شكلت نتائج الانتخابات الأوروبية الأحد الماضي صدمة لدعاة الوحدة الأوروبية، فعلى الرغم من تزايد شعبية اليمين في معظم الدول الأوروبية بعد الأزمة الاقتصادية التي شهدتها القارة العجوز، إلا أنه لم يكن متوقعا أن يكتسح اليمين المتطرف الانتخابات بشكل غير مسبوق في فرنسا أحد أبرز دعائم الاتحاد الأوروبي. حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف حصل على 25 في المئة من الأصوات محتلا المرتبة الأولى لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأوروبية بفرنسا، فيما حصل حزب الاستقلال البريطاني المناهض للهجرة والداعي لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي على 27 في المئة من الأصوات مسجلا ضعف عدد الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 2009. اليمين المتطرف وإن لم يفز بالانتخابات في النمسا فقد حقق نسبة جيدة إذ حاز على 20 في المئة من الأصوات، فيما حصل اليمين الهولندي المتطرف على 12 في المئة من الأصوات وحزب الفجر الذهبي اليميني المتطرف في اليونان على 10 في المئة من الأصوات. فوز اليمين في الانتخابات الأوروبية يعني أنه سيتقدم وبنسبة مريحة على أحزاب اليسار والمحافظين داخل البرلمان الأوروبي، ما سيسمح له بتمرير عدد من القوانين والإجراءات التي تصبّ في صالحه. فرنسا تحت هول الصدمة مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية، أعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في خطاب له عن حزنه العميق لتقدم اليمين المتطرف على حساب الأحزاب اليسارية والمعتدلة، وقال هولاند "نحن نعيش وضعا صعبا وخطيرا عبّر عنه الشعب الفرنسي بتصويته لليمين المتطرف لأنه أضحى يشعر بالغربة في أوروبا". من جانبها أكدت زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان عن سعادتها بهذا الانتصار الساحق مشيرة إلى أن "الفرنسيين هم الذين يقررون مصيرهم ولا يمكن بعد الآن أن يقرر قادة الاتحاد الأوروبي مصير فرنسا". فوز اليمين في فرنسا فتح الباب على مصراعيه لانتقاد الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء مانويل فالس، حيث طالبت مجموعة من أحزاب المعارضة باستقالة حكومة فالس وفرض تدابير جديدة لمواجهة خطر المد اليميني، خصوصا أن فوز الجبهة الوطنية يأتي بعد 8 أسابيع فقط على اكتساح الانتخابات البلدية الفرنسية. ماذا يعني صعود اليمين في أوروبا بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟ بفوز الجبهة الوطنية في فرنسا وحزب الاستقلال البريطاني في الانتخابات، وتحقيق اليمين نسبا معقولة في هولنداوالنمسا وبلجيكا واليونان، سيكون اليمين ممثلا ب 211 نائبا برلمانيا ينتمي 130 منهم لليمين المتطرف وهي أعلى نسبة يشكلها اليمين المتطرف داخل برلمان بروكسيل منذ تأسيسه. بوادر التحالفات اليمينية داخل البرلمان الأوروبي بدأت منذ اليوم حيث أعلن زعيما حزبي الجبهة الوطنية الفرنسي والحرية الهولندي عن التوصل إلى اتفاق مبدئي حول تشكيل كتلة موحدة في البرلمان الأوروبي، كما ومن المنتظر أن يلتحق ممثلو اليمين المتطرف من النمسا وبلجيكا وإيطاليا بالتحالف، ما سيسمح بتشكيل كتلة تتكون من 38 مقعدا. وعلى الرغم من تحقيق اليمين المتطرف للنسبة الأكبر في تاريخه خلال الانتخابات الأوروبية إلا أن عددا من الخبراء يقللون من خطر التأثير على السياسات الأوروبية مشيرين إلى أنه لن يكون كبيرا نظرا لتبني قادة أوروبا خطة عمل موحدة تشمل السياسات الخارجية والاقتصادية، كما أن الأحزاب اليمينية نفسها تختلف حول عدد من القضايا وتبحث عن مصالح ضيقة داخل الاتحاد الأوروبي. المؤكد أن فوز اليمين تسبب ب "زلزال سياسي أوروبي" حسب تعبير رئيس الوزراء الفرنسي من شأنه أن يغيّر الخارطة السياسية الأوروبية من خلال الاستحقاقات السياسية داخل كل بلد عضو في الاتحاد الاوروبي.