لا جديد غير الموت العارض في الأنحاء المتفرقة رغم الاستعدادات لعيد الأضحى المبارك، ولا صوت يعلو على صوت المتهم المجهول الذي يحصد الناس بدم بارد ويمضي، ولسان الحال: نحنُ موتى في أي مكان. (18+6 +12 +12 +2 +16+20 =86) تلك ليست معادلة رياضية في تفاضل الألم وتكامل جراحه، وليست مسألةً حسابيةً في الجمع الابتدائي يجيب عليه الصغار إجابةٍ متكاملة على نحوٍ كبيرٍ من البساطة. تلك المسألة تعبير رياضي عن الضحايا الذين قضوا نحبهم وماتوا والجراح تتخللُ أجسادهم التي كانت تائقة إلى الانعتاق من النحالة المفروضة منذ زمن. حاصل الجمع هو رقم جمع اليمنيين الذين ماتوا الأسبوع المنصرم فقط ما بين حادث سير ومعركة قاسية واغتيال. الأسبوع الفائت شق ضحايا اليمن طريقهم نحو الصفحات الرئيسية للمواقع الإلكترونية، ونالوا نصيباً من الحظ على الصفحات الأولى من الصحف، ومن الواجب المهني في الإعلام أن تحظى أرقام الضحايا بمانشيت عريض في الصفحة الأولى، هكذا تحتم القوالب الإخبارية على الاهتمام بالإنسان بنشر ضحيته.. لكنه في النهاية وفي ظل تتابع الأرقام قد يظل عنواناً فارغاً من التأثير الدائم. 32 قتيلاً في أبين! الرقم الأبرز كان يوم الجمعة الماضية حيث قُتل 18 جندياً يمنياً وأصيب 33 بجروح بهجوم نفذه 3 من «أنصار الشريعة» التابع لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب على موقع اللواء 115 في منطقة شقرة بمحافظة أبين. ويبدو أن أنصار الشريعة يستعدون لخوض معركة جديدة في أبين بعد إعلان الجيش عن تطهير المحافظة من "الإرهابيين" في مايو الماضي، حيث تشير المعلومات الواردة من هناك إلى "تجدد الاشتباكات" بينهم وبين الجيش. المعركة في أبين استبقها تنظيم القاعدة بمبشرات تؤكد استعداده لخوض المواجهات ضد الجيش، حيث وزع منشورات -قبل المعركة بثلاثة أيام- في مناطق عدة بالمحافظة يهدد بمعاقبة رجال القبائل إذا ما تعاونوا مع الحكومة والجيش. تبدو تكتيكات -ما قبل عيد الأضحى- للمعركة القادمة غامضة؛ فبعد تهديد القاعدة باستعادة السيطرة على مناطق في أبين، انسحبت معظم الوحدات الأمنية المكلفة بحماية مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين. الخروج عن سياق إحصاء الضحايا اليمنيين إلى التفسيرات الهامشية له ما يبرره كتوضيح بسيط لا أكثر. الأربعاء المنصرم لقي قائد اللجان الشعبية في أبين مصرعه بينما كان في طريقه عائداً من محافظة عدن إلى محافظة أبين ، وبحسب المعلومات التي نشرها «الأهالي نت» فإن حادث مقتل مدير عام مديرية لودر كان «مفتعلاً» وأن إحدى إطارات السيارة كان معبأً بالغاز انفجر في الطريق أودى بحياة محمد عيدروس وأحد مرافقيه. الخميس أعلن مصدر عسكري مسؤول في المنطقة العسكرية الجنوبية أن تسعةً من كبار وأخطر القيادات في تنظيم "القاعدة" لقوا مصرعهم في منطقة الجبلين. وذكر المصدر -حسب موقع الجيش- أنه تم تطويق القيادات ومداهمتهم من قبل جنود اللواء 119 مشاة واللجان الشعبية ما أدى إلى مصرع القيادي في تنظيم القاعدة المطلوب لأجهزة الأمن «نادر حيدر ناصر الشدادي» وثمانية آخرين. ويضاف إلى قتلى القاعدة التسعة ثلاثة آخرون هم الذين قاموا بعملية الجمعة وقتلوا ال 18 جندياً في المحافظة. هؤلاء أيضاً قتلى! حتى الطرق لها من اليمنيين ضحايا، سواءً داخل اليمن أو خارجه. في السعودية توفي ستة حجاج يمنيين بينهم امرأتان، وأصيب أربعة آخرون في حادث مروري مروع وقع يوم الاثنين في بلدة النمرة بمنطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية. كان الحجاج في طريقهم من اليمن إلى الأراضي المقدسة بمكة المكرمة لأداء فريضة الحج، لكن الموت النهم هذه الأيام والمفتوح الشهية كان يرصدهم على قارعة الطريق. ليس بيد اليمني حيلةً يتصرف بها أمام الموت، الأحياء يجتهدون في التشاور مع ذوي المتوفين لترتيب إجراءات الدفن أو نقل الجثث إلى مسقط الرأس الذي يغص ألما. لم يمضِ سوى يومين على الحادث المروري المروع في السعودية حتى أعلن مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية اليمنية عن وفاة 12 شخصاً وإصابة 29 آخرين في 30 حادثا مروريًا شهدتها مختلف طرقات محافظات الجمهورية خلال يوم الخميس الفائت فقط. وحسب إحصائية لمركز الإعلام الأمني فإن الحوادث المرورية توزعت على 12 حادث دهس المشاة نجم عنها وفاة 6 أشخاص وإصابة 7 آخرين, و13 حادث بالسيارات. ولم تتوقف الطرق في حصد الأرواح، إذ توفي 16 شخصا من مختلف الفئات العمرية وأصيب 57 آخرون بجروح مختلفة في 31 حادث مروري شهدتها مختلف طرق محافظات الجمهورية يوم السبت الماضي فقط. وبحسب التقارير المرورية فقد سجل وقوع 31 حادثة مرورية خلال ذات اليوم موزعة ما بين حوادث انقلاب مركبات وحوادث دهس مشاة وحوادث صدام سيارات. وقريباً من الحوادث المرورية توفي 20 في حوادث غرق متفرقة في سبتمبر الماضي في وفاة 20 شخصا في عدد من محافظات الجمهورية، بينهم عشرة أطفال وخمس نساء فيما بقية المتوفين وعددهم خمسة أشخاص من الشباب وتتراوح أعمارهم ما بين 18 – 30 عاما. وإلى ذلك تشكو الجهات الرسمية من ندرة تسجيل حالات الوفاة وأسبابها بشكل رسمي تبعا لريفية المجتمع اليمني، ما يعني أن هذه النسب والأرقام المهولة قد لا تكون سوى النسبة الضئيلة جدا من بين الأرقام الحقيقية. بهذا الحال عدت يا عيد! بألم محاط بالتفاؤل يزور عيد الأضحى المبارك المجتمع اليمني المتقلب بين إحباط ينفذ إليه من الواقع السياسي، وشكيمته كمجتمع مترابط يشد بعضه بعضاً بلبنات الصبر ومواد التفاؤل المساعدة. يكفل الواقع اليمني بالرد على سؤال المتنبي: عيدٌ بأي حال عدت يا عيدُ!؟ ببساطة: تتسارع إيقاع الأحداث في اليمن ويدفعُ البسطاء الثمن الباهظ لهذه الأحداث بإيجابياتها والسلبيات. كثف المواطن "سعيد م ص" ساعات الانتظار الطويلة على أرصفة العاصمة صنعاء، يضع سطلاً أمامه بدواخله الأدوات التي تُستخدم في عملية البناء، يأتي مطلع الفجر وقد تناول وجبة الصبوح وخرج إلى جولة تعز يحتسي فنجاناً من الشاهي مشدداً قبضته حول الفنجان بحثاً عن الدفء في العاصمة الباردة. العيد السعيد على العتبات، وسعيد لم يستعد بعد لشراء الأضحية، يعمل جاهداً وأكثر أعماله التي يكرهها الانتظار على الأرصفة، ومع ذلك فهو على مسافة واحدة من المشهد اليمني المتصل بالواقعين الاجتماعي والعسكري وحلقة الوصل بينهما: الواقع السياسي. للعيد رب، والعودة إلى تعز أمر ضروري، والأضحية ممكنة، وبقدر الانتظار للعيد الكبير أنتظر القرارات المفرحة " في انتظار أضحية على شاكلة قرارات قوية تريحنا" هكذا يقول المواطن الذي بدا منحازاً للثورة وغاضباً من الوضع السائد. *المادة نُشرت في صحيفة الأهالي الثلاثاء. الصورة إرشيفية