يتلازم اليمن والشام ولايفترقان، فما إن يذكر أحد من الناس كلمتي الشتاء والصيف إلا ويُفهم معه رحلتي الشتاء والصيف منذ قدم الزمان وهي الرحلة التجارية في زمن صدر الإسلام وما بعده. وهذه الحقيقة التي لاتغيب عن أحد بحكم ذكرها في القرآن الكريم، ماهي إلا تلازم تاريخي ينظر إليها من منظور اقتصادي وهي من الهموم الأولية في سلّم أعمدة الأنظمة السياسية قديماً وهي كذلك حتى يومنا هذا وهي مسألة غاية في الأهمية كون الاقتصاد يمثل في حقيقة الأمر العمود الفقري الذي تقف عليه الأنظمة، من هنا تأتي مصادر الدخل المتعددة الأوجه لتصب جميعها في قالب واحد يسمى الدخل القومي ومايميز ذلك حركة سير هذا النشاط الاقتصادي ومن مصادره المتفرعة يأتي في المقام الأول الصناعي والزراعي والتجاري. واللافت للنظر أن نتائج هذا النشاط تظهر جلية في الحياة المعيشية، كما هي كذلك في البنية التحتية وسير عجلة التنمية، لذلك اهتم الأقدمون من الآباء في اقتصاديات بلدانهم على الرحلات والتي كانت تستغرق الشهرين والثلاثة أشهر ذهاباً وإياباً على وسائل النقل التقليدية الوحيدة المتوافرة آنذاك من أجل إحياء هذا النشاط الذي كان يمثل في حقيقته نوعاً من أنواع العلاقات الثنائية بالرغم من تباعد المسافات وصعوبة الطرقات إلا أن تلك العلاقات كانت تحكمها مُثل ومبادئ تأتي في مقدمتها المصداقية والأمانة في التعامل وما رحلة الشتاء والصيف بين اليمن والشام إلا نموذج لمثل هذه العلاقات وهي تجسيد حقيقي ومثالي لتأكيد القرابة وعرى الأخوة في العروبة والإسلام وذلك من البديهيات لاسيما أن أصول عرب الشام وشمال أفريقيا ترجع إلى اليمن منذ فترة انهيار سد مأرب. ومع مرور الأيام والسنين توسعت العلاقات ليأتي المثل القائل «بلح الشام وعنب اليمن» فهل كان ذلك من باب الصدفة أم أن لذلك خلفيات تاريخية تجسد حقيقة وجود قاسم مشترك آخر وبه يضرب المثل، وفي ذلك يفهم أن الأرض الطيبة لا تثمر إلا الطيب، ففي أرض الشام يوجد أجود أنواع البلح وألذّه ومنه زرعت ثماره في العراق والسعودية وكل الجزيرة العربية، لذلك كانت وجبة الفطور عند العرب والقبائل العربية المفضلة هي التمر والحليب ومازال التمر هو فطور الصائم في كل ربوع البلدان الإسلامية منذ أكثر من 1400سنة. وفي الجانب الآخر تدعوك جنة العنب من بلادنا الحبيبة، حيث لازالت تنتجه حتى يومنا هذا وهو من أجود وألذ ما تتذوقه اللسان وتشتهر في إنتاجه اليمن وتتعدد أنواعه وأصنافه التي تصل إلى سبعين صنفاً ويتم تصدير بعضه إلى الدول المجاورة، فمن يتذوق حبيبات العنب يتذكر المثل العربي المشهور «عنب اليمن وبلح الشام» وهو مرجعية ولم يأت من فراغ.. فللآباء حِكمهم وأمثالهم المستقاة من الواقع المعاش، الأمر الذي يفهم في مضمونه أن ما بين الشام واليمن من ترابط وتراحم أخوي له جذوره التاريخية التي فرضت نفسها من واقع العلاقات التاريخية كوسيلة من وسائل التواصل، فعن طريق القوافل البرية ظهرت تجارة اللبان والبخور والعنبر والعقيق اليماني والأحجار الكريمة وفي اليمن مناطق مشهورة بزراعة الحبوب وتصديرها.. ما بين اليمن والشام تكمن الحكايات.