لا عيب في الخوض في السياسة، أو ممارسة العمل الحزبي في الشهر الكريم، لكن العيب كل العيب أن ينشغل قادة السياسة بحزبيتهم، وينسوا حق شهر رمضان عليهم، وقيم أيامه المباركة المقدسة!! كنا نعتقد بعد صخب المسيرات والاعتصامات أن يكبح رمضان جماح الانفعال، فتهدأ النفوس قليلاً ويستثمر الجميع ليالي رمضان بالوعظ، وغرس المودة والمحبة في القلوب، وحث الناس على التراحم والتكافل، ونبذ الشقاق والخصام، إلا أن الأحزاب أبت إلا أن تفطرنا ببيان، وتسحرنا ببيان.. كما لو أن الحياة كلها سياسة وحزبية، وأن الأرض ستخسف بنا لو أجلت بياناتها وخطاباتها لما بعد انتهاء شهر الصيام. وهنا نجد الكثير من المثقفين يتساءلون فيما إذا كان الهدف من الأحزاب المتعددة هو العمل السياسي الصرف، أم كل ما يرتبط بالشعب من قضايا سياسية، واجتماعية، وثقافية، وأخلاقية، وغيرها من الأمور ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطن..!؟ فهل مسألة التهذيب الأخلاقي لقيم المجتمع تدخل في اختصاصات الأحزاب أم لا!؟ وهل القضايا العقائدية الإيمانية تصلح لأن تكون بتناول خطاب الأحزاب، أم أنها مسئوليات منفصلة لها مؤسساتها المستقلة!؟ من وجهة نظري، أعتقد أن قيادة أي حزب حاكم أو معارض .. مسئولة عن تنمية المجتمع في مختلف مجالات الحياة، ومسئولة عن رعاية مسائل التهذيب الأخلاقي للفرد، ونشر الفضيلة والقيم الإنسانية النبيلة، في المجتمع، وترسيخ العقائد الإيمانية بين أفراده.. باعتبار أن أي حزب موجود حالياً يبني أدبياته السياسية على أساس منطلقات إنسانية رامية إلى الارتقاء بالفرد والمجتمع إلى مستوى كريم من الحياة!! فإذا تنصل كل حزب عن القيام بهذه الأدوار، واستهداف الفرد لأجل إنسانيته بالذات، فإنه يتحول إلى كيان مادي مجرد من الحياة، وبالتالي فإن اختلالاً كبيراً في أخلاقيات المجتمع سيطغى على كل الممارسات والسلوكيات، وسيؤدي إلى حالة من الفوضى، والعنف والعبثية،و الانتهازية التي لا تنسجم إطلاقاً مع عقائدنا الدينية، وتراثنا الثقافي، المبني على أساس التراحم والتكافل والتآخي، والأخلاق الحميدة. اليوم عندما يتغيب قادة أو رموز الأحزاب عن المجالس، والأنشطة المجتمعية، وحتى عن المساجد ليكونوا بين أبناء مجتمعهم، فإن ذلك كفيل بتأكيد حالة العيب الأخلاقي التي يعيشها هذا الحزب أو ذاك التنظيم.. وهو أيضاً كافٍ للإحساس بأنانية هذه الأحزاب، وانفصامها عن الجماهير، وعدم تحسسها لاحتياجات المواطن الإنسانية غير المرتبطة بقضايا الانتخابات والحكم والمبادرات الحزبية، والشعارات السياسية.. كان الأولى بمن يتحدث باسم الشعب، ويدعي أنه يناضل من أجل جوعه وعوزه وظلمه، أن يعرف أن لقمة الخبز وحدها غير كافية لضمان حياة الإنسان كريماً.. بل إن عليه أن يمنح المجتمع الاحساس بالأمن، والسلام، والمودة، والتآخي، والتكافل، وبالتقوى والإيمان، والفضيلة، وحب الخير، والكثير من المثل الأخلاقية التي أعتقد أن من يفتقد لها هو وحده من يعجز عن منحها لغيره.