الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية لوثيقة الحوثيين الفكرية: عندما تصبح العنصرية دينا(4)
نشر في الأهالي نت يوم 27 - 04 - 2012

لم يخرج الهادي عن منهج الاثنى عشرية في قضية إثبات النص والوصية للإمام علي باعتبارها حجر الأساس في نظرية الشيعة بكافة طوائفها للإمامة والمتأمل في الأدلة التي ساقها الإمام الهادي -تبعا للاثنى عشرية- في إثبات النص والوصية، سيجد أنها لا تخرج عما يلي:
أ- أدلة نصوصية
كان من الطبيعي وقد زعم الشيعة أن الإمامة أصل من أصول الدين أن يبحثوا عن أدلة من الكتاب والسنة لإثبات هذا الأصل وقد حاولوا الاستناد إلى عدد من النصوص الشرعية "قرآن وسنة" ولكن دلالتها في إثبات أحقية الإمام علي بالإمامة كان متعسفا، لقد كان أقوى دليل قرآني –في نظرهم- هو قوله تعالى "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" (المائدة: 55)، حيث قالوا إن الآية نزلت في الإمام علي لأنه أعطى الزكاة وهو راكع، وقد رد عليهم المعتزلة وأهل السنة بأدلة نقلية وعقلية تنفي ذلك كما أن هناك روايات أخرى تؤكد أنها نزلت في جميع المؤمنين، ومن يتأمل سياق الآية، سيجد أنها كذلك، وهو التفسير الأقرب لروح القرآن وعقل الإنسان، وما لا يحتاج إلى تأويل أولى مما يحتاج إلى تأويل. أما من الأحاديث فإن أقوى دليل يورده الشيعة –بكافة طوائفهم- هو حديث الغدير "من كنت مولاه فعلي مولاه" وهو حديث مروي عند أهل السنة أيضا، وهو ما جعلهم يهتمون بكل شاردة وواردة متعلقة بهذا الحديث، حتى أن الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني النجفي من علماء الشيعة أخرج سفرا كبيرا في ستة عشر مجلدا تحت عنوان "الغدير في الكتاب والسنة والأدب" وقد طبع في بيروت، لكن المعتزلة وأهل السنة أكدوا أن الحديث لا علاقة له بالإمامة، ولم يفهم حتى الإمام علي نفسه هذا الفهم، الأمر الذي جعل أحد علماء الاثنى عشرية الكبار يعترف بأن "أهم حديث حول النص بالإمامة وهو حديث غدير ضم هو نص خفي وليس بنص جلي"(1)، وهو ما قالت به الجارودية –رغم تعصبها الشديد للإمام علي- لكن الإمام الهادي كان أشد تعصبا من الجارودية وبعض علماء الاثنى عشرية حيث يصر على أن النص على الإمام علي جليا وليس خفي، وحين شعر الشيعة الاثنى عشرية بعدم كفاية الأدلة النصوصية المتفق عليها لجأوا إلى وضع مئات بل آلاف الأحاديث في الإمام علي، وقد أخذ منها الهادي ما أراد ليعزز بها أدلته حول الإمامة غير آبه بمدى صحتها من حيث السند ما دامت تعزز موقفه!!
ب- العلم الخاص
شعر الشيعة بضعف أدلتهم النصوصية حول الوصية والوصي، فذهبوا يبحثون لها عن أدلة خارج النصوص بل من خارج السياقات الإسلامية، حيث استدلوا على أن النبي قد خص وصيه (الإمام علي) بعلوم خاصة لم يعلمها غيره وهي كتاب الجفر وعلم الغيب، وغيرها من الأمور التي استدلوا بها على إمامة الأوصياء(2)، وهو ما أخذه عنهم الهادي -رغم خلفيته الاعتزالية- حيث أكد أن لكل نبي وصي، وإن الأوصياء قد استحقوا ذلك بما فضلهم الله على أهل دهرهم وذلك من خلال "العلم بغامض علم الأنبياء، والاطلاع على خفي أسرار الرسل، وإحاطتهم بما خص الله به أنبياؤه، حتى يوجد عندهم من ذلك ما لا يوجد عند غيرهم من أهل دهرهم، فيستدل بذلك على ما خصهم به أنبياؤهم، وألقى إليهم من مكنون علمها وعجائب فوائدها مما أوصى الله به إليها مما لا يوجد أبدا عند غير الأوصياء ومن ذلك ما كان يوجد عند وصي موسى وعند وصي عيسى ما لا يوجد عند غيرهم من أهل دهرهم، ومن ذلك ما وجد عند وصي محمد صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب من ذلك ما أجاب به عن مسائل الجاثليق، ومن ذلك ما كان عنده من علم كتاب الجفر، وما كان عنده من علم ما يكون إلى يوم القيامة، مما اطلع الله عليه نبيه، وأطلع نبيه وصية، لم يعلمه عن الرسول غيره"(3)، إن ما ذكره الهادي –نقلا أو تأثرا- بمن سبقه من مؤلفي الشيعة الاثنى عشرية هو دلالة على وجود "تأثيرات -غير إسلامية- وتحديدا "إسرائيلية" و"فارسية" في قضية النص والوصية، لم تكن معروفة في صدر الإسلام ولم ترد على لسان الصحابة أو التابعين وإنما جاءت بعد تفاعل الثقافة الإسلامية مع الثقافات الأخرى، وهو أمر لا ينكره المتأخرين من علماء الشيعة الاثنى عشرية حيث يردون على من يتهمهم بأن اليهودية قد ظهرت في التشيع بالقول بالوصية والرجعة وغير ذلك "إنه لا بد أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والأحكام الإسلامية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مصدقا لما بين يديه من الشرائع السماوية"(4).
وهم في ردهم هذا ينسون –كما يقول د. محمد عمارة- "أن الإسلام قد جاء مصدقا لما بين يديه فيما يتعلق بالألوهية والتوحيد والرسالات، لا مصدقا للعقائد الدخيلة على الفكر الإلهي في صورته النقية التي نزل عليها، ولكنهم على أية حال يعترفون بتلك التأثيرات الإسرائيلية التي دخلت إلى عقائدهم"(5). ما يجعلهم –رغم غلوهم- أفضل من نظرائهم من علماء الهادوية المتأخرين الذين لا ينكرون تأثر الهادي بأفكار غير إسلامية فحسب، وإنما ينكرون تأثره بأفكار غيره من العلماء الاثنى عشرية أو المعتزلة أو سواهم لأنه في نظرهم إنما أخذ العلم كابرا عن كابر!! وهو غلو واضح وتعصب مقيت مخالف للعقل والواقع، إن حديثه عن الجفر هو سبب اشتهار كثير من أئمة الهادوية في اليمن بالسحر والشعوذة والتنجيم وغيرها استنادا إلى هذا العلم المزعوم.
لوازم الوصية.. تكفير الصحابة والأمة
لو كان الحديث عن أفضلية الإمام علي وأحقيته بالخلافة بعد رسول الله يتم على أساس اعتبار الإمامة قضية فرعية اجتهادية، لما كان هناك خطورة في أن يعتقد البعض أن علياً كان الأحق، وربما كان هو نفسه وبعض أصحابه يرونه كذلك، وقد رأت بعض فرق الزيدية كالصالحية، أن علياً كان الأفضل لكن المسلمين رأوا أبا بكر الأصلح وبالتالي قالوا بجواز إمامة المفضول، لكن الأمر يختلف عندما نقول أن هناك نص ووصية، وأن القضية من أصول الدين فهنا يعتبر من أنكرها أو رافضا لها كافرا ورادا لحكم الله ورسوله بدءا من الصحابة وحتى آخر المسلمين وهو ما تورط به القائلون بالنص والوصية وعلى رأسهم الإمام الهادي الذي يظن البعض أنه لم يتورط في تكفير الصحابة والخلفاء كما فعل الشيعة الاثنى عشرية أو الروافض كما يطلق عليهم، مغترين بتكفيره وعداءه للروافض رغم إقرارهم بأنه يعتبر الإمامة أصل من أصول الدين ويقول بالنص والوصية للإمام علي، وهو ما يجعل موقفه مثلهم بالضرورة ليس من باب القول بالإلزام وإنما بصريح نصوصه أما تفكيره للروافض فلأنهم رفضوا زيدا والأئمة من بعده -وهو من ضمنهم- وليس لأنهم رفضوا أبا بكر وعمر كما يقول أهل السنة، وفيما يلي نماذج من تكفير الهادي لمن ينكر النص والوصية.
تكفير الهادي للصحابة
اختار الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر خليفة للمسلمين ثم عمر ثم عثمان أي أنهم لم يروا أن هناك نص ووصية للإمام علي ولأن الشيعة الاثنى عشرية –والإمام الهادي- يرون أن هناك نص ووصية فالصحابة في نظرهم قد خالفوا ورفضوا حكم الله ورسوله، وإذا كانت نصوص الاثنى عشرية في ذلك واضحة وصريحة فإن نصوص الهادي كذلك، حيث يقول -على سبيل المثال لا الحصر: "فعند فقد الأمة لمحمد عليه السلام ضيع الكتاب، وما فرض الله فيه عليهم فلم يُع�'مَل بما أنزل الله فيه، ولم يلتفت إلى شيء مما جرت به الأحكام عليه، واختلفت الأمور عند قبضه صلى الله عليه وآله وسلم وانقصمت الظهور، وبدت من الأقوام عليه وعلى عترته ما كانوا يخفون من ضغائن الصدور، وتكلم كل بهواه، وجاء كل بحديث ينقض به حديث صاحبه، وكل يزعم أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله مع ما في تلك من خلاف محكم التنزيل لما في كتاب الله الجليل، يعلمون ذلك وهم راضون بغير ما فيه"(6).
تكفير الهادي للشيخين أبا بكر وعمر
لأن أبا بكر وعمر لعبا الدور الأبرز في سقيفة بني ساعدة وحسم الجدل حول اختيار الخليفة فإن الشيعة الاثنى عشرية يحملانهما المسئولية عن رفض النص والوصية المزعومة في اختيار الإمام علي ولهذا نالا منهما النصيب الأكبر من التكفير والإدانة، وعلى سنتهم –السيئة- ذهب الإمام الهادي –للأسف- حيث يقول "ثم افترقت هذه الأمة بعد ما كان منها مما ذكرنا، على أربع فرق، كل فرقة تكفر الأخرى، فيمن يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم زعموا أن الناس قد اجتمعوا على أبي بكر، فقلدوه الأمر وأقاموه مقام رسول الله (ص) وادعوا له قياما بأمر الله واستصلاحا لما تحتاج إليه الأمة، فأين الإجماع من هذا العمل، وأين الإجماع وعمر بن الخطاب يقول على المنبر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه، والفلتة هي النهرة والخلسة والاغترار والمبادرة، فكيف يكون إجماعا على شيء انتهز وبودر واختلس من أهله اختلاسا ثم يوجب على فاعل ذلك القتل، فلا يجب إلا على أحد ثلاثة: إما كافر بعد إيمان، أو زان بعد إحصان، أو قاتل النفس بغير حق، ولم يكن في هذا الفعل شيء من الخصلتين الأخيرتين وإنما أوجب القتل على من كانت بيعته مثل بيعة أبي بكر، لأنه عنده قد كفر وخرج من الإسلام بفعله فأوجب بهذا الفعل على نفسه وعلى صاحبه الكفر بالله والقتل لأنهما أصل هذا الفعل وفرعه"..(7).
تكفير الهادي لعموم الأمة
لأن الإمامة كالنبوة والتوحيد، فمنكرها كافر مثله مثل منكر النبوة والتوحيد سواء كان بعد وفاة الرسول مباشرة أو جاء قبل قيام الساعة، ولهذا لم يكتف الشيعة الاثنى عشرية والهادي وأتباعه بتكفير الصحابة وإنما كفَ�'روا الأمة -من غير من يقول بمقالهم- في كل عصر وزمان، ونصوص الهادي في ذلك مشهورة –كنصوص الاثنى عشرية لا فرق- فهو –على سبيل المثال لا الحصر- يقول بعد أن تحدث عن إيضاح الرسول لخلافة علي: "فإذا فهم ذلك وكان في ضمير قلبه كذلك، وجب عليه (أي المسلم) أن يعرف ويفهم ويعتقد ويعلم أن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام واجبة على جميع المسلمين فرض من الله رب العالمين لا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان حتى يعتقد ذلك بأيقن الإيمان.. فمن أنكر أن يكون عليا أولى الناس بمقام الرسول (ص) فقد رد كتاب الله ذي الجلال والطول، وأبطل قول رب العالمين فخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين وأخرج هارون من أمر موسى كله، وكذب رسول الله في قوله، وأبطل ما حكم به في أمير المؤمنين، فلا بد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجرا وعند جميع المسلمين كافرا"(8).
وفي نص آخر يتهم من لم يقل بإمامة علي بالنص –وهم الصحابة وجمهور الأمة بالشرك، بناء على تأويلات متعسفة لبعض آيات القرآن الكريم حيث يقول "تثبت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من كتاب الله عز وجل ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم... كرهنا أو أحببنا، شئنا ذلك أو أبينا، لا ننظر في ذلك إلى قول محب مريد، ولا نلتفت إلى قول مبغض مكابر عنيد، ولا نأخذ في ذلك بتصديق محب، ولا ننظر أيضا في تكذيب مبغض، لأنه سبحانه قد حكم في ذلك بما حكم واختار سبحانه ما اختار، فقال تبارك وتعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة" (القصص: 68)، ثم قال سبحانه "سبحان الله وتعالى عما يشركون" (القصص: 68)، فحكم على من اختار سوى خيرته بالشرك، لقوله عز وجل "سبحان الله وتعالى عما يشركون"(9).
الحوثية وإحياء تراث الهادوية
اهتم حسين الحوثي كثيرا بقضية النص والوصية للإمام علي وظل يؤكدها في مناسبات الغدير وفي ملازمه الكثيرة، وكان يتم –كأمر ملازم لهذه القضية- الانتقاص بل والتكفير للصحابة والخلفاء الراشدين وعموم الأمة لرفضهم حكم الله في ولاية علي -حسب زعمه، وعلى الرغم من أن حسين نفسه كان يؤكد استناده إلى الإمام الهادي، إلا أن كثير من العلماء والباحثين قد جعلوا نصوصه تلك دليل تحوله إلى الاثنى عشرية وقلة من الباحثين على رأسهم د. أحمد محمد الدغشي توقف عن ترديد هذا الاتهام، وأكد أن حسين أقرب إلى الجارودية وهي إحدى فرق الزيدية المتشددة، والحقيقة أن الحوثي كان هادويا بامتياز حتى في قضية تكفير الصحابة، ولا فرق بين الهادي وأبو الجارود سوى أن الأخير يقول بالنص الخفي والهادي يقول بالنص الجلي على علي، والحوثي يقول بما قال به الهادي وسنتناول قضية الهادوية والجارودية وعلاقتهما بالزيدية في حلقة منفصلة إن شاء الله، على أن بعض من تردد في اعتبار الحوثي هادويا استند إلى أن هناك روايات تؤكد أن الهادي كان يتوقف –لا يترضى ولا يسب ويلعن- أبي بكر وعمر، وممن ذهب إلى ذلك الأستاذ محمد سالم عزان والشيخ مقبل الوادعي وقبلهما الإمام الشوكاني، والحقيقة أن المقارنة المجردة بين الموقفين يرجح موقف من ينسب الهادي إلى الرفض –السب واللعن للخلفاء- ليس فقط لأن هذا الموقف هو النتيجة الطبيعية للقول بالنص الجلي والوصية واعتبارها عقيدة وهو ما يقول به الهادي باتفاق الجميع، ولا لأن نصوصه التكفيرية –التي أوردنا بعضها- مبثوثة في أكثر من كتاب له ورسالة، وإنما أيضا لأن القائلين بأن مذهب الهادوي في الصحابة هو التوقف ليس لديهم دليل قوي يدحض الرأي السابق، فقد اعتمد العلماء المعاصرين وقبلهم الشوكاني على ما ذكره يحيى بن حمزة في كتابه "الرسالة الوازعة" والأخير لم يذكر لنا نص الهادي ولم ينسبه إلى كتاب من كتب الهادي وإنما قال ما نصه "المذهب الثاني: هو مذهب من توقف عن الترضية والترحم ونهى عن التكفير والتفسيق وإلى هذا يشير كلام الهادي والقاسم وأولادهما"(10).
ومع ذلك أعتقد أن كلا الرأيين صحيح ولا تعارض بينهما إلا عند من يتعامل مع آراء الهادي كآراء عقدية بحتة، وهي ليست كذلك، فالهادي كان رجل سياسي بامتياز ومذهبه كذلك مذهب سياسي أولا يدور مع المصلحة حيث دارت، وإن ألبسها لباس العقيدة، لهذا أعتقد أن الهادي قد صرج بالسب واللعن والتكفير ثم توقف، ولا أستبعد أن يترضى لولا أنه لم يثبت عنه ذلك، إذ يمكن أن نشير إلى تغير موقف الهادي والأئمة من بعده من التكفير على النحو التالي:
أ- التكفير في مرحلة الحشد والتعبئة
كان القاسم بن إبراهيم جد الإمام الهادي قد فر من مطاردة العباسيين له، واستقر في جبل الرس وهناك بدأ ينظر للإمامة، واستعادتها من مغتصبيها، لقد كان مشروعه يرتكز على قضية الوراثة والنص والوصية، لهذا أعتبرها أصل من أصول الدين وبالتالي أفتى بأنه "من لم يعتقد إمامة علي بن أبي طالب بعد الرسول بلا فصل لم يقبل الله منه صلاة ولا زكاة ولا حجا ولا صوما ولا شيئا من أعمال البر، ثم من بعده الحسن والحسين"(11)، وقد جاء حفيده ليواصل المشوار وكانت قضية العقيدة مدخلة لإقناع الناس بالالتفاف حوله ومن المعلوم أن مرتكز مشروع الهادي كان إثبات إمامة علي بن أبي طالب "باعتبارها حجر الزاوية في دعوته، والأساس الذي يستند إليه، لأنه إذا سقطت أحقية علي بالإمامة سقطت نظريته في الإمامة بالضرورة، وبالتالي سقطت دعوته"(12)، لهذا كان من الطبيعي أن يحكم على من أنكر إمامة علي بالكفر والشرك وتكذيب الله ورسوله وحتى يرسخ في أذهان أتباعه أن الأمر جد خطير وأنها عقيدة لا تهاون فيها، لم يتردد في الحكم على أبي بكر وعمر والصحابة الذين ارتضوهم بمخالفة الله ورسوله ومعاداة أهل بيته، فإذا كان هؤلاء قد ضلوا فكيف بمن ينكر ولاية آل البيت في عصر الهادي!!
ب- التوقف في مرحلة التوسع
ربما أدت المرحلة الأولى دورها في إيجاد نواة وحلقة عقائدية مقاتلة مع الهادي، لكن الهادي وس�'ع حكمه إلى مناطق سنية، وكان له خصوم كثر لا شك أنهم قد استغلوا موقفه من الصحابة والشيخين للتأليب ضده، وهنا كان عليه أن يتصرف كسياسي أولا، يحاول أن يحسن صورته وينفي التهم عنه ولكن دون أن يتورط في التخلي عن عقيدته فيخسر نواته الأولى المقاتلة، ولم يكن الهادي وهو المعتزلي البارع ليعجزه أن يصيغ موقفه على هذا النحو المطاطي الذي يحاول إرضاء وإقناع جميع أتباعه، وهو ما يتجلى في رسالته لأهل صنعاء، حيث قال: "ولا أنتقص أحدا من الصحابة الصادقين والتابعين بإحسان، المؤمنات منهم والمؤمنين، أتولى جميع من هاجر ومن آوى منهم ونصر فمن سب مؤمنا عندي استحلالا فقد كفر، ومن سبه استحراما فقد ضل عندي وفسق، ولا أسب أحدا إلا من نقض العهد والعزيمة، وفي كل وقت له هزيمة، من الذين بالنفاق تفردوا وعلى الرسول (ص) مرة بعد مرة تمردوا وعلى أهل بيته اجتروا وطعنوا"(13).
إن بداية الرسالة تؤكد أن الهادي كان ينفي تهمه –وهي حقيقة ليست تهمه- راجت عنه في صنعاء بيد أن الاستثناءات التي ختم بها رسالته تؤكد أنه لم يتراجع عن موقفه فهذه الاستثناءات يمكن أن يفسرها بأنها تعني بمن رفضوا بيعة علي وهو يقول ذلك صراحة في مواضع أخرى!
الترضي في مرحلة الحكم والاستقرار
لم يثبت عن الهادي أنه ترضى عن الصحابة والخلفاء، وما روي أنه أمر بجلد من يسب الشيخين(14) رواية ضعيفة، لا تؤكدها كتبه، ولو أن الهادي نجح في توسيع دولته إلى المناطق السنية لاستبعدنا منه ذلك إذ السياسة والمصلحة هي التي تحكم موقفه من الصحابة فإذا كان توسيع الحكم ثمنه الترضي على الخلفاء فما المانع؟ إن التكفير لهم كان ضرورة لبناء نواة تحارب من أجل الإمامة، لكن الهادي توفي محصورا في صعدة وقد تراجعت آماله وخاب ظنه ومني بنكسة لم يكن يتوقعها، لكننا لا نستبعد هذا الموقف ممن جاء بعد الهادي وحكموا مناطق سنية مع أن المشهورين منهم كعبدالله بن حمزة لم يختلف موقفه عن موقف الهادي وهو التوقف لكن المعتدلين كالإمام يحيى بن حمزة، قال إن الخلفاء أخطأوا خطأ كبيرا في مخالفة الوصية لعلي لكن بما أن الإمام علي لم يبين لنا ما الحكم فيهم، فلا مانع من الترضي عنهم، وهو ما ظل يرفضه أئمة آخرون بل يرون أن السب أقرب إلى الصواب وبحسب عبدالله بن حمزة "كيف تجوز الترضية عنهم بل لو قال بلعنهم وسبهم والبراءة منهم، لكان أسعد حالا ممن رضي عنهم"(15).
الحوثي على غرار الهادي
لم يكن من المستغرب أن يركز حسين الحوثي على إحياء يوم الغدير ويقدح في الصحابة والخلفاء الراشدين لأنه يرى نفسه في مرحلة إعادة التأسيس كما فعل الإمام الهادي، ولهذا نجده وأتباعه حاربوا كل فكر تجديدي أو غير تكفيري أحياه بعض علماء الزيدية مثل محمد سالم عزان الذين شنوا عليه حربا شعواء لأنه فقط حذف بعض كلمات السب واللعن والشتم للصحابة من بعض المخطوطات التي حققها، إن هذا الموقف المتعصب -والذي تبنته الوثيقة للأسف- من إمامة علي، يقتضي بالضرورة الإساءة للخلفاء الراشدين والصحابة، لقد كان حسين الحوثي يرفض ما ذهب إليه كثير من علماء الزيدية المعاصرين من عدم الطعن في الخلفاء حتى ولو كان موقفهم يستند إلى مواقف بعض علماء الزيدية السابقين، لأن تلك المواقف المهادنة كان ثمنها التسليم لهم بالإمامة؟ أما اليوم فلماذا لا يقول قناعته صراحة ما دام أن أهل السنة لم يسلموا له بالحكم، لقد عبر حسين الحوثي عن ذلك فقال: "واحتراما لمشاعر الآخرين من السنية سواء من كانوا في اليمن أو خارج اليمن، كنا نسكت مع اعتقاد أنهما –أي الشيخين أبي بكر وعمر- مخطئون عاصون ضالون"(16)، ولو استمر حسين ونجح –لا قدر الله- كما نجح الهادي، لتوقف عن التكفير أو راوغ مثله، وقد فعل إخوته بعده ذلك عندما كانوا يحرجونهم بالأسئلة كما حدث مع يحيى بدر الدين الحوثي في قناة المستقلة.
الاثنى عشرية على غرار الهادوية
دخل الشيعة الاثنى عشرية في التيه منذ غياب الإمام الاثنى عشر، إذ حرموا أي عمل سياسي أو جهادي حتى خروج مهديهم المنتظر –عجل الله فرجه!! ولهذا ظلوا يعبرون عن تداعيات موقفهم القائل بالنص والوصية لعلي ويكفرون الصحابة والخلفاء الراشدين بشكل مسف ظل يتراكم عبر القرون، وعندما جاء الخميني ودخل في السياسة -فعل كما فعل الإمام الهادي قبله- ففي المرحلة الأولى أثناء تدريسه بالنجف أصدر كتابه "كشف الأسرار" والذي تضمن نقدا صريحا لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما واتهمهما بمخالفة –القرآن- تماما كما فعل الهادي، ولكن أثناء وبعد قيام الثورة عندما كان بحاجة إلى كسب ولاء الأقلية السنية في إيران وأهل السنة في العالم، أعاد طبع كتبه باستثناء هذا الكتاب، أما بعد نجاح الثورة وسيطرة الخميني التامة على الدولة، فقد تضمنت مناهج الثقافة الإسلامية لطلبة المدارس دروسا تتحدث بشكل غير مألوف في الفكر الشيعي الاثنى عشري عن الخليفة الأول عند أهل السنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه والخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه " هكذا وردت في المناهج"(17) طبقا مع استمرار نشر الكتب التاريخية التفكيرية للأسف الشديد!!
فإذا كان الشيعة الاثنى عشرية قد فعلوا ذلك –مراعاة لمشاعر الأقلية السنية في إيران- فلا تستغرب إن فعلها قبلهم بعض أئمة الهادوية في اليمن مراعاة للأغلبية السنية التي حكموها!! مع أن القناعات لم تتغير عند الطرفين ما دام هناك حديث عن النص والوصية والوصي.. الخ، والحقيقة وإن كنا نتمنى مراجعات حقيقية وقد فعلها بعض العلماء هنا وهناك، إلا أن المتاح مراعاة مشاعر الآخرين وعدم السب والشتم التي نهى الله المؤمنين عنها حتى لعبدة الأوثان، لأن فيها تجريح للمشاعر وتهديد للسلم الاجتماعي أما العقيدة "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" هذا بشأن الإيمان بالله فما بالك بما هو دونه؟
الهوامش:
(1) أنظر السيد المرتضى في كتابه "الشافي في الإمامة" ج2، ص148.
(2) أنظر: أصول الكافي للكليني، ج1، 294، 316.
(3) أنظر: المجموعة الفاخرة للإمام الهادي يحيى بن الحسين، تحقيق علي أحمد الرازحي، ص146.
(4) محمد رضا المظفر "عقائد الإمامية" طبعة النجف، منشورات دار النعمان، ص80، 83.
(5) د. محمد عمارة "الإسلام وفلسفة الحكم"، طبعة دار الشروق 1989م، ص450.
(6) المجموعة الفاخرة للإمام الهادي، كتاب المنتخب، مبحث تثبيت الإمامة، ص519.
(7) المرجع السابق.
(8) المرجع السابق، وانظر مقدمة كتابه "الأحكام" ج1/ 11-12.
(9) نفس المرجع.
(10) يحيى بن حمزة "الرسالة الوازعة" للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين" ص41.
(11) أحمد بن محمد الشرفي "عدة الأكياس في شرح معاني الأساس" ج2/ 111-112.
(12) علي محمد زيد "معتزلة اليمن، دولة الهادي وفكره" مركز الدراسات والبحوث اليمني، ط2 1985م، ص185.
(13) المجموعة الفاخرة للإمام الهادي، مرجع سابق، ص146.
(14) هذا القول ذكره القاضي الحجري في كتابه مجموع بلدان اليمن وقبائلها ج1/ 376، وهو منسوب إلى أحمد بن سعيد الريعاني قاضي الإمام عبدالله بن حمزة.
(15) مجموع ورسائل الإمام عبدالله بن حمزة، ص352.
(16) حسين بدر الدين الحوثي، من هدي القرآن الكريم، سورة المائدة، الدرس الرابع، محاضرة ألقاها بتاريخ 16/1/2002م.
(17) لمزيد من التفاصيل، راجع: فهمي هويدي "إيران من الداخل" مركز الأهرام للترجمة والنشر، الطبعة الثانية 1988م، ص318 وما بعدها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.