والإيقاع في الأصل، فرق واضح بين الشعر والنثر، ومن النثر ما يكون له إيقاع كالنثر الأدبي، وكثير من الأمثال والحكم. وكان للقصيدة العربية في العصر الجاهلي إيقاعها الخاص، فلما جاء الإسلام بدأ يتغير هذا الإيقاع ليس من حيث موسيقاه الخارجية؛ وإنما من حيث اللفظ واختياره واختيار موقعه؛ ثم من حيث اختيار البحر الشعري. واتضح هذا الإيقاع أكثر في العصر الأموي، أما في العصر العباسي فقد مال الشعراء إلى اختيار البحور المجزوءة؛ يعني التي تخلصت من بعض التفعيلات استجابة لإيقاع العصر، لإيقاع الغناء. وفي مصر هناك أناس متهمون بأنهم لا يستجيبون لإيقاع العصر في مزاجهم الموسيقي؛ فهم يعيشون الحياة القديمة. فأنت تجدهم في أحياء القاهرة القديمة؛ في السيدة زينب والعباسية والجمالية والأزبكية وعابدين يتحلقون في هذه المقاهي القديمة التي توارثها المصريون الجدد «القدماء» عن أسلافهم القدماء. وللأسف فإن هذا الجيل الجديد لم يعد يسمع الموسيقى الرائعة الصادرة عن فهم وثقافة وذوق فني راق.. وينكر هذا الجيل على الذين يستمعون إلى أم مكتوم في الغناء والجواهري في الشعر وتوفيق الحكيم في الأدب. فالعصر لم يعد ينتظر هذا الإيقاع البطيء الذي يبدئ ويعيد؛ وإنما يتعشقون هذه الموسيقى التي تشبه - كما قال المرحوم الشيخ علي الطنطاوي - صياح القرود وقد اختلطوا بجماعة الكلاب والدجاج والقطط وما أشبه من الحيوان!!. ثم هم يطربون لهذا الإيقاع الذي يصدر عن هؤلاء المطربين الذين يقفزون وهم يغنون ويتصارعون مع الهواء والسقف والأرض والحيوان، فإيقاع حركاتهم يشبه إيقاع أصواتهم "زعيق وجنون وخفة عقل وطيش وسفاهة!!". لا أحد بإمكانه أن يوقف الإيقاع، إيقاع العصر، فالزمن تغير وأصبح الإنسان يتصارع مع هذا الزمن ويستبق معه ولا مكان للمخالفين الثقلاء. لكل عصر إيقاعه وبنوه، ولكل قدره في أن يكون بطيئاً أو مسرعاً، فنحن مسيرون كثيراً، مخيرون قليلاً.