خرجت مسيرات سلميّة في محافظات يمنيّة عدّة في ذكرى عاشوراء، دعا إليها الحوثيون "أنصار الله" الخميس، إحياءً لمراسم مقتل الإمام الحسين. وتميّزت هذه المسيرات برفعها شعار الحوثيين: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، إضافة الى أعلام خضراء كتب عليها "هيهات منا الذلّة". لكن سلميّة هذه المسيرات لم تكن نفسها في منطقة دماج، حيث تدور معركة مستمرة بين السلفيين والحوثيين، لا يبدو أنها بصدد الوصول إلى نهاية قريبة. الحراك الحوثي، عُرف كذلك نسبةً إلى مؤسسه حسين الحوثي الذي قُتِل على أيدي القوات اليمنية عام 2004، وخاض ست حروب مع حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحرباً مع المملكة العربية السعودية في ما عُرِف ب"نزاع صعدة". وكان سبب هذه الحروب اتهام الحوثيين الحكومة بالتمييز ضد مذهب "الزيدية"، وهو أحد الفرق الإسلامية الشيعية، رغم أنه الأقرب لمذهب السنّة. في المقابل، فإن الحكومة اليمنية كانت تتهمهم بالتخطيط لإسقاطها وإقامة نظام مبني على مبدأ "الإمامة الملكية الزيدية"، الذي كان قائماً في اليمن قبل ثورة 1962. وكذلك تم اتهامهم بإنشاء تحرّك شبيه بحزب الله في لبنان، وبإثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المساجد. هذا بالإضافة الى اتّهام الحركة الحوثية الحكومة السعودية بدعم النظام اليمني والجماعات الجهادية السلفية بالأموال لقمع المذهب الزيدي، والسماح للجيش السعودي بالتدخل في الحرب واختراق الحدود اليمنية. ويصرّ الحوثيون على انتمائهم للزيدية رغم التّهم التي وجهت لهم بتنفيذ أجندات إيرانية وبالتحوّل من الزيدية إلى مذهب الإثني عشرية الشيعي. وكان شيعة اليمن بدأوا بإحياء المناسبات الخاصة بهم، مثل يوم الغدير وعاشوراء، بشكل علني، بعد الثورة الشعبية التي قامت ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 2011، والتي شارك فيها الحوثيون بشكل فاعل. وتُعتَبر محافظة صعده معقلاً للحوثيين، حيث تتجدّد فيها الإشتباكات بينهم وبين السلفيين في "دماج" بين الحين والآخر. إشراق المأخذي، التي شاركت في مسيرة عاشوراء في العاصمة صنعاء، قالت في حديث الى NOW: "كنّا في السابق نحيي عاشوراء والغدير في بيوتنا على نطاق ضيق، لكن بعد الثورة أصبحنا نحيي هذه الأيام علناً. ورغم أننا نتعرض للخطر أحياناً، مثل العام الماضي الذي قتل فيه شخص أثناء عاشوراء، أو ما حدث في يوم الغدير من قتل، إلا أن عاشوراء هذه السنة سادها الهدوء". ووجّه عبدالملك الحوثي، القائد الحالي للحوثيين، كلمةً بهذه المناسبة، تحدث فيها عن الصراع الذي يحدث في دماج بين الحوثيين والسلفيين، ووصفه بأنه "صراع مفتعل يهدف لتغطية ما يحدث من انتهاكات من قبل الطائرات الأميركية بدون طيار". ونصح الحوثي حزب التجمع اليمني للإصلاح (ممثل الإخوان المسلمين في اليمن) بأن "لا يكونوا بوق أميركا"، واتّهمهم بأنهم "يبررون ما يحدث من انتهاك وإجرام أميركي في اليمن"، كما اتّهم أميركا بأنها "تستخدم التكفيريين لإضرام حروب طائفية في اليمن". وردّ الشيخ عبدالله صعتر، ممثل حزب الإصلاح في مؤتمر الحوار الوطني وعضو في الهيئة العليا للحزب، في حديث الى NOW، واصفاً ما قاله الحوثي ب"محاولة لجرّ الحزب الى معركة مناطقية ومذهبية لا يؤمن بها"، وأضاف: "نحن نؤمن أن الأمة اسلامية أمة واحدة، وأننا على مبدأ الرسول الذي لم يكن زيدياً ولا شافعياً، ولا نحارب آراء الغير لكننا ضد فرض الآراء بالقوة"، ووصف صعتر حزب الإصلاح بأنه "حزب استطاع أن يتعايش مع بقية الأحزاب مثل القوميين والاشتراكيين"، واعتبرها "تجربة رائدة". علي البخيتي، ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني، رأى في المقابل في حديثه لNOW أن "حزب التجمع اليمني للإصلاح بأجنحته العسكرية والقبلية مشارك في الحروب الست التي قام بها نظام صالح ضد الحوثيين، بالإضافة للحرب السابعة التي تحدث الآن". وأضاف البخيتي: "حزب الإصلاح لم يشارك علناً في الحروب الست، لكنّهم عملياً شاركوا في المعركة بعدة طرق، مثل الفتوى التي أطلقت في عام 2008 من قبل الشيخ عبدالمجيد الزنداني، رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح وأحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والتي أفتى فيها بوجوب الحسم العسكري ضد الحوثيين رافضاً المفاوضات، بالإضافة إلى مشاركة الجنرال علي محسن الأحمر، مستشار الرئيس الحالي عبدربه هادي منصور، وقائد الفرقة الأولى مدرّع سابقاً، والذي انقلب على الرئيس صالح أثناء ثورة 2011". البخيتي وصف الأحمر بأنّه "زعيم الجناح العسكري لحزب الإصلاح"، متحدّثاً عن "مشاركة الجناح القبلي للحزب في الحرب ضد الحوثيين، عن طريق آل الأحمر، حسين الأحمر وحميد الأحمر اللذين أنشآ جيشاً شعبياً لمواجهة الحوثيين، وكان هذا الأمر معلناً، وقوام هذا الجيش 20 ألف جندي، وقد أعلن وقتها علي صالح استعداده لتمويله". وعن معركة دماج الدائرة بين الحوثيين والسلفيين في صعدة، قال البخيتي إن "الإصلاح يشارك فيها إعلامياً"، ورأى أنها "حرب سياسية يستخدم فيها الإصلاح السلفيين بعد أن فشل الجناح القبلي للحزب المتمثل ب"آل الأحمر" في منطقة حاشد، فنقلوها لدماج كحرب طائفية مذهبية حتى يستطيعوا جمع البسطاء كوقود لهذه المعارك". لكن صعتر يصّر في حديثه بأن "قضية دماج هي بين السلفيين والحوثيين، وعليهم أن لا يحشروا الآخرين فيها"، وأضاف: "هناك لجان دولية حدّدت من المعتدي ومن المعتدى عليه، والإصلاح ليس طرفاً بأي شكل وإنما كان من ضمن اللجان التي سعت للصلح بين الطرفين". الحكومة بدورها لم تدن طرفاً بعينه، وسعت لوصول الهلال الأحمر الى منطقة الصراع في دماج كخطة آلية يقوم بها الرئيس هادي. وسيتبعها تنفيذ بقية الخطوات والبنود الواردة في الاتفاق الموقّع بين طرفي النزاع.