الناس يعرفون الرجال بثباتهم وتعجبهم منهم مواقفهم في الثبات على الحق وتماسكهم في مواجهة الباطل مهما تعددت وتمددت صوره.. يقول الشاعر: لولا المشقة ساد الناس كلهمُ الجود يفقر والإقدام قتال إن قيادة البشر سهلة جداً على كل الناس لو أنها لا تحتاج إلى شجاعة قد تودي بصاحبها إلى الهلكة أو لو أنها لا تحتاج إلى كرم وسخاوة نفس وسخاوة كف تفقر صاحبها ولكن القيادة تحتاجهما معاً.. وإلا أصبح الناس كلهم قادة وسادة.
القيادة تحتاج إلى شجاعة حقيقية وإلى كرم وسخاوة نفس وإلى تسامٍ عن الصغائر وإلى حلم، وهي تحتاج لأن يكون طالبها كبيراً كامل الرجولة لا صغيراً فاسد الخلق والدين، والمروءة غير شامت ولا متحامل.. يقول الشاعر المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
الرجال يعرفون بالمواقف لأن أقدار الله التي كتبها قبل أن يخلق الخلق ماضية بعز عزيز أو بذل ذليل (جُفّت الأقلام وطويت الصحف)، وفي ذلك يقول الله جل وعلا: «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور».
فالرجال الذين يسمون رجالاً هم أولئك الذين يقفون بصبر وتجلد وثبات أمام كل ما ينزل من السماء من أقدار، وكل ما يتعايش معه الخلق في هذه الدنيا من تقلبات ولهم مع كل حال موقف ينسجم مع الحال وينطلق من نفس القيم؛ لأن سنن الله الكونية لا تتغير.. «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب».
وكلما زادت أقدار الرجال المؤمنين عند الله زاد بلاؤهم، كما ورد في الحديث أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على قدر دينه فإن وجد فيه صلابة زِيد هذه سنن الله في خلقه.
وفي التاريخ نقرأ ومن التاريخ نتعلم أن الإنسان يُقتل من أجل قضية وهو ثابت عليها فيظل رمزاً لما قتل من أجله من قيم إلى قيام الساعة.. ويموت أهل الباطل ومن لا قيم لهم فتلحقهم اللعنة إلى يوم الدين. أعجبني أحد مشائخ حاشد في الأسبوع الأخير وهو يتحدث عن صعوبة الحكم في اليمن ومعاناة الحاكم، وأعجبني أكثر إشاراته القوية إلى أن من حقه كأي مواطن في ترشيح نفسه كرئيس للجمهورية إن قرر. أعجبني أنه يعلم معاناة الحاكم الذي شغل هو نفسه كثيراً بذمه والإساءة إليه بغير حق فتذكرت قول الشاعر المقنع الكندي اليماني: وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا أراهم إلى نصري بطاءً وإن همُ دعوني إلى نصر أتيتهم شدا إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم قدحت لهم في كل مكرمة زندا فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
الكبير لا تزيده التحديات إلا ثباتاً وحلماً وتواضعاً.. والصغير يفعل عكس ذلك.