خارجية الانتقالي تندد بالاعتقالات الحوثية بصفوف الموظفين الأمميين    السلطة المحلية بتعز تعلن إصلاح طريق الكمب تمهيداً لاستقبال المواطنين    نقابة المحامين اليمنيين تعلن دعمها لفتح الطرق الرئيسية ورفع الحصار عن تعز    «كاك بنك» يتولى النسخة الثانية من فعالية العروض (DEMODAY)    أطباء بلا حدود: 63 ألف حالة إصابة بالكوليرا والاسهالات المائية في اليمن منذ مطلع العام الجاري    بحر من الدماء في مجزرة النصيرات وسط غزة.. إسرائيل وأمريكا تحتفلان بتخليص 4 أسرى وسقوط 210 شهيد و 400 جريح فلسطيني    تركيا تفرض رسوما إضافية بنسبة 40%على واردات السيارات من الصين    منتخب الشباب ينهي معسكره الداخلي ويعلن القائمة النهائية للمشاركة ببطولة غرب آسيا    قرار حكومي بنقل مقار شركات الاتصالات الرئيسة إلى العاصمة المؤقتة عدن    زيدان: البرنابيو يحمل لي ذكريات خاصة جداً    ألفاريز سيبقى في مانشستر سيتي    تحديث بقائمة أسماء موظفي المنظمات الدولية التي اختطفهم الحوثيون من منازلهم ومقار أعمالهم بصنعاء    قبائل حضرموت ترفض وجود أي مكونات عسكرية بساحل حضرموت    هل لا يزال التطبيع بين السعودية وإسرائيل ممكناً؟    اتحاد النويدرة بطلا لبطولة أبطال الوادي للمحترفين للكرة الطائرة النسخة الثالثة.    أطلق النار على نفسه.. مقتل مغترب يمني في أمريكا في ظروف غامضة (الاسم)    حاول التقاط ''سيلفي'' .. الفنان المصري ''عمرو دياب'' يصفع معجبًا على وجهه خلال حفل زفاف ابنه (فيديو)    محلات الصرافة تعلن تسعيرة جديدة للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    الرئيس الإقليمي للأولمبياد الخاص الدولي : مصر من أوائل دول المنطقة التي أقامت ألعابا وطنية    الحوثيون يمنحون أول باحثة من الجنسية الروسية درجة الماجستير من جامعة صنعاء    تحرك أمريكي صارم لخنق ''الحوثيين'' .. والحكومة الشرعية توجه الضربة القاضية للمليشيات    البعداني: البرواني استعاد جاهزيته .. ولا يمكن تجاهل أي لاعب يبلي بلاءً حسنا    قرارات قوية للشرعية ستجبر الحوثيين على فتح جميع الطرقات.. وخبير: قريبا تعلن جماعة الحوثي الاستسلام بالكامل    تعرف على شروط الأضحية ومشروعيتها في الشريعة الإسلامية    المطالبون بإعادة احتلال ارضهم    ضربة قاصمة للحوثيين... الشرعية تُغير قواعد اللعبة واليمن على موعد مع تغيرات كبيرة    صورة مع قيادي حوثي تزج بفنان يمني كبير داخل سجون الانتقالي في عدن    "من يعارض قرارات الحكومة داعم للحوثي"...صحفي يؤكد ان الحكومة اتخذت قرارات حاسمة بعد ثماني سنوات من التأخير    شاهد لحظة متابعة الرئيس العليمي بنفسه فتح فتح الطرقات في تعز "فيديو"    وقفة جماهيرية بمحافظة مأرب تندد باستمرار مجازر الاحتلال الاسرائيلي في غزة    ناشط يعلق على نية الحكومة الشرعية طلب الحكومة الشرعية رفع العقوبات على الرئيس الراحل علي صالح ونجله احمد علي    - مواطن سعودي يتناول أفخر وجبات الغذاء مجانا بشكل يومي في أفخر مطاعم العاصمة صنعاء    الوزير البكري يعزي في وفاة الكابتن علي بن علي شمسان    انفجار قرب سفينة في البحر الأحمر قبالة ساحل اليمن    البنك المركزي يؤكد سريان قراراته ويحذر من تداول الشائعات    بينها دول عربية.. تسع دول خالفت السعودية في الإعلان عن موعد عيد الأضحى    الحوثيون يعتقلون عشرات الموظفين الأمميين والإغاثيين في اليمن مميز    تصعيد جديد.. الحكومة تدعو وكالات السفر بمناطق الحوثيين للانتقال للمحافظات المحررة    عن ''المغفلة'' التي أحببتها!    ضغط أوروبي على المجلس الانتقالي لتوريد إيرادات الدولة في عدن إلى البنك المركزي    ميليشيا الحوثي تهدد بإزالة صنعاء من قائمة التراث العالمي وجهود حكومية لإدراج عدن    وداعاً لكأس العالم 2026: تعادل مخيب للآمال مع البحرين يُنهي مشوار منتخبنا الوطني    رئيس اتحاد كرة القدم بمحافظة إب الأستاذ عبدالرحيم الخشعي يتحدث عن دوري الدرجة الثالثة    اشتراكي المقاطرة يدين الاعتداء على رئيس نقابة المهن الفنية الطبية بمحافظة تعز    عدن.. الورشة الخاصة باستراتيجية كبار السن توصي بإصدار قانون وصندوق لرعاية كبار السن    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    الوحدة التنفيذية للاستيطان اليمني    في وداع محارب شجاع أسمه شرف قاسم مميز    مدير منفذ الوديعة يعلن استكمال تفويج الحجاج براً بكل يسر وسهولة    العشر الأوائل من ذي الحجة: أفضل أيام العبادة والعمل الصالح    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    خراب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة سيف الإسلام خالد علي عبدالله صالح وقبله عاد بالسلامة سيف الإسلام أحمد، وقبل ذلك بعقود ليست بالب

ما لم يقله فيلم "تايتنك" هو أنّ البحّار الرئيسي الذي دشّن حركة السفينة للمرة الأولى والأخيرة في تاريخها، رغم شهرته الهائلة في الملاحة، قد ارتكب سلسلةً من الأخطاء مثّلت التأويل الوحيد، والنهائي، للكارثة. استمرّت أخطاؤه في التتابع: لقد وفّر عددا محدودا من قوارب النجاة، واستبدل الطاقم المحترف بأفراد أقل كفاءة، وفي الطريق لم يكترث لتلك التقارير الخطيرة حول جبال جليديّة عائمة تقترب من خط سير السفينة. (هل تذكّركم هذه الأخطاء الجوهرية بأمرٍ ما؟). لقد كانت النتيجة: انكسرت السفينة التي لا تغرق، وغاصت في المحيط الأطلسي إلى الأبد.
أما على طريقة مخرِج فيلم "تايتنك": بينما السفينة تغرقُ في المُحِيط، على مقربة من الشواطئ الشرقية الأميركية، ظلت الفرقة الموسيقية تعزِف غير آبهةٍ بالكارثة. كان الماء يخترق المقصورات العشر: الواحدة تلو الأخرى، بينما ظلّت الجوقة تصدحُ لحنها في غياهب المُحِيط. (وبمناسبة الفيلم، هل يذكّركم أيضاً بأمر واقعي مماثل؟) ستغرقُ الفرقة الموسيقية، في فيلم التايتنك، ويضرب ثلاثة بحّارة – في فيلم "بعد غد"- كؤوسهمبصوتٍ عالٍ تحت وطأة البرودة الكونية الهائلة، في مكان هو أبعد ما يكون عن مكان غرق تايتنك: نخب مانشستر يونايتد. ستختفي فرقة التايتنك، وتغرق سفينة البحّارة الثلاثة في مشهد شبيهٍ بغرق جزيرة أتلانتس وملكها اللاهي. خيطٌ دقيق يجمع هذه الاندثارات: أبطال المأساة، أولئك الذين يتّجهون إلى الكارثة وهم مبتهجون، وربما: يقهقون. يقيمون فرحهم الخاص على أنقاض عالمٍ يندثر تدريجيّاً، غير مبدين ولو الحد الأدنى من حساسية البشر العاديين. البشر الذين لا يسرّهم أن يكونوا أبطالاً، بل يفرحهم أن يكونوا خائفين، قلقين، وجبناء. فهم مشدودون إلى الغد بآمال عميقة: الحب، واللذة، والإنجاز. بينما تنشدّ جزيرة أتلانتس إلى سرّها الأخير في قاع المُحيط، بفعل اللامبالاة، الاستغفال، وعصابةٍ على العينين. بعد هذه الخلفية الكلاسيكية، دعونا نتحدّث فيما له علاقة. تعرضت المستشارة الألمانية لحملة ضارية بسبب سفرها إلى جنوب أفريقيا لمشاهدة فريق بلادها وهو يحقق انتصارات كروية كان من شأنها أن أعادت الثقة، عالميّاً، بكل ما هو ألماني: من كرة القدم إلى الغواصة دولفين. اللحظة، بالنسبة لألمانيا، فاصلة: فالصين تعلِن رسميّاً تخطّيها حاجز ألمانيا كأكبر دولة مصدّرة في العالم، والبنوك الألمانية تترنّح بفعل دخول دول مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال في حزام الانهيارات المتلاحقة. إذ كشفت الوقائع عن حقيقية مالية تقول: إن البنوك الألمانية هي أكبر المستثمرين، والدائنين، للمؤسات المالية في هذه الدول. إذن، من غير المناسب بالمرّة، يعتقد الألمان، أن تسافر المستشارة إلى قعر العالم – جنوب أفريقيا- لتتابع مباراة كرة قدم على نفقة الخزينة العامة. إن إنغيلا ميركل تختلف مع هذا المنطق، بكل تأكيد. ولديها مبررات استراتيجية عميقة تتعلق بالنتائج التي يمكن أن تكسبها الأمّة الألمانية على الصعيد المالي والثقافي العابر للحدود من خلال زيارة ذكية كهذه. وبالرغم من كل ما يمكن أن يُقال فإن ميركل لم تنجُ هذه المرّة. قبلها ساركوزي، الذي فكّر في الاستجمام على ظهر يخت فخم يملكه أحد أصدقائه. كيف، إذن، يسمح رئيس دولة تعاني من صعوبات مالية جمّة لنفسه أن يسترخي على هذا النحو السماوي الأزرق، وعلى نفقة شخص من الممكن أنه يفكّر الآن في استغلال علاقة ودّية كهذه في تمرير عمليات قذرة: كالاستحواذ على شركات منهارة، أو التهرّب الضريبي. هكذا فكّر منتقدو ساركوزي. يُسأل رئيس وزراء أوروبي، مؤخّراً، عن سبب لجوئه لاستخدام القطار، درجة ثانية، كوسيلة تنقّل. يجيب: إنها الأزمة المالية التي تعاني منها بلدي. وحين يُقال له: فلماذا إذن تذهب إلى الدرجة الثانية، وأنت رئيس للوزراء؟ فيجيب براحة ضمير: لأن القطار ليس فيه درجة ثالثة! هذه أمثلة ثلاثة، عاجلة، لا تنتمي بالمرّة إلى "خير أمّة أخرجت للناس". أعتذر للسيد القارئ عن هذا الاستفزاز المقصود، فأنا وهو نعلم أن النص القرآني ابتدأ بفعل الزمان: كنتم. إن آلية عمل التفكير الأوروبّي تدور حول فكرة عقلانية مفادُها أن عدم إكتراث النّخبة لمعاناة الملايين سينمّي حساسية عدوانية تجاه هذه النخبة التي سينظر إليها بوصفها كائنات طفيلية تعيش في مستعمرات اجتماعية مثالية، لدرجة أنها أصبحت غير قادرة حتى على تقمّص الحد الأدنى من الشعور بالأسى والحزن لمآزق المجتمع. سلوك من الممكن، بصورة عملية، أن يفتّت الظواهر الاجتماعية الإيجابية إلى غير رجعة، وفي مقدمتها التكافل الاجتماعي والشعور بالآخر. لقد صرح بيير شتاينبروك، وزير المالية الألماني، قبل عامين: إن التضامن الاجتماعي يتوقّف على التزام الطليعة/ النخبة بأن تكون القدوة الحسنة. لم تقل صرخته معنى جديداً بالنسبة للمجتمع الأوروبي، إذ كانت مجرّد رجّة لبدهيّات الوعي العام في أوروبا. ففي ذلك العالم المتفوّق، أخلاقيّاً، ينظر إلى النخبة السياسية بحسبانها "ممثل جماهيري" أو حارساً للمال العام. ويُعتقد على نحو واسِع أن النخب السياسية لا تتمتع بأي عبقرية استثنائية، بل قد تكون ذات منسوبات ذكاء متواضعة للغاية كما هو حال الرئيس الأميركي السابق، على سبيل المثال. وكما هو الحال لدينا، أيضاً، بيد أننا لا يزال يباغتنا سؤال السيناتور بول فندلي : من يجرؤ على الكلام! في مؤتمر لندن، يناير 2010، الذي انعقد لأجل اليمن لم يسافر السيد الرئيس، فناب عنه سكرتيره الكبير (الذي يسمى على نحو سطحي برئيس الوزراء). وبعد سبعة أشهر سافر السيد الرئيس، شخصياً، إلى العاصمة الإنجليزية في زيارة لم يعرَف عن تفاصيلها سوى حضوره حفل تخرّج نجلِه: خالد، من أكاديمية سانت هيرتس العسكريّة. صحيح أن التخرّج من أكاديمية عسكرية ليس بالأمر الكبير، فالأمر لا يتعلّق بفهم نظريات آينشتاين في النسبية الخاصة ولا بمقترحات كرِيك المبكّرة حول بنية الدي إن إيه. فضلاً عن أكثر ما توفّره دول العالم الثالث هو ذلك الحشد المهول من خريجي الأكاديميات العسكرية الذين يعجزون في الأوقات الحرجة عن طرح مشاريع "خروج كبير"،أو حتى خروج متواضع، من الأزمات التي تعصف بالأمّة على الصعيد الاقتصادي وحتى الأمني. إلا أن اختياراً كهذا لا يعنينا. كذلك لا ينبغي طرح تساؤلات مبتذلة، في موضوعة تخرّج السيد نجل السيد الرئيس، على شاكلة: هل كانت هذه الزيارة، برمّتها، على نفقة الخزينة العامة؟ وهل كان نجل السيد الرئيس يدرس على نفقة الخزينة العامة، وتحت أي بند نال هذه الفرصة السلطانية في بلد ينص دستوره على حتمية تكافؤ الفرص، وتحدد التشريعات دور رئيس الدولة بحسبانه: الموظف الأكبر، الذي عليه أن يغادر السلطة بعد فترتين انتخابيتين. كما تمنع الأخلاقيات الدستورية، والدينية، الجمع بين السلطة والثروة، أو استخدام السلطة بطريقة غير مشروعة لأجل توفير فرص حياة لسلالة متفوّقة جذرياً عن تلك الفرصة التي ينعم بها بقية السكّان، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تُعزى مثل هذه الفرص الفائقة وبصورة آمنة ومنطقية إلى استثناءات ذهنية ومعرفية خاصة بأفراد السلالة. كما قلتُ، فإن هذه تساؤلات مبتذلة، بحق، في مجتمع ليس لديه خبرة أخلاقية أو معرفية مع طرق تفكير أو محاسبة كهذه. فالمجتمع اليمني ليس فقط مجتمعاً غير أوروبي، بل هو أيضاً: غير مجتمع. فعلماء الأنثروبولوجيا يربطون فكرة المجتمع بفكرة سابقة عليه: الخير العام. وإذا كان توفّر مجتمع ما لا يفضي في الأخير إلى حيازة الخير العام فإن هذا المجتمع قيد التشكّل، أو الدراسة، هو مجتمع "غير مجتمع". من الممكن أن ندس ملحوظة بأقل قدر من اللؤم في هذه المساحة:
في رحلة رئيس الوزراء، لأجل اليمن، إلى لندن فإن الأخ د. مجوّر العولقي لم يستطع السفر من خلال مطار صنعاء، دون أن يبدي أحدٌ من أصحاب العزومة أي تقدير لكونه رئيساً لحكومة دولة مستقلّة عضو في الأمم المتحدة، يُقام مؤتمر لندن في الأساس على شرفها. لقد اضطر المسكين إلى السفر عبر مطار دُبي وعلى متن طيران غير اليمنيّة، في وقتٍ كان فيه نجل السيد الرئيس يتدرّب في واحدة من أهم أكاديميات التعليم العسكري في بريطانيا، ويُسافر إليها مرّات عديدة في العام عبر مطار صنعاء. يبدو أن الرحلة التي دشّنت تخرّج النجل، وليس اليمن، كانت فخمة جدّاً، ولاهوتيّة لدرجة العاصفة، أكثر من رحلة قيْل أنها لأجل اليمن .. اليمن الذي، منذ التأسيس، لم يدخل في أي أكاديمية من فئة السبعة نجوم ولو على سبيل الفُرجْة.
عندما عاد حسني مبارك، الرئيس المصري، إلى مصر من رحلته العلاجيّة في هايدلبيرغ، ألمانيا، أصدر حزمة من الأوامر الرئاسية. كان على رأسها: منع أي مسؤول في الدولة من نشر أي تهانٍ على نفقة الحكومة. وهو ما فعله السيد الرئيس صالح عقب عودته من لندن. لقد تأثر الرجلان بأخلاقيات المجتمعات النظيفة، على طريقة " تخليص الإبريز في تلخيص باريز" للطهطاوي، بيْدَ أنّ تأثر الرئيس المصري دام لفترة كانت كافية لمنع نشر أي تهانٍ وتبريكات على نفقة الخزينة العامة.لقد كفّ كل حملة المباخر وكدابين الزفّة (بالتعبير المصري) عن ممارسة هذا اللون من الابتذال. وفي اليمن، كانت صحيفة "الثورة" تجلبُ مسؤولي الدولة من كل مكان للحديث حول التوجيهات الجديدة التي مثّلت "مشروعاً عظيماً للتنمية المستدامة" طبقاً للافتتاحية. لقد كان من ضمن عناصر هذا المشروع العظيم الكف عن نشر التهاني والتبريكات بمناسبة رمضان أو أي مناسبة أخرى على حساب الخزينة، والدعوة إلى الحد من النفقات العامة. إن أمراً كهذا لم يمنع "الثورة" أن تستمر في نشر التبريكات والتهاني لنجل السيد الرئيس بمناسبة تخرّجه من الأكاديمية العسكرية سانت هيرتس. كانت التبريكات واضحة، وفخمة، ومذيلة بأسماء الوزراء والوكلاء وشلّة من أبناء رجال الأعمال لا انتهاء لها. لوهلة أحسستُ أني أتمشّى في موكب شيعي مهيب على موعدٍ مؤكّدٍ مع عودة الإمام المهدي، المنقذ الأكبر، من غيبته الكُبرى. أو ويكأنني في لحظة كونية هائلة تشققت فيها الأرض وخرج من قعرها "أبو إبراهيم" وها إنه الآن يطوف بخيله حول الأهرامات، كما يعتقد الدروز، يسوق الناس إلى الميعاد، إلى خلاصهم الوشيك! لقد عاد سيف الإسلام خالد، وقبله عاد بالسلامة سيف الإسلام أحمد، وقبل ذلك بعقود ليست بالبعيدة عاد سيوف الإسلام سالمين إلى مملكتهم الإلهية، في النسخة المتوكلية الإماميّة من اليمن. لا جديد في حياة الجمهورية سوى أنها غالباً ما تكون نسخة مزيدة وغير منقّحة من الاستبداد الذي يسبقها. فقد نقلت صحيفة الغارديان البريطانية، قبل أسبوع، تحت عنوان "أبناء صدام في السلطة" عن نوري المالكي قوله: كنا خصوم صدام حسين في الأمس، عندما كنا في المعارضة، والآن نحنُ في السلطة نفعل ما كان يفعله صدام حسين؛ إذ يبدو أن طبيعة نظام صدام حسين هي المثال (التراكم السياسي الوحيد) الذي نستلهمه. كان واضحاً، وصريحاً، وهو يقول هذا المعنى للصحيفة المرموقة. هذا المعنى، الذي لا يحتاج لعقل فائق لكي يشير إليه، هو جوهر الفعل السياسي اليمني: تحوّل الدولة المتوكّلية إلى سلاليّة صالحيّة. الأولى باسم الحق الإلهي، والثانية باسم الحق الجمهوري. وبرغم المسافة الشاسعة بين الله والجمهورية إلا أن الحقّين ينحدران تجاه الإنسان ذاتِه: مالك العبيد. كان الإمام يخاطب الجماهير برعايا الإمام، بينما طوّر السيد الرئيس من اللغة قليلاً فأصبحوا "أبنائي". هذا، بالرغم من أن الفكرة الجمهورية تنص على أنه ليس من حق ممثّل الجماهير، الرئيس، أن يدّعي أبوّة المواطنين، لما ستفرضه فكرة الأبوّة من تداعيات سلوكيّة وأخلاقية ضد ديموقراطية. في الحالين، الإمام والرئيس، ستكون الفريضة الوحيدة واجبة الاتباع هي الانصياع الطوعي لمولانا، والدعاء لعِرْقه النقي بالديمومة والخلود. هذه التداعيات لا مكان لها في النظام الجمهوري، بل هي إحدى تجلّيات الدولة الإلهيّة، المتجاوزة للنظام البشري المحض. ولا أحسبُ إلا أن الجماهير تريد أن تعيش دولة بشرية صرفة لا علاقة لها بالماورائيات المتفوّقة ولا تخضع، قسراً، لسلالة استثنائية. تخرّج النجل من أكاديمية عسكريّة، ولا ندري من الذي سيتخرّج لاحقاً، ولا من أي أكاديمية ستشرقُ جبهته المستنيرة. لكننا ندري أن الذين سبقوه في حفلات التخرّج الفخيمة يدركون مثلنا أن السيد عبد الملك الحوثي – الذي يتّهم بأنه تدرّب على أيدٍ إيرانية، رغم أن الأيدي البريطانية ليست أكثر نظافة أخلاقية وإنسانية – يسيطر الآن على ثلاث محافظات، ويحاصر أرحب في صنعاء ويدور حول حجة، ولا يكترث كثيراً لترتيب هذه الأكاديميات على الصعيد العالمي طبقاً للمقياس الأسباني أو الكوري الجنوبي، أو حتى مقياس هارفارد. فقبل أشهر قليلة وقف مجموعة من الشباب، الذين آمنوا بسيدهم الحوثي على طريقتهم الخاصة، في وجه عناصر المهمّات النوعية الذين جاءت بهم السعودية من المغرب والأردن وباكستان، طبقاً لمنشورات إعلامية كثيرة تحدّثت عن هذا الأمر.وللمقارنة الظالمة، بعيداً عن الحوثية التي ليست سوى عملية رياضية مقلوبة لطبيعة النظام الرسمي الراهن: لا يتجاوز تعداد القوات المسلّحة اليابانية 330 ألف عنصر، برغم كونها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم وذات تاريخ مليء بالصراعات الدموية: احتلت منشوريا، في شمال الصين، وهاجمت الفليبين، واخترقت أميركا في بيرل هاربر، وتعيش علاقة متوتّرة للغاية مع كوريا الشماليّة. ومثلها ماليزيا، التي تقع في مركز جنوب شرق آسيا، ومرّت بمرحلة شديدة القسوة من التوترات الداخلية والخارجيّة، إلا أن وزير التعليم العالي الماليزي يتحدث فقط عن نصف مليون ماليزي ابتعثَ للدراسة في الخارج في تخصصات تهمّ الأمة الماليزية ومستقبلها، ولا علاقة لها بترتيبات جلالة الملك المفدّى، ورقعة الشطرنج التي يسهر عليها بينما جزيرة أتلانتس تغرق رويداً، رويداً، رويداً .. إلى قاع المُحيط. من غير المستبعد أنك، عزيزي القارئ، تشعر بالإنهاك الآن. فلقد استحضرتُ اسم اليمني جوار : ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، ماليزيا، اليابان، أميركا. في حين كان من اللائق، لتحري الطرح الموضوعي غير المستفز، أن أكتفي بالحديث عن الدولة المتوكّلية بحسبانها الأب الروحي، وبيت الإلهام الدائم، للجمهورية الصالحيّة. وأن أبارك لسيف الإسلام خالد بمناسبة تخرّجه من أكاديمية عسكرية إنجليزية باستخدام اللغة ذاتها التي استخدمها مدّاحو البلاط المتوكّلي الهاشمي قبل عشرات السنين: شلّوت ابن سعادتك، يا صاحب الجلالة، دفعة إلى الإمام! المصدر/اون لاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.