهالات المائية في 21 محافظة يمنية منذ 27 إبريل/ نيسان الماضي.
وأشارت المنظمة الأممية، إلى أن عدد الوفيات خلال نفس الفترة، بلغ 1678 حالة، وذلك بزيادة 21 حالة وفاة عن الأرقام المعلنة أمس الخميس.
وينتشر المرض في 21 محافظة يمنية من أصل 22، وما زالت محافظة سقطرى، هي المنطقة الوحيدة التي لم يتم فيها تسجيل أي إصابات.
وكان منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن، جيمي ماكغولدريك، قد ذكر في مؤتمر صحفي، أن مرض الكوليرا سيستمر في الانتشار.
ولفت ماكغولدريك، إلى أن المرض يضر بقدرة الناس على التحمل والمرونة لأية أزمات في المستقبل، وخصوصا المجاعة المحتملة والتي تهدد ثلثي السكان.
والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوّثة بضمات بكتيريا الكوليرا، وهي ما زالت تشكل تهديداً عالمياً للصحة العمومية ومؤشراً على انعدام المساواة وانعدام التنمية الاجتماعية.
وتشير تقديرات الباحثين إلى وقوع عدد يتراوح تقريباً بين 1.3 و4 ملايين حالة إصابة بالكوليرا سنوياً، وإلى تسببها في وفيات يتراوح عددها بين 21 ألفا و143 ألف وفاة بأنحاء العالم أجمع.
وبدأ تفشي المرض في اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2016 وتزايد حتى ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، ثم تراجع، لكن من دون السيطرة الكاملة عليه. وعادت حالات الإصابة للظهور مجدداً بشكل واضح في إبريل/نيسان الماضي.
وفي سلسلة تقارير نشرتها وسائل إعلام، منها تناول موقع العربي الجديد لتأثيرات الكوليرا على ما تبقى من الاقتصاد اليمني، تورد أخبار اليوم أهم ما جاء فيها..
انهيار الخدمات وتدمير البنية التحتية
انهيار النظام الصحي وانتشار النفايات وانعدام الخدمات الأساسية، بما فيها المياه النظيفة لساكني صنعاء، وآلاف النازحين الوافدين إليها، إضافة إلى أزمة انقطاع المرتبات، وما خلفته من فقر مدقع اثر على كافه نواحي الحياة المعيشية للمواطن، كل ذلك ساهم بشكل أو بأخر من اتساع الرقعة الجغرافية للوباء الذي كان محصوراً في مناطق معنية منذ اكتشافه لأول مره في حي النصر بصنعاء قبل إحدى عشر شهراً.
وتسببت الحرب في انهيار الخدمات وتدمير البنية التحتية الهشة في اليمن الذي ابتلي بالكثير من النكبات. وبعد أكثر من عامين من الحرب، يواجه البلد الفقير أزمة صحية مع تفشي وباء الكوليرا الذي أودى بأكثر من ألف شخص مستهدفاً المناطق التي تفتقر للمياه النظيفة والطعام والمأوى، مستفيداً من التدهور الاقتصادي العام الذي نتج عنه انعدام الأمن الغذائي وتدهور الأحوال المعيشية للأسر، وظهور المجاعة في مناطق مختلفة من البلاد.
وتعيش غالبية السكان بلا كهرباء، ولا تحصل على مياه نظيفة صالحة للشرب، وأدى ذلك إلى انتشار الأوبئة ومنها الكوليرا التي تجتاح البلاد في الأثناء، لكن حتى قبل الحرب التي اندلعت نهاية مارس/آذار 2015، لم يكن اليمن يوماً يمتلك بنية تحتية متطورة ولا نظاماً صحياً، وربما يعد واحداً من أسوأ البلدان في ما يتعلق بشبكة المياه والصرف الصحي.
وقد بات الوباء خارج السيطرة ويتفشى بشكل مخيف في جميع محافظات البلاد، مع تجاوز عدد الحالات المشتبه بها 246 ألف حالة وارتفاع عدد ضحايا الكوليرا في اليمن إلى 1500 حالة وفاة في أقل من شهرين، بحسب بيان لمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة صدر قبل يومين.
ويتذيل اليمن الدول العربية في الإنفاق الصحي الذي لا يتجاوز 80 دولاراً في السنة للفرد الواحد، وفقاً لتقرير متخصص صدر عن البنك الدولي عام 2014.
واعتمد الرئيس اليمني المعزول، علي عبد الله صالح خلال سنوات حكمه ال 33، سياسة مالية تقوم على تسخير معظم موارد الدولة لصالح الإنفاق العسكري، وزيادة أعداد القوات المنتسبة للجيش إلى أن تجاوز عددها 600 ألف شخص.
وقال رئيس قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية عبد المجيد البطلي، إن الإنفاق العام يعتبر الأداة العملية التي تترجم جدية الحكومات في تحقيق أهداف خطط واستراتيجيات التنمية الوطنية.
وأكد البطلي: "في ظل الحرب تم تعليق نفقات الموازنة العامة بما في ذلك رواتب الموظفين، لكن الإنفاق على التغذية لم يكن موجوداً ضمن أولويات الحكومات المتعاقبة".
وأشار إلى وجود برنامج للتغذية الصحية في الموازنة العامة بهدف خفض انتشار سوء التغذية وبتمويل خارجي كلياً، إلا أن النفقات السنوية ضئيلة حيث بلغت 1.3 مليار ريال (5.3 ملايين دولار) في المتوسط خلال الفترة بين 2015-2009.
وأوضح أن النفقات الصحية كمثال أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط خلال الفترة الماضية، بينما يتطلب تحقيق هدف توفير الصحة للجميع إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي مركز آزال الطبي شرق العاصمة اليمنية وهو واحد من خمسة مراكز خصصتها السلطات لاستقبال حالات الكوليرا، بدا الوضع كارثياً ويلخص حالة الفقر التي تضرب اليمنيين، وحال الخدمات التي تعرضت للانهيار، عشرات المرضى يفترشون الأرض ولا يجدون المساعدة، ويموتون بصمت.
يفتقر المركز لأبسط مستلزمات النظافة ولا يقدم أية خدمات، ويشتري المرضى وهم من الفئات الأشد فقراً، المحاليل والعلاجات من صيدليات خاصة مجاورة، فالمركز لا يوفر الأدوية رغم الإعلان المتكرر من منظمات دولية عن تقديم أدوية لمواجهة حالات الكوليرا باليمن.
وافتقدت العاصمة اليمنية إلى شبكة للصرف الصحي حتى العام 2006، عندما تم تنفيذ مرحلة أولى بدعم من المانحين. وأُعلن في عام 2013 عن مرحلة ثانية لم تكتمل بسبب الحرب، ما يساهم في انتشار الأمراض والأوبئة. وكان المانحون يرفضون دعم شبكة الصرف الصحي في صنعاء دون إنجاز محطة معالجة وهي التي تم إنجازها عام 2012.
وحصلت الحكومة اليمنية التي تشكلت عقب الثورة الشعبية ضد نظام علي عبد الله صالح، على قرض من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي ومقره الكويت بمبلغ 54 مليون دولار، لتمويل مشروع شبكة الصرف بمدينة صنعاء، وهو مشروع كان متوقعاً إنجازه عام 2016 ولم يتم ذلك بسبب الحرب.
ولا تمتلك العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن) حيث مقر الحكومة، شبكة حديثة للصرف الصحي، وتغرق الأحياء السكنية في مياه المجاري منذ إبريل/ نيسان الماضي.
المجاعة والفقر القاتل يغذيان الكوليرا
يعاني اليمن أزمة في السيولة النقدية ساهمت في تفاقم انعدام الغذاء على نحو غير مسبوق، مع ظهور مجاعة في مناطق الساحل الغربي للبلاد التي تشهد حرباً مستمرة منذ مارس/آذار 2015 بين الحكومة المدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية وجماعة الحوثيين المسلحة المتحالفين مع الرئيس المعزول علي عبد الله صالح.
وتسببت الحرب في أزمة غذاء. ويحتاج 18.8 مليون من مجموع 28 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما يعيش نحو سبعة ملايين شخص على حافة المجاعة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
وأكدت منظّمة الصحة العالمية في بيان الأسبوع الماضي، أن نقص السيولة النقدية وانقطاع مصادر الرزق يمنعان اليمنيين من الحصول على الخدمات الصحية التي يحتاجونها.
ويقول خبراء الاقتصاد إن تدني المستوى الاقتصادي والفقر يتسبب في ظهور حالات سوء التغذية وضعف المناعة كما يؤدي إلى نقص في موارد الأسرة لتوفير مياه صحية وصرف نموذجي والاهتمام بالتغذية.
وأكد أحمد الخولاني، مرافق لابنته المصابة، أن الفقر وعدم امتلاكه المال دفعاه إلى مركز حكومي اعتقد أنه مجاني لكنه صدم بأن المركز لا يقدم أية خدمات والعلاجات والمحاليل المطلوبة تشتريها من صيدليات مجاورة، وقد اضطر إلى رهن تلفونه لدى الصيدلية مقابل شراء جرعة الدوكسيسايكلين وعلبة الفحص وإبرة القيء.
وقال الخولاني ل "العربي الجديد": "أعمل موظفاً حكومياً وقد كانت حياتي جيدة قبل أن تنقلب رأساً على عقب بسبب الحرب وخاصة منذ توقف الرواتب في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. أصبحت عاجزاً عن إعالة أولادي الخمسة وأعتمد على اقتراض المال من شقيقي المغترب لدفع الإيجار، ولا أستطيع توفير أكل نظيف ومياه صالحة للشرب. نشرب من مياه الآبار التي نشتريها بأسعار مرتفعة ويقولون إنها ملوثة".
الزراعة في مقتل وخسائر فادحة تلحق بالمزارعين
ألحق وباء الكوليرا خسائر فادحة بالزراعة اليمنية، وبتسويق المنتجات الزراعية المحلية التي شهدت ركودا محليا، منذ منتصف مايو/أيار الماضي، بسبب عزوف المواطنين عن الشراء، وتصريحات الأطباء ومسؤولي المنظمات الدولية التي وجهت للزراعات أصابع الاتهام.
ويهدد انتشار الوباء بخسارة المنتجات الزراعية اليمنية أسواقها الخارجية. وأكد تجار في سوق ذهبان المركزي بالعاصمة اليمنية صنعاء، انخفاض أسعار الخضروات بنسبة 70%، بسبب عزوف المستهلكين، على خلفية تفشي وباء الكوليرا.
وخلال جولة في أسواق الخضروات بصنعاء، يلاحظ توقف تام للبيع والشراء. وعبر التجار، عن مخاوفهم من انهيار أسواق الخضروات بعد الانخفاض الملحوظ في الأسعار الذي تجاوز نسبة 70% في الخضروات، بسبب عامل الخوف الذي تسبب في عزوف المواطنين عن الشراء، على خلفية تحذيرات الأطباء بانتشار وباء الكوليرا عن طريق الخضروات.
وتأتي الخضروات إلى أسواق العاصمة من مزارع في محيطها الريفي، وتوجد أكبر المزارع في منطقة "الرحبة" ببلدة "بني الحارث" بجوار أحواض مياه الصرف الصحي، وتسقى بعض مزارع الخضروات بمياه الصرف الصحي، وفق تأكيدات من مزارعين وتجار ومنظمات دولية.
ويقول خبراء في علم السموم، إن استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في ري الخضروات سبب رئيس لانتشار وباء الكوليرا ومختلف الأوبئة والأمراض.
ويلجأ المزارعون إلى ري مزارع الخضروات بمياه الصرف الصحي، بسبب شح المياه الجوفية الصالحة في اليمن الذي يصنف مناخه ضمن المناخ الجاف وشبه الجاف وتتساقط عليه الأمطار لفترتين فقط ولا تلبي احتياجات السكان.
وتلقى تجار الخضروات في صنعاء ومحافظات شمال البلاد ضربة قوية تهدد بانهيار تجارتهم بعد تصريحات لمحافظ العاصمة المؤقتة عدن، عبد العزيز المفلحي، الأسبوع الماضي، أكد فيها أن وباء الكوليرا انتقل إلى مدينة عدن عبر الخضروات والفواكه القادمة من المحافظات الشمالية.
وقال تجار خضروات شماليون إنهم مُنعوا، منذ الأول من يوليو/ تموز الجاري، من إدخال خضرواتهم إلى المدينة التي تعتبر من أهم الأسواق المستهلكة، ما يكبدهم خسائر كبيرة.
ويقول الأطباء إن الخضروات ناقل رئيس لوباء الكوليرا. وأصدرت منظمات دولية، منها منظمة الصحة العالمية، تحذيرات بتجنب شراء الخضروات، أو أن يتم تعقيمها، وفي ظل عدم قدرة الكثيرين على التعقيم فإنهم يتوقفون عن الشراء.
وأكد محمد الريمي، تاجر خضروات، أن الخضروات اليمنية فقدت أسواقها الخارجية بسبب الحرب وباتت مهددة أن تفقد أسواقها المحلية بسبب وباء الكوليرا، حيث يتكبد التجار والمزارعون خسائر مادية فادحة، والخوف أن يتوقف نشاطهم، وهذا يعني أن يفقد آلاف اليمنيين أعمالهم ومصادر دخلهم.
وبحسب التقارير الرسمية، يوجد في اليمن مليونا مزارع في 21 محافظة يمنية، وتبلغ المساحة الزراعية التي يمكن أن تتضرر تصل إلى نحو مليون و309 آلاف و279 هكتارا.
وتعتبر الزراعة من القطاعات الأساسية في الاقتصاد اليمني، وتمثل المصدر الرئيسي للدخل لنسبة 73.5% من السكان، سواء بصورة مباشرة من خلال الأنشطة الزراعية أو غير مباشرة من خلال الأنشطة ذات العلاقة بالخدمات والتجارة أو التصنيع.
وتساهم بحوالي 80% من الدخل القومي اليمني، وتوفر فرص عمل لحوالي 54% من القوة العاملة في أنحاء البلاد، فيما تساهم الزراعة بحوالي 15% من الناتج الإجمالي المحلي.
إجراءات احترازية تقيّد سفر اليمنيين إلى الخارج
ظهرت الكوليرا من جديد في العام الثاني للحرب التي تشهدها اليمن على شكل موجتين، الموجة الأولى لم تكن كالثانية التي نشهدها اليوم والتي انتشر فيها الوباء بشكل مخيف، مما جعل دول عربية تعلن عن اتخاذ إجراءات احترازية ضد اليمنيين المسافرين إليها خشية من نقل الوباء إلى بلدانهم.
ويهدد تفشّي وباء الكوليرا بفرض قيود على المسافرين القادمين من اليمن، ضمن إجراءات احترازية لمنع وصول الوباء إلى أراضيها.
وكانت السلطات الجيبوتية قررت، منع دخول اليمنيين إلى أراضيها، بشكل مؤقت فيما أعلنت السلطات المصرية الحجر الصحي في مطار القاهرة، حالة الطوارئ لمنع تسلل وباء الكوليرا المنتشر وسط الركاب القادمين من اليمن.
وأصدرت الخطوط الجوية اليمنية، الشهر الماضي، تعميما قضى بضرورة حصول الركاب القادمين من اليمن إلى الأردن على شهادة خلو من الأمراض والأوبئة الخطيرة والمعدية، خصوصا الكوليرا.
وقال تعميم الخطوط الحكومية اليمنية: "بموجب التعميم الصادر من قبل وزارة الصحة الأردنية، اعتبارا من يوم 5 يونيو/حزيران 2017، بضرورة حصول الركاب القادمين من اليمن إلى المملكة الأردنية على شهادة خلو من الأمراض والأوبئة الخطيرة والمعدية، خصوصا الكوليرا".
واتخذت السلطات المصرية في مطار القاهرة الدولي تدابير طارئة، بما فيها الحجر الصحي، لمنع انتقال وباء الكوليرا المتفشي في اليمن عبر رحلات تصل من اليمن.
وأعلنت وزارة الصحة المصرية، في مايو/أيار الماضي، أن الركاب القادمين والعائدين من اليمن سوف يخضعون لفحص، لضمان عدم حملهم للمرض، مضيفة أنه من المقرر تشديد إجراءات الفحص في المطارات والموانئ.
من جانبه، قال مدير الحجر الصحي في مطار القاهرة الدولي، مدحت قنديل، الأسبوع الماضي، إن المطار شدد الرقابة الصحية على القادمين من اليمن والسودان؛ لحماية البلاد من تسلل وباء الكوليرا، تنفيذا لتعليمات منظمة الصحة العالمية.
وتعد العاصمة المصرية القاهرة والعاصمة الأردنية عمان نقطتي العبور الرئيسيتين بالنسبة لليمنيين، إذ تستقبلان رحلات طيران من وإلى العاصمة صنعاء ومناطق أخرى.
وأكد مازن سعيد، أنه عندما وصل إلى مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية مع عائلته لم يكن يحمل شهادة خلو من الكوليرا، وهذا تسبب في تأخيره عدة ساعات ودفع رسوم تأخير بمبلغ 1500 دينار أردني.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، مطلع الأسبوع الجاري، وفاة 1500 شخص في اليمن بسبب وباء الكوليرا، منذ ظهور أول بؤرة انتشار لهذا المرض في 27 إبريل/نيسان الماضي.
واعتبر ممثل المنظمة في اليمن، نيفيو زاجاريا، الوضع "خطيرًا"، مع ارتفاع عدد الأشخاص المصابين إلى 246 ألفًا.
في المقابل، قلل المحلل الاقتصادي حسام السعيدي، من تأثيرات وباء الكوليرا على المسافرين اليمنيين، واعتبر أن التأثيرات ستكون كبيرة محليا.
وقال السعيدي ل "العربي الجديد": "هناك قيود فرضت مسبقاً على حركة اليمنيين وسفرهم جعلت اليمنيين يُحجمون عن السفر، فضلا عن أن عدد المغادرين للبلاد محدود جدا، ويمكن السماح لهم بالدخول بموجب اصطحابهم وثيقة فحص طبي حديثة، لكن تداعيات تفشي وباء الكوليرا ستنعكس بشكل أكبر داخليا، من خلال خسائر قطاع الزراعة كمثال".
وأظهرت بيانات رسمية، تهاوي أعداد المسافرين جواً من وإلى اليمن، خلال العام الماضي 2016، بنسبة 92.3%، مقارنة بالعام 2014، على إثر سيطرة جماعة الحوثيين المتمردة على العاصمة صنعاء، ونشوب حرب داخلية أدت إلى تدخل عربي بقيادة السعودية.
وإضافة إلى قيود السفر بفعل انتشار وباء الكوليرا، يؤكد ناشطون يمنيون، أن شركة الخطوط الحكومية تفرض حصاراً على سفر اليمنيين، أولا من خلال أسعارها المرتفعة بشكل جنوني، وثانيا من خلال تهالك طائراتها وحاجتها للصيانة، ما يهدد المسافرين بكارثة.
فاتورة مياه الشرب تضاعف أعباء المواطنين
كان عبد المجيد محمد، موظف حكومي، ينفق 5% فقط من راتبه على شراء المياه، لكن الحرب المستمرة في اليمن منذ مارس/آذار 2015، فاقمت أزمة المياه ورفعت أسعارها، فأصبح ينفق ما يعادل ثلث راتبه لشراء المياه، وهو بلا راتب منذ تسعة أشهر، حيث توقفت رواتب موظفي الدولة في العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
وقال محمد: "كنت أنفق أربعة آلاف ريال (16 دولاراً) موزعة بين فاتورة المياه الحكومية ومياه الشرب التي نشتريها من محال لبيع مياه الشرب المعقمة، لكن بدأت المعاناة عندما توقفت مؤسسات المياه عن الضخ إلى المنازل مع بداية الحرب، ولجأنا إلى شراء المياه التي يتم جلبها من الآبار الجوفية عبر صهاريج، فأصبحت أنفق على المياه حوالي 27 ألف ريال (108 دولارات) شهريا".
ويوضح أنه يواجه مشكلة إضافية مع تفشي وباء الكوليرا وإغلاق عدد من المحال التي تبيع مياه الشرب لتلوّثها، ما قد يضطره إلى شراء المياه المعبأة في قوارير والتي تباع بأسعار مرتفعة جدا، ما يعني أنه سيحتاج إلى 30 ألف ريال شهريا للإنفاق على مياه الشرب فقط.
ويضطر السكان إلى شراء المياه من مورّدين من القطاع الخاص، يستخدمون موارد غير موثوقة لا تخضع للمراقبة، على غرار الآبار غير المحمية، ما يعرّض السكان للأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا وغيرها من الأمراض.
وقفزت أسعار حاوية سعتها نحو 2500 لتر من المياه تكفي أسرة في صنعاء لأيام، إلى اثني عشر ألف ريال (نحو 48 دولارا)، بعد أن كان سعرها نحو 1200 ريال (5 دولارات) قبل الحرب.
ووجه السكان وخبراء الصحة أصابع الاتهام إلى المياه كسبب لتفشي وباء الكوليرا بشكل مخيف في مختلف المحافظات اليمنية، خاصة بعد حادثة تلوث المياه بمخلفات الصرف الصحي التي هزت العاصمة، خلال فبراير/شباط الماضي، التي جاءت في أول عودة لمؤسسة المياه في ضخ المياه للمنازل، حيث تسببت حادثة تلوث المياه بالمجاري في نشر الرعب والخوف في أوساط السكان.
وقال عبد الله علي، أحد سكان حي هايل في صنعاء،: "مع وصول المياه من مؤسسة المياه الحكومية، كنا مبتهجين، لكن بمجرد خروج المياه من الحنفيات لاحظنا أن لونها متغير ورائحة كريهة تفوح في أرجاء المنزل، كانت رائحة المجاري، وقد اضطررت إلى جلب عاملين لتنظيف خزانات المياه وكلفني ذلك 5 آلاف ريال (20 دولاراً).
واستغل التجار خوف الناس من مياه الشرب وسط تفشي الكوليرا للإعلان عن محطات جديدة لبيع مياه الشرب تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لترويج نفسها، حتى إن إحدى المحطات الجديدة ظهرت بإعلان ممول في موقع فيسبوك يقول: "نوفر لكم مياه عذبة ونقية، بعيدة عن تسربات الصرف الصحي".
وأنعش وباء الكوليرا تجارة تعقيم وفلترة المياه في اليمن، وظهرت شركات جديدة متخصصة في بيع فلاتر المياه المصنوعة من السيراميك والبلاستيك، وارتفع سعر الفلتر إلى 30 دولاراً أميركياً من 21 دولاراً قبل الحرب.
وتسببت حوادث تلوث المياه وسط تفشي مخيف لوباء الكوليرا، في فرض أعباء مالية جديدة على الشعب الفقير الذي يعاني ويلات الحرب ويصارع الفقر والجوع.
ويلجأ المقتدرون إلى شراء أجهزة تعقيم مكلفة أو شراء المياه المعدنية المعبأة في قوارير، فيما لا خيارات أمام الفقراء وهم أغلبية، إما انتظار مساعدات المنظمات الدولية والمحلية أو الشرب من مياه الآبار.
وبادرت منظمات دولية وأخرى محلية وفاعلو خير، إلى توفير مياه صالحة للشرب في الأحياء السكنية فيما يعرف ب "السبيل"، وأعلنت عن توفير 40 نقطة مياه ثابتة ومتنقلة (السبيل) للمحتاجين والفقراء مجانا.
وقال أديب الدبعي، تاجر ملابس، أنه وسط هذه المخاوف اضطر إلى شراء جهاز لتعقيم المياه وكلفه قيمة الجهاز مع تركيبه 1500 دولار، بالإضافة إلى ذلك ينفق نحو 5 آلاف ريال شهريا لتغيير الفلاتر.
ويقدر الخبير المالي اليمني فكري عبد الواحد، أن اليمنيين في ظل الحرب يصرفون على المياه قرابة 4 مليارات دولار في السنة الواحدة.
وقال عبد الواحد ل "العربي الجديد": "يبلغ متوسط إنفاق العائلة الواحدة على المياه 27 ألف ريال شهريا و324 ألفا (1300 دولار) سنويا، لكن الحصول على مياه نظيفة بتكاليف إضافية يبدو خيارا معدوما لدى اليمنيين، خلافا لمياه الآبار والمحطات المرشحة والمقطرة الموجودة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.