الأسبوع الماضي وفي هدوء وصمت مثل صمت البحر في فصل الشتاء وهدوء الليل قبل بزوغ الفجر ، رحل الكاتب الصحفي المتميز والأديب والشاعر والأستاذ والصديق والأب ابراهيم محمد الكاف بعد رحلة مع الحرف والكلمة والمعاناة دامت زهاء خمسة عقود كانت في حصيلتها تاريخاً يعتز الوطن به سياسياً وإعلامياً وثقافياً وأدبياً. رحل الكاف «ابو خليل» وقد اختار مسقط رأسه مدينة تريم الغناء عروس وادي حضرموت مكاناً يسلم فيه روحه الطاهرة إلى باريها وينام في ترابها بعد سنوات طويلة عاشها بين احضان معشوقته عدن التي فيها درس وتزوج وأنجب ثلاثة أولاد وابنة ومنها رحل إلى مدينة تعز هرباً من بطش المستعمر البريطاني قبل استقلال الجنوب عام 76م.. رحل الكاف «ابو سامي» بعد أن أسس مدرسة صحفية تتلمذ فيها المئات من صحفيي اليوم والمستقبل وأعتز أن أكون واحداً منهم ،كما أعتز أنني كنتُ تلميذاً له خلال ثلاثة عقود في العديد من المواقع الإعلامية العسكرية والمدنية التي عمل فيها قبل الوحدة المباركة عام 09م وواصلت المشوار معه حتى غادر مؤسسة 41 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر منتصف عام 5002م التي تبوأ فيها أعلى المناصب ،حيث كان رئيساً لمجلس الإدارة رئيساً لتحرير صحيفة 41 أكتوبر ثم وقبل أربعة أعوام من مغادرته اكتوبر بقي رئيساً لمجلس الإدارة فيما كلف الأستاذ والزميل الرائع عباس غالب رئيساً لتحرير صحيفة 41 أكتوبر.. رحل الكاف «ابو منير» ومازالت نصيحته لي ذات يوم قبل عقدٍ من الزمن وأنا أجلس بالقرب منه في مكتبه المتواضع كشخصه وأخلاقه شاكياً له ظلم الزملاء وجحودهم ونكران الزمن.. فكانت نصيحته التي مازالت تدق في قلبي ولاتفارق تفكيري «اجمع كل الحجارة التي يقذفونك بها.. واصنع منها هرماً تقف فوقه.. ستظل دائماً أعلى من قصار القامة الحاقدين.. واعلم أنهم لايقذفون بالأحجار سوى الأشجار المثمرة».. وعرفت منه أن هذه النصيحة تعلمها من الصحافي الكبير مصطفى أمين قالها للفنان الراحل عبدالحليم حافظ في بداية الستينيات واليوم وقد رحل الكاف فإنني وبعد هذا العقد من الزمان الذي أهداني فيه النصيحة أقول له رحمة الله عليه: «كم مرة يا أستاذي بل يا أبي الروحي وضياء طريقي في الحياة عملت بنصيحتك ، لكن النصيحة وحدها لاتكفي وبعض الجروح لاتشفى حتى بدواء الزمن ، ولقد خلق الله الناس بقدرات ميز بها البعض عن الآخر ، ولهذا يظل الأستاذ استاذاً والتلميذ تلميذاً» وهذه العبارات الصادقة اقتبستها من أستاذي اطال الله في عمره محمود صلاح ، رئيس تحرير مجلة «أخبار الحوادث» المصرية الذي كلما زرت القاهرة اتزود منه في جلسة الأستاذ مع التلميذ ، شحنات من المعرفة والتجربة الصحفية والحياتية.. رحل الكاف «ابو ناهية» ومازلنا في حاجة إليه.. في حاجة إلى نصائحه بل بحاجة إلى مداده الذي لايملكه إلا القليلون ممن يحملون الأقلام مداد ماعرف يوماً خلال خمسة عقود أن يسطر نفاقاً أو مدحاً ، بل كان صدى الشعب في مراحل الاستعمار والاستقلال وبطش «الرفاق» إبان حكمهم للجنوب قبل الوحدة ، كما كان صوتاً قوياً مدافعاً عن الوحدة حتى رحل تاركاً كنزاً لم ينشر بعد ، وهو أمر نطالب به أولاده حفظهم الله ،وفي المقدمة الابن النبيل الصحفي الرياضي المتميز سامي الكاف بتسليم هذا الكنز لوزارتي الإعلام والثقافة لتتوليا ترتيبه وإظهاره للقارئ الذي عشق «الكاف» حياً ، وأحبه ميتاً. رحمه الله كان عملاقاً في تعامله مع الآخرين ، عملاقاً في التواضع والبساطة لم يظلم أحداً ولم يصادر حقوق أي صحفي عمل معه في مجلة «الجندي» وصحيفة «الراية» العسكرية وصحيفة «المسار» و«عدن» وأخيراً «41 اكتوبر» .. كان رحمه الله من جيل عمالقة الصحافة في اليمن: القرشي عبدالرحيم سلام ، محمد مخشف ، محمد زين ، عمر باوزير ، محمد الزرقة ،حسن اللوزي، أحمد سالم الحنكي ، معروف حداد ، أحمد مفتاح، محمد حسين محمد ، محمد عمر بحاح ، محبوب علي.. وآخرون لاتسعفني ذاكرتي الضعيفة نتيجة مرض السكر الذي خرجت به من عالم الصحافة أن اتذكرهم فمنهم من رحل عن دنيانا ومنهم أطال الله في أعمارهم مازالوا يحفرون في جدار الصمت..وداعاً إبراهيم الكاف وإن كنت وبعد مضي أسبوع على رحيلك لم أصدق أنني لن اشاهدك ثانية أو أقرأ لك حرفاً أو أسمع صوتك كالعصافير وأنت تقول «ياتلامذتي لاتيأسوا الوطن جميل والوحدة انتماؤنا لهذا الوطن» وداعاً ويسكنك الله فسيح جناته ويغمرك بواسع رحمته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.